📁

رواية ورد ويوسف الفصل السابع 7 بقلم نورهان علام

رواية ورد ويوسف عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام

رواية ورد ويوسف الفصل السابع 7

الكل اتجمّع في لمح البصر: خالد، محمد، حد هارون... محدش قدر يسيطر على يوسف. خيار إن يوسف يسمعهم مكنش موجود؛ كان بيضرب ياسر بكل قوته، وياسر بيرد الضربات بقوة. البنية الجسدية للاتنين كانت متقاربة.


"يوسف... يوسف... يوسف."


كان صوت ورد، اللي قاعدة على الأرض مش بتتحرّك، ضمّت ركبتها لجسمها وبتبكي وبتصرخ باسمه ويديها على ودنها كأنها في وادٍ تاني.


"خلاص يا يوسف، مراتك منهارة. وإنت يا ياسر تعال على مكتبي."


كان كلام هارون حاسمًا، لكن رد يوسف كان مختلف عن أي مرة جده أمره فيها:


"ابعد عني! والله ما هسيبك يا ياسر."


قالها وهو بيديه ضربات برجله؛ الضرب خَلّيه يرجع لورا خطوات طويلة ويتمسّك بالسور عشان ما يقعش. في لحظة كان هارون واقف قدام يوسف، ويوسف هيروح لياسر تاني، لكن... قلم؟ اتنين؟ أربعة كفوف نزلت على وش يوسف من هارون، بقوة ما عمره ما شافها؛ قوة رجّعته لوعيه.


"شوف مراتك، وفوّق نفسك كده، عشان ورب العزة أكسرك يا يوسف!"


استوعبت آخر كلمات جدي؛ حسّيت إن الغضب نوعًا ما انزاح وسمعت صراخ ورد. صرخت باسمي وبتستنجد بيا. جريت ورُكعت قدّامها وأنا برفع وشها وهي على حالتها.


"يوسف..."


أَمَّا شافتني وحست بيا، صرخت أكتر وهي بتتعلّق في إيدي:


"خدني من هنا، عشان خاطري... أنا خايفة يا يوسف."


قلبي اتفض عليها؛ أنا رفعتها من الأرض وضمّيتها ليا ودخلت بأسرع ما أقدر على أوضتنا وهي بترتعش بين ايدياها برعب وزعر مش مستوعبة! رعشتها ودموعها خلّيتني عايز أرتكب جريمة في ياسر!


مكنتش راضية تسيب كتفي؛ ودموعها غرقتني:


"يوسف... الحقني... متسبنيش... بابا... يابابا الحقني!"


ماكنتش فاهم، كنت بواطبط عليها بخوف كبير وبحاول أهدّيها، لكنها مش سامعاني.


"حبيبتي... أنا جيت. اهدي، أنا مش هسيبك. مفيش حاجة حصلت، يا روحي، إنتِ كويسة، أنا هنا."


فضلت قاعد معاها مش بعمل حاجة غير إني بمسح على راسها وكتفها. هي بعد شوية بَدَأت تستكين في حضني ورأسها على كتفي بتتقل، لغاية ما نامت. فضلت ثابت عشان متقلقش من حرمتي لغاية ما أنفاسها اتنظمت أكتر. ريحتها على السرير وخلعت السندل بتاعها وكذلك طرحتها على مهل، وغطيتها وخرجت برا بعد ما خليت سارة في الأوضة، متجه على مكتب جدي. دخلت على طول وقلت:


"فينه؟"


"ملكش دعوة بيه يا يوسف."


"جدي، بالله عليك إنت كبيري في كل حاجة، بس ياسر ده أنا هندمه على ولادته. البنت منهارة ومش حاسة بالدنيا، وأنا هتجنن — مش عارف عملها إيه وصلها للحالة دي."


"طب اهدِ يا يوسف. أنا مقعد ياسر هنا لغاية ما رد يهدى وتحكي إيه حصل، وأنا بنفسي اللي هكسر عضمه."


"ميكفينيش، أنا عاوزه دلوقتي."


"روح اقعد جنب مراتك، والحق وشك قبل ما يورم. الكلام خلص."


الباب خبط بسرعة؛ فتحته لقيت سارة جاية بتقول:


"يوسف، ورد قاعدة تتكلم وتعيط وهي نايمة!!"


