رواية لهيب العشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سيليا البحيري
رواية لهيب العشق الفصل الحادي والعشرون 21
#سيليا_البحيري
#لهيب_العشق
فصل 21
في شقة كريم،
الجو كان خانق، الحيطان بتحكي عن وجع لسه ما اتقالش، وصمت إياد كان عامل زي السيف المرفوع على دماغ الكل. قاعد في أوضة شبه ضلمة، عينه تايهة، ووشه متجمد، ونبضه مسموع من كتر الوجع.
ثريا قرّبت منه على مهل، وعنيها مليانة قلق:
ثريا (بصوت بيرتعش): إياد... إنت كويس؟
ما ردش، بس بصّ لها بنظرة كلها ضياع وانكسار... نظرة راجل بيتكسر من جواه.
ثريا (بتتوسّل، صوتها مخنوق): إياد، قول أي حاجة، بالله عليك... سكوتك بيخوّفني...
إياد (ينفجر في عياط، صوته مخنوق): أقول إيه؟؟ أقول إني فشلت؟ فشلت إني أحمي عيلة أخويا؟
قضيت سنين عايش في كدبة... كنت فاكر سليم مات بأزمة قلبية، وعايشت الوجع ده...
بس لأ، الحقيقة أوجع! أخويا اتقتل... اتقتل على إيد ست حقودة، واتضحك علينا كلنا!
ثريا (بألم في صوتها): إياد... أنا حاسة بيك، والله العظيم حاسة...
بس إحنا ماعندناش رفاهية الانهيار دلوقتي، سعاد، وخالد، وناهد... لسه عايشين وبيخططوا، وتارا في خطر، وشيرين مش لاقيينها.
لازم نتحرّك... لازم ننقذ اللي فاضل، ونوقف العاصفة دي قبل ما تموتنا كلنا.
إياد (بعنين مولعة حقد): سعاد...
مش هرحمها، هخليها تتمنى الموت... ومش هتلاقيه.
ثريا (بصلابة أول مرة يشوفها فيها): وأنا معاكي... إيد بإيد.
هنرجّع شيرين وتارا... وناخد تار سليم.
إياد (باندهاش ممزوج بحنان): إنتِ... ثريا؟!
ثريا (وعنيها غرقانة ندم): أيوه، أنا...
بس ثريا القديمة ماتت، يا إياد...
ماتت من أول لحظة فقدت فيها أملي في الرحمة والحب.
إنت ما تعرفش أنا عدّيت بإيه...
تخيّل تحب حد من قلبك، وتتجوزوا، وتستنّوا أول طفل ليكم...
وفجأة، أبوك ييجي، يقتل الشخص ده، ويخطف ابنك بعد ما يتولد بساعتين، ويبيعه لوحوش ما يعرفوش الرحمة...
من ساعتها، حاجة جوايا ماتت.
بس بعد كل اللي حصل الفترة دي، فهمت إن الحقد ما بيجيبش غير الخراب، وإن الحب... هو السلاح الوحيد اللي ممكن يخلّصنا.
إياد (بفخر ودموع بتحاول تنزل): ودي... دي مراتي اللي كنت بحلم بيها طول السنين اللي فاتت...
لسه في أمل يا ثريا، لسه في وقت.
ثريا (بابتسامة وجع وإصرار): وأنا ناوية أبدأ من جديد... معاك.
إياد قرّب منها وحضنها برقة، ودفيان قلبه بدأ يدوّب التلج اللي بينهم، وثريا وشها احمّر من الخجل.
إياد (بضحكة دافية): لسه بتتكسفي مني بعد السنين دي كلها؟
إحنا عندنا ابن أطول مننا يا ثريا!
ثريا (بتبص في الأرض بخجل): إياد... بلاش كده...
وفجأة، الباب اتفتح بسرعة، ودخل كريم، عينه فيها لمعة شقاوة.
كريم (بتهكّم): إيه ده؟ زوج ماما وماما؟ جيت في وقت مش مناسب ولا إيه؟
ثريا بعدت بسرعة عن إياد، ووشها احمّر زي الطماطم.
ثريا (بتوتر): كريم! رجعت إمتى؟!
كريم (بضحكة ماكرة): لسه راجع حالاً... قدمت ورقي عشان أشتغل في مستشفى العطار، ومستني الرد...
بس شكلي رجعت عشان أشوف مشهد رومانسي حلو!
إياد (ضاحك): طيب، خلينا نأجل الكلام ده لبعدين...
المهم دلوقتي... الخطة الجاية إيه؟
كريم (بوش جاد): بفكر نروح للسيد محمود، ونقوله على كل حاجة.
ثريا كانت هترد، بس فجأة موبايل إياد رنّ. رقم غريب.
إياد (مستغرب): رقم مش مسجّل... مين ده يا ترى؟
ثريا (بقلق): رد، يمكن يكون مهم...
كريم: وافتح السبيكر...
إياد: ماشي...
فتح الخط، وفجأة طلع صوت أنثوي دافي، مألوف يخلي البدن يقشعر:
شيرين: عامل إيه يا أخويا يا إياد؟ وأولادي عاملين إيه؟
إياد (مصعوق): ش... شيرين؟!!
شيرين (بهدوء غريب): أيوه... شيرين.
ثريا (مش مصدقة): بس... إزاي؟! إزاي ده حصل؟!
كريم (منهار): مش كانت خالتي شيرين مشلولة؟! ما بتتكلمش؟! إزاي؟!
وقبل ما حد يرد، دخل صوت راجل تقيل، صوته فيه رهبة وهيبة:
سليم: كل حاجة في وقتها، يا كريم.
إياد (بيرتعش، صوته مخنوق بالعياط): سليم؟!
أخويا؟! إنت حي؟!!!
ثريا (بتلف حواليها مش مصدقة): إيه اللي بيحصل ده؟!
سليم (بثقة وهدوء): هنشرح كل حاجة بعدين...
دلوقتي، بس متتحركوش... ولا تاخدوا خطوة قبل ما نرجع، أنا وشيرين...
محتاجين أسبوعين بس... وهنكون في مصر.
إياد (بصوت مخنوق): أخويا... إنت فين؟ بالله عليك قولي...
سليم: كل حاجة في وقتها، يا إياد...
بس خليكوا هادين.
وبعدين الخط اتقفل.
وسابهم واقفين مكانهم، مشدوهين، قلوبهم ما بين فرحة مش مصدقينها، وصدمة، وخوف، وأمل...
كأن الزمن وقف في اللحظة دي
**********************
في شركة العطار، جوا أوضة الاجتماعات الكبيرة...
الكل كان قاعد حوالين الترابيزة الطويلة، وسكوت غريب كده مالي الجو، كله قلق وتوتر. الورق مبعتر، والعيون كلها على الجد محمود اللي ابتدى الكلام بصوته التقيل:
محمود (بحزم وهدوء):
الصفقة دي هتكون نقطة تحوّل كبيرة لينا.
أدهم (بثقة وواقعية):
عيلة الشرقاوي ليها نفوذ جامد... الاتفاق معاهم هيرفع أرباحنا للسماء.
زين (بخبث وباصص لتارا من طرف عينه):
بس... يا ترى هما هيوافقوا فعلًا؟
تارا (بابتسامة باردة ونبرة فيها مكر):
هيوافقوا طبعًا... الصفقة فيها مكسب ليهم زي ما لينا. مين الأهبل اللي هيقول لأ لكنز قدامه؟
محمود (بصوت هادي لكن له هيبة):
تمام... يا إياد، هتسافر الأسبوع الجاي تخلّص الاتفاق معاهم.
بس إياد ما ردش، عينه كانت سرحانة، وإيده بترتعش شوية... آثار الإدمان باينة عليه.
مهاب (بقلق واضح):
إياد؟! جدك بيكلمك، فوق معايا!
انتفض إياد فجأة، كأنه كان في عالم تاني، وحاول يلم نفسه:
إياد (باعتذار متلخبط):
آسف... سرحت شوية بس.
مهاب (بصوت حازم):
بقيت بتسرح كتير اليومين دول... خلي بالك من نفسك يا ابني.
إياد (بهمس):
حاضر.
أحمد (مايل عليه وهمسله بقلق):
إنت كويس يا إياد؟
إياد (بابتسامة مزيفة):
تمام... متقلقش.
الاجتماع كمل وسط نظرات كلها كره وعداوة. زين ومايا بيراقبوا تارا بنظرات فيها غل، وهي بترد عليهم بابتسامات كلها استفزاز وتحدي.
---
بعد ما خلص الاجتماع...
الناس خرجوا واحدة واحدة، ومفضلش في القاعة غير تلاتة: زين، مايا، وتارا.
مايا (بعصبية واحتقار، وهي ماشية ناحيتها):
فاكرة نفسك بتعملي إيه يا تارا؟!
تارا (بتتصنع البراءة):
إيه يا مايا؟ مش فاهمة قصدك.
مايا (مسكاها من هدومها فجأة، وعيونها مولعة):
بلاش تمثيل! أنا ما نسيتش اللي عملتيه فيا في هارفارد... دمّرتي مستقبلي، وها أنتي راجعة تكمّلي لعبتك الوسخة هنا!
تارا (باستفزاز وهي بتبعد إيدها عنها):
وأنا عملت إيه؟! إنتي اللي فشلتي بنفسك!
زين (بهدوء بس غضبان، عينه فيها نار):
تارا سليم عادل مراد الشرقاوي...
بنت شيرين محمود العطار...
اللي رجعت تنتقم من عيلتنا علشان أمها، رغم إن أخوكي أدهم الشرقاوي حاول يمنعك.
بس إنتي، يا تارا... مش هتهدي غير لما تدمّري عيلة العطار، وبدأتي فعلاً بإياد...
أكمل؟ ولا كفاية كده؟
تارا وشها اتقلب، بقي أبيض كأنها شافت شبح، بس حاولت تمسك نفسها، وردّت بصوت باين عليه الرعشة وفيه غل:
تارا (بصوت مهزوز لكن مصرّة):
اتأخرتوا... الانتقام بدأ ومش هرجع، حتى لو هيموتني.
مايا (بسخرية لاذعة):
وهتروحي لحد فين بالجنون ده؟ لو الجد محمود عرف... مش هيخلّي فيكي نفس.
تارا (بتتراجع خطوة، وعينيها فيها لمحة خوف):
مش هتعملوها... مش هتجرّأوا.
زين (قرب منها، ونبرته زي السيف):
عندك حق... مش هنقولله.
بس هنوقعك بطريقتنا. وارتباكك دلوقتي... أكبر دليل إنك خايفة.
وبنبرة تهديد مليانة غضب مكبوت:
زين:
ابعدي عن إياد...
وقولي لصاحبتك زهرة تبعد عن أحمد...
ولا هعمل حاجات... مش هتعجبك خالص.
تارا، اللي كانت باينة إنها بتنهار، رفعت راسها فجأة، ورجعت لوشها البارد الشرير:
تارا (بغرور):
إياك تحاول توقفني... أول واحد هيقع هو إنت.
ما تلعبش بالنار يا زين.
وبصّت لمايا، وعنيها مليانة سخرية وغل:
تارا:
أما إنتِ... يا حشرة... طحنك سهل وسريع، ومش هيكلفني حاجة.
مايا (بتصرخ بغضب):
يا عاهرة! إزاي تتجرّأي؟!
تارا (وهي بتلف وتسيبهم):
إياد... خلاص بقي خاتم في صباعي...
وقع في شباكي، ومفيش حد هيقدر ينقذه مني.
وخرجت من القاعة، عنيها فيها جنون وانتصار... وسابت وراها زين ومايا مولعين.
مايا (بصوت بيرتعش من الغضب):
هنعمل إيه دلوقتي؟! شكلها مش ناوية تبطّل!
زين (بنظرة غامضة وصوت واثق):
هتعرفي... قريب جدًا
*******************
جوّه مكتب الدكتور مازن في مستشفى العيلة – بالليل
الجوّ في المكتب هادي، أوراق مبعثرة على المكتب، شاشة مفتوحة فيها فحوصات للمخ والأعصاب، وشباك مفتوح بيدخل منه نور خافت من أعمدة الشارع.
مازن قاعد ورا مكتبه بيقلّب في ملف، وأدهم واقف قدام الشباك، سرحان كإنه بيبص في السواد ويدوّر على إجابة.
مازن (يرفع عينه وبيقوله بهدوء):
مالك يا دكتور أدهم؟ من أول اليوم وانت مش معاهم في العملية… كأنك في حتة تانية خالص.
أدهم (يحاول يبتسم ابتسامة باهتة):
بس تعبان شوية… معرفتش أنام كويس.
مازن (بيبصله بتركيز):
أنت دكتور مخ وأعصاب، وعارف إن التعب ده ممكن يأذي مريضك قبل ما يأذيك.
أدهم (صوته مكسور حبة):
أوقات… مفيش حاجة بتقدر توقف العاصفة اللي جوا دماغك، حتى لو كنت دكتور.
مازن (يقوم من على الكرسي ويقرب له):
أنا حاسس إنك شايل هم كبير… بقالي شهور بشوفه في عينيك، من خمس شهور وانت متغيّر، كأنك شايل سِرّ مش قادر تطلّعه.
أدهم (بيبصله لحظة، وبعدين يبعد نظره):
وساعات يا دكتور مازن… السكوت أرحم من الكلام.
مازن (يحط إيده على كتفه):
أنا مش بحب أدخل في خصوصيات حد، بس حاسس إنك بتدور على حد ضايع منك.
أدهم (بهمس حزين):
يمكن… ويمكن كمان الشخص ده أقربلك من اللي تتصوره.
مازن (يستغرب):
يعني إيه الكلام ده؟
أدهم (يبتسم ابتسامة حزينة، ويغير الموضوع بسرعة):
قصدي… إني فقدت حد غالي عليّ… أمي، اتخطفت من شهرين، ومفيش أي خبر عنها… حاسس إني على حافة الجنون، وسط الخيبة اللي جتلي من ناس كنت مفكرهم أوفى من كده.
مازن (بصوت هادي):
أمك… كانت ست قوية؟
أدهم (يغمض عينه وكأنه بيهرب من وجع الذكرى):
كانت أقوى من الدنيا كلها… رغم إنها ما كانتش بتتكلم ولا تتحرك، بس كانت بتنور المكان بنظرتها… ودلوقتي اختفت.
مازن (بصوت مهزوز شوية):
اسمها إيه؟
أدهم (بيقولها بقصد وببرود):
شيرين.
(مازن يتجمّد، عنيه بتتسع للحظة، بس بيرجع يسيطر على نفسه بسرعة، كأنه بيمثّل إنه عادي.)
مازن (يحاول يخلي صوته ثابت):
شيرين… اسمها حلو.
أدهم (بيبصله نظرة طويلة كلها وجع):
في أسامي لوحدها… بتفضح الحنين.
مازن (يحول وشه):
أدهم، لو احتجت أي حاجة… أي حاجة، أنا موجود. متترددش.
أدهم (بصوت هادي من جواه):
عارف… بس في حاجات لازم تفضل جوا القلب… لحد ما ييجي وقتها.
يسود صمت تقيل، مفيش صوت غير النفس المتقطّع بتاعهم. مازن بيبص في عنين أدهم كأنّه شايف ماضيه، وأدهم يخرج من المكتب من غير ما يقول كلمة زيادة… سايب وراه باب الحقيقة مفتوح حتة صغيرة
***********************
في فيلا طارق الألفي – مساءً، في غرفة المكتب الفخمة
الغرفة فاخرة، مليئة بالكتب، خريطة استثمارات معلقة على الحائط، أوراق متناثرة على المكتب.
طارق يقف أمام الشباك الزجاجي الكبير، يحمل في يده كأس عصير نصف ممتلئ، ينظر بشرود إلى الحديقة.
سارة تدخل فجأة، وجهها غاضب، عيونها تقدح شررًا.
سارة (بصوت عالي):
يعني إيه هنرجع أمريكا؟! بعد كل ده؟ بعد كل اللي حصل؟!
طارق (بهدوء لكن بصرامة):
يعني بالضبط اللي سمعتيه. أنا تعبت. وقررت أرجع لشغلي، لاستثماراتي اللي محتاجاني أكتر من أي معركة تافهة هنا.
سارة (تتقدم منه غاضبة):
تافهة؟! دي مش معركة، دي كرامة! البنت دي – تارا – أهانتني قدام الكل! خنقتني! فضحتني! وإنت... واقف ساكت!
طارق (يضع الكأس على الطاولة ببطء):
أنا كنت واقف... عشان أمنعك من ارتكاب غلطة عمرك.
سارة (تضحك بسخرية):
إنت من إمتى بتفكر في الصح والغلط؟ مش إنت اللي كنت عايز تتجوز شيرين عشان تاخد فلوس سليم؟ مش إنت اللي طول عمرك بتفكر في مصلحتك وبس؟!
طارق (يقترب منها بعينين حادتين):
أيوه... كنت كده. لكن شيرين مش زي أي ست. حاولت، وفشلت. بس عمري ما كنت هأأذيها.
(يتنفس بعمق)
وسليم، رغم كل اللي بينّا، عمري ما تمنيت له الموت. الكره حاجة… والشر حاجة تانية.
سارة (بصوت حاد):
أنا مش زيك. أنا مش هاسيب حقي. وتارا لازم تدفع التمن! عندي خطة هاتخليها تندم إنها اتولدت!
طارق (ينفجر فيه الغضب، يرفع إيده ويصفعها صفعة قوية):
بسّــي كفاية!
(سارة تتجمد، تمسك خدها، عيناها تتسع من الصدمة)
طارق (بصوت غليظ ومرعوب من نفسه):
تارا مش لعبة! دي بنت نارية! لو لعبتي بيها، هتولع فيك!
(بصوت أخفض):
أنا كنت فاكر نفسي أذكى الكل… لكن طلعت أضعف قدامها. وهي مش سهلة… ولا تستاهل حربك القذرة.
سارة (بصوت مخنوق، تكاد تبكي من القهر):
إنت بتدافع عنها؟ عن واحدة غريبة؟!
طارق (بصوت هادئ لكن حاسم):
مش بدافع عنها… بدافع عن نفسي. تعبت من الحقد. تعبت من دوامة الانتقام اللي مش بتخلص.
(ينظر لها نظرة مباشرة):
وإنتي… لو قربتي من تارا تاني، مش هبقى أبوكي!
(سارة تتراجع خطوة للخلف، تشعر لأول مرة أن والدها لم يعد كما كان… لم يعد يرى العالم بعينيها فقط)
سارة (بهمس، مذهولة):
إيه اللي جرالك يا بابا؟! إنت اتغيرت…
طارق (بصوت عميق):
يمكن... اتأخرت. بس اللي فاضل من عمري، مش ناوي أضيعه في انتقاماتك الصغيرة.
(يأخذ سترته عن الكرسي، يستعد للخروج)
طارق (وهو يفتح الباب):
جهّزي شنطتك… إحنا راجعين أمريكا الأسبوع الجاي.
يخرج، تاركًا سارة واقفة وسط المكتب، تحترق بنار الخيبة والخذلان… وتعد، بصمت، لمكيدة قادمة
******************
فاوضة سارة – ليلًا، فيلا طارق الألفي
الأنوار خافتة.
سارة تجلس على الأرض بجوار سريرها، تحتضن وسادة صغيرة، خدها لا يزال أحمر من الصفعة، وعيناها منتفختان من الدموع. تمسك بهاتفها بتردد، ثم تضغط على اسم محفوظ تحت اسم: "ماما 💔".
يبدأ الهاتف يرن...
رنّة...
رنّتين...
ثم يُفتح الخط.
سارة (بلهفة):
ماما... أنا سارة...
صوت الأم (بارد ومتجهم):
سارة؟ بعد كل هالسنين؟ ليه متصلة؟
سارة (تكتم شهقتها، بصوت مكسور):
وحشتيني... أنا مش لاقية حد... بابا بيتغير... ومش فاضلي غيرك...
الأم (بجفاف لا يُطاق):
ما لقيتينيش طول عمرك، وافتكرتيني دلوقتي؟ بعد ما طارق لفظك؟!
سارة (تكاد تبكي):
أنا كنت ناوية أجي عندك… كنت محتاجة حضنك… بس... بس شكلك ما عاد يهمك أمري.
الأم (ببرود قاطع):
ما عنديش مكان لأوهامك يا سارة. ما تعيشيش نفس حياتي.
سارة (بصوت خافت):
يعني حتى إنتي؟ حتى إنتي ترفضي تسمعيني؟
الأم (بحدة):
سكّري الخط. وما تتصليش تاني.
صوت الهاتف يُغلق في وجهها.
سارة (تنظر للهاتف بذهول، يداها ترتعشان، ثم ترميه على الأرض بقوة):
حتى أمي...!
(تغطي وجهها بكفيها، وتجهش بالبكاء، تنهار بصمت، ثم تهمس بين دموعها):
أنا ما كنتش كده... أنا اتحولت كده... بسببهم...
********************
بعد فترة قصيرة في مطعم صغير راقٍ على أطراف القاهرة – مساءً
هدوء نسبي في المكان. إنارة دافئة. موسيقى كلاسيكية خفيفة.
سارة تجلس وحدها على طاولة في الزاوية، ترتدي ملابس بسيطة رغم أناقتها المعتادة. عيناها متورمتان قليلًا من البكاء، تلهو بكوب القهوة أمامها دون أن تتذوقه.
يدخل تميم، يحمل في ملامحه مزيجًا من الحزم والحزن. يرتدي ملابس مدنية لكن هيئته تشير إلى خلفيته العسكرية.
يلقي نظرة على المطعم، ثم يخرج ملفًا صغيرًا من حقيبته الجلدية ويجلس على الطاولة المجاورة، ويفتحه.
سارة (تتمتم لنفسها، ساخرة):
حتى المطاعم بقت تحقيقات متنقلة... ناقص يكبشوني مع القهوة.
تميم (يرفع نظره، بابتسامة خفيفة):
لو كنتِ مجرمة فعلًا، كنت عرفتك من أول لحظة.
سارة (ترفع حاجبها، بنبرة ساخرة):
أهو انت بقى! عندك شغف تظلم الناس ولا دي هواية جديدة؟
تميم (يضحك بخفة):
لا والله... بس في ناس ملامحهم بتحكي حكايات. وانتي... واضح إنك مش مرتاحة.
سارة (تشرد بنظراتها قليلًا):
مرتاح دي كلمة كبيرة أوي… خصوصًا لما أهلك يبقوا هم السبب في ضياعك.
تميم (بهدوء، يغلق الملف مؤقتًا):
أنا فاهم الإحساس ده أكتر مما تتخيلي… أنا كمان، كل يوم بحاول أرمم حاجة اتكسرت في العيلة.
سارة (تنظر له باهتمام لأول مرة):
عيلتك فيها ناس زي عيلتي؟ كل واحد بيدوَّر على نفسه وبس؟
تميم (بصوت هادئ فيه نبرة ألم):
أنا بدوَّر على ست... كانت ملاك وسط بشر كلهم ظلموها. مراتي؟ لأ. أمي؟ لأ… مرات عمي، شيرين
سارة (يتغير وجهها للحظة، تصمت، لكن تعود سريعًا):
شيرين ؟؟؟ اسم مألوف
تميم (يراقب تعبير وجهها):
اختفت من فترة… عندها بنت وشاب، والبنت دي… مستعدة تحارب العالم كله عشان أمها.
سارة (بابتسامة ساخرة تخفي توترها):
شكلها بنت مش سهلة… أنا أعرف النوع ده.
تميم (ينظر إليها مطولًا):
أنا بحترم الناس اللي مش سهلة. اللي مش بيسيبوا اللي بيحبوه مهما الدنيا وقعت حواليهم.
سارة (بنبرة مريرة):
طب وأنا؟ أنا سايبة كل حاجة… مش بإيدي. ولا حتى لاقية حد يتمسك بيا.
تميم (ينظر لها بحنان غامض):
يمكن… لأنك لسه ما قابلتيش حد يستاهل يتمسك بيك فعلاً.
(تصمت سارة للحظة، كلمات تميم تترك أثرًا عميقًا في نفسها. أول مرة منذ سنوات تشعر أن أحدًا يرى ألمها دون أن يحكم.)
سارة (بصوت خافت):
وإنت؟ لسه بتدور على الملاك اللي اتخطف؟
تميم (يعود لنبرته الجادة، لكن بنظرة ناعمة لها):
آه… بس يمكن وأنا بدوّر… ألاقي ناس تانية تستحق كمان يتشافوا.
(لحظة صمت بينهما، تحمل في طياتها ألف شيء لم يُقال... )
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
رواية لهيب العشق الفصل الثاني والعشرون 22 من هنا
الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)