📁

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل العشرون 20 بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي عبر روايات الخلاصة بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل العشرون 20 بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل العشرون 20

لم يكن حشمت مندور يعرف النوم، جلس الساعات الطوال في عتمة الخرابة المقابلة لوكر سيد شنكل، يتأمل الحركة حوله بعين الصقر الذي لا يخطئ.

 الرجال يدخلون ويخرجون، وجوه غليظة، أصوات مكتومة، والبوابة الكبيرة التي لا تنفتح إلا لمن يعرف الإشارة. دوّن بعقله كل حركة: الحارس الأعرج الذي لا يترك سيجارته، الكلب المربوط إلى العمود، وتلك السيارة السوداء التي لا تتوقف سوى دقائق ثم تغادر.


حين تيقن أن اقتحام المكان على غفلة ضرب من الجنون، انتقل إلى الخطة الأخرى.

الخرابة التي اتخذها مأوى مؤقتًا كانت مليئة ببقايا زجاج، صفائح صدئة، وأكياس مسحوق مجهول.

كل شيء هناك يصلح أن يتحول إلى سلاح، القى نظره على سلوان التى غفت لبضع دقائق ثم جلس في الركن الأعماق بعيد عنها ، أخرج حقيبة صغيرة كان يحملها معه دائمًا، بداخلها بقايا أسلاك، بطارية قديمة، وعلبة معدنية. نظر حوله، التقط عبوة زجاجية مهملة، غسلها بماء صدئ كان يتجمع في برميل، ثم بدأ يملؤها بمزيج من مسحوق أسود كان قد جمعه من بقايا المفرقعات الشعبية التي تباع في الأسواق. أضاف إليه مادة حارقة جلبها من محل كيماويات متهالك في شارع جانبي، يعرف كيف يسأل دون أن يثير شكوك البائع.


فتح سكينه الصغيرة، فرغ بعض أعواد الكبريت، جمع رؤوسها في كيس بلاستيكي وسحقها بعناية حتى صارت مسحوقًا ناعمًا. خلطها مع البودرة السوداء داخل العبوة، ثم ثبت غطاءً محكمًا صنعه من قطعة قماش سميكة مسقية بالزيت كي تمنع التسرب.


أخرج بعد ذلك ساعة يد قديمة، فكّ غطاءها الخلفي، ركب سلكًا دقيقًا على آلية العقرب، وصل السلك بالبطارية، ثم ألصقه بشريط عازل إلى لمبة صغيرة انتزعها من لعبة أطفال صدئة عثر عليها في القمامة. كان يعرف أن الضوء لن يضيء، بل الشرارة التي ستنطلق حين يكتمل الدائرة تكفي لإشعال الخليط.


جلس يراقب ما صنعه، سيجارة بين شفتيه، يزفر دخانًا كثيفًا، وعيناه نصف مغمضتين

يحب حشمت مندور لحظاتة الأخيره فى الحياه لطالما تذوقها بأستطعام لكن تلك المره مختلفه أدرك ذلك وهو يلقى نظره على الفتاه الغافيه قرب الجدار 


---


أيَقظها بخفة، لمسة قاسية على كتفها جعلتها تفتح عينيها على عتمة الخرابة ورائحة البارود التى ملأت الجو. كان صوته حادًا، متماسكًا كأنه لم يعرف طعم النوم أصلًا:


ــ اصحى يا سلوان… 


جلست مرتبكة، مسحت وجهها بكفها وهى تلتقط أنفاسها. نظرت إلى ملامحه، فوجدت عينيه تلمعان بصلابة غريبة، كأنهما عينا ذئب يتحين القفز.


قالت بخفوت، وهى تلتفت ناحية الضوء البعيد المنبعث من 

ــ كم واحد جوه


أشعل سيجارته سريعًا، نفث الدخان دون أن ينظر إليها:

ــ حوالى عشرين راجل.

توقفت لحظة، ثم أضاف:

ــ أنا مش ناوى أذبحهم زى ما كنت بقول… كل اللى يهمنى أخرج البنت. لو وقفوا فى وشى، ساعتها… يبقى لكل حادث حديث.


