حواديت تميم ووتين عبر روايات الخلاصة بقلم نادية الرشيدي
حواديت تميم ووتين الفصل الأول 1
_ مُبارك يا عروسة.
بصيت له بسخرية من جملته، وأنا باخد أول خطوة جوا شقته، أو بالأدق... شقتنا.
قال بحماس وهو بيشاور على تفاصيل الشقة:
_ عجبتك؟ اخترتها كلها على ذوقك.
فضلت بصاله بصمت قبل ما أقول بوجع:
_ أنا عمري ما هسامحك.
خرجت مني بغصة، مبطن فيها كل القهر اللي حاولت أخفيه طول اليوم، وسبته ومشيت وأنا عيوني بتمنع الدموع بصعوبة.
مهتمتش ليه ولا لمشاعره، دخلت أول أوضة قابلتني، وقفلت بابها بقوة، ورغم قوة إيدي وهي بتقفله، إلا إنها نفس الإيد اللي انهارت أول ما اتقفل.
قعدت على الأرض بضعف بفستاني، دموعي المحبوسة طول اليوم نزلت، اتحررت بعد عناء وتصنع طويل، عيطت، انهارت، وعيوني جفت.
سألت كتير: ليه؟ يعني دي النهاية؟
أنا كده خلاص! مش هعيش أي من أحلامي!
كده يوسف خلاص؟ بح؟
طب وقصتنا...؟ أحلامنا...؟
حبنا اللي العالم كله شهد عليه؟
دي النهاية؟
وقفت بصيت لنفسي في المراية وأنا بكتم صوت شهقاتي.
فضلت باصة على نفسي مدة معرفش قد إيه، طلة جميلة، تخطف، زي ما كنت بحلم بالظبط، بس..!
مش معاه!
مع شخص معرفوش!
مش ده حبيب عمري اللي بنيت معاه أحلام،
معقول..؟
معقول كل ده اتهد خلاص..؟
الميكب باظ من دموعي، شكلي بقى يخوف، بس حقيقي مفيش أبشع من الوجع اللي في قلبي دلوقتي.
لأول مرة، وبقلة إيمان غريبة عليّ، تمنيت الموت...
قعدت تاني على الأرض بانهزام، عُدت من معاركِ كلها منهزمة، بس آخر معركة دي، عدت منها مقتولة، بقلب بينبض، بس من غير روح.
معرفش عدى قد إيه، كام ساعة أو كام دقيقة وأنا على نفسي الحالة، برثي نفسي، على موتها النهاردة، دايمًا الرثاء كان للميت، بس الحقيقة إني دلوقتي مختلفش كتير عنه.
مع كل ثانية، كان وجعي بيزداد، سواء كان وجع روحي وقلبي المحطمين، أو من جوعي، معرفش...
فجأة الباب خبط، قمت بفزع من وراه، طفيت النور بسرعة علشان يفتكر إني نايمة، لكنه قال بهدوء:
_ وتين، أنا عارف إنك صاحية، ممكن تفتحي؟ محتاجين نتكلم شوية.
قلت بهدوء وأنا بحاول أبين نبرة صوتي طبيعية:
_ لأ، مش قادرة.
وصلني صوت همساته كأنه بيصبر نفسه قبل ما يقول:
_ طيب افتحي كُلي، ونبقى نتكلم بعدين، أنا سخنت الأكل.
_ شكرًا، مش جعانة.
قال بهدوء رغم انفعاله اللي باين في طريقته:
_ وتين، أنا مش عايز أتعصب عليكِ، أنا ممكن أفتح الباب بكل سهولة، بس مش حابب أعمل كده، غيري وتعالي كُلي.
سكت، وبعدين كمل:
_ أنا مستنيكِ.
قلت بعصبية وأنا بدمع:
_ قلتلك مش جعانة!
وصلني صوته وهو بيسأل بعصبية:
_ إنتِ ليه عايزة تخرجيني عن شعوري؟
خد نفسه قبل ما يكمل بهدوء في تهديد:
_ خلصي، وأنا مستنيكِ، بدل ما أفتح وأخرجك أنا.
كنت جعانة، وجدًا، بس بكابر، مش عايزة أخرج، ومش عايزة أواجه، ويمكن مش عايزة حد يشوفني بالحالة دي، بالضعف ده...
مشيت خطوات بطيئة علشان أغيّر، لكن مجرد ما بصيت حواليا، لاحظت إنها أوضة الأطفال...
بصيت للفستان ولنَفسي في المراية، وجبت منديل مسحت بيه دموعي، وأنا بقرر أخرج أجيب اللبس وأخد شاور.
رجعت بصيت على نفسي بعد ما مسحت دموعي، لكن ملامحي كانت اتبهدلت أكتر من الميكب اللي اتمسح بعشوائية مع دموعي.
كنت مكسوفة أخرج بالمنظر ده، لكن مهتمتش وفتحت الباب.
لقيته قام بسرعة من على الكرسي، وقال:
_ إنتِ كويسة؟
هزيت راسي بصمت ومشيت، لكن رجعت كام خطوة وأنا بسأله:
_ فين الأوضة؟
_ هنا، تعالي.
