رواية هواجس معتمة عبر روايات الخلاصة بقلم ٱيات عاطف
رواية هواجس معتمة الفصل الرابع 4
صحيت من الكابوس وأنا حاسة إن نفسي مقطوع، عرق مالي جسمي كله، وقلبي بيخبط كأني لسه طالعة أجري من جوه الحلم.
مسكت راسي بإيديا، وبصيت في السقف وأنا بكرر في دماغي:
"معقول آسر؟!
لا، لا دي أوهام. مجرد حلم سخيف."
فضلت شوية أستعيد أنفاسي، وكل ما أفتكر ضحكته الباردة وصوته وهو بيقولي "وحشتيني"، جسمي كله يقشعر.
كنت بحاول أقنع نفسي إن مفيش أي علاقة، وإن الحلم مش أكتر من خوف مترسب جوايا.
وأنا غرقانة في الأفكار، سمعت خبطة خفيفة على الباب،
وبعدها اتفتح من غير ما أسمح.
دخلت مريم ومعاها ملك.
ما استنوش ولا كلمة، جريوا عليا وحضنوني حضن جامد،
حضن كله شوق وأمان افتقدته من زمان.
ملك صوتها اتكسر وهي بتقول:
-وحشتينا أوي يا سلمى أوي والله.
مريم هي كمان كانت بتضحك بعياط وهي
بتمسح دموعها من غير ما تاخد بالها:
-كان قلبي هينفجر من القلق عليكي، حمدلله إنك رجعتي بيتك.
ابتسمت ابتسامة ضعيفة، وحسيت دموعي بتنزل غصب عني، بس كان في نفس اللحظة دفا بيرجع لقلبي.
قعدنا على السرير كلنا، وفضلوا يتكلموا معايا عن قد إيه الأيام اللي فاتت كانت صعبة عليهم، وإنهم كانوا بيحسوا بالعجز من غير ما يقدروا يساعدوني.
كنت بسمعهم، بس دماغي في حتة تانية.
كل كلمة منهم كانت بتحاول تطمني، لكن صورة الخاتم وصوت آسر في الكابوس كانوا لسه بيطاردوني.
فجأة، ملك قالت جملة وقفت قلبي:
-آه يا سلمى، مش آسر رجع من السفر النهارده؟
لما عرف اللي حصلك قال لازم نتجمع كلنا علشان عايز يشوفك.
انتبهت فجأة، عيني اتسعت وبصيتلها وأنا متلخبطة:
-آسر رجع من السفر؟!
ملك هزت راسها بسرعة وهي بتأكد:
-أيوة، رجع مخصوص لأنه كمان عرف اللي حصل وإن عمر اتقتل.
بصيتلهم هما الاتنين، وحاولت أخفي ارتباكي وقلقي.
قلبي كان بيقول حاجة، وعقلي بيحاول يقنعني بحاجة تانية.
بلعت ريقي وقلت بصوت هادي وأنا برسم ابتسامة مصطنعة:
-طب يلا نتجمع، أنا كمان عايزة أشوفه.
مريم بصتلي بفرحة بريئة، وقالت وهي بتخرج موبايلها:
-خلاص، هكلمه حالاً وأظبط معاه نتقابل النهارده.
هزيت راسي موافقة، بس جوايا كان في عاصفة.
هل الحلم اللي شوفته كان صدفة؟
ولا كان جرس إنذار قبل ما أواجه آسر على الحقيقة؟
---
خرجنا كلنا مع بعض، أنا ومريم وملك،
كان في جو غريب حوالينا، خليط من الشوق والرهبة.
مريم كانت ماسكة إيدي طول الطريق كأنها مش عايزاني أضيع منها تاني، وملك ما بطّلتش كلام وضحك تحاول تخفف التوتر،
بس أنا كنت ساكتة.
قلبي كان بيدق بسرعة، وكل خطوة بتقرّبني
أكتر للحظة اللي هشوف فيها آسر.
الاسم بيدوي في دماغي، والحلم لسه طازة جوا عيني.
كنت بقول لنفسي: "ده مجرد حلم يا سلمى… مفيش أي علاقة".
بس في نفس الوقت، الإحساس جوايا كان بيقولي: "خلي بالك".
وصلنا الكافيه وقعدنا على ترابيزة في الركن، بعيد عن الدوشة.
النور كان هادي، والمزيكا خفيفة،
بس توتري كان بيخلي كل حاجة حواليا عالية.
مريم وملك قعدوا يتكلموا معايا شوية عادي،
بس أنا عيني كانت معلقة بباب الكافيه، مستنياه يدخل.
فضلنا ننتظر دقائق حسيتها ساعات.
وفجأة الباب اتفتح…
ودخل.
آسر!
زي ما هو، يمكن حتى شكله بقى أهدى شوية من آخر مرة شوفته فيها، بس نفس الملامح اللي عمري ما أنساها.
خطواته واثقة، نظرته لينا وهو بيقرب مليانة دفء.
قلبى وقع.
سلّم على مريم وملك، وبعدها جالي أنا.
مد إيده عشان يسلم عليا، ابتسم ابتسامة واسعة وقال بصوت هادي:
-حمد الله على سلامتك يا سلمى، وحشتيني.
مديت إيدي وأنا برسم ابتسامة باهتة،
لكن عيني… عيني راحت غصب عني على إيده.
الخاتم.
الخاتم اللي ما يفارقش كوابيسي من يوم الحادثة.
الخاتم اللي شوفته وأنا نص واعية… نفس النقشة، النجمة جوا الدائرة.
الدمعة اتحبست في عيني، جسمي اتجمد للحظة.
أنا فعلاً اتصدمت.
قلبي وقف عن الخبط ثواني، وكأني رجعت للمشهد كله من الأول.
هو لاحظ سرحاني، سحب إيده بخفة وقال بقلق:
-سلمى، إنتِ كويسة؟
رفعت راسي بسرعة، ابتسمت ابتسامة مصطنعة وقلت
وأنا بحاول أخفي رعشتي:
-أيوة أنا كويسة. اقعد يا آسر، واقف ليه؟
قعد قدامي وهو لسه باصصلي بشك،
لكن ملك قاطعته بسرعة وسألته عن أخباره.
مريم ضافت:
-احكيلنا، إنت عامل إيه من ساعة ما عرفت اللي حصل لعمر؟
إحنا عارفين إن عمر كان أكتر من مجرد صديق بالنسبة لك.
آسر أخد نفس عميق، عينه بانت فيها غمامة حزن، وقال:
-لحد دلوقتي مش مستوعب اللي حصل…
عمر كان مسالم جدًا، ما يعرفش يعادي حد.
مين ممكن يعمل فيه كده؟
مين عنده قلب يخلص على إنسان زيه؟
ملك دمعت وهي بتسمعه، ومريم هزت راسها بأسى.
أما أنا… أنا ما سمعتش غير كلمة "مين".
كنت قاعدة قدامهم جسد، لكن عقلي مش هنا.
كل اللي شايفاه هو الخاتم… الخاتم اللي في إيده.
صوتهم بقى بعيد أوي، كأنهم بيتكلموا في أوضة تانية.
ودماغي بتصرخ: "هو ولا مش هو؟!
إزاي يبقى هو؟!
بس الخاتم… الخاتم واحد!"
فضلت أحاول أبان طبيعية، أضحك على قد ما أقدر، وأهز راسي مع كلامهم،
لكن جوايا كان في عاصفة ما بترحمش.
كل لحظة كانت بتأكدلي إني واقفة على حافة هاوية…
والهاوية دي اسمها "آسر".
---
"ياسين:
كنت قاعد في الكافيه مع سليم،
بعيد عن المكتب والدوشة اللي ما بتخلصش.
الجو كان هادي، ريحة القهوة مالية المكان، والناس حواليّا بيضحكوا ويتكلموا عادي، كأن الدنيا ماشية من غير ما تحس باللي جوايا.
كنت ماسك الكوباية قدامي وببص فيها من غير ما أشرب.
عقلي في حتة تانيةد سرحان لدرجة إني ما سمعتش كلمة من اللي سليم بيقولها.
فجأة صوته قطع شرودي:
-مالك يا ياسين سرحان في إيه؟
أنا بقالى ربع ساعة بتكلم وانت ولا هنا!
رفعت عيني ليه بتقل، وهو ابتسم بغمزة كده وقال بنبرة هزار:
-إيه وقعت ولا إيه؟
اتنهدت تنهيده تقيلة جدًا، وقلت بصوت واطي:
-شكلي كده.
هو فتح عينه بدهشة، وبصلي كأني قلت جملة غريبة جدًا:
-إيه ده بجد!
يا نهار أبيض، مين دي بقى اللي قدرت توقعك؟
ابتسمت ابتسامة صغيرة، بس وراها كان في قلق مالوش حدود.
وبهدوء قلتله:
-سلمى.
شفت ملامحه وهي بتتغير في لحظة،
الضحكة اختفت، وبصلي وكأنه مش مصدق اللي سمعه:
-انت اتجننت يا ياسين!
رايح تحب واحدة متهمة في قضية قتل!
كلمته ضربتني في وشي زي قلم، بس ما قدرتش أسكت.
حسيت بدم في دماغي بيغلي، واتكلمت بانفعال:
-مش هي اللي قتلته يا سليم.
سلمى بريئة يا أخي!
أنا عارف، حاسس دي أول مرة في حياتي أحس الإحساس ده تجاه حد،
أول مرة قلبي يتهز كده.
سليم سكت ثواني، بصلي بتركيز كأنه بيقرأ وشي، وبعدها صوته هدي:
-بص أنا مش ضدك يا ياسين.
أنا بس خايف عليك، خايف تحب حد مش شبهك،
وتغرق في حاجة ملهاش آخر.
بس طالما انت مرتاح، وطالما قلبك مطمن…
عمري ما هقف في وش سعادتك، يا صاحبي.
الكلام دخل قلبي، وخلاني أبتسم ابتسامة صغيرة صادقة.
بصيتله وقلت بهدوء:
-عارف يا سليم يمكن هي أكتر حد خلاني أفكر في نفسي بجد،
وحسيت إن في معنى تاني للحياة.
هو ربت على كتفي بحنية، وقال بخفة:
-خلاص يا عم، ربنا يسعدك. بس خليك حذر.
سكتنا بعدها شوية، والدنيا رجعت هادية زي الأول.
بس أنا رجعت أسيب عقلي يسرح فيها.
كل تفصيلة في سلمى بتجري قدامي…
ابتسامتها اللي بترسم نور وسط العتمة اللي جوانا،
عينيها اللي مليانة وجع بس برضه فيها أمل.
وأنا قاعد، حسيت إن حتى لو الدنيا كلها وقفت قدامي،
مش هقدر أبطل أفكر فيها.
---
"سلمي:
خرجنا من الكافيه بعد ما قعدنا شوية نضحك ونهزر على مضض.
كنت حاسة إن وجود آسر جنبي تقيل على قلبي…
حاجة كده زي حمل مش قادرة أتنفس بسببه.
وأنا ماشية معاهم، فجأة صوته ناداني:
-سلمي، أنا عايز أتكلم معاكِ لوحدنا شوية.
أنا هبقى أوصلك لحد البيت.
اتوترت فجأة، حسيت برجلي اتثبتت في الأرض،
قلبي اتلخبط، وصوتي طلع متردد:
-دلوقتي يا آسر؟
بصلي بعينيه اللي مش عارفة أقرأ فيها حاجة، وقال بهدوء:
-أيوه دلوقتي، مش هنتأخر.
بصيت لمريم وملك اللي كانوا مستنيين ردّي.
ضحكت ابتسامة باهتة وحاولت أبين إني عادي:
-أنا هروح معاه شوية وهارجع على طول
عشان نكمل السهرة سوا في البيت.
وافقوا بسهولة، وأنا قلبي بيتسابق مع الوقت.
مشيّت جنبه والشارع كأنه أطول من العادة، لحد ما وصلنا للبحر.
قعدنا على السور المواجه للموج.
الهوا كان بيضرب في وشي، وبيحاول يبرد سخونة التوتر اللي مالي قلبي.
بصيتله وسألت ببرود متصنع:
-كنت عايزني في إيه؟
ابتسم ابتسامة صغيرة، وقال بهدوء:
-مفيش كنت عايز أطمن عليكِ.
ما تعرفيش كنت قلقان عليكِ قد إيه…
خصوصًا بعد ما عمر اتقتل.
سكت شوية، صوته اتكسر، بقى فيه نبرة وجع:
-خصوصًا إني عارف إن عمر كان بالنسبالك حاجة كبيرة…
مش صاحب وبس.
كلمة "حاجة كبيرة" ضربتني في نص قلبي.
حسيت بدقات قلبي بتجري، فابتلعت ريقي وسألته بتوتر:
-قصدك إيه يا آسر؟
بص في عينيّ مباشرة، عينيه كانت ثابتة، وصوته مليان صدق غريب:
-قصدي إنك كنتي بتحبي عمر يا سلمي.
وهو كمان كان بيحبك…
بس هو عمره ما قالك.
بس قالي أنا، قالي قد إيه بيحبك، بس كان خايف يواجهك.
اتسمرت مكاني.
أنا بحب عمر؟!
الكلام ده زي ما يكون جرح مفتوح بيتكشف.
آسر كمل، وكأنه بيعرّي قلبي قدامي:
-وانتِ كمان كنتي بتحبيه، بس عدم اتزانك النفسي
كان مخليكي تخافي من أي علاقة.
عشان كده كنتِ بتحاولي تبعدينا كلنا عنك.
وقف لحظة، وبعدين صوته هدى جدًا:
-بس برضه اكتشفت إنك ما كنتيش بتقدري تبعديه.
هو كان استثناء، يا سلمي…
دايمًا كنتي بترجعي له، تلجأي له لو حصل أي حاجة…
مع إن أنا كنت أكتر واحد بيهتم بيكِ، وبيسمعك، وبيشيل معاكِ كل همّ.
بصلي بعينين بتلمع، وقال ببطء كأنه بيطلّع سر مخفي:
-و اكتر حد كان بيحبك.
ولسه بحبك.
بس إنتِ عمرك ما شفتي حبي ليكي.
كنت ببصله وأنا مش قادرة أنطق.
كلامه نزل على قلبي زي السكاكين…
كأنه بيأكدلي كل اللي كنت بهرب منه.
دموعي نزلت غصب عني، حرقة في صدري ما لقيتش لها مخرج.
وفجأة من غير وعي، وبدون ما أفكر،
خرج صوتي مكسور من وجعي:
-عشان كده قتلتُه يا آسر!
---
يتبع..
"تفتكره آسر بريئ فعلًا،
ولا هو القاتل بجد".