جريت على الأوضة تاني. كانت في مكانها بس بتنادي على أبوها وبتعيط وهي مش حاسّة.


"يا ورد، يا حبيبتي، فوّقي بالله عليكِ فوّقي."


اخدت كوباية مياه وكبّت نصها على وشها؛ ففاقت مفزوعة بتعيط. كانت في حضني بتعيط، بس المرة دي هديت بسرعة وعياذ بالله كانت من غير صوت وهي ضامّة جسمها ليّ وماسكة هدوي وبتقول:


"أنا خايفة يا بابا... يا يوسف خايفة أوي، متسبنيش زي بابا."


"أنا معاكِ يا عمري، مش هسيبك مهما حصل يا ورد."


"متسبنيش... عشان خاطري متسبنيش."


قعدت جنبها أكتر من أربع ساعات؛ كانت ساكنة وهاربة في حضني مش بتتحرك ولا بتتكلم، وهو بطبط عليها. بتنام وتصحى وهي في مكانها، وفي مرة قامت وقفت وكانت دايخة فمسكتها وقلت:


"اهدي، عايزة تروحي فين؟"


"أغسل وشي ودماغي."


قومت معاها أسندها للحمّام. دخلت دقايق وطلعت شعرها كلّه مبلول وبينقط وكذلك وشّها. أخذت فوطة من الحمّام ونشفتلها شعرها وقلت:


"تعالي استريحي شوية."


قعدت على طرف السرير وأنا راكع على ركبتي قدامها، ماسك إيديها وبفرك فيهم بهدوء جدًا. ضغطت على إيدي وهي بتقول:


"أنا بقيت كويسة، متقلقش."


هزيت راسي ورفعت إيديها بطبيعتي وبوسّتها على جبينها وقلت:


"ارتاحي شوية، أنتِ كنتِ منهارة."


"انهارت أوي؟؟ قعدت قد إيه؟"


كنت مستغرب من السؤال، كأنها عارفة إني مكنتش في وعيها. بصيت لها بحنية وقلت:


"المهم إنك بقيتي أحسن، مش كده؟"


"أنا كويسة والله، بس مش عارفة ألّم أعصابي يا يوسف. ممكن تحكيلي إيه حصل لما ناديت عليك؟"


"جريت على الصوت، ومسكت ياسر. ضربته لما شوفته لمسك، وإحنا ضربنا بعض كتير لغاية ما جدي ضربني ومن ساعتها وأنا مسبتكيش."


"مصدعة ومش فاكرة أي حاجة؟ 

هقولك على مسكن ممكن تجيبيه لي."


"مسكن إيه؟"


"هو مش مسكن، هبقى أقولك. بس ممكن أنام خليك جنبي. خايفة أصحى لوحدي."


"مش هسيبك أبداً يا ورد."


قامت ونامت على السرير، وأنا قاعد على الكومودينو بصّت لي وقالت:


"أوعدني إنّي لو نمت متروحش لياسر."


"نامي إنتِ وارتاحي، متشغليش بالك حاجة."


"يوسف... صوتي بيطلع بالعافية، متروحش في حتة."


"نامي يا ورد بقى."


قولتها وأنا بجريها، فشدت إيدي ناحية وقالت:


"نام جنبي."


تنحت شوية وقلت بغباء:


"نامي طيب، أنا قاعد آهو."


"يوسف مش ناقصه غباء، تعال نام جنبي."


نفذت الأمر في ثواني. مكنتش مستوعب طلبها إلا لما لقيتها بتحضن ذراعي كله وتضمّه ليها بعد ما لقت إيدي عليها. غمضت عيونها في لمح البصر وبسرعة دخلت في نوم كأنها غيبوبة.


فضلت ساكت وثابت ومتجمّد، ومكنتش مدرك إنها في حضني لغاية ما دمّتها اتحركت وضمتها عليا وببوس شعرها، وغلبني النوم من التعب.


———————————————————


"يخربيتك، هو ده اللي هتهددها؟ 

إنت بوّظت الدنيا على دماغك يا غبي."


"معرفش والله. أنا كنت بقرب منها كتهديد: إن لو مقبلتش بيا هعرف يوسف بالإفشاء عن القديم. لكنها مابسمعتش أصلاً. لما قربت لقيتها بتصرخ!"


"إنت أغبى إنسان شوفته في حياتي."