تأملته طويلاً، كأنها لا تصدق أن الرجل الذى طالما تكلم عن الدم والانتقام يمكن أن يتراجع. همست:

ــ يعنى مش هتقتل سيد شنكل؟

ابتسم ابتسامة ساخرة، ورمى عقب السيجارة:

ــ مش الليلة دى… الليلة دى لها هدف تانى.


تقدمت خطوة، لهجتها تحمل قلقًا أكثر من الفضول:

ــ طيب… إزاى هتقتحم المكان؟ الحراسة مش بسيطة

لم يجبها مباشرة. فقط مد يده إلى جانبه، التقط العبوة المعدنية الصغيرة التى صنعها بنفسه، ورفعها أمام عينيها. كانت ثقيلة، يلمع على سطحها أثر الزيت الأسود. هزها فى الهواء بخفة وقال:

ــ بالانفجار ده.


شهقت، ارتدت للوراء خطوة:

ــ انفجار؟!

اقترب منها، صوته ثابت، كأنه يشرح خطة معتادة:

ــ هدوى الدنيا كلها بدوى واحد. أول ما يحصل الانفجار، كلهم يجروا ناحية الصوت. أنا ساعتها أتسلق من ورا، أدخل جوه… وألاقي البنت.


ظل يراقب وجهها المتوتر، ابتسامة صغيرة شقت ثغره وهو يضيف:

ــ بسيطة مش كده؟


جلست سلوان على الأرض، وضمت ركبتيها إلى صدرها. كان قلبها يخفق بعنف، ليس خوفًا فقط من الانفجار، بل من برود هذا الرجل الذى يتحدث عن إشعال الخراب كما لو أنه يخطط لفتح باب غرفة، انها ليست اول قنبله تفجرها لكن الآن وسط القاهره بعيد عن ديارها الأمر مختلف 


أما هو، فجلس قبالتها، وضع القنبلة بجواره وبندقيته على ركبتيه. عيناه معلقتان بالظلام الخارجى، وكأنهما تلتقطان كل حركة، كل ظل، كل صوت بعيد.


ثم قال فى هدوء قاتل:

ــ استعدى


---


لم تكن سماء تلك الليلة صافية، بل محمّلة بثقل غامض كأنها تنتظر الشرارة.

جلس حشمت مندور فى الظل، وضع العبوة بجوار الجدار الخلفى للوكر، مدّ فتيلًا بدائياً من القماش المغموس فى الزيت، وأشعل بعود ثقاب. لحظة اشتعال الفتيل، رمق سلوان بنظرة أخيرة، همس:


ــ لما تسمعى الصوت … متتحركيش من مكانك.


ابتعد بخطوات محسوبة، كمن يرقص فوق حافة الموت. ثوانٍ بدت دهورًا، قبل أن يشق الصمت انفجار مدوٍّ، هزّ الأرض تحت أقدامهم، تبعثر معه الغبار، وتشققت النوافذ الأمامية للوكر. ارتفع صراخ الرجال من الداخل، هرولة متخبطة، وأصوات رصاص أُطلق فى الهواء بلا هدف.


فى تلك الفوضى، كان حشمت مندور قد التصق بالجدار الخلفى، جسده منحنى، يتحرك بسرعة ذئب يعرف طريقه بين الأشواك. تسلق بعزم، قبضتا يديه تتشبثان بالبروزات الصخرية، والعرق يتصبب على جبينه. لم يلتفت إلى الدخان الكثيف أو الوجوه المذعورة التى ركضت نحو مكان الانفجار.


داخل الوكر، كان الممر الضيق ممتداً كأمعاء ثعبان، رائحته خانقة من عرق الرجال والرطوبة. خطواته لا تُسمع، عيناه تلتقطان أدق حركة. قلبه صار أكثر ثباتًا من عقله، وكأن شيئًا داخله يوجهه مباشرة.


حتى وصل إلى الباب الحديدى الصغير، المُغلق بقفل صدئ. وضع أذنه على المعدن، التقط أنفاسًا متقطعة، ثم صوت ارتجافة ضعيفة.

ابتسم ابتسامة لا يعرف هل هى سخرية أم ارتياح:


ــ لقيتك.


