رواية أعلنت الحرب على قلبي عبر روايات الخلاصة بقلم إسماعيل موسى
رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل السادس عشر 16
اتسعت عيني ندى بدهشة:
ـ صوّرتني؟! إزاى ولية؟
_جاسم!!
ـ كنت مصدوم من الشبه، لدرجة حسيت إني لازم أبص تاني عشان أتأكد.
ـ والنتيجة؟ اتأكدت؟
جاسم
ـ آه… اتأكدت إنك شبهها… شبه خطيبتى… لدرجة مستحيله
سكت جاسم لحظة كأنما يزن كلماته وبعدين قال بصوت أوطى:
ـ كنتِ عايزاني أعرف ؟
شهقت ندى كأنها تمنع سبه او صفه سيئه ستلتصق بها
ـ حقيقة إيه؟ أنا ما كانش في بالي كل ده.
وبسرعة أردفت:
ـ وبعدين أنا مالي بخطيبتك؟
شرد جاسم فى أفكاره ،رمق الحقول المترامية على مدى البصر وهمس !!
ـ كل اللي حصل خلاني أبان في نظرها كداب وخاين.
ندى ضغطت شفايفها وهي تحاول تسيطر على ارتباكها:
ـ يمكن لأنك مشيت غلط من الأول… صورتني من غير إذني.
جاسم
ـ طب وانتي؟ ليه ما قلتيش إنك بنت عمي من الأول؟ ليه خليتيني أقف معاك وأتعامل معاكي كأنك غريبة؟
ندى ـ يمكن… يمكن خوفت.
جاسم بص لها بحدة:
ـ خوفتى من إيه بالضبط ؟
ـ خوفت من كل حاجة منك ومن عيلتى ومن المجرمين ومن العالم كله.
___تحركت ندى مسافة بسيطه جدا ، يداها مشدودتان في حجرها، تحاول أن تبدو ثابتة، هادئة، كأنها مجرد طالبة تستمع لكلام أستاذها لكن داخلها كان العكس تمامًا.
كل كلمة ينطق بها جاسم كأنها تُسحب من قلبها مباشرة، كانت تحاول جاهدة أن تتحكم في عينيها، ألا تفضح ارتجافها كلما التقت نظرته.
أرادت أن تبقى صورتها أمامه واضحة: الفتاة الرزينة، المتماسكة، البعيدة عن أي شبهة.
لكن الحقيقة لم تكن كذلك،هي من تركت مذكرتها عمدًا، هي من وقفت في الشرفة يومها أكثر من اللازم، تسمح لنفسها بلحظة خاطفة تتأكد فيها من أن عينيه تراها، لم تكن مجرد صدفة بريئة.
في عقلها جلبة وصراع:
"ليه عملت كده؟ عشان أجذبه؟ عشان يربطني بيه من غير ما ياخد باله؟"
كانت تعلم أن ما فعلته اندفاع لا يشبهها، لكنها لم تستطع منعه، شيء بداخلها كان يريد أن يكسر المسافة بينهما، أن يذكره بوجودها، حتى لو عبر صورة خاطفة في هاتفه.
ورغم كل هذا، كان وجهها الآن جامدًا تُظهر لجدها وعمها أنها مجرد ابنة مطيعة تستمع وترد باختصار، تُخفي عن جاسم ارتباكها خلف نبرة جافة، كأنها لا تبالي.
لكن قلبها كان يلهث في صدرها، يتمنى أن يطول الحوار أكثر، أن يقترب أكثر… وفي الوقت نفسه، يخشى أن يكتشف جاسم نواياها الحقيقية، أن يقرأها كما هي، بلا أقنعة.
فوضعت حاجزًا جديدًا، حوّلت ارتباكها إلى كلمات باردة، وأخفت رغبتها في أن تقول: "كنت عايزاك تعرفني…
---
تنفست ندى ببطء ثم قالت لجاسم بصوت هادئ:
"أنا عارفة إنك زعلان إني ماقولتش من الأول إني بنت عمك… بس كان لي سبب، إنت عارف موضوع البلطجية اللي ضايقوني في الأول، أنا خفت لو جدو عرف الحقيقة… كان هيمنعني أروح الجامعة خالص، وأنا ماقدرتش أستحمل فكرة إني أتقفل في البيت ومكملش تعليمي."
نظرت بعيد عنه لحظة، ثم أضافت بسرعة قبل أن يقاطعها:
"عشان كده سكت، مش عشان ألف وأدور أو أخبي عنك، بس كنت بدور على طريقة أعدي بيها من غير ما أتعاقب على ذنب ماعملتوش."
ثم رفعت ندى عينيها بتوتر !!
"أنا ماكنتش أعرف إني شبه خطيبتك… ولا كان قصدي أعمل أي مشكلة بينكم. كل اللي عملته كان عشان أحمى نفسي وأكمل طريقي… مش عشان أخرب حياتك."
سكتت لحظة ثم أضافت بصوت منخفض:
"ولو اللي حصل سبّبلك أي مشكلة معاها… أو خلاك تبان قدامها إنك مخبي حاجة… أنا بعتذر. ماكانش قصدي أبداً أوصل الأمور لكده."
ظل جاسم ينظر لندى وهو صامت، كأنه يحاول يقرأ ما وراء كلماتها، ما وراء نقابها، حاول أن يتأمل عيونها الان فى تلك اللحظه بالذات.
كان واضح عليه التردد، بين غضبه من الموقف وبين إحساسه إن ندى صادقة.
أخيراً قال لها:
"أنا مشكلتي مش معاكِ يا ندى… مشكلتي إن اللي حصل خلى روان تشوفني كداب في نظرها. أنا عمري ما كنت أحب أبقى في الموقف ده."
ثم مال بجسده قليلاً للأمام وأضاف:
"لكن صدقيني… أنا مصدق إنك مكنش قصدك. واعتذارك… أنا
قبلته.
---
بعد لحظة صمت ثقيلة، وضعت ندى يدها على المذكرة، ثم رفعت نظرها نحو جاسم وقالت بهدوء متكلف:
"لو تسمحلي يا دكتورجاسم… أطلع أوضتي، عندي شوية مذاكرة لازم أراجعها قبل الامتحان."
وقفت ببطء، حاولت تثبيت خطواتها عشان ما تبانش متوترة، ثم استأذنت من جدها وعمها بابتسامة خفيفة قبل أن تتجه إلى السلم وتصعد لغرفتها.
---
أغلقت ندى باب غرفتها خلفها ببطء، ثم أسندت ظهرها إليه كأنها تبحث عن جدار يصدّ عنها زحمة الأفكار.
لم تعد تملك ذلك الثبات الذي حاولت أن تظهره أمام جاسم منذ لحظات.
الآن فقط انفلتت أنفاسها سريعة، متلاحقة، كأنها تجري مطاردة داخل صدرها.
جلست على طرف السرير، أصابعها تعرك طرف المنديل بين يديها بلا وعي.
كيف حدث أن انجرفت إلى هذا المأزق؟
كانت تظن أن حذرها كافٍ، أن النقاب والجدار الذي تبنيه حول نفسها سيمنع أي نظرة، أي شبهة، أي اهتمام.
لكن كل شيء انهار في لحظة… صورة واحدة التقطها جاسم، كلمة أفلتت من روان، والآن الحقيقة تطاردها حتى داخل جدران بيتها.
كان قلبها يتمرد عليها.
كلما حاول عقلها أن يذكّرها بالسبب الحقيقي لصمتها، بالخوف من البلطجية، وبخشيتها من أن يُغلق جدها باب الجامعة في وجهها لو عرف… يتدخل قلبها ليصرخ: "لكنكِ لم تصمتي فقط خوفًا… بل لأنكِ لم تريدي أن تبتعدي عنه."
تغطت وجهها بكفيها.
هي لم تعترف بهذا حتى لنفسها من قبل.
لكنها اليوم، وهي تتذكر نظرة جاسم وهو يقول لها: "طلعتيني خاين وعبيط في نظر خطيبتي"، شعرت بطعنة في صدرها، طعنة لم يكن لها مبرر لو كانت مشاعرها حيادية كما تدّعي.
تركت المنديل من يدها وسارت بضع خطوات في الغرفة الضيقة.
كانت تشعر أنها عالقة بين عالمين: عالم يطالبها بالثبات، بالإنكار، بالتمسك بالصورة التي رسمتها لنفسها كفتاة ملتزمة لا تلتفت لأحد… وعالم آخر يجرها جراً إلى هاوية الاعتراف، إلى الاعتراف بما لا يجب أن يُقال.
ثم جلست أخيرًا عند النافذة، نظرت إلى الخارج، إلى الشارع المظلم الممتد تحتها، وكأنها تنتظر إشارة من هناك تبرر لها صمتها أو تدينها أكثر.
وبين ارتباكها، أدركت شيئًا مؤلمًا:
أنها، رغم كل محاولاتها في الاختباء، باتت ساحة حرب حقيقية… لكن الحرب هذه المرة ليست مع البلطجية ولا مع جاسم ولا حتى مع روان الحرب في داخلها هي الأصعب.
__________
الطريق لبيته كان قصيرًا، لكنه في عينيه امتد بلا نهاية.
خطواته ثقيلة، تتباطأ ثم تسرع، كأن جسده لا يعرف إيقاعًا ثابتًا… مثل قلبه تمامًا.
كان يشعر بارتباك غريب: غضب يشتعل في صدره، وشفقة تتسلل من بين شقوق كبريائه، وشيء آخر لم يجرؤ أن يسميه.
ندى كانت مختلفة… أو ربما هو من صار هشًا أكثر مما يجب.
تذكر كلماتها، اعتذارها، نبرتها المترددة، ذلك الحاجز الذي حاولت أن تبنيه بينهما
كلما أعاد المشهد في ذهنه، تضاربت مشاعره:
"هل كانت صادقة فعلًا؟ هل كانت تحاول تحمي نفسها، ولا أنا اللي كنت أقرأ بعيني ما أريد؟"
ازدحم رأسه بالأسئلة، وصار الحوار الذي دار بينهما يتكرر داخله بأصوات متعددة: مرة بصوتها، ومرة بصوته، ومرة بصوت آخر لا يعرفه، لكنه يضعه دائمًا في خانة الحقيقة.
أحيانًا كان يشعر أنه مخدوع، وأنها لعبت بعقله دون قصد أو بقصد.
وأحيانًا أخرى كان يلوم نفسه:
"ليه اتسرعت في الحكم؟ ليه خليت روان تحكم على الموقف قبل ما أشرح؟"
بين كل فكرة وأخرى، كان يلتقط أنفاسه بصعوبة.
الغضب من خطيبته، الارتباك من ندى، الحيرة من نفسه… كل ذلك جعله يحس أنه غريب حتى عن جسده.
حين وصل باب بيته، وقف لحظة، كأنه يخشى أن يفتحه.
فالباب لم يعد مجرد مدخل، بل صار حاجزًا بين عالمين:
خارجٌ مليء بالأسئلة والاحتمالات، وداخلٌ ينتظره بالوجوه المعتادة، بالكلام المكرر، بالسلام الزائف.
-
---
كان عليه ان يخبرها الحقيقه، لا أن يترك نفسه هكذا مذبوح بشكها المريض ،حدد معها موعد وخلال ساعه كان يجلس معها وجه لوجه
جلس جاسم أمام روان، وجهه جامد، لا يحاول تبرير ولا يفتعل دفاع.
كانت نظراتها مشحونة، تنتظر منه أن يبدأ، كأنها على أهبة الانفجار.
قال بصوت هادئ، بارد بشكل مستفز:
"ما كدبتش عليك يا روان… اللي حصل، إني ماكنتش عارف. اكتشفت الحقيقة دلوقتي بس. كل اللي بيني وبين ندى ماكانش زي ما انتي فاهمة."
صمت لحظة، ترك كلماته تتساقط في الهواء كأحجار ثقيلة، ثم أضاف:
"أنا قلتلك دلوقتي علشان تبقي عارفة إني ما أخدتش في يوم موقف ضدك بكذبة.
في داخله كان الغليان أشبه ببركان مكبوت.
جزء منه أراد أن يصرخ في وجهها: "إنتي ظلمتيني قبل ما أشرح."
وجزء آخر تراجع، اختار أن يدفن كل شيء تحت قناع اللامبالاة.
هو لا يكذب… لكنه أيضًا لا يحاول إنقاذ الموقف.
الحقيقة خرجت، مجردة، جافة، بلا محاولة للتجميل.
كأنها ورقة كشف حساب أُلقيت أمامها، لا يهم إن نظرت فيها أو مزقتها.
روان ظلت تحدق فيه، عينيها تمتلئان بتساؤلات لم تجد لها جوابًا في كلماته.
أما هو، فقد أراح ظهره للخلف، متكئًا بهدوء، كأنه يراقب مشهدًا لا يخصه.
في داخله كان يعرف: الاعتراف لم يكن من أجلها… كان من أجل نفسه.
لكنه لم يكترث لنتيجته، لم يمد يده ليعيد ما تكسر، بل اكتفى بأن ينطق، ثم يترك الصمت يملأ ما تبقى من المكان.
اندفعت روان من مكانها فجأة، كأنها لم تعد قادرة على احتمال ثقل كلماته.
وجهها احمرّ، وصوتها خرج حادًا، متقطع الأنفاس:
"إزاي عايزني أصدق الكلام ده يا جاسم؟!
إزاي؟!"
كانت كل كلمة تصرخ بها تحمل خلفها خيبة عمر، صراع بين كبرياءها وجرحها المفتوح.
اقتربت منه خطوة، عينيها تلمعان بدموع مكبوتة، لكنها رفضت أن تسقط.
"تيجي دلوقتي… وبكل بساطة تقول ماكذبتش!
تتوقع إني أبلع ده؟ أصدق إن كل اللي شفته وسكتت عنه كان مجرد صدفة؟!"
ارتفع صوتها أكثر، وارتجف جسدها، كأنها تُلقي في وجهه كل الشكوك التي ظلت تخنقها لأيام.
"أنا اتكسرت يا جاسم… اتكسرت وأنا بستناك تشرح! وانت واقف قدامي دلوقتي، بارد، كأنك مش فارق معاك!"
في الداخل، كان قلبها يتخبط بعنف، خليط بين غيرة وحب مريض وغضب لا يُحتمل.
لكن ما خرج على لسانها كان أعنف:
"إزاي أصدقك… وأنت بنفسك مش مهتم أقنعني؟!"
رفعت يدها إلى صدرها، كأنها تحاول أن تكبح الانفجار الأخير، لكنها لم تستطع.
صرخت من جديد، هذه المرة بصوت أعلى:
"إزاي عايزني أصدقك وأنا مش شايفة قدامي غير خيانة؟!"
ثم استدارت نصف استدارة، تلهث، تتشبث بكبريائها حتى لا تنهار دموعها أمامه
الغريب انه ترك ترحل دون أن يحاول ان يدافع عن نفسه او يبرر موقفه ،تابعها تغادر وداخله شعور بالراحه ، احساس فوضاوى غير مبالى، تركها ترحل كأنما كان يريد ذلك منذ البدايه.
يتبع...