"أنا غلطان إني سمعت كلامك. مكنتش عاوز أوصلها للحالة دي."


"يا حنين، سيب الحنية دي لجوزها. إنت فتحت لنفسك باب هيتغلق على نفخك."


"بسبب أفكارك يا ست تاليا. أنا كنت بحاول أكلمها، بس لما بشوفها بتتعصّب، بتعصّب مش عشان سبتني واتجوزت، عشان اتجوزت يوسف، اللي أبوك طول عمره بيقارن بينا إنه الأحسن والأشطر."


"ما بلاش الأسطوانة المشروخة دي يا عم ياسر. الحل دلوقتي إنك تعتذر لهم ونحاول نبعدك عن يوسف. يلا أنا طول عمري بقول إن يوسف مستحيل يتعصّب أو يتشنّج — ده كان مرعب يا ياسر."


"وضربه كان تقيل... ابن الـ... جسمي اتقطع."


"ما إنت رديت الضرب له؟"


"أنا عايز أعتذر لورد. بالله، اكتب لها ورقة هكتبها لك عشان هي معاهاش تليفون."


"وماله؟ أهو لما يوسف يشوف الورقة معاها بعد كده نكون عملنا أي مكسب بدل الهبل اللي حصل ده."


كان همّها في وادي وأنا في وادي تاني مع عياط وصوت ورد! أنا شُفتها في الحالة دي مرتين، والمرتين أنا السبب. تاليا مش مدركة إني مش عايز خراب لورد؛ أنا بس عايزها تأكدلي إني مش وحش للدرجة دي، تقول لي إنها معصوبة على يوسف ومش هتختاره بمزاجها. مش معقول إن يكون إنسان بيحمل وإنسان تاني بيحقق. الباب اتفتح بقوة؛ كان جدي ومعه أبويا وعمي وهدان — أبو يوسف —


"اخرجي يا تاليا."


"يا جدو أنا قاعدة مع أخويا، مش كفاية اللي ورد عملته!!"


"كلمتي ما بتتكسرش يا تاليا، لو ما خرجتيش من الأوضة حالًا، خدي أبوكِ وتربيته الزبالة واخرجي برّه."


كان يقصدني أنا بالتربية الزبالة. سمعت الكلمة ووطّيت راسي في الأرض أكتر. فعلاً تاليا خرجت بغضب، والباب اتقفل علينا إحنا الأربعة. فجأة جدي قام وضربني أربع كفوف زي يوسف، أربع ضربات خلوا سناني تجيب دم غزير. أخدت منديل وقعدت مكاني بعد ما هو قعد وقال:


"بتعمل إيه عند مرات أخوك؟"


"يوسف مش أخويا."


جدي اتعصّب أكتر وقال:


"عاوزها رسمي يا ياسر؟ بتعمل إيه عند مرات ابن عمك يا ياسر؟"


"خليهم يخرجوا الأول."


بصّ لأبويه وأمي، وفعلاً خرجوا. هو قرب مني وقال:


"إنت مش وحش يا ياسر، ولو وحش فإنت مش وحش لدرجة عيب على حريم بيتك. قول إيه اللي حصل وخلى ورد تتصرّع كده. فهمني يا ياسر، عشان أنا ماسك شياطيني عنك بالعافية."


سكت شوية، ودموعي نزلت، وبعدين قلت:


"عاوزني أقولك إيه حصل يا جدي؟ حصل إني بكره يوسف. رغم إننا سن واحد، وكان المفروض يبقى ظهرنا في ظهر بعض، بس بقيت بكرهه. بشوف فيه فشلي كله. هو دخل هندسة وأنا دخلت عمارة آخر حاجة من ريحة هندسة. رغم إني كنت عاوز قسم فنون. بس معارف محمود الراوي بتعمل أكتر من كده. كنت عاوز أعيش برّه مصر وأشتغل براحتي بالطريقة اللي بحبها، يقوم ابنك يجبرني أشتغل في المينا معاكم. ومافيش لازمة في حياتي غير إني أسمع: بص يوسف عمل إيه! بص يوسف وصل لإيه!


ويوم ما قلت خلاص يا ياسر دا نصيبك، ارجع للمليكة وحاول تخلصها، واشتغل أرضي أبوك يمكن يحل عن دماغك. أقابل واحدة زي القمر، آخدها وتحبني. وأروح أقول لأبوي عليها، يقولي: دي بنت الغريب، ما تنفعكش. وبعد كده أسيبها! وبعد شهر يا جدي ألاقيها في حضن يوسف!