وداني ليها وخرج بعد ما قال وهو بيشاور لنقطة معينة:
_ الحمام أهو، لو احتجتي حاجة قوليلي.
خرج، وأنا خدت بيجامة ودخلت أخد شاور، ومع كل نقطة ميه كانت بتنزل، كانت بتنزل قصادها دمعة.
غمضت عيني وأنا برجع لذكرى قديمة بينا:
_ يوسف.
_ حياته.
ابتسمت بخجل وسألته:
_ تفتكر ممكن الحياة في يوم تبعدنا عن بعض؟
كنا وقتها لسه مراهقين، قاعدين قصاد بيتنا، بحكم إننا جيران.
قال بحب:
_ عمري ما هسمح لده يحصل.
_ توعدني؟
_ أوعدك، وعد بعُمري يا وتين.
وعدك... والدنيا وقفت قصاده يا يوسف، لا أنت اللي صُنته، ولا أنت اللي خُنته.
الدنيا خانتنا إحنا الاتنين...
رجعت تاني بذاكرتي لكام شهر ورا... بداية للجحيم.
_ وتين، جهزي نفسك، في واحد متقدملك، هييجي بعد يومين.
_ يعني إيه! بابا، أنتَ واعد يوسف، وهو بيشتغل صبح وليل علشان ترضى عنه بس!
_ إنتِ لو فضلتي مستنياه، هتقعدي عمرك كله جنبي! يوسف مين اللي عايزاه...!
ده شغل أطفال، الحياة الواقعية غير، يوسف مش مناسب ليكِ.
فضلت مثبتة عيني عليه بعدم تصديق!
_ طب ليه؟ ليه عشمتنا من الأول؟ ليه عطيته كلمة؟
نزلت دموعي غصب عني قبل ما أكمل بإصرار:
_ بابا، أنا مش هاخد غير يوسف، ولو هستناه عمري كله.
قال بانفعال:
_ وأنا مش هستنى، أنا عايز أطمن عليكِ، أنا مش ضامن حياتي، هتقابلي العريس بعد بكرة.
مسكت إيده برجاء وأنا بعيط وقلت:
_ علشان خاطري، متعملش كده، أنت عارف إن يوسف بيحاول، والله هو خلاص قرب يجهز، استنى شوية، علشان خاطري.
قال بعصبية:
_ وحتى لو جهز، هتعيشي إزاي! هل هيعرف يعيشك في مستوى كويس...؟
ده لسه ما عملش أي حاجة في حياته! يوسف ده غير مؤهل للجواز.
سكت، وبعدين كمل وهو بيبص لي بحدة:
_ العبط اللي إنتوا فيه ده مش كفاية! الحب مش كفاية يبني بيت.
بصيت له بعيون زايغة قبل ما أقع في الأرض، مش مصدقة إن ده بابا، نفس الشخص الحنيّن اللي كان بيحبني!
بصيت له وأنا بتأكد من حبه ليا، أصل مستحيل، مستحيل يرميني بالشكل ده وهو عارف إن ده لو حصل، مصيري الموت...!
سبني وخرج! وأنا فضلت مكاني بتيه، بحزن، برجفة.
آه، الحب مش كفاية يبني بيت!
بس ده مكنش حب وبس!
إحنا اتخلقنا لبعض... مينفعش غير كده.
الفلوس هي اللي مش بتبني بيت، دي الحقيقة الوحيدة.
قمت بإصرار، مسحت دموعي وخرجت بسرعة لبيت يوسف.
مجرد ما خرجت، لقيته واقف قدام بيتهم، أول ما شافني قرب مني بابتسامة، قبل ما تتحول لقلق وخوف!
_ وتين، مالك؟ إنتِ كويسة؟
حاولت أخرج حروفي طبيعية، لكن غلبتني دموعي وأنا بقول:
_ يوسف، متقدملي عريس.
فضل ساكن لثواني، قبل ما يبص لعيوني ويقول:
_ إهدي، امسحي دموعك، مفيش حاجة هتحصل، إحنا هنكون لبعض يا وتين، ثقي في ده.
مسحت دموعي، لكنها موقفتش، مع كل كلمة بقولها كانت بتنزل أكتر!
_ يوسف، بابا موافق عليه، مُصر يخليني أقابله.
لاحظت اهتزازه، لكنه رغم كده، كمل بثبات وهو بيبص لي بحنية:
_ هتكلم معاه، وهخلي عمو يتكلم معاه، متقلقيش.
_ بجد؟
_ آه، يلا، امسحي دموعك وادخلي.
سكت، وبعدين قال جملتنا اللي واثقين فيها أكتر من نفسنا:
_ إحنا اتخلقنا لبعض، ومش هيحصل غير كده بإذن الله.
كلمات صغيرة، لكنها قدرت تبعث السكينة ليا مرة تانية، نظرته، حبه، حنيته، كل شيء فيه قادر يطمني.
عدى يومين، يومين وأنا مستنية على أحر من الجمر، مستنية بابا يدخل يقولي إنه لغى حوار العريس!
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
_ العريس جاي النهاردة، جهزي نفسك.
_ يعني إيه يا بابا؟
_ يعني متحاوليش، إنتِ ويوسف قصة مستحيلة.
هزيت راسي بعنف:
_ لأ، مش مستحيلة! وإنت بنفسك هتشوف ده، هتشوف إننا مش هنكون غير لبعض.
_ إنتِ بتعانديني؟ بتقفي قصادي وقصاد كلمتي؟ دي تربيتي؟
قالها بعدم تصديق وهو بيبص لي، رديت بعصبية:
_ إنت مش فاهمني، مش فاهم مشاعري، اللي بتطلبه مني موت! عارف يعني إيه؟ إنت عمرك ما كنت كده، ليه بتعمل كده دلوقتي؟ ها ليه؟
سنة واحدة وهيكون يوسف جهز!
وتقدر تطمن عليا، وأهوه، تعرفه، وعارف حبه ليا، لكن بتديني لشخص متعرفوش، وتقولي أكون مطيعة ليه؟
أنا مش حمل ده، ومش بالقوة دي، وعمري ما هقدر أتقبل أي فكرة مضادة لعقلي ومشاعري.
فضل باصص لي بصمت، في حين أنا عيوني كانت عليه، مستنية منه نظرة حنية واحدة، مستنية يطمني، يحضني، يقولي إنه خلاص موافق.
لكن كل اللي قابلته منه جملة واحدة، وقعت كل أحلامي في الأرض:
_ ساعتين، والناس يوصلوا، عايزك تكوني جاهزة.
قالها وخرج، سابني مبعثرة!
غير مدركة للواقع، ومش قادرة أتعايش معاه، ليه القسوة دي؟
أحلامي بسيطة، ليه تموت بالشكل ده..؟
رغم كل شيء، قمت بإصرار، وأنا بقرر إنها مش النهاية، إني هرفض، وهخلي الرفض ييجي من العريس كمان، عمري ما كنت شخص بيستسلم بسهولة، فهل أكبر أحلامي هرميها بالشكل ده؟ هتخلى عنها بسهولة؟
مستحيل.
قمت جهزت نفسي، زي ما اتطلب مني، لكن على طريقتي.
تعمدت أكون مبهدلة في نفسي، شعري ميكونش أفضل حاجة، ألبس دريس يغمقني، ومحطش أي نقطة ميكب.
بصيت لنفسي في المراية برضا، ولعيوني اللي كانت منفوخة من العياط.
دقايق، ولقيت بابا دخل وهو بيقول بصوت واطي:
_ اخرجي يلا، وعلشان تكوني عارفة، لو وافق، هتتخطبوا على طول.
فتحت عيوني بصدمة، ولسه هتكلم بعصبية، لقيته قاطعني:
_ الناس برة، مش عايز كلمة، اخرجي يلا.
هزيت راسي بثقل ووجع، بابا بيتخلى عني بشكل رسمي!!
من غير أي اهتمام، لا ليا، ولا لمشاعري!
لازم بكل الطرق أخلي العريس ده يرفض! لازم.
_ عاملة إيه؟
قالها مجرد ما خرجوا علشان يسبونا لوحدنا، لكن بابا كان قاعد قصادنا، بس بعيد، كان بيتابعني بنظراته، كأنه بيحذرني من أي فعل غبي.
مهتمتش ورفعت راسي للشخص اللي بقيت بكرهه قبل ما أشوفه.
_ مش كويسة.
بص لي باستغراب وقال:
_ ليه؟ مالك؟
_ ميخصكش.
اتحولت ملامحه من مهتمة لباردة:
_ أحسن، كده كده مش مستعد أسمع وش.
رفعت حاجبي له:
_ يبقى بتسأل ليه؟
_ دي كليشيهات مش أكتر، بس أنا مش مهتم.
سكت، وأنا ببص له بأمل، وقلت:
_ طيب حلو، يبدو إنك كمان مش موافق على الجوازة دي.
بص لي بتفاجؤ، وهو بيقول بتساؤل:
_ إنتِ مغصوبة عليها؟
_ آه.
هز راسه وسكت، في حين أنا اتكلمت بسرعة:
_ إحنا لازم نبوظها.
_ وده ليه؟
_ قصدك إيه؟
_ ليه مش عايزة الجوازة دي؟
بصيت له بتوتر لثواني، قبل ما أقول وأنا ببص بعيد:
_ مش مستعدة أتجوز، أنا مش قادرة أكون مسؤولة دلوقتي عن بيت وزوج، مش هقدر.
يمكن قلت أحد مخاوفي علشان تبان صادقة، لكن السبب الحقيقي مقدرتش أعترف بيه بشكل صريح!
كان بيبص لي بتركيز خوفني، كأنه كشف لعبتي!
قلت برجاء:
_ ممكن الرفض ييجي منك إنت؟ أول ما تخرج، ارفض.
_ لأ.
قالها بهدوء وهو بيبص لي.
خوفت، حسيت إن احلامي هتنهار من جديد، فقلت وأنا بمنع دموعي تنزل:
_ ليه؟
يتبع...