رواية ورد ويوسف عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام
رواية ورد ويوسف الفصل السادس 6
صحيت على الفجر، كانت نايمة. بصيت لها وأنا فوق وقلت:
"ورد... الفجر."
اتقلبت من مكانها وغالبًا مش حاسة بيا أصلًا، فضحكت وناديت تاني:
"ورد... يا بنتي قومي، الفجر خلاص هيآذن."
"أوف بقى... مش بصلي، سيبني أنام."
ثواني وكنت استوعبت قصدها. ضحكت جدًا لأنها فعلاً مش في وعيها. قومت واتوضيت وبعدين نزلت أصلي، وكان معايا أبويا وخالد وجدي كالعادة. بعد الصلاة دخلت أتمرن شوية وبعدين رجعت أوضتنا؛ كانت لسه نايمة زي ما هي. قعدت مكاني وابتديت أفتح إيميلات الشغل اللي خالد حولها ليا عشان هو مش فاضي ومشغول مع صالح لأن ليلى مش بتخرج من الأوضة لسه. الساعة وصلت لتسعة وأنا في وضعي، لكن لما لقيتها بتتقلب كتير وضمت ركبتها لجسمها، فهمت إنها بتوجع. قفزت من مكاني ونزلت المطبخ أدور على سارة لكنها كانت نايمة، فروحت لأمي.
"أمي... معلش عاوز منك حاجة."
سبت كل حاجة وجت لي مبتسمة:
"صباح الخير يا نور عيني. عاوز فطار يا حبيبي؟"
ابتسمت وببوس راسها وقلت:
"لا يا حبيبتي، تسلم إيدك. كنت عاوزك تقولي على اسم مسكن حلو ومش مضر أوي عشان ورد جاتلها الدورة وتعبانة. وكمان تجهزي قربة مياه سخنة عشان مش هعرف أعملها، وأنا مجهز لك سندويتش سريع كده."
ملامحها اتغيرت جدًا وهي بتقول:
"يا قهر على دلع ست ورد! صدقت إنها ست البيت ولا إيه؟
ابعد عن وشّي يا يوسف، أنا مش طايقاها أصلًا، وكل ما أكلم جدي وأقوله ينزلها المطبخ مع مراتات عيال عمك يقولي 'عروسة وسيبها'. مش فاهمة هي تفرق إيه عن باقي بنات البيت!!"
"تفرق إنها مراتي، ومينفعش تخدم حد غير جوزها. ورد ست الكل عليهم كلهم. بعيدًا عن إنها تعبانة فعلاً، إيه المشكلة لو اتدلعت يا أمي؟
خليها عليا أنا والبنت وربنا يسترها عليكِ."
"بلا غِلب، كلها شهر يا يوسف. لو محملتش في الشهر ده كمان والله هنزلها تحت رجلي."
"أمي، بعد إذنك، ورد مراتي واهانتها من إهانتي. بلاش الكلام اللي يخلق مشاكل مالهاش داعي. ورد مش هتنزل تخدم في المطبخ سواء حملت أو لأ. ويا ريت ما تفتحوش موضوع الحمل دا مع ليلى ولا مع ورد؛ كل واحدة لها خصوصيتها، والحمل ده حاجة بيد ربنا."
"خايب يا ابني والله، لحقت بنت الغريب كلت عقلك."
"مالهاش لازمة الكلام ده يا أمي. هتقوليلي على اسم المسكن ولا أروح أسأل مرات عمي وأخلي القصر كله يتكلم عن ابنك الواقع على وشه في مراته؟
ودي تبقى فضيحة. وبصراحة بقى، أنا بحب الفضايح من النوع ده."
خافت أمي أعمل كده ورحت بسرعة جهزت ليّ اللي قولت عليه، وأنا عملت ساندويشات لها بإيدي وطلعت الأوضة. فتحت بهدوء لقيتها مش على السرير؛ قاعدة على الفرشة بتاعتي واستنيت تطلع من الحمام، لكنها طولت أوي! قامت أخبط، خبط كتير وقوي ومكنش في رد! فتحت الباب لخضة لكنها مكنتش جوه أصلًا!!
خرجت بره الأوضة وبصيت عليها لقيتها جاية وباين على خطوتها الوهن. مسحت وشي بعصبية وأنا شايفها جاية عليّا وهي لابسة بيجامة ولفة طرحة مبينة شعرها من قدام!!
"يخرب بيت أبوكِ يا ورد!!"
قولتها لما روحت لها، وبصت لي بعصبية وقالت:
"مالكش دعوة بأبويا، وبعدين إنت بتزعق الصبح كده ليه؟"
أخذت إيديها ودخلت بها الأوضة بسرعة وقفلّت الباب جامد وانا بقول:
"كنتِ فين؟ وإزاي تخرجي من الأوضة بالمظهر ده؟"
"يوسف! اتكلّم براحة. أنا تعبانة ومتْعصبة لوحدي—بلاش القصر كله يسمع صوتنا."
لمحت في إديها المسكن وهي بتسند على الباب، فقلت:
"إنتِ عقلك مش شغال! أنا مش قلت لما تحتاجي حاجة أنا هعملها؟"
"وأنتَ تعرف أنا عاوزة إيه أصلًا! أنا صحيّت ومكنتش إنت موجود ومش قادرة أستنى. أنا بتكلم معاك ليه أصلًا؟ اطلع من قدامي."
قالتها وهي بتقعد على السرير؛ رحت جبت الحاجة من الكونضيدنو وحطيتها على ركبتها، وانحنيت قاعد على ركبتي عشان أبقى طولها وقلت:
"أنا عارف إنتِ عاوزة إيه وجبتّه أصلًا. ممكن ما تخرجيش بالمظهر ده تاني؟ عشان بصراحة مش ضامن رد فعلي المرة الجاية."
ماكنتش مركز مع كلامي؛ أديتها القربة وعيونها على المسكن اللي أنا جبته، وكمان الساندويشات الصغيرة اللي عملتها. سكتت شوية وبعدين ابتسمت لي وعيونها باينة عليها الخجل وقالت:
"أنا آسفة، مش هخرج كده تاني. شكرًا على الحاجات دي."
ابتسمت لها وقلت:
"مافيش شجر بينا يا ورد. يلا كلي على مهلك وخدي المسكن وكملي نوم وارتاحي، مش عاوزك تقومي من سريرك النهارده."
ابتسمت وبدأت تاكل وادّتني ساندويش وقالت:
"كُل معايا—مبحبش أكل لوحدي."
"من عيوني يا ورد."
————————————————————-
"ردّ على رسالتك؟؟"
"لا، بطّلي زن بقى، والله بدماغك دي هنروح في داهية."
"اسمع كلامي بس يا ياسورة، والدنيا هتبقى فل."
"صحيح يا تاليا، قوليلي... هو يوسف بيقرفك إزاي؟"
"زي ما ورد كرفتلك كده يا خشيم."
بصّ لي بقرف، وأنا مسكت موبايلي وفتحت رقم يوسف واتصلت بيه قصاد ياسر اللي استغرب وقرب مني عشان يسمع...
————————————————————
خلصنا الأكل، وهي قاعده معايا على الأرض ومستغطّية، وأنا مكمل شغلي وعيوني رايحة جاية عليها، لحد ما موبايلي رن. بصيت لقيت **تاليا** اللي بتتصل. خدت بالي إن ياسر بعت رسالة، لكن كبّرت دماغي، كنت مشغول إني أطمن على ليلى.
لاحظت إن عيون ورد راحت على الشاشة، فقلت:
"ما تعملي معايا معروف وتردي عليها."
رفعت حاجبها بتعب وقالت:
"أردّ عليها ليه يعني؟ أنا مالي؟"
"واحدة بتتصل على جوزِك الصبح بدري، إدّيها واحدة كيد ستات، خليها تحلّ عن دماغي هي وأخوها."
أخذت التليفون وفتحت لي مكبّر الصوت، وقبل ما أتكلم صوت تاليا سبقها:
"أخيرًا يا چو رديت عليا."
استغفرت من نبرتها المستفزّة، لكن ورد ردّت عليها بنبرة غريبة أول مرة أسمعها منها:
"لأ يا حبيبتي، چو مش اللي ردّ. أقولّه مين؟"
"تقوليله ليه يا حبيبتي؟ مبتعرفيش تقري؟ وبعدين مين معايا؟"
"العتب في سمعِك إنتِ. أصل يوسف مسح الأرقام اللي مش مهمة، فتلاقي رقمِك طار مع اللي طاروا."