حرام عليا عشان بنت الغريب؟ وحلال عشان دا يوسف؟! أحسن حفيد، وأحسن واحد في العيلة! حتى إنت بتحبه أكتر مننا. تعرف كل حاجة عنه، وما تعرفش أي حاجة عني أنا وتاليا. دايمًا أنا وهي منبوذين من القصر كله. أنا عرفت ورد الأول وحبيتها قبله! ليه بتعملوا كده فيا؟ ليه ترسموا إني دايمًا الوحش والفاشل؟ مع إن كل واحد بينجح بطريقته عادي. عاوز تعرف أنا عملت كل دا؟ روح اسأل ابنك. وعلى فكرة، وهدان بيعمل نفس القرف ده مع يوسف. يعني محدش بيسلم من أهله."


"إنت عمرك ما كنت فاشل. ومتفتكرش إني ما كنتش عارف عندك إيه. أنا كنت متابعك وإنت في إيطاليا، ومتابعك وإنت في برشلونة. ولما رجعت مصر قلت خلاص، بقى في حضن أبوه، ومافيش خوف عليه. وبالنسبة لتاليا، دي حفيدتي، حتة من عيني. والبنت غير الصبي عندي. تاليا كان وراها عربيتين اتنين بيحرسوها طول ما هي برّه مصر، وجوه مصر كذلك. معروف عندي حفيدتي بتروح فين وبتيجي منين. لكن في حياتها، عمرها ما قالت كلمة. البنت سرها مع أمها. أنتم كلكم أحفادي يا ياسر."


"طب لو كلنا أحفادك، ليه كل دا حصل ليا؟ إنت بتحمي يوسف. ليه ما حميتنيش أنا كمان؟ ليه لما يوسف قالك عاوز يتجوز ورد جوزتها له، مع إني أنا عارف إن أبوي قالك إني عاوز أتجوز واحدة من عيلة الغريب، ولسه وأنا بحبها من قبله؟!"


"ياسر، يوسف عرف وشاف وحب ورد من قبلك. يوسف شافها من تلت سنين، ومن ساعتها وهو رايدها وبيحاول يعرفها، بس أنا اللي منعته. عشان ورد غالية. غالية عندي فوق ما تتصوّر. وأقولك إنها أغلى من يوسف كمان. أنا لما لقيت يوسف راجل في الموضوع، وكذا مرة يقولي: نكسر العداوة ونروح نتقدملها في بيتها، كنت برفض. وعمرك ما سمعتني أوافق.


لكن أبوكِ؟ أبوكِ جالي وقال لي: إقرص ودن عيلة الغريب عشان في بنت لافّة عليك. ومكنتش أعرف إنها ورد أصلاً. فهمت يا ابني؟"


"لو هي دي الحقيقة، أنا مش عاوز أفهمها يا جدي."


———————————————————


معرفش مرّ كام ساعة، ما حسّيتش بيها غير وهي بتتقلب جنبي وهي نايمة، وتعصّبها شدّ على إيدي أكثر. لسه بفتح عيني لقيتها قامت مفزوعة تاني:


"بابا... الحقني."


"ورد، اهدي... إنتِ كويسة، أنا معاكِ."


بصّت لي كأنها بتستدرك، غمضت عيونها شوية وبعدها مسحت دموعها ورفعت شعرها وهي بتقول:


"أنا كويسة، متخفّش، كابوس وراح لحاله."


ضغطت على إيدها وقلت:


"طب ارتاحي، إنتِ شكلك مجهدة أوي. تحبّي تاخدي دش؟ 

أجيب لكِ سارة؟ 

وكمان تغيّري هدومك وتلبسي حاجة تريحك؟"


"لا، ساندني بس وحطّلي كرسي قدام الدولاب عشان من العياط أنا دايخة أوي. هغير هدومي وعايزة أتكلم معاك شوية."


قومت معاها وعلّيت كده، وساعتها طلعت هدومها ودخلت الحمّام. خرجت لابسة البيجاما، وبعدها قعدنا على السرير وهي ساندِه ظهرها، فقلت:


"لو مش قادرة تتكلمي خلاص، أنا هجيب سارة تقعد معاكِ وهروح أعمل حاجة."