أخرج أداة معدنية من جيبه، بدأ يعبث بالقفل بخفة يد محترف، والطرقات البعيدة لرجال سيد شنكل ما زالت تصرخ وتلهث فى الخارج. لم يستغرق الأمر طويلًا، حتى استسلم القفل بصرخة معدنية وفتح الباب ببطء.


فى الداخل، كانت ندى جالسة فى زاوية الغرفة، يديها مقيدتان، ووجهها متورم من أثر الخوف والسهر. عيناها التقتا به للحظة، ارتبكت أكثر، لم تفهم من القادم. هو فقط انحنى نحوها، وصوته خافت كأن الليل كله يستمع:

ــ قومى…

ابعد عنى انت ايه إلى جابك هنا يا مجرم ؟

همس حشمت مندور مش وقت دلع بنات وحياة امك متحسسنيش انك فى رحله فى دريم لاند، العيال البرة دى مش بريئه وفى اى لحظه هيستبيحو جسمك ،انتى فاكره سيد شنكل معجب بصوتك هيسجلك أغنية ؟


دوى الانفجار ما زال يتردد بين جدران الوكر، والغبار لم يهدأ بعد حين اندفع سيد شنكل من غرفته، وجهه محتقن، عينيه جمرتان تشتعلان. وجد رجاله متجمعين عند الممر، يتبادلون نظرات مرتبكة، أحدهم تمتم وهو يمسح العرق عن جبينه:


ــ يمكن أنبوبة جاز انفجرت جوّه المطبخ يا معلم…


لم ينتظر أن يكمل، صرخ بصوت دوّى كالسوط:


ــ أنبوبة إيه يا حمير! دا شغل حشمت مندور… 


ارتج المكان على وقع صرخاته، وارتد الرجال خطوات للخلف، كأنهم أول مرة يرونه غاضبًا بهذا الشكل. تقدّم بخطوات ثقيلة، قبضته ترتجف من الغيظ، نظر فى عيونهم واحدًا واحدًا وصاح:


ــ واقفين تبصوا لبعض كده ليه؟!

ــ اطّوقوا المنطقة حالًا… مفيش ولا دُبانة تخرج من هنا من غير ما أعرف!


أشار بيده بعنف، كمن يطيح بجدار وهمى أمامه:


ــ عايز كل الشوارع الجانبية، الأسطح، المزارع حوالين الوكر تبقى مليانة عيون. أى حد يحاول ينسل… اضربوا فى ساعتها.


أحدهم حاول الاعتراض، صوته خافت:

ــ بس يا معلم، الانفجار كان بعيد عن…


قاطع كلامه بصفعة دوّت، طرحته أرضًا، ثم صرخ من جديد:


ــ أنا قلتلكم دا شغل حشمت! هيفرّ من إيدينا لو فضلتوا تفكروا بالغباء دا!


ساد الصمت للحظة، والرجال يتفرقون فى جميع الاتجاهات، يحملون أسلحتهم، أصوات أقدامهم تصطك بالأرض الترابية، فيما ظل سيد شنكل واقفًا وسط الممر، أنفاسه لاهثة، عيناه معلقتان بالظلام وكأنه يرى فيه خيال الرجل الذى لا يترك له ليلًا ينام.


داخل الممر الضيق، كان الغبار لم يختفِ بعد من أثر الانفجار. حشمت مندور اندفع كظلّ أسود، جسده ملتصق بالجدار، عيناه تلمعان باليقظة يجر ندى خلفه ، دوّت أصوات خطوات ثقيلة تتسارع نحوه، وصوت صفير معدني حين شُحنت البنادق.


لم يتردد. رفع ذراعه، أطلق رصاصة واحدة صمّت الأذن، ارتطمت بمصباح معلق فى السقف فانفجر الزجاج وتناثر الضوء. غرق الممر فى عتمة مفاجئة. صرخ أحد الرجال:

ــ هناك! هناك!


اندفعوا إلى الأمام، لكنهم لم يروا سوى ظل  قبل أن يهجم عليهم كعاصفة. قبض حشمت على عنق أول رجل، ضرب رأسه بالجدار بقوة جعلت جسده ينهار أرضًا بلا صوت. مد يده الأخرى بسرعة، خطف المسدس من يد ثانٍ وأطلق رصاصة فى قدمه قبل أن يصرعه بلكمة فى وجهه.