كنت مبهور بردودها، حقيقي وسرعة استجابتها رغم إنها تعبانة.
"أنا عاوزة يوسف."
"ويوسف مشغول. تحبي أقولّه حاجة تخص الشغل؟"
"لأ، دي حاجة خاصة بينّا."
"بُصي يا كتكوتة، أعلّمك حاجة ليكي وللزمن: مافيش حاجة اسمها *خاصة* بين اتنين متجوّزين يا حبيبتي. ومن غير سلام."
قفلت الخط معاها وادّتني الفون بتعب، فضحكت وقلت لها:
"كنتي جامدة والله... كتمتيها."
ما ردتش عليا أصلًا. بعدت اللاب عني وأنا بقول:
"مش عاوزة تعرفي أنا عاوز أبعدها عني ليه؟"
بصّت بعدم اهتمام وقالت:
"مش مهم بالنسبة ليا. وغير كده، إنت لو كنت عاوز تقول حاجة... كنت قولتها."
ابتسمت لها وأنا بقول:
"الأمر كله إن من أربع سنين كان في مشروع خطوبة بيني وبينها بما إننا ولاد عم. الكل كان موافق، بس أنا ما كنتش موافق، والموضوع متمش. وهي أصلا سافرت بره مصر بعدها، لكن من الشهور اللي فاتت رجعت، ومن ساعتها وهي بتروح ورايا في كل حتة... بس مبتعرفش تتخطى حدودها معايا."
"ما هو باين فعلًا."
"إيه اللي باين معلش؟"
"إنها مش بتتخطى حدودها معاك. دي طريقة واحدة تتكلم مع واحد متجوّز؟"
"حلو أوي الاعتراف ده. أهو لسانك قال إني متجوّز."
"أنا مقولتش كده. قصدي في نظر الكل إننا متجوّزين."
"طبعًا طبعًا... كمّلي."
بصّت لي بقرف وطلعت على السرير، فقلت:
"إنتِ تعرفي ياسر الراوي منين؟"
المرة التانية ويمكن التالتة اللي ألاحظ فيها تغيّر ملامحها لما بيتذكر اسم **ياسر الراوي**.
"أعرفه لأنه في قسم عمارة وأنا في قسم فنون. قابلته مرة وهو في سنة تالتة. عادي يعني، هو في الأول والآخر قريبي."
"أنا مدرك إنها حاجة في الماضي... بس قوليلي، كنتِ بتعملي معاه إزاي يعني؟ في عِشم بينكم؟"
بان عليها التوتر أكتر، وبعدين اتعصبت وقالت:
"عاوز توصل لإيه معلش؟
إنت إنسان مريض! عاوز أعمل سيناريو خيانة عشان شوّني بسلم عليه؟"
كانت صدمة، وعدم استيعاب من الهجوم المفاجئ ده. في قاعدة بتقول: الحاجة اللي الشخص بيدافع عن نفسه فيها من غير اتهام مباشر، يبقى هو عملها فعلًا... أو على وشك يعملها.
بس أنا ما اتعصبتش، عشان مش ورد اللي تخون. لو كانت هتخون، كان ممكن تعمل حاجات كتير. ده كله محاولة هروب.
ورد متقبّلة جدًا واقع إنها مراتي، حتى لو مش حبّاني.
"أنا ماقولتش كده. إنتِ اللي بتدفعي عن نفسك في اتهام ما اتوجّهش ليكِ أصلًا. عموما محدش يقدر يقول حاجة زي دي من غير دليل... لا أنا، ولا إنتِ، ولا حتى ياسر. وافتكري: من سؤال عابر، إنتِ عملتِ اتهام وهجوم ودفاع وحاجات ملهاش داعي."
مسكت موبايلي وأنا بفتح شات ياسر. لقيته باعت حاجة تخص الزعل، وكاتب إنه عاوز مساعدة مني وهييجيلي القصر. في حاجة أنا مش فاهمها. ومقدرش ألوم حد بغير حق، لكن أنا مش مرتاح لياسر أصلًا... وده شيء سهل أتصرف فيه.
"عشان أنا واثق فيكِ، برغم إنك حطيتي نفسك تحت اتهام أنا ما أرضهوش عليكي... ياسر جاي النهاردة القصر. أتمنى منك ما تخرجيش من أوضتك. يمكن الاتهام ده مايكونش عليكي إنتِ... ويكون عليه هو."
————————————————————
اليوم مر، وهي مش بتتكلم من الصبح — لا معايا ولا مع غيري. الليل جي، وعكس ما توقعت إن ياسر ييجي، لكنه مجاش. دماغي كانت مشغولة جدًا بالموضوع لدرجة مكنتش مركز مع شغلي ولا أي حاجة. كنت بس من وقت للتاني بروح أطمن على ليلى. كنت قاعد معها أنا وصالح وخالد، وبنلعب أنا وصالح بالكورة وهي قاعدة في حضن خالد بتبصلنا.
"ماما مش هتلعب معايا عشان نلعب خالو يوسف؟"
"شوية كده يا صالح، أنا تعبانة دلوقتي."
قالتها وعيونها مدمعة. صالح جري عليها وقال:
"ألف سلامة عليكِ يا أجمل مامي. هيِّ بابا يودّيكي عند الدكتور زي ما بتودّيني، وهتخدي الدوا وهتتعدِّي."
حضنته وكانت هتعيّط تاني، لكني أخدته وخرجت به وسبتها مع خالد.
"مش كل ما تشوفي صالح هتنهاري كده. مينفعش يشوفك تعبانه كده كتير."
"خالد، أنا خايفة عليه أوي. أنا واثقة إن ربنا هيحلها من عنده، بس والله العظيم أنا عاجزة. مقدرش أقول روح جوايا، ومقدرش أدخل عمليات وفي احتمال ما خدتش منها، ومعنديش غير إني أدعي ربنا وهو يحبها."
"يا حبيبتي، تعالي ناخد الأسباب اللي في إيدينا ونروح للدكتورة. يمكن في أمل إن الحمل يكمل لغاية السابع، ونكمل الباقي في الحضانة. تعالي نروح عشان خاطر صالح."
"أنا موافقة بس بشرط: لو قالت إجهضيه مش هعمل كده."
"مافيش حاجة اسمها كده. لو في خطر على حياتك مش هسمح بكده... ليلى، إنتِ في الشهر كام؟"
"لسه في الأول."
اتنهد براحة وهو بيبص راسها وقال:
"عشان خاطرِّي، عندك أنا وصالح ننزل بكرة نطمن ونشوف ربنا كاتب إيه. الهروب ده بيأذي ومش هيفيد."
————————————————————
"خالو، تعال نلعب في الجنينة."
"يوه!
إحنا مش اتفقنا هنقعد في الأوضة ونتفرج على كرتون سوا؟؟ ونخلي سارة تيجي معانا ونعمل فشار؟"
"ممكن نجيب سارة في الأوضة عندي؟"
بصيت له باستغراب، وبعدين سألته بحنية وقلت:
"أمَّم... شكلك مش عاوز أقعد مع طنط ورد. متخافش، مش هخليها تاكل الفشار بتاعك."
"لا، مش عشان كده... تسالي بتقول عليها إنها وحشة، وإنها بتاخدك من تيتا. عشان كده أنا مش بحبها، لأنك مش بتقعد مع تسالي بسببها."
اتصدمت من كلام أمي بالطريقة دي — وخصوصًا وصالح موجود. ابتسمت له عشان ما يحسش إني زعلت، وقلت بحنية كبيرة:
"لا يا حبيبي، مش كده. طنط ورد دي جميلة أوي وأنا بحبها أوي. وعلى فكرة، هي بتحبك. ومش بتاخدني من تيتا. أنا بس برجع من الشغل تعبان وبنام على طول. إيه رأيك بالليل ننزل كامل ونقعد مع بعض لما تخلص من شغل البيت؟"
"يعيش خالو يعيش!"
قالها بحماس، وأنا جريت بيه لغاية الأوضة. وقفنا نخبّط، ثواني ووصل صوتها:
"ادخلي يا سارة."
"مش سارة... بس معانا ضيف لذيذ هتحبيه."
ابتسمت أول ما شافته، وسابت المشط من إيدها عشان كانت واقفة بتسرّح شعرها، نزل شعرها على وشها وهي بتنحني تشيله من الأرض. كنت متضايق لأنها تعبانة وأكيد ظهرها وجعها، لكن ابتسامتها مع صالح وهو بيرحب بيها كانت تسحر.
"إزايك يا أستاذ صالح؟"
كانت نبرة صوتها طفولية. صالح ضحك وهو يقول:
"كويس."
"بما إنك أول مرة تشرفني في أوضتي وأنا موجودة، هقدملك كرم الضيافة."
قالتها وهي بتفتح المبرد، وبتاخد شوكولاتة كبيرة من اللي جبتهم لها وتديها له. فرح بيها جدًا وقال:
"شكرًا يا طنط ورد."
رفعت حاجبها وهي بتبص لي وبتكرر:
"طنط ورد!
قولي ورد... وممكن كمان تقول وردتي."
ضحك وقال لها:
"وردتي حلوة أكتر. أنا عندي وردة في الجنينة لونها أبيض، جميلة أوي. أنا وخالو زرعناها سوا."
"إشطه يا باشا. وأنا هقولك يا سولي. اتفقنا؟"
"اتفقنا يا وردتي."
كانوا مندمجين جدًا، وسارة دخلت، ورحبوا بيها. وأنا واقف ماسك الباب بفتح كرتون... وحرفيًا عقلي وعيوني مش معايا... وقلبي كمان. كُلي ملتفت ليها، ودايب فيها وهي بتقول "أوضتي". لأول مرة تنسب المكان ده ليها وتتحرك وتستقبل كأنه بيتها بجد. كانت مبسوطة بجد، وأنا كنت مبسوط ليها ومبسوط بيها.
لحد ما هي جات ووقفت قصادي وقالت:
"يوسف، كل ده بتشغل كرتون؟ العيال زهقت."
كنت سرحان! ودلوقتي سرحت أكتر. عيال مين؟
"إيه؟؟"
ضيقت حواجبها وقالت:
"ده تأثير قلة النوم ولا إيه؟ يا عم شغّل الكرتون للعيال، عشان ورد وراها مذكرة كانت نص ساعة."
"لا... وإنتِ الصدق. ده تأثيرك إنتِ."
غمضت عيونها باستيعاب في لحظة، وبعدين مشيت من قدامي خالص. رُحت جنبهم، وقعدت على طرف السرير بعيد عنها وقلت:
"عاوزين تتفرجوا على إيه بقى؟"
"برق بنزين!"
قالوها التلاتة في نفس واحد، فشغّلته. وطّفينا النور، وتعويض عن الفشار قعدنا ناكل شوكولاتة. كنت قاعد، وبيني أنا وهي، صالح، وبعد كده سارة جنبها.
"بصي يا سارة، إنتِ وردتي... برق جامد إزاي؟ ده شاطر أوي."
بصيت له وأنا بقول:
"بقى برق أشطر من خالو يا صالح؟"
"لا طبعًا، مافيش أشطر منك يا خالو. إنت وبابا أبطال خارقين."
ضحكت ورد ومسحت على شعره، وبعدين سارة خرجت عشان مذاكرتها وبقينا إحنا التلاتة على السرير. كان باين حماسها مع صالح رغم تعبها، وكل شوية بتتحرك عشان تبقى في وضعية مريحة أكتر، وكانت ضامية صالح في حضنها بشكل جميل—بتمنى لو أقدر أكمله.
"برق هيكسب دلوقتي... بص بص... كسب!"
كان متحمس جدًا وهي بتضحك له لغاية ما قال:
"خالو، إنتِ لو دخلت سباق زي برق أكيد هتكسب، صح؟"
"مضمونهاش دي يا سولي، خالو رجل ثلاثيني كبير."
بصيت لها على ردها وقلت بغرور:
"ما تجربي تركبي معايا مرة، وتشوفي الرجل الثلاثيني ده هيعمل إيه. مستهونيش بالحتة الـBMW اللي مركونة تحت دي."
"بصي يا وردتي بصي."
صالح كان لفت انتباهنا قبل ما ترد عليّ، لكن نظراتها كانت كلها تحدّي. خلصنا الكرتون ده وفتحنا كرتون تاني—كرتون مفضل لها وهو "الجميلة والوحش"؛ كذا مشهد للجميلة والوحش، وهنا بيتخنقوا ييجي، وتصادف إننا نبص لبعض لما جات الأغنية:
"فيه شيء جميل ووديع كمان
بس ده كان قاسي متوحش مش إنسان
دلوقتي رقيق"
كانت بتضحك وأنا بضحك على ضحكتها، ويقول:
"مش إنسان!!! مش إنسان يا ورد."
ابتسمت لي وضحكت لأني فهمتها، وقالت:
"دلوقتي رقيق."
خلص الفيلم ولسه ببص عليها لقيت صالح بيقول:
"خالو... وردتي نامت!"
"بتقول وردتي وردتي من الصبح يا ض؟ دي مراتي على فكرة."
"هي مراتك إنت ووردتي أنا."
بصيت له بتحدّي وقلت:
"ده عند أمك يا حبيبي، دي مراتي وردتي أنا. روح عند أمك يلا."
————————————————————
قمت وأنا شايله ورجعته لأمي عشان تاخد بالها منه، ومشيت من غير ما أقول لها كلمة. رجعت غطيتها كويس ولمّيت الحاجة وخرجت عشان ترتاح. خبطت على أوضة جدي فسمح لي بالدخول.
"خلصت الجدول الزمني بتاع الشغل الجديد؟"
بلعت ريقي باستعاب—إزاي سقطت أكمّل الشغل.
"لسه مخلصتش. إنت عارف هياخد وقت مني."
رفع حاجبه بخبث وقال:
"والله إنت بتعمله في خمس ساعات بالكتير. إنت قاعد في أوضتك من تسعة الصبح لغاية دلوقتي ومخلصتش؟"
"على فكرة أنا بقالي أربع ساعات بس."
"حلو. القعدة معها الدرجة دي نسيتك شغلك يا يوسف."
ضحكت على كلامه وقلت:
"دي نسيتني اسمي يا جدي."
ضحك لي وقال:
"الحب جميل يا يوسف. ربنا يدوم الحب بينكم ويرقّق قلبها عليك."
"يا رب يا جدي."
"مش ناوي تقول أي المواضيع التانية اللي زوّدت همّك؟"
لو أنكر فهو بيعرفني من عيني. نفسي أقول له إني متلغبط، لكن الموضوع تقيل على قلبي ومش عايز دماغي تِسوّحني.
"ها... بتفكر تقول لجدك ولا لا؟ صحيح من لقى أحبابه نسي أصحابه."
ابتسمت له وقلت:
"لا والله... بس، أعمل إيه لو شاكك إن ورد كانت تعرف حد قبل ما نتجوز؟"
"يبقى تخرج الموضوع من راسك، لإنه هيبقى وجع لقلبك وظلم لها. لأنها دلوقتي على ذمتك، ومخرجش منها عيبة واحدة."
"طب..."
"مفيش طب يا يوسف. ورد بتلين لك، وده معناه إن حتى لو كان في حد قبل منك قلبها بيتفتح لك أنت وبس. ومن إمتى بنحاسب الناس على ماضيهم!
ربنا يتوب على الناس؛ سيدنا عمر كان بيعذب المسلمين ولما أسلم بقى عمر الفاروق المبشّر بالجنة. وسيدنا عكرمة اللي قضى سنين عمره في حرب، بقى هو اللي بينشر الإسلام. وبعدين، ما أنت لولا إن الشغل كان شغلك وإن ربنا عفّى عنك باب الحرام، كان ممكن تكون عرفت واحدة واتنين.
متخليش الشيطان يلعب بيك يا يوسف. لو مش متأكد متدورش عشان هيبقى صعب تكمل ومتظلمهاش معاك علشان حاجة خالص انتهت قبل ما تعرفها. متدورش ورا الموضوع ده يا يوسف—مش هيأثر غير عليك."
الباب خبط وإحنا قاعدين. جدي اتنهد وسمح بالدخول. دخلت تاليا، وكعادتها لبسها ما ينفعش يتمشى به.
"هلو، إزّيك يا جدو... إزّيك يا چو."
"اتفضلي يا روحي، البسي حاجة من عند مرات عيال عمك وبعدين تعالي سلمي. مش نكرّرها تاني يا تاليا؛ مرة كمان تيجي القصر كده مش هيحصل لكِ إنتِ وأبوكِ كويس؟"
خرجت من غير ما ترد، وبعدين قومت أنا وجدي، اللي كان مستغرب فعلاً من وجود ياسر مع تاليا. لكني مكنتش مستغرب خالص. أول ما شافني جي يحضني، لكني تجاهلته، فبصّ لي وقال:
"مبتردش على الواتساب ليه يا يوسف؟"
"مش فاضي لك."
قعدت جنب جدي، والكل كان متجمّع، وأمي دخلت علينا:
"السلام عليكم يا حج، إزّيك يا تاليا؟ مش قلتي يا بنتي هتيجي امبارح؟ مجتيتش ليه؟ أنا عملت لك بسيسة من اللي بتحبيها."
"معلش يا طنط، ياسر كان مشغول في الشغل الجديد اللي مسكه ومكنش فاضي يوصلني عشان عربيتي في الصيانة."
"ياسر وشغل في جملة واحدة! والله عيشت وشوفتك يا ياسر بتجري على شغلك."
كان أبويا اللي علّق على كلام تاليا. ضحكنا كلنا، وبعدين رد ياسر:
"والله يا عمي الدنيا بتفرح، وأبويا ماسكني شغل جديد في المينا مع يوسف."
"مع مين؟ معلش!!"
كان سؤالي المعترض، فقال:
"معاك يا جو. أبويا قال لي شغل أعمله معاك بدل ما تعمله لوحدك."
"متشكر يا فضلكم. أنا ما بعرفش أشتغل مع حد غير خالد، اشتغل مع عمك."
"يوسف، قوم تعال معايا عشان عاوزك."
كانت أمي هي اللي نادتني. قومت لها، وقبل ما أروح معاها جالي صالح وقال:
"خالو خالو... وردتي عاوزاك فوق دلوقتي."
ضحكت وقلت له:
"قلتلك إنها وردتي أنا... روح قولها خمسة وهيجيلك."
الكل بص لي واستغرب. ملامح تاليا على وشِك الانفجار — هي وأمي وبعض الستات الحقودات. أبويا قرفان مني عادي، والفخر على عيون جدي، وياسر اللي مش عاوز أفصّل ملامحه إن هي غِلّ. تجاهلت الكل ومشيت مع أمي.
———————————————————-
خرجت من الحمام ولبست فستان من الفساتين الجداد، والحاجات الجديدة اللي جابها كانت بحجم بعيد عن إديّ؛ أستاذ يوسف نسى إنّي عايشة بأحجام طبيعية، مش عملاقة زي حضرتُه. مستغربة أوي، بس الأيام اللي فاتت وخصوصًا بعد ما رجعنا من إسكندرية وأنا حاسة بحب رهيب للغراض دي، وكل شوية بغير أماكن حاجات، ويوسف مش مضايق خالص من كده. فضلت مستنية أستاذ يوسف لغاية ما زهقت ولبست طرحة غير اللي اخترتها، وبتعوّد للأستاذ اللي قال هينفع كل طلباتي. ثواني ما أحط الدبوس الأخير والباب خبط؛ سبت الدبوس من إيدي وفتحت وقلت:
"اتفضّل يا أستاذ... أبو طويلة."
تجمدت مكاني لما شُفت ياسر واقف ومشبك ذراعه.
"لقيتي حد يقولك يا وردتي يعني؟"
"ياسر... اتفضل، امشي من هنا."
"أمشي ليه؟ يوسف مشغول دلوقتي. خلّينا نتكلم كلمتين، أنا مش عارف أوصلك."
قالها وهو بيتقدّم داخل، فخرجت برّه عشان أبعد عن الأوضة وقفلت الباب وقلت:
"احترم نفسك يا ياسر. أنا واحدة متجوزة، بلاش تتخطى حدودك، ودي آخر مرة بحذّرك."
"ليه يا قطة؟ ما أنا كنت يا ياسورة حبيبك، طول عمر عينك مليانة بيا."
"عيني عمرها ما شافتك أصلًا. واحد يا ياسر، لو قربت خطوة هانادي على يوسف واللي يحصل يحصل."
قرب قوي، قرب بطريقة رعبتني، خليتني أديه بالقلم على وشه وأنا بنادي على يوسف بأعلى صوت عندي ودموعي هتنفجر من الرعب:
"يوسف... يوسف الحقني!"
يتبع...
#نورهان_علام
#حواديت_تراب_القمر
تفتكروا يوسف هيعمل اي؟؟