"لا، أنت مش هتروح في حتة ولا هتعمل حاجة، يوسف أنا خايفة..."


قطعت كلامها باستعجال وقلت:


"متخافيش يا ورد، مش هسمع حاجة من حد غيرك."


"أنا مش خايفة عشان كده يا يوسف. أنا خايفة عليك إنت."


كانت عيونها مدمعة وهي بتقولها، وصدق كلامها وصل لي. لحظة وكانت هتعيّط فلحقتها وقلت:


"ورد بالله عليكِ أهدي. متغرّكش إنّي هادي؛ أعصابي بتلعب بيا بجد. اهدي والله، أنا معاكِ، ومحصلش أي حاجة. صدّقيني دموعك بتعجزني."


"أحلف لي إنك مش هتعمل حاجة تأذيك، أنا ما صدقت أطمئن يا يوسف. متروحش مني زي ما بابا راح مني."


"مش هعمل حاجة يا ورد، احكيلي."


"بصي... من سنة وشوية كده كان في شاب بيضيفني في الكلية كتير، وكل مرة كنت بفرّجله الدنيا. مكنتش عايزة أقول لعيال عمي عشان بيعملوا مشاكل كبيرة. هنا بقى ياسر ظهر في حياتي أول مرة... يوسف، أنا مكنتش أعرفك ساعتها، والموضوع ده انتهى قبل ما نتجوز. والله أول مرة شوفته بعد الجواز قلت له يبعد عني... يوسف، كلمني لو سمحت، انت مصدقني؟؟ أنا أصلاً..."


كانت هتعيّط من التوتر والخوف، فربطت على إيديها بخفة وأنا بحاول أفتكر كلام جدي وقلت:


"عايز أصدقك والله، كمّلي يا ورد."


دموعها نزلت تاني وهي بتقول:


"كان كل شوية بينطّ لي، في كل مكان بلاقيه، حسّسني بأمان كداب! 

مكنتش بحبه—مكنتش بشوفه والله. 

أنا كنت بدور على الأمان اللي فقدته بعد وفاة بابا، ومكملتش خمس شهور عرفته وسبته وبعدت عنه. بس والله مرّ ساعتها وأنا ما شُفتوش. عرفته إنه سافر، وغير كده معرفش أي حاجة. ما شُفتوش غير مرة لما كنت أنا وإنت في الجنينة، صدقني."


كنت ساكت سامعها، عاوز أصدقها وبحاول أصدقها. دموعها غالية عليّ، بس دي أول مرة أكون خايف من حاجة. أنا عايزها ليا. قربت كده أكتر وهي ماسكة إيديّ الاتنين جامد وقالت:


"والله العظيم إن بعد أول ليلة ليا في البيت ده نسيته، نسيته فعليًا. مفكرتوش غير لما شُفته في الجنينة، أما إنت قلت محمود الراوي استوعبت إنه عمّك، لأني مكنتش أعرف إنه ابن عمّك، فكّرتوا قريب العيلة وخلاص. والله العظيم يا يوسف... صدّقني بالله عليك، أنا صعبانة لنفسي قدام سكوتك. انت قلت إن اللي بيدافع عن نفسه من غير اتهام يبقى متهم، بس صدقني لا—بقى خايفة إنك تفتكره متهم. طيب أثبت إزاي إنّي صادقة؟"


"ياسر عمل لك إيه خلاّكِ تصرخي؟"


"قرب مني، أنا بخاف من القرب. كنت مرعوبة ومكنش في بالي غيرك تلحّقني، عشان عارف إنك مش هتسبني... صح يا يوسف؟"


من أول كلمتين وأنا أعصابي غليت. بحاول أهدى وأركّز في كلامها وهي شادة على إيدي جامد.


"يوسف... كلمني لو سمحت."


"كمّلي يا ورد، سِبتيه ليه؟"


"عشان اتغيّر معايا، وكان بيتعمل يقرب مني ومكنتش باخد بالي غير لما قرب أوي وأنا انهارت زي ما حصل بقى. من ساعتها هو سابني واختفى أصلاً، وعرفت إنه سافر بالصدفة."


"هنتكلم بعدين... ممكن تسبّيني أقوم؟"


"مش هنتكلم غير دلوقتي يا يوسف! انت مجبور تسمعني. أنا مراتك اللي في بيتك ومستحيل أسيبك تفكر عني فكرة وحشة. والله العظيم من أول يوم دخلت البيت كان قلبي فاضي — منك ومن غيرك. دلوقتي ما فيهش غيرك يا يوسف."


كانت أول مرة تقول "مراتك"، وبعدها دهم قلبي بجملتها: "ما فيهش غيرك يا يوسف". عيونها كانت صادقة، صادقة زي كل مرة كانت فيها معايا؛ حتى وإحنا بنتخانق كانت بتقول اللي في قلبها. ورد ما بتحبش الكذب، ويوم ما كذبت كنت عارف ده، لأن عيونها مرايا لقلبها.


"يوسف، عشان خاطري صدّقني. والله لو ادّيتنا فرصة الأيام هتثبت لك كلامي."


"أنا مصدقك يا ورد، وعايز أصدقك، بس قلبي خايف — خايف أكون مش لوحدي في قلبك. خايف يكون في ذكرى لسه موجودة."


"عاوزني أثبت لك؟؟"


كنت متردّد أقولها "اثبتي" — حاجة زي دي تجرحها، أنا عارف. بس أنا متعلق بالإثبات ده، فعشان كده قلت:


"اثبتلي يا ورد."


ثبتت إيدي فجأة ومسحت على وشها وقالت بابتسامة وجع:


"حاجة أنت متعرفهاش... بس أنا عندي اضطراب ما بعد الصدمة من وأنا ١٥ سنة، وحالة الزعر دي بتجيلّي لما أي راجل يقرب مني. الحالة دي أنا بدخلها لو شاب عكسني جامد في الشارع. الاضطراب جالي بسبب محاولة تحرّش اتعرضت لها وأنا ١٥ سنة. كان سبب إنّي أسيب ياسر إنه قرب مني، لكني دلوقتي..."


هي ما كملتش. دخلت في حضني وشدّت عليّ، وأنا مش مستوعب أي كلمة، بس حسيت بيها وهي بتدفن راسها في كتفي أكتر. ضمّيتها وقلت:


"ورد... إنتِ قلتِ بسبب إيه؟"


"ملكش دعوة بالسبب يا يوسف، خليك في الإثبات."


ضحكت وهي ضحكت ورايا جامد وبعدين بعدت عني وقالت:


"أثبت لك؟؟ ممكن بقى نروح للدكتورة بتاعتي وتجيب لي المهدّي، عشان أنا مهدّدة إنّي أدخل الحالة دي كتير."


"ورد... ده كتير عليّ. المهدّي إيه اللي عاوزاني أجيبه؟ وإنتِ بتتكلمي كده ليه وتِحكيلي قصة! إنتِ مدركة إنتِ عملتي إيه فيا؟"


ضحكت وهي بترمي نفسها على السرير وقالت:


"يوسف أنا مصدعة والله. لو كترت في الكلام ومجيتش المهدّي هوريك شغل الجنان."


"ورد متتهزّريش، اقعدي وفهميني."


"يوسف أنا اتعالجت والله، وأكبر إثبات إنّي أصلاً عيشت معاك في أوضة واحدة؛ في بيتنا كنت بقفل على نفسي وأنا نايمة!

بس في آثار التجربة دي أنا عايشة بيها ومقبلة عليها."


الباب خبط؛ اتعدلت من مكانها وبعتت ناحية الباب عشان أفتح. فتحت لقيت خالد بيقول:


"يوسف، جدك عاوزك في المكتب."


"ثواني و جاي."


مشى وقفلت الباب، ولسه بلفت ضهري لقيتها واقفة بتقولي:


"هاجي معاك."


"تيجي معايا فين؟"


"مش هتخرج من الأوضة دي لوحدك يا يوسف. أنت قابل للاشتعال حالياً."


"أنا قابل للانفجار، والله يا ورد."


قولتها وأنا بخرج وقفلت الباب ورايا، ودماغي كلها في ياسر، وإنس هجيبه تاني حتى لو جدي قال العكس.


—————————————————


خرج ومسبليش فرصة أتكلم؛ اللي في دماغه هينفذه. كنت تعبانة بجد — مجهدة وأعصابي مش ملمومة عليها. ضروري آخد المهدّي وأنام. حضرت لبس ليا وأخدت فوطتي، مدركة إن الدنيا خربانة، بس يوسف مينفعش يشوفني وأنا تعبانه كده. أنا مدركة إن النزول للمصعد دا هيأذيني قدام شهر، محتاجة آخد دش سخن عشان أعصابي تفك لأن إيدي بترعش أصلاً. أخدت دش طويل، وبعدين لبست بيجامتي. بصيت له بحب أوي؛ الحاجات دي يوسف اختارها ليا من قبل ما أجي. عجيب يا يوسف. خرجت بره وقعدت مكاني بعد ما طفيت التكييف من البرد. قعدت ساكتة لغاية ما الباب خبط؛ مكنتش قادرة أفتح فعلاً فقلت:


"ادخِل."


الباب اتفتح؛ كنت متوقعة أي حد إلا هي! كانت تاليا داخلة ومشيّتها مستفزة؛ قفلت الباب وراه وهي بتقول:


"إزيك يا أستاذة ورد."


"عاوزة إيه؟"


قولتها بكيد وأنا بحط إيدي على السرير وهي بتبص لي ورافعه حاجبها. بعدين قربت ورمت ورقة في حجري وقالت:


"عاوزة منك إيه يا حبيبتي، حبيب قلبك بعتي دي لكِ، بلا غم."


"الغم دا يجيلك لما تبصي في المرايا. خدي ورقتك وكلّي."


قولتها وأنا برمي الورقة على الأرض. إيدي شدت عليا مرة واحدة، سبتني ومشيت. قمت وقفلت الباب وراها، وأخذت الورق من الأرض، بصيت لقيت خط ياسر عليها. طبقتها من غير ما أفتحها وخبيتها في هدومي مؤقتًا.


———————————————————


دخلت المكتب على جدي؛ كان قاعد مستنيني ومعه عمي محمود. مردتش أقعد وفضلت واقف مكاني.


"اقعد يا يوسف."


قالها عمي فمرتّضيش عليه وقلت لجدي:


"نعم يا جدي."


"اقعد يا يوسف، عمّك هيرضّيك ويعتذر لك بالنيابة عن ياسر. وأنت ضربته وأخذت حقك خلاص؛ ممكن تهدّى وتقول عايز إيه وعمّك هيعمله."


"دي مش خناقة بيني وبينه عشان عنّي يرضّيني عليها؛ ده حق مراتي، وقسم بالله مش هسيبه. ابنك اللي بدا يا عمّي، محدش يزعل من اللي هيحصل فيه."


"يوسف، احترم حدودك، إنت بتكلّم عمّك."


قالها جدي بصوت عالي، فقلت له:


"أنا بتكلّم باحترام. أنا حذرت ياسر وقلت له مبحبش اسمها على لسانه، وهي جاب آخر حدودها؛ فسيتحمّل بقى."


خرجت من المكتب من غير ما أسمع كلامه، ونزلت لتحت لقيت أمي بتجري عليّا وتاليا.


"أخوك فين؟"


"بابا خلّاه يمشي. يا يوسف اهدّى شوية واسمع منه؛ يمكن أنت فهمت غلط."


سبتها ومشيت. خرجت ناحية الجراج لقيت خالد بيركب عربيته؛ أدركت إنه رايح لياسر. جدي وخالد هنا الاتنين اللي مدركين خطورة عصبيتي، فالحل عند جدي إنه يبعد البنزين عن النار. قبل ما يشغّل العربية ركبت جنبه وقلت:


"من غير وجع دماغ كتير، اتّحرّك على هناك."


"هناك فين؟ انزل يا يوسف بالله عليك، أنا مش ناقص."


"اتحرّك يا خالد. أنت عارف إني هوصل له، وافتخر إنك لو مكاني أنا مش همنعك تجيب حق مراتك. ناوي توفر عليا مشوار ولا؟"


"مش هتفقد أعصابك يا يوسف، أصلًا ياسر شكله غريب كأنه ندمان."


"طب اتّحرّك يا خالد بدل ما أفقد أعصابي عليك أنت."


#يتبع

#نورهان_علام

#حواديت_تراب_القمر

احب جدا اسمع توقعتكم للاحداث الجاية 🙈🤩

رواية ورد ويوسف الفصل الثامن 8 من هنا

رواية ورد ويوسف كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات