رواية النهاية التي لم أختارها (كاملة جميع الفصول) عبر روايات الخلاصة بقلم ٱيات عاطف
رواية النهاية التي لم أختارها الفصل الثامن 8
"خالد"
كنت واقف قدام المكتب أسأل الممرضة:
_ليلي عاملة إيه دلوقتي؟
بصّتلي بأرتباك وقالت:
– لسه نايمة يا دكتور خالد.
رفعت حاجبي باستغراب:
-لسه نايمة!؟
ده إحنا داخلين على العصر…
إزاي لحد دلوقتي ما صحيتش؟
وبعدين إنتي إزاي ما دخلتيش
عشان تطمني عليها من الصبح؟
قالت بسرعة:
– آسفة جدًا…
ماخدتش بالي من الوقت.
زفرت وقلت بحدة:
-خلاص…
أنا هطلع أشوفها بنفسي.
سيبتها وطلعت السلم بخطوات
تقيلة وسريعة في نفس الوقت.
كل خطوة كنت حاسس قلبي بيتخبط جوا صدري.
مش عارف ليه كان عندي شعور غريب…
زي ما يكون حاجة مش مظبوطة.
وقفت قدام باب أوضتها وخبطت بخفة:
-ليلي…
إنتي صاحية؟
استنيت ثواني… مفيش أي صوت.
خبطت تاني وأنا رافع صوتي أكتر:
-ليلي أنا خالد…
افتحي الباب يا بنتي.
وبرضه مفيش رد.
القلق بدأ ينهشني،
مسكت مقبض الباب وفتحته بهدوء…
دخلت.
الأوضة شبه مظلمة، هدوء يخوف.
بصيت على السرير…
لقيتها ممددة زي ما هي،
نفس الوضعية، ولا كأنها تحركت من بدري.
قربت بخطوات بطيئة وأنا بقول:
-ليلي قومي يا بنتي…
كفاية نوم.
سكت لحظة أستنى أي إشارة…
تنفس تقيل، حركة بسيطة أي حاجة.
لكن… لا صوت ولا نفس.
حسيت حاجة تقيلة نازلة على صدري.
مديت إيدي لمست إيدها…
باردة بشكل يخوف.
عينيا جريت على وشها…
وهنا اتجمدت!
دم…
دم نازل من مناخيرها.
اتجمدت لحظة، بعدها صوتي خرج برجّة:
-ليلي!!!
قومي يا ليلي…
سامعاني؟
هزيتها بخفة في الأول مفيش رد.
بدأت أنده عليها بجنون:
_ليلي!!
حد يلحقني بسرعة!
رميت كل حاجة ورا ضهري وشلتها بين إيديا…
خفيفة جدًا، كأن جسدها ما بقاش فيه روح.
حطيت دماغها على كتفي وأنا بجري في الممرات زي المجنون.
صوتي كان بيعلى مع كل خطوة:
-أوضة العمليات حالًا…
جهزوا الطاقم بسرعة!
في نزيف داخلي محتمل…
يلا بسرعه!
الممرضين جريوا ناحيتي، فتحولي الطريق…
وأنا ماسكها بقوة كأنها أغلى حاجة في الدنيا.
قلبي كان بيدق أسرع من أي
مرة قبل كده في حياتي،
وصوت دماغي بيصرخ:
“لو اتأخرت ثانية واحدة… ممكن تضيع”
دخلت بيها أوضة العمليات وحطيتها على السرير…
بصيت للطاقم وصرخت:
_مافيش وقت…
بسرعة لازم نلحقها!
---
بمجرد ما دخلت أوضة العمليات،
الطاقم كله اتحرك زي ما اتعودنا:
واحد بيجهز الأجهزة، والتاني بيركّب المحاليل،
والتالت بيحضّر أدوات الجراحة.
أنا نفسي كنت حاسس إني تايه
رغم إن دي شُغلتي ودي حياتي،
بس المرة دي الموضوع مختلف…
المرة دي ليلي هي اللي على السرير.
وفجأة الباب اتفتح بسرعة،
ومُراد جري ناحيتي ووشه متلخبط
كله خوف ودموعه واقفة في عنيه:
-في إيه يا دكتور خالد؟
ليلي مالها؟
صوته كان متكسر،
نفس الصوت اللي بيخلي أي بني آدم عاقل يوقف،
بس أنا ماكانش عندي وقت.
بصيت للمرضين وقلت بصوت حاد:
-طلعوه برة حالاً!
مش عايز أي حد جوه.
اتشد من دراعه بالعافية،
وهو بيقاوم، وأنا سامع صوته وهو بيصرخ:
-سيبوني عايز أطمن عليها…
يا دكتور بالله عليك قوللي مالها!
الباب اتقفل،
وساعتها حسيت إن الدنيا سكتت فجأة،
ومفيش غير صوت الأجهزة
والتنفس السريع بتاعها اللي بيتقطع،
وأنا واقف فوقها.
قلبي أنا نفسه كان بيخبط جوا صدري لدرجة
حسيت إنه هيوقف من الخوف عليها…
ودي أول مرة في حياتي يحصلي الإحساس ده.
أنا الطبيب اللي اتعود يشوف دم وموت ونهايات،
اللي اتعود يقف قدام أصعب الحالات ببرود،
بس النهارده كنت واقف قدام قلب بيرتعش،
قلب أنا فجأة اكتشفت إني اتعلقت بيه
أكتر من أي حاجة في حياتي.
أنا بحبها.
الكلمة دي صدمتني جوا عقلي وأنا
ماسك أدواتي وبجهز نفسي للجراحة،
بس خوفي عليها فضحني…
خلاني أعترف من غير ولا كلمة.
برا، كنت سامع خطوات مُراد
وهو بيروح وييجي قدام الباب،
زي أسد محبوس في قفص،
عارف إنه لو فتح الباب حتى
لو بالعافية هيلاقي نفسه بيخسرها.
كنت متخيله واقف، ظهره للحيطه،
راسه في إيده، نفسه بيطلع متقطع…
وقلبي حسسني إنه بيموت بالبُطئ من غيرها.
بس جوا أنا كنت بحارب.
بحارب مش عشان مريضة عادية…
لأ، عشان ليلي.
عشان الضحكة اللي أول مرة
شوفتها وهي بتكلم المُمرضين.
عشان عينيها اللي كانت بتلمع حتى وهي تعبانة.
عشان كل حاجة فيا اتعلقت بيها من غير ما آخد بالي.
إيديا كانت بتتحرك بسرعة،
عقلي بيركز، بس قلبي ،
قلبي كان مرعوب.
---
جوة أوضة العمليات:
خالد لبس الجوانتي بسرعة،
عينيه مش بتتهز من مكانها.
العرق نازل من جبينه،
والممرضين بيبصوا له بخوف،
لأنه مش هادي زي ما متعودين يشوفوه.
الممرضة قالتله:
–دكتور ضغطها بينزل بسرعة!
خالد صرخ وهو بيجهز:
–جهاز الصدمات بسرعه…
جهّزوا كل حاجة.
بدأ يشتغل،
وإيديه رغم ارتجافها كانت مصممة.
كان شايف في عينيها وهي
مغمضة صورة مختلفة…
مش مجرد مريضة، لأ،
دي ليلي اللي قلبه ارتبط بيها من غير ما يحس.
وفجأة الجهاز أطلق صفارة طويلة.
الممرضة صرخت:
–دكتور خالد…
القلب وقف!
اللحظة اتجمدت إيده ارتعشت أكتر،
وصوته خرج غصب عنه:
–لااا…
مش هسمحلك تروحي مني دلوقتي!
بدأ يعمل إنعاش قلبي بنفسه،
صوته مليان يأس وإصرار في نفس الوقت:
–ليلي إسمعي صوتي…
إنتِ قوية، إنتِ مش هتستسلمي دلوقتي.
برّة الأوضة:
مُراد سمع الصفارة الطويلة من جوة،
عينيه اتسعت، إحساس الموت خبطه في قلبه.
صرخ بأعلى صوته:
– لييييييلي!
لكن الباب مقفول وده زوّده عجز.
انهار أكتر، قاعد على الأرض
وهو بيخبط راسه في الحيطة:
– يا رب
يا رب متاخدهاش…
خد عمري أنا.
جوة عند خالد:
خالد بيضغط على صدرها،
صوته بيتهز:
–ارجعيلي يا ليلي…
ما تسبنيش.
ضغط مرة ورا التانية والجهاز لسه بيعمل beep طويل.
لكن فجأة نقطة أمل صغيرة:
الممرضة صرخت:
– دكتور النبض رجع!
ضعيف بس موجود.
خالد أخد نفس عميق جدًا،
وابتسامة ارتباك ظهرت لحظة صغيرة،
قبل ما يرجع يركز بسرعة.
قال بحزم:
–تمام كملوا معايا…
مش هسيبها لحد ما أرجّعها للحياة زي الأول.
وفي اللحظة دي،
كان مُراد برّه حاسس إنه ميت حي،
وخالد جوة بيحارب عشانها…
وكل واحد فيهم بيحارب بطريقته.
---
"خالد"
خرجت من أوضة العمليات،
خطواتي تقيلة كأني شايل الدنيا فوق كتافي.
قلبي لسه بيرجّ جوا صدري،
وصوت الأجهزة جوة الأوضة بيرن في دماغي.
أول ما باب الأوضة اتفتح،
لقيت مُراد واقف مستنيني…
عينيه حمرا من القلق، ووشه باين عليه الهلع.
أول ما شافني جري عليّا وقال بصوت مخنوق:
–هي عاملة إيه يا دكتور؟
ليلي كويسة؟
خدت نفس عميق وحاولت أخبي ارتباكي:
–اطمّن هي دلوقتي تحت الملاحظة،
عملنا اللازم وهتبقى بخير إن شاء الله.
بس الحقيقة إني ماكنتش متأكد أوي من كلامي.
جوايا كان في خوف،
خوف أكبر من إني أعترف بيه حتى لنفسي.
فضلت أبص في وش مُراد،
في عينيه اللي مليانة قلق،
وحسيت بحاجة بتتسلل ليا…
حاجة واجعاني أكتر من كل اللي شفته النهارده.
سكت لحظة،
وبعدين لقيت نفسي بأسأله من غير تفكير:
–انت بتحبها يا مُراد؟
بصلي باندهاش،
كأن السؤال وقع عليه زي صاعقة.
لوهلة حسيت إنه مش عارف يرد،
بس بعدين هز راسه وقال بصوت واطي:
–أيوه حبيتها. مش عارف ازاي ولا امتى،
بس كل اللي أعرفه إني حبيتها بجد.
ليلي حاجة مختلفة وجودها بيخليني عايش.
كلماته غرست في قلبي زي سكين.
ابتسمت بس ابتسامة كلها وجع.
ابتسامة مالهاش أي فرحة.
كنت سامع قلبي بيقولي:
"وانت كمان يا خالد…
انت كمان حبيتها من غير ما تاخد بالك."
بس ماقدرتش أنطق، ماقدرتش أقول أي حاجة.
وقفت قصاده ثواني، ووشي متجمد،
وبعدين بصيت له وقلت بنبرة هادية مصطنعة:
–ان شاء الله كل حاجه هتبقي احسن.
وسبتُه واقف مكانه، ومشيت.
كل خطوة كنت باخدها بعيد عنه،
كنت حاسس كأن رجلي بتتقل أكتر،
كأني بسيب جزء مني واقف جنبه…
وجزء تاني لسه محبوس جوة أوضة العمليات جنب ليلي.
---
"مُراد"
دخلت أوضتي بعد ما خالد قالّي إن ليلى هتبقى بخير…
كلماته لسه بتتردّد في دماغي،
بس قلبي مش قادر يصدق.
يمكن هو حاول يطمني،
يمكن هو نفسه مش متأكد،
يمكن كان بيقول كده عشان يهديني…
بس أنا؟ أنا جوّه قلبي في عاصفة
مش عارف أسكّت صوتها.
قفلت الباب ورايا وقعدت عالسرير،
وإيدي ماسكة راسي كأني بحاول
أضغط على أفكاري توقف.
كل ما أغمض عيني ألاقي وشها قدامي…
عينيها، ضحكتها،
وحتى لحظة ما شُفت دمها وهي على السرير.
منظر مش راضي يسيبني،
وكأن الصورة محفورة في عيني.
أنا مش فاهم إزاي وصلت للدرجة دي…
إزاي بقت ليلى جزء مني من غير ما آخد بالي؟
يمكن من أول مرة شُفتها،
ويمكن من لحظة حسيت إنها مش شبه حد…
مختلفة. وأنا اللي كنت فاكر نفسي جامد،
مش بضعف قدام حد،
لقيتني دلوقتي ضعيف لدرجة إني مش قادر أتنفّس من غيرها.
كنت سامع دقات قلبي
وأنا قاعد في أوضتي كأنها بتجري سباق…
كل دقة بتقولي إنها مهمة،
إنها أغلى من أي حاجة.
وكنت متلخبط بين إحساسين:
خوف قاتل من إني أخسرها،
واعتراف ماكنتش عايز أقوله حتى لنفسي…
إني حبيتها.
الاعتراف وقع عليا زي صاعقة.
أنا مُراد اللي عمري ما اهتمّيت بحد بالشكل ده،
فجأة بقيت قاعد وحاسس إني هتقطع نصين عشانها.
كنت حاسس إني مش قادر أتحمّل فكرة إنها تتألم،
حتى وأنا ماليش أي حق ماليش أي مكان في حياتها.
رفعت عيني للسقف،
وكأني بسأل ربنا في صمت…
"لو هي رزق ليا، احفظها.
ولو مش ليا برضه احفظها، ب
س بلاش تبعدها دلوقتي."
الليل كان تقيل، والأوضة كأنها بتخنقني.
كل حاجة حواليا سكتت،
بس جوايا في صوت واحد عالي…
صوت اسمه ليلى.
---
"الساعه 2 بعد منتصف الليل"
فتحت عينيها ببطء،
كأنها بقالها سنين نايمة.
نور الغرفة كان خفيف،
بس عينيها رغم كده اتأذت
من أول شعاع وصلها. حاولت تتحرك،
بس جسمها كان تقيل كأن حد رابطها في السرير.
سمعت صوت ضعيف جاي من جنبها…
-ليلي؟
التفتت ببطء، لقت مُراد واقف،
عينه كلها دموع محبوسة،
وكأنه بقاله يومين مش بينام.
كان ماسك الكرسي اللي قاعد
عليه كأنه بيتشبث بيه علشان ميقعش.
ليلي بصت له بصعوبة، وصوتها كان متكسر:
_مُراد؟
الابتسامة اللي طلعت على وشه كانت غريبة…
ابتسامة وجع وراحة في نفس الوقت.
قرب منها، مسك إيدها بحرص،
كأنها هتتكسر لو ضغط عليها شوية.
–حمد لله على سلامتك يا ليلي…
كنت هموت من الخوف عليكِ.
عيونها غمضت تاني، دمعة صغيرة خرجت من زاويتها،
همست بصوت متقطع:
_هو ايه اللي حصل،
انا مش فاكره حاجه؟.
هو شد على إيدها أكتر،
صوته وهو بيرد كان كله رجاء:
– مش مهم المهم انك بخير دلوقتي
وعد، مش هسيبك تعدي باللي عدّيتي بيه تاني.
الأوضه غرقانة في صمت غير
صوت الأجهزة الطبية اللي بتقيس نبضها.
لحظة طويلة عدّت بينهم من غير كلام،
بس كلها كلام.
ليلي حاولت تبتسم،
ملامحها ضعيفة بس عينيها فيها حاجة مختلفة…
أمان. لأول مرة من زمان حست إنها مش لوحدها.
همست بصوت خافت جدًا:
_شكراً يا مُراد
انك موجود.
قلبه اتقبض وهو سامع الكلمة دي.
مش عارف يرد،
ما لقاش غير إنه يرفع إيدها لشفايفه
و يبوسها بخوف وصدق.
تعبها غلبها تاني،
وغمضت عينيها وهي لسه ماسكة إيده.
وهو قعد يراقبها،
كل نفس بتاخده بيطمن قلبه،
وكل لحظة بتفكره قد إيه هي بقت كل حياته.
---
"تاني يوم الصبح"
فتحت عينيّ بهدوء،
كأن الدنيا حواليا بقت ضباب…
كل حاجة كانت بتلفّ،
وقلبي بيخبط في صدري بخوف مش فاهمة سببه.
أول صورة وقعت عليها عيني كانت الممرضة "عفاف"…
وشّها المليان طيبة، وابتسامتها اللي حسيتها طالعة من قلبها.
قالتلي وهي بتقرّب:
_سلامتك يا ليلي يا بنتي…
الحمدلله عدّت على خير.
لسه كنت بحاول أفهم اللي حصل،
و افتكرت مُراد، اكيد انا مكنتش بتخيله
هو كان معابا امبارح.
بس صوت خطواتها وهي خارجة
بسرعة ندهت حد برّا،
وبمجرد لحظات سمعت صوته…
صوته اللي كان دايمًا فيه حاجة غريبة،
حاجة بين الحزم والاهتمام.
الدكتور خالد دخل الأوضة بسرعة،
عينيه كلها قلق، وكأن الدنيا متعلقة في اللحظة دي.
قرب مني وقال بصوت ملهوف:
–ليلي إزيك؟
حمدلله على سلامتك.
ابتسمت، وحاولت أتكلم، بس صوتي طلع مبحوح:
_إيه اللي حصل؟
أنا مش فاكرة.
قعد جنبي، نبرة صوته ناعمة بس مخنوقة:
–حصلك نزيف بسيط،
كنا لازم ندخل العمليات فورًا…
والحمدلله لحقنا الوضع في وقته.
انتي دلوقتي كويسة، محتاجة بس ترتاحي.
سكت حسّيت إن الكلام وقف في زورى،
قلبي مشغول بحاجة تانية،
يمكن اسم واحد اسم كان بيرنّ
في دماغي من ساعة ما فتحت عيني.
رفعت عيني عليه بهدوء، وبصوت كله ارتباك قولت:
–هو مُراد فين؟
اتغير وشّه، زي حد أخد ضربة مفاجئة،
عينيه تعَبوا أكتر من الأول.
شافني وبعدين نزل عينه للأرض،
رد بصوت مبحوح وجواه وجع مش قادر يخبيه:
–في أوضته…
زمانه جاي دلوقتي.
سكت بعدها، وكأنه مش قادر يكمل ولا يواجهني.
وأنا قلبي دقّ أسرع…
ليه حسيت بوجع في صوته؟
ليه عينيه وقعوا كده؟
---
شُفت الدكتور خالد وهو واقف جنبي،
عينيه باينة فيها حاجة غريبة…
وجع مش عارفة أوصفه.
كان لسه بيطمن عليّ،
ولما سألته عن مُراد،
اتغير وشّه بطريقة خلت قلبي يتقبض.
ساعتها ابتسم ابتسامة صغيرة
باين إنها مجروحة، وقال بصوت مبحوح:
–في أوضته…
زمانه جاي دلوقتي.
وبعدها وقف، خد نفس تقيل،
وكأنه بيحاول يقول حاجة ومش قادر.
عينه وقعت في عيني لحظة قصيرة،
بس كانت كفيلة تحسسني
إنه شايل حاجة تقيلة جوا قلبه.
وبهدوء استأذن ومشي.
فضلت عيني وراه لحد ما الباب اتقفل.
في اللحظة دي كنت مشغولة بحاجة واحدة…
"مُراد".
قعدت على السرير، جسمي لسه تعبان،
أنفاسي متقطعة،
بس قلبي كان بيرقص بخوف وانتظار.
سمعت خطوات حد بيقرب…
الباب اتفتح ببطء، ولقيت مُراد واقف.
وقفته كانت مختلفة، مش زي كل مرة.
كان باين عليه السهر من تحت عينيه،
ووشه… وشه كان مجروح أكتر من جسمي.
قرب بخطوات بطيئة،
كأنه بيخاف يلمس الهوا حواليا.
قلبي خبط في صدري،
وابتسمت ابتسامة ضعيفة، وقلت بصوت متكسر:
_انت كنت عندي امبارح بليل مش كده؟
مش بيتخيّل ليا؟
شُفته وهو بيتجمد لحظة،
وبعدين هز راسه بهدوء صوته طلع واطي جدًا:
–آه كنت هنا.
عيني اتسعت، ووقتها لمحته لأول مرة…
دمعة صغيرة، متمردة، نازلة من عينه.
مُراد اللي عمره ما ورّى ضعفه لحد،
اللي دايمًا واقف زي الجبل…
قدامي دلوقتي بينهار.
حاول بسرعة يمسح دموعه،
يخبّيها كأنه بيتكسف منها،
بس أنا ما قدرتش أستحمل أشوفه بيكسر كده.
مدّيت إيدي، رغم ضعفي وتعب جسمي،
مسكت إيده بقوة مفاجئة حتى ليا أنا.
إيدي الباردة احتوت إيده السخنة المرتعشة.
---
كان مُراد ماسك إيدي كأنه بيتشبّث
بيها من غير ما ياخد نفس.
دموعه نازلة،
وأنا كل ثانية كنت حاسة إن قلبي بيتشد ناحية قلبه،
كأنه محتاج كلمة مني تنقذه
زي ما أنا كنت محتاجة أشوفه جنبي.
رفعت إيدي المرتعشة ولمست خدّه،
مسحت دمعة قبل ما تلحق تنزل.
بصلي بعينين واسعة…
عينين أول مرة أشوف فيها كل الضعف ده.
قلتله وأنا ابتسامتي ضعيفة بس صادقة:
_مُراد أنا هنا.
مش هسيبك عمري، والله ما هسيبك.
لحظة صمت غريبة غطّت علينا،
بس جوّا الصمت ده كان في كلام كتير،
كلام قلوب مش لاقية غير بعضها.
هو قعد أقرب، حط جبينه على إيدي اللي ماسكاها،
وصوته خرج متكسر،
مليان وجع وراحة في نفس الوقت:
–ليلي أنا خوفت.
خوفت أخسرك…
خوفت ألاقي نفسي من غيرك.
الكلمة دي نزلت عليّا زي
سهم وفي نفس الوقت زي حضن.
حسيت إني مش لوحدي في الخوف…
هو كمان بيخاف،
هو كمان بيتعلق بيا زي ما أنا اتعلقت بيه.
دموعي نزلت من غير ما أقاوم،
ضغطت على إيده أكتر وهمست:
_خلاص يا مُراد متخافش.
أنا لسه هنا و هفضل هنا.
في اللحظة دي،
حسيت إن التعب كله، الألم كله،
اتحول لحاجة واحدة…
لليقين.
اليقين إننا اتنين،
بس قلوبنا بقت قلب واحد،
وإنه مهما حصل،
الخوف مش هيكسرنا طول ما إحنا سوا.
غمضت عيني وأنا لسه ماسكة إيده…
وسبت نفسي أستسلم للنوم،
والدفا الوحيد اللي كان مطمّني…
إيده اللي ما سبتهاش،
وصوته اللي لسه بيرن في ودني:
"خوفت أخسرك."
---
يتبع...