صرخ ثالث:

ــ نار! نار!


أُطلقت زخات رصاص عشوائية، الطلقات ترتد على الجدران المعدنية، الشرر يتطاير. حشمت انبطح أرضًا حاميآ ندى بجسده، زحف كأفعى تحت الدخان، ثم انقض فجأة على أقربهم، جذب سترته وألقاه أمام رصاص رفاقه، فارتج جسده بالطلقات وسقط صارخًا.


ركض حشمت فى الممر وهو يلهث، الطلقات تلاحقه من الخلف. رصاصة مزقت طرف سترته، وأخرى خدشت ذراعه وهو يدفع ندى امامه  لكنه لم يتوقف. عيناه على الباب الخلفي، الباب الوحيد الذى يتنفس منه الهواء البارد من الخارج ،صرخ فى ندى، الباب

الباب


عندما وصل، دفع الباب بركلة قوية فانفتح على وسعه، الليل كان بانتظاره سمح لندى ان تسبقة قبل أن يطلق دفعه من الرصاص تعطل مطارديه . اندفع خارجًا، جسده يتدحرج على التراب قبل أن يستعيد توازنه ويقفز بين الظلال.


خلفه، ارتفع صوت سيد شنكل من عمق الوكر، مجنونًا بالغيظ:

ــ ما تسيبهوش! اجرو وراه!


رجال شنكل خرجوا بالعشرات، أضواء الكشافات تتراقص على الجدران، أصواتهم تتعالى، الكلاب تُطلَق من سلاسلها. 


الزقاق الضيق كان كأنه فخّ، جدرانه العالية تحبس الصوت وتضاعفه، وصدى خطوات رجال سيد شنكل يقترب كقافلة موت. حشمت مندور يجرّ ندى من يدها، نصف جسدها يكاد ينهار من التعب، بينما أنفاسه نفسها تتقطع وهو يحاول أن يدفعها للأمام.


فجأة، صفّر الرصاص من خلفهما، الشرر يلمع على الطوب المتهالك. كادت رصاصة أن تخترق كتف ندى، لولا أن يد حشمت شدتها أرضًا قبل اللحظة الأخيرة.


وهنا… جاء صوت الطلقات من الأمام، لكن هذه المرة ليس ضدهم. سلوان ظهرت من الظلال، مسدسيها يتكلمان بلا رحمة. رشت الرصاص بخفة قاتلة، كأنها تؤدي رقصة حرب. أول رجل سقط مصابًا فى ساقه، والثاني ارتد للخلف وهو يصرخ، أما الثالث فاختبأ وراء برميل صدئ قبل أن تنغرز رصاصة سلوان فى كتفه وتشل حركته.


صرخت بصوت حاد يخترق الفوضى:

ــ امشوا! الطريق مفتوح!


اندفع حشمت مندور وندى نحوها، بينما هى تغطيهما، تتحرك بخفة، تطلق النار بيد وتبدل المخزن باليد الأخرى كأنها وُلدت مع الحديد. رجال شنكل تراجعوا للحظة، مرتبكين أمام دقتها وسرعتها.


خرج الثلاثة إلى شارع جانبي أوسع، الأنفاس متلاحقة والعرق يقطر من جباههم. لم يتوقف حشمت، نظر حوله بجنون، حتى لمح أضواء سيارة أجرة تتهادى على الطريق. ركض كالسهم، اعترض السيارة باندفاعه، ضرب غطاءها بقبضته، صاح بالسائق بعينين مجنونة:

ــ انزل بسرعة!


ارتبك السائق، تراجع خطوتين وهو يرفع يديه، ترك الأبواب مفتوحة. قفز حشمت خلف المقود، أدار المفتاح بعنف، التفت إلى سلوان:

ــ اركبي


رفعت سلوان حاجبها، مسدسها لا يزال يلمع فى يدها:

نظرت إليه سلوان لوهلة، ثم شدّت ندى من ذراعها وألقتها داخل السيارة، قبل أن تقفز هى بجوارها، بينما المحرك يصرخ وينطلق بهم فى قلب الليل.


                  جاسم 


---


تحرك جاسم بخطوات ثابتة داخل الأزقة الخلفية، يعرف أن رائحة الدم والخيانة دائمًا تختبئ هنا. منذ ساعات وهو يتنقل بين أوكار المجرمين، يتقصى الأخبار عن ذلك الاسم الذى صار يطارده كظلٍّ ثقيل: حشمت مندور.

بعضهم تهرّب بالكذب، وبعضهم أغلق الأبواب فى وجهه، لكن المال له سحره الخاص. مدّ كومة من النقود لرجل بملامح شاحبة، وحينها انفرجت شفتا الرجل بمعلومة حاسمة:


ــ "مفيش غير سيد شنكل… هو الوحيد اللي يقدر يجيبلك حشمت مندور لو عاوز."


غرزت الكلمات فى صدر جاسم كإبرة. لم يتردد، تحرك مباشرة نحو وكر شنكل، لكن القدر كان قد سبقه بخطوة. فمع وصوله إلى مدخل الحارة المظلمة، دوّى الانفجار البعيد، ثم أصوات طلقات نارية متلاحقة. تسارعت خطواته، عيناه تراقبان الفوضى وهي تتسرب من كل زاوية.


وفى اللحظة التي خرج فيها إلى الشارع الرئيسي… لمح السيارة وهي تنطلق بسرعة جنونية. خلف الزجاج الأمامي، رأى بوضوح وجوههم:

حشمت مندور ممسك بالمقود بعينين متقدتين، إلى جواره الفتاة التى لا يعرفها، وخلفهما ندى، شاحبة لكنها حيّة.


شدّ جاسم قبضته حتى كاد يحطم الهواء. اندفع يجري بكل ما يملك من قوة، صرخ بالسائقين المتوقفين، لوّح بيده محاولًا أن يستوقف أي عربة. لكن السيارة كانت قد ابتعدت بالفعل، ضوء مصابيحها يبتلعها الظلام شيئًا فشيئًا.

وقف جاسم فى منتصف الطريق، أنفاسه تتلاحق، والعرق يتصبب من جبينه.


جلس جاسم فى مقهى شعبي ضيق، الطاولات المعدنية متآكلة، والدخان يملأ الجو كستار باهت. فنجان القهوة أمامه برد منذ زمن، لكن عيناه كانتا معلقتين بالصحيفة التى بين يديه. على الصفحة الأخيرة، صورة واضحة لرجل يعرفه جيدًا… حشمت مندور. أسفل الصورة عنوان بالخط العريض:


"ابحث مع الشرطة… المتهم بتفجير مبنى سكني هارب من العدالة"


تأمل جاسم الملامح القاسية في الصورة. لم تكن مجرد صورة لرجل مجرم، بل مفتاح اللغز الذى يحاول فكّه منذ أيام. قلب الصفحة بهدوء، ثم أخرج هاتفه المحمول القديم من جيبه واتصل برقمٍ محفور فى ذاكرته.


ــ "الو، يا باشا… أنا جاسم. قلتلك قبل كده، أنا مش بدوّر على مندور عشان الشرطه، أنا عايز بنت عمي… ندى. 


جاءه صوت الضابط متردداً، كمن يخشى أن يُسمع حديثه:

ــ "بص يا جاسم، الموضوع مش بسيط… شنكل دخل على الخط، والراجل قدر يستميل ناس تقيلة جوه المديرية. كل حاجة دلوقتي مربوطه بحشمت، والاتهامات بتتكبّ عليه كأنه هو الشيطان الأعظم."


ضغط جاسم بأسنانه، تخللت نبرة صوته حدّة واضحة:

ــ "أنا يهمني البنت، مش لعب السلطة.


صمت الضابط لحظة، ثم قال هامسًا:

ــ "خليك حذر يا جاسم. 

الدنيا مقلوبه على حشمت مندور والشرطه هتجيبه حتى لو كان فى القمر ولو بنت عمك معاه هنلاقيها

لكن فى حاجه محيرانى فى الموضوع ،انت قلت حشمت مندور خطف بنت عمك لكن المعلومات إلى وصلتنى ان حشمت مندور انقذ بنت عمك من بيت سيد شنكل 


أغلق جاسم الخط، أسند ظهره إلى الكرسي الحديدي البارد، ورشف أخيرًا من فنجان قهوته. كان الطعم مرًّا، تمامًا كالخطة التى تتشكل فى ذهنه.


رفع عينيه نحو الجريدة مرة أخرى. صورة حشمت لم تعد مجرد صورة مجرم مطارد… بل صارت خيطًا متشابكًا بين ندى وبينه

تنهد جاسم وقال بصوت خافت:

هو انت ايه حكايتك يا حشمت يا مندور ؟


                    ندى


قاد حشمت مندور السيارة بخطٍ متعرج في شوارع جانبية لا يعرفها إلا هو، كأنه يسلك متاهة يعرفها عن ظهر قلب. كان الليل قد أحكم قبضته على القاهرة، والأنوار المتفرقة من أعمدة الإنارة تكشف ملامح ندى المرتبكة في المقعد الخلفي. يدها ما زالت ترتجف، وعيناها زائغتان بين الزجاج الأمامي والنافذة.


بعد رحلة طويلة، انعطف إلى بوابة حديدية ضخمة صدئة، طرق ثلاث مرات بنغمة محددة، فانفتح الباب ببطء كاشفًا عن منزل محصن وسط خرابة قديمة. أسوار عالية، شبابيك مسدودة، وكأن المكان ليس للسكن بل للحصار.


توقفت السيارة، ونزلت سلوان أولاً. مدت يدها لتفتح باب ندى، بابتسامة صغيرة أرادت بها أن تهدئ خوفها:

ــ "تعالي… 


دخلوا معًا إلى الداخل. المكان رغم حصانته لم يكن مريحًا: جدران عارية، أثاث متواضع، بندقيتان مسنودتان على الحائط، ورائحة دخان سجائر تملأ المكان. جلست ندى على كرسي خشبي وهي ما تزال في حالة صدمة، بينما جلست سلوان قبالتها، تراقب ملامحها عن قرب.


ــ سلوان، بهدوء: "أنا اسمي سلوان… فلسطينية. الظروف جمعتنا سوا. متخافيش، مش إحنا اللي خطفناك


أومأت ندى بصمت كانت ترى سلوان لأول مره لكنها تعرف أن فتاه طيبة رغم ذلك ظلت  ملامحها متحفزة. نظرتها كانت تبحث عن تفسير، عن سبب، عن ضمانة

تركهم حشمت مندور يثرثرون وخرج إلى الطريق مما سمح لندى ان تعرف القصه كامله من سلوان 


هنا ظهر حشمت مندور ، يمسح يديه من بقايا الزيت بعد أن راجع بندقيته. جلس على حافة الطاولة، نظر مطولًا إلى ندى قبل أن يقول بصوت منخفض:

ــ "إسمعي كويس يا استاذه… مش قصدي أجرّك في اللي بيحصل، لكن لازم تعرفي الحقيقة. وجودك في وسط كل ده مش صدفة."


رفعت ندى عينيها نحوه بفضول، فاقترب قليلًا وأكمل بحدة محسوبة:

ــ "اللي طلب خطفك وقتلك مش شنكل لوحده… في حد تاني دفعله عشان يخلص عليك."


صمت لحظة، كأنه يختبر صبرها

ــ "نوح… . دفع مبلغ ضخم لسيد شنكل عشان يصفّيك."


شهقت ندى، وضغطت يدها على صدرها 


أشعل حشمت سيجارته، نفث دخانها ببطء، ثم قال ببرود:

ــ "المعلومة دي بيني وبينك… إنتي هترجعي بيت جدك… وأنا هسلمك بنفسي. لكن قبل ما ترجعي، احفظي الكلام ده جواكي، لحد ما ييجي وقته."

أما سلوان، فظلّت تراقب الموقف بصمت ومع كل لحظه تحاول أن تبعد ذلك الشعور المهتم بحشمت مندور

يتبع...

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل الحادي والعشرون 21 من هنا

رواية أعلنت الحرب على قلبي كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات