رواية لهيب العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم سيليا البحيري
رواية لهيب العشق الفصل الثاني والعشرون 22
في فيلا الشرقاوي، رجع إياد وثريا، ومعاهم كريم اللي كان بييجي لأول مرة. وكان إياد ناوي يقول لأبوه كل حاجة، وهو مفكّر إن عادل مايعرفش حاجة خالص. الكل كانوا قاعدين في الصالون بيدوروا على شيرين، ومعاهم أدهم وتارا، لحد ما دخل إياد وثريا ومعاهم شاب غريب.
صفاء (بقلق ولهفة): إياد، كنتوا فين يا ابني؟ ومين الشاب ده؟
كريم كان حيفتح بُقه، بس ثريا سبقته بصوت هادي ومليان مشاعر:
ثريا (بصوت دافي ومتردد): ده ابني يا ماما صفاء.
الكل بصوت واحد، ووشوشهم كلها اندهاش وصدمة: ابنك؟!
إياد (ببرود بيخبّي وراه مشاعر متلخبطة): أيوه، كريم هو ابن ثريا.
تميم (بصدمه وهو باصص لكريم): إزاي يعني يا ماما؟!
ثريا (بحنان وابتسامة فيها حزن): دي حكاية طويلة يا ابني... وحقولّكوا عليها.
وفي وسط الكلام ده، عادل كان بيراقب كريم بنظرة عميقة، عينه كانت بتمشي على كل تفصيلة في وشه، لحد ما قرّب منه بخطوات واثقة، وابتسامة حنونة ظهرت على وشه:
عادل (بصوت دافي): أهلاً بيك وسطنا يا حبيبي.
كريم (بتوتر وبيحاول يخبيه بابتسامة مؤدبة): أهلاً بحضرتك يا أستاذ عادل.
تميم (وهو بيركز في وشه ووشه فيه علامات دهشة): بس إزاي كده...؟
ساعتها ثريا بدأت تحكيلهم القصة كلها، من غير ما تذكر حكاية سعاد وإنها كانت السبب في دمار حياة شيرين وسليم. وتارا كانت مركّزة جدًا في وش كريم، وكأن ملامحه بتفكرها بحاجة شافتها قبل كده ومش قادرة تفتكرها.
عادل (بغموض باين عليه إنه فاهم أكتر مما بيتقال): فهمت... شكلك عدّيت بحاجات صعبة يا ابني.
كريم (بصوت مهزوز): شوية...
تميم (بضحكة خفيفة فيها دهشة مستخبية): أخيرًا بقى عندي أخ! كنت دايمًا بتمنى يبقى عندي أخ أكبر!
كريم (بكسوف وابتسامة باهتة): وأنا كمان...
تارا (بتركيز وعيون فيها تساؤل): هو إحنا اتقابلنا قبل كده؟ حاسة إن وشك مش غريب عليا...
كريم (في سره): يا نهار مش فايت! هي كمان؟! ماكانش عندك مكان تروحيه غير هنا؟ مش كنتِ قاعدة في أوضتك بتخططي لانتقامك؟!
وبصوت خارجي هادي، بيخبّي توتره:
كريم: لا، مش فاكر... يمكن تشابه بس.
تارا (بغموض فيه شك): يمكن...
إياد (بجدية): بابا، ممكن أتكلم معاك لوحدنا؟
عادل (بابتسامة فيها لمحة إنه عارف أكتر من اللي باين): ماشي... تعال معايا الأوضة.
تارا (في سرها، والشك باين في عنيها): في حاجة بتحصل... حاسة إن في حاجة مش مفهومة، حاجة غريبة
*********************
في فيلا العطار، أوضة الجلوس الواسعة – نهار دافي
الجد "محمود" قاعد على كرسيه الخشبي الكبير، عنيه مليانة حكمه وسكون، والست "مها" بتضحك بخفه وهي بتناولهم حتة كنافة عملتها بإيديها.
أدهم
(وهو بيضحك ويمد إيده على كباية العصير)
ما شاء الله يا ماما، الكنافة دي أحلى من أي محل حلويات في مصر بجد!
مها (بابتسامة):
من إمتى وإنت بتعرف تجامل؟ مش إنت اللي كنت دايمًا تقول الحلويات دي مش على مزاجك؟
أدهم (بمزاح):
كنت عيل وعقلي خفيف، دلوقتي اتعقلت!
ولاء (مراته):
(بضحكة دافية)
حتى أحمد وعُلا بيقولوا نفس الكلام، كل مرة يقولوا "مش بنحب الحلو"، وفي الآخر يخلصوا الصينية لوحدهم!
أحمد (بيرشف من العصير):
أنا مالي! دي نقطة ضعف وراثية، طالعة من بابا!
عُلا (بتضحك):
وأنا بأدوق حتة صغيرة بس... بسيب الباقي لأحمد، عشان ما يفتكرش إني جاية أنافسه!
مهاب (بيقول بهدوء):
بس بجد الجو النهاردة يفتح النفس... آخر مرة اتجمعنا كده كانت من زمان قوي.
سلوى (مراته):
صح، ولازم نكررها... العيلة دي كل حاجة.
إياد (قاعد ساكت، عينه مش ثابتة):
(بصوت واطي)
ممم... آه، العيلة مهمة...
سلوى (بتبص له باهتمام):
مالك يا إياد؟ شكلك تعبان كده، وأكلك قليل النهارده.
إياد (بيحاول يبتسم):
لا لا، مفيش... بس صداع كده بسيط.
زين (بيبص له بقلق):
وشك مصفر... إنت نمت كويس؟
مايا (بهدوء):
أنا من أول ما دخل شُفته مش طبيعي...
أحمد (بيقرب منه ويقعد جنبه):
إياد، إنت أكيد بخير؟ والله شكلك يخض!
إياد (بيقوم يتمايل):
أنا... يمكن بس دوخة بسيطة...
فجأة، جسم إياد يهتز جامد، ويقع على الأرض فاقد الوعي. صوت صراخ العيلة بيملأ المكان.
مها (بتصرخ بخوف):
إياد!! يا ساتر يا رب!
سلوى (بتجري عليه):
ابني! إياد فوق يا قلب ماما، فوق!
محمود (بيقوم وهو مرعوب رغم سنه):
إياد؟! حد يلحقه بسرعه!
عُلا (بتشهق وتعيط):
مش قادره أصدق... ده بيحصله قدامي؟
ولاء (بتحاول تفتح بقه):
مفيش رد... أحمد!! كلم الدكتور بسرعه!
أحمد (إيده بتترعش وهو بيطلع موبايله):
أنا بكلمه دلوقتي! ألو؟ دكتور فادي؟ إلحقنا بسرعة، إياد ابن عمي وقع وفاقد الوعي! إلحقنا يا دكتور!
مهاب (واقف متجمد ومصفر):
ده... مش طبيعي... ده مش ابني اللي أنا عارفه...
زين (عنُيه مفزوعة):
أنا حاسس... إن في حاجة غلط كبيرة...
مايا (ماسكه إيد جدتها):
يا رب... يا رب إحميه يا رب...
الصمت بيخيم، والأنفاس متقطعة، الكل محاوط إياد وهو واقع على الأرض، المشهد تقيل على القلب...
الكل مجتمع حوالين إياد المغمى عليه على الأرض، والرعب باين على وشوشهم وقلوبهم مليانة قلق
الدكتور بيحط شنطته على جنب وبيبدأ يكشف على إياد بسرعة، يفتح عنيه، يقيس النبض، ينور بكشاف في عينه، وبعدين يبص للناس بنظرة جدية جدًا
الدكتور (بنبرة حاسمة):
الحالة خطيرة... واضح إن في مادة قوية جدًا في دمه... لازم يتنقل المستشفى حالًا.
مها (الجدة، بصوت بيرتعش):
يعني هو تعبان وبس؟ ولا في حاجة تانية؟
الدكتور (بيتنهد):
أنا آسف... ابنكم مدمن.
الأعراض الجسدية والنفسية باينة... دي مش أول مرة، الموضوع بقاله كتير... واضح إنه بيتعاطى نوع مخدر تقيل بقاله فترة مش بسيطة.
الصدمة على وش الكل. سلوى، أم إياد، بتتحرك ناحيته خطوتين وبتقع مغمى عليها
مهاب (بيصرخ وهو بيشيل مراته):
سلوى!!!
سلوى افتحي عنيكي!
علا وأحمد بيجروا يساعدوا أمهم، وأدهم واقف مصدوم، مش قادر يصدق
أدهم (بذهول):
إياد؟ مستحيل... ده أحسن شاب، محترم وبيحب شغله، دايمًا بيحاول يرضينا... إزاي؟!
مها (بتعيط):
مين عمل كده في حفيدي؟ مين قتل ضحكته الطيبة؟!
زين (واقف بعيد شوية جنب أخته مايا، نظراته كلها نار):
آخر قطعة في اللغز... ركبت.
مايا (بنبرة متوترة):
أنا حذرتك... قلتلك إنها ما بترحمش، بس عمري ما تخيلت توصل لكده...
زين (بصوت واطي وهو بيبص على إياد):
إياد مش النوع اللي حتى يدوق كوباية خمر... مستحيل يكون عمل كده بإرادته... أكيد فيه حاجة أُجبر عليها، والوحيدة اللي عندها دوافع كفاية...
مايا (بتكمل بهمس):
تارا...
نظرتهم بتتقابل، ساكتين، كل واحد فهم التاني من غير ما يتكلم
مهاب (بيرتعش وهو بيكلم الدكتور):
يعني... هيتحسن؟ فيه أمل؟ قولّي بس إنه هيرجع زي ما كان...
الدكتور (بصوت حذر):
الأمل موجود، بس لازم يدخل مركز علاج فورًا... كل دقيقة بتعدّي بتأذي جسمه أكتر.
ولازم تبقوا عارفين... ده اتعرض لحاجة صناعية تقيلة، مش مجرد تجريب... ده كان مُدبر، ومن زمان.
أحمد (بعصبية):
يعني حد... حد بيسمم إياد من ورا ضهرنا؟!
زين (بياخد نفس عميق وبيقرب):
فيه حاجة غلط... ولازم نعرفها قبل ما الوقت يفوت.
الدكتور يطلب تجهيز الإسعاف، وسلوى لسه مغمى عليها، ومهاب قاعد جنب ابنه ماسك إيده اللي بترتعش، وزين ومايا واقفين في الركن، على وشهم نظرة حاسمة – القرار اتاخد… بس لسه الوقت ما جاش علشان يفتحوا الدفاتر القديمة
*********************
في فيلا الشرقاوي،
كان إياد واقف قدّام أبوه عادل في أوضته، والقلق باين على وشّه.
عادل (بابتسامة غريبة ونظرة حادة):
– اتفضل يا ابني، أنا سامعك.
إياد (بصوت متلخبط ومرعوش):
– هو في الحقيقة يا بابا... سليم... لسه عايش.
عادل (ببرود غريب وابتسامته مكانها):
– يعني... كلّمني أخيرًا.
إياد (مندهش وعنيه متسعة):
– إنت كنت عارف؟!
عادل (بثقة وهدوء):
– مفيش حاجة بتستخبى على أبوك يا إياد.
إياد (بدأ يتعصب ونبرته عليت):
– من إمتى؟! من إمتى وإنت عارف كل حاجة؟!
عادل (بصوت غامض):
– من أول ما سمعنا خبر موت سليم... أنا ما اقتنعتش. عمره ما كان ابني يمشي كده بالساهل. بدأت أدوّر... وفعلاً لقيت كل حاجة.
إياد (بشك وخوف):
– ولقيت إيه؟ عرفت إيه؟
عادل (بيبص بعيد وكإنه بيتفرج على فيلم قديم):
– بعد كام يوم من الجنازة، جالي تليفون... من رقم مش باين. اللي كلمني كان... سليم. قالّي كل حاجة، عن جوازه من شيرين، وعن البنت دي اللي ملهاش حد في الدنيا. شيرين يا إياد... دي بنت محمود العطار.
إياد (بصدمة):
– شريكنا الجديد؟!
عادل (بهدوء كأنّه بيحكي حكاية مأساوية):
– أيوه، هو نفسه. محمود العطار، كان عنده أخين: ممدوح، وكان بيقلده في كل حاجة... وسعاد، الست اللي عمرها ما عرفت تعيش من غير نكد. كانت دايمًا بتولّع الدنيا وتحرّض الناس على بعض. لحد ما أبوها، محمد العطار، زهق منها وطردها برا النجع. كانوا صعايدة، عايشين في سوهاج قبل ما ييجوا القاهرة.
(يتنهد)
مرت السنين... محمد مات، وفضل الأخين، محمود وممدوح، وسعاد اختفت، كانت بتخطط لخراب زي عادتها.
إياد (مذهول وساكت):
– ...
عادل (بصوت فيه وجع):
– سعاد لقت فرصتها... وخطتها الشيطانية. خطفت شيرين، كانت لسه عندها 15 سنة. كانت مدلّعة، ومحبوبة من الكل. مش عارف إزاي خدت عيّنة من سليم، بس عملت لها حقن مجهري... وخَلّتها حامل. وبعد كده اختفت.
(يسكت لحظة وبعدين يكمل)
ولما أهلها عرفوا بالحمل، افتكروا إنها عملت مصيبة... وطردوها من غير رحمة، مع إنها كانت بتترجاهم. بعدين، أخوها الكبير، أدهم، راح للدكتور، واعترف له بكل حاجة... بس ماكمّلش اعترافه، لإن سعاد خلّصت عليه قبل ما يقول إنها هي اللي دفعت له.
(بياخد نفس عميق)
في الوقت ده، سليم عرف الحقيقة. دوّر على شيرين ولقاها... ورجعها وتجوّزها. والباقي إنت عارفه: محاولة سعاد إنها تقتل ابني، وبعد كده دخلت تارا على الخط عشان تنتقم من عيلة العطار... وكل اللي حاصل دلوقتي.
إياد (غضبه مولّع، ووشّه متغيّر):
– الشيطانة دي... خرّبت بيوت! أنا هاخلص عليها بإيدي!
(بيتحرّك بسرعة ناحية الباب، لكن عادل يلحقه ويوقفه، بنبرة صارمة)
عادل (بحزم):
– إياد! إهدى! مش سليم قالك ما تروحش ليها؟ قالك استنى لما يرجع هو وشيرين!
إياد (بانفجار غضب):
– وهو مستني إيه؟!
عادل (بهدوء لكن بصوت حازم):
– شيرين لسه بتتعالج. هو بيشرف على علاجها بنفسه، ومحتاجة راحة. أسبوعين بس... وكل حاجة هتخلص يا ابني.
إياد (ياخد نفس طويل، كأنه بيحاول يهدى):
– حاضر...
عادل (بنظرة فيها حنية وأمل):
– صدّقني، الحق هيرجع لأصحابه. المهم دلوقتي نوقف تارا قبل ما تعمل مصيبة.
إياد (بنبرة فيها عزيمة):
– تمام
*********************
في فيلا فخمة في كندا – بالليل – التلج بينزل برقة ورا الإزاز
المكان دافي، الدفاية مولعة، نور خفيف، شيرين واقفة قدام الشباك بتبص على التلج، لابسة روب أبيض حرير وشعرها سايب على ضهرها.
سليم واقف وراها بهدوء، بيقرب منها وبيلف إيديه حوالين وسطها.
سليم (بصوت دافي بيهمس في ودنها):
وحشتيني… وحشني صوت نفسك… ودفا روحك… حتى وإنتِ في حضني، بحس إني مشتاقلك كأني ما لمستكيش قبل كده.
شيرين (بابتسامة فيها وجع، بتحط إيدها على إيده):
١٣ سنة يا سليم… كنت بتنفس وأنا ميتة، بضحك والدموع ماليه قلبي، بربي عيالك وأنا مش عارفة إذا كنت عايش ولا القدر دفنك جوايا عارفة الحقيقة ومش عارفة اتكلم
سليم (بيلفّها عشان تبصله، وبيبص في عينيها بقوة):
أنا ما متّش يا شيرين… كنت بقاتل في الضلمة… بحضر لكل لحظة زى دي… لحظة انتقامك… لحظة شفاكي… لحظة حضني ليكي تاني.
شيرين (بحزن نابع من جرح وغضب):
سعاد… الست اللي شالت قلبي ورمته تحت رجلين الخيانة… دفنتني وأنا عايشة، وكسّرت عيالي، وخلتني أعيش سنين عاجزة ومكسورة… لو ماكنتش جنبي النهاردة، ماكنتش سامحت الدنيا كلها.
سليم (بيشدّها في حضنه بقوة):
أنا معاكي… وهفضل. سعاد… خلص وقتها. اللعبة اللي بدأت من سنين، هنختمها إحنا… بس المرة دي، من غير رحمة.
شيرين (بصوت فيه نار وقوة):
هسافر مصر وأنا واقفة على رجلي… هقف قدامها مش كضحية، كحُكم بيقول العقاب. هخليها تتمنى تموت ألف مرة قبل ما الموت ييجي.
سليم (يبتسم بلمعة غموض، ويمسك وشها بين إيديه):
هتروحي هناك ملكة… والملكة ما بتنتقمش بغضب، بتعاقب بعدل بس عدل قاسي. سعاد مش هتشوف النور تاني… لا هي ولا ناهد ولا كل اللي كانوا معاها.
شيرين (بتحط إيدها على قلبه):
والقلب ده… من النهاردة مش هيدق غير لحاجة واحدة… إحنا. حبنا، ولادنا، وعدلنا.
سليم (يقبّل جبينها):
بوعدك… كل واحد أذاكي، هيدفع التمن… والتمن هو إنك تبقي أقوى، واقفة، ماحدش يكسرلك ضهر.
شيرين (بتبتسم وبتهمس بخجل):
عايزة أرقص معاك قبل ما نمشي… رقصة نعلن فيها ولادة شيرين الجديدة… اللي ما بتسامحش… وما بتنكسرش.
سليم (بيمسك إيدها وياخدها لنص الأوضة، بيشتغل مزيكا هادية من جهاز صغير، بيحضنها برقة وبيبدأوا يرقصوا بهدوء):
رقصتنا دي مش الأخيرة… دي بداية كل حاجة جديدة… بداية نهايتهم.
شيرين (بتغمض عينيها وهي في حضنه):
أنا جاهزة يا سليم… يلا نولّع جحيمهم… ونكتب خلاصنا
*********************
جوه المستشفى، أوضة الانتظار اللي قدّام العناية المركّزة. الجو مليان توتّر وقلق، سلوى لسه نصها فايق ونصها تاني مش شايف حواليه، وولاء قاعدة جنبها بتحاول تهديها. الجدة مها ماسكة المصحف وبتدعيله في سِرّها، والجد محمود واقف جنبها وشايل الهم ساكت.
الدكتور بيخرج من أوضة العمليات، لابس اللبس الأخضر ووشه باين عليه التعب، بس صوته ثابت. الكل بيقوم بسرعة، عينيهم كلها عليه
الدكتور (بجدية):
أنا عارف إنكم قلقانين… بس بصراحة كان لازم ندخل إياد بسرعة العمليات، علشان المادة اللي دخلت جسمه عملت شبه شلل في مركز التنفس، وكان فيه خطر حقيقي على حياته.
مهاب (بصوت مكسور):
يعني… دلوقتي حالته إيه؟ هيعيش ولا لأ؟
الدكتور (بيهز راسه):
الحمد لله، العملية نجحت مبدئيًا… قدرنا نسحب أغلب المادة اللي في دمه، وفتحنا مجرى التنفس. بس هو لسه في غيبوبة… جسمه منهك جدًا، ومخه محتاج وقت عشان يفيق.
مها (بتعيط):
يا رب رحمتك… حفيدي كان هيروح مننا!
أدهم (بعصبية وصدمة):
بس إزاي؟ إزاي ده حصل؟ إحنا معاه في نفس البيت، عمره ما حتى شرب سجاير!
الدكتور (بصوت جد):
اللي حصله مش من تعاطي عادي... دي مش حالة إدمان… حد دسله جرعات محسوبة… حد بيحاول يدمّره، مش بس يخلّيه يدمن.
زين (من بعيد بنبرة تقيلة):
أنا قلتلكوا… دي مش صدفة. في حد بيقتل إياد بالراحة.
مايا (بصوت واطي):
وزين شايف الحقيقة كويس.
محمود (لأول مرة صوته عالي):
يعني حد دخل بيتي، ووصّل لابني؟ من جوا عيلتنا؟
مازن (اللي ساكت من الأول، قرب وقال بهدوء):
اللي عمل كده مش غريب يا بابا… ده عارف إياد كويس.
واستخدامه لمخدر زي ده بالشكل ده… معناها إنه عايز يوصّل رسالة.
أحمد (بحدة):
رسالة إيه! دي جريمة! أنا هروح أبلّغ فورًا!
مايا (بتوقفه بلُطْف):
استنى يا أحمد… البلاغ هيتسجل ضد مجهول. ولو اللي عمل كده واحد مننا؟ أو من اللي حوالينا؟ لازم نعرف الأول قبل ما نتحرّك.
مها (بتبكي):
هيفوق إمتى يا دكتور؟ هيصحى ويكلّمنا؟
الدكتور:
مش عايز أديكم أمل كدّاب… حالته مستقرة، بس الغيبوبة ممكن تاخد وقت. هو محتاج يفضل تحت الملاحظة في العناية المركزة، ولو عدّى الـ72 ساعة الجايين من غير مضاعفات، يبقى إحنا على الطريق الصح.
ولاء (بقلق وهي ماسكة إيد علا):
والمخ؟ ممكن يكون اتأذى؟
الدكتور (بيبص على مازن موجها حديثه لمحمود):
ابنك مازن جراح أعصاب، يقدر يشرح لكم أكتر.
بس مبدئيًا… مفيش علامات خطيرة، الأشعة طلعت سليمة الحمد لله.
مازن (يبص للجميع):
الضغط اللي حصل على مركز التنفس كان قاتل تقريبًا… بس إياد قاوم. وده معناه إن جسمه قوي… وفيه أمل كبير، بس لازم نعرف السبب ونقفله.
زين (بنبرة هادية بس حادة):
وإحنا هنعرف مين السبب… حتى لو اضطرينا نرجع نفتح كل اللي فات.
مهاب (يغمض عينه بحزن):
مش قادر أصدق… ابني نايم جوّه، وواحد مننا عايز يموّته.
مايا (تبص حواليها):
فيه سر كبير مستخبي في العيلة… والسر ده هو اللي لازم نكشفه… قبل ما إياد يدفع التمن لوحده
في المخزن – في مكان مهجور،
نور خافت نازل من لمبات قديمة معلقة في سقف المخزن اللي ريحته عطنه ومليان رطوبة. صوت خطوات سريعة بيكسر الهدوء، وأربعة رجالة أجسامهم ضخمة بيدخلوا وهم بيزقوا بنت مربوطة من إيديها، لبسها شيك لكن مقطع من كتر الشد... دي "تارا".
تارا (وهي بتصرخ وبتتهز بعنف):
– ابعدوا عني! إنتو عارفين أنا مين؟ هتندموا ندم عمركم، سيبوني!
الراجل الأول (بصوت تخين وخشن):
– لو كنا فارق معانا إنتي مين، كنا سمعنا صوتك من شوية!
تارا (بتحاول تركل الراجل التاني):
– آه، إنتو شغالين مع زين، صح؟! قولوله لو لمسني... لو قرب مني، هيتمنّى لو ما كان عرفني أصلاً!
الراجل التاني (بسخرية):
– يا سلام، شوفي نفسك وانتي متكتفة... فين الشراسة؟ دلوقتي شكلك مش بطلة خالص يا آنسة تارا!
تارا (بصوت عالي وهي بتحاول تفك نفسها):
– سيبوني! إنتو ما تعرفوش بتتعاملوا مع مين! أنا مش واحدة ضعيفة... أنا الكابوس بعينه!
الراجل التالت (وهو بيشدها على جوه الركن):
– كفاية بقى مسرحية. زين قال نرميكي هنا ونقفل عليك، وهو ييجي يتصرف معاكي.
تارا (بتحاول تهرب):
– أنا هخرج من هنا، وهخليكم كلكم تدفعوا التمن... وزين أول واحد هدوس عليه برجلي!
الراجل الرابع (وهو بيضحك وبيفتح باب حديد تقيل):
– يا سلام عالتهديدات! خليها تنفعك لما تبقي قعدة لوحدك وسط الضلمة والبرد.
الرجالة بيرموا تارا في أوضة صغيرة جوه المخزن، من غير شبابيك، سقعة، ضلمة، وريحتها وحشة
تارا (بتقع على الأرض وتتوجع، وتصرخ وهي بتخبط برجليها عالباب):
– افتحوا! افتحواااا!! جبنااااء! إنتو ولا حاجة! أنا هطلع... وهتشوفوا تارا هتعمل فيكم إيه!
الراجل الأول (بيقفل الباب الحديد ويحط القفل):
– اقعدي راوّقي كده، يمكن تعقّلي قبل ما زين ييجي.
الرجالة بيبعدوا وصوتهم بيختفي، والمشهد بيقفل على صوت نفس تارا الغاضب، وهي قاعدة على الأرض، متكتفة، في الضلمة، وعيونها مولعة نار انتقام
جوا المخزن – بعد حوالي ساعة من خطف تارا
المكان لسه ضلمة، والبرد بيقرص في العضم. تارا قاعدة على الأرض، إيديها متكتفة، شعرها مبهدل ونازل على وشّها، عينيها بتلف حوالين المكان بقلق بس بتحاول تمسك نفسها وما تبانش ضعيفة. فجأة… الباب الحديد بيتفتح بعنف، وزين بيظهر.
الضوء اللي جاي من برّه بينوّر وشه شوية، بعدين يدخل بخطوات تقيلة وهادية، يقفل الباب وراه، ويقف قصادها… حاجبيه مضمومين، وعينيه مولعة نار.
زين (بصوت بارد):
– ارتاحتي؟ ولا المكان مش على مزاجك يا تارا؟
تارا (بتضحك بسخرية وهي بتحاول تخبي توترها):
– لو كنت جاي تعزمني على العشا، فـ طريقتك دي ما تنفعش معايا خالص.
زين (يقرب منها خطوة، عينيه جامدة):
– اسكتي… خليني أتكلم قبل ما أعصابي تفلت مني.
أنا حذرتك… وقلتلك تبعدي عن إياد. قلتها كده، صريحة. ما تلعبيش بقلبه.
بس إنتِ؟
إنتِ اخترتي النار، وأنا هوريّكي النار اللي انتي اخترتيها بإيدك.
تارا (بتنكمش ، بس بتحاول تبان قوية):
– إياد راجل كبير، عارف هو بيعمل إيه… ومالوش كبير يحميه، صح؟
زين (يضرب الحيطة بإيده وصوته عالي):
– إياد دلوقتي بين الحياة والموت!
بسببك!
إياد… الوحيد اللي عمره ما أذى حد، اللي الكل بيحبه وبيحلف بيه.
إياد الطيب… النضيف…
إنتي خربتيه بمخدرك وألاعيبك!
تارا (بتسكت فجأة، عينيها بتتسع، ونفسها بيتسارع):
– …إياد… حالته خطيرة؟
زين (يقرب منها، صوته بقى أنشف):
– حالته حرجة. والكل برا منهار… علا بتعيط، وولاء بتصرخ زي المجانين… أحمد بيقول هيقتل أول واحد يقابله، ومازن دخل العمليات وهو شكله هينفجر.
وإنتي… قاعدة هنا…
وبرضه بتلعبي دور البريئة؟!
تارا (شفايفها بترتعش، وبتبص لتحت):
– أنا… أنا ما كنتش أقصد…
زين (رافع حواجبه بسخرية):
– ما كنتيش تقصدي؟!
تحطي له مخدر في القهوة من شهور، وتبعديه عن كل الناس، وتتلاعبي بيه… وبعدين تقولي ما كنتيش تقصدي؟
تارا (تصرخ فجأة وهي بتحاول توقف رغم قيودها):
– أنا ما كنتش عايزة أذيه!
أنا… كنت بكرهه، كنت حاسة بغِلّ من اللي عملوه في أمي…
بس هو…
هو كان مختلف.
زين (بيبص لها بجمود):
– بتحبيه؟
تارا (بتسكت، وصوتها بيرتعش):
– لأ…
أنا… مش عارفة.
كنت بحاول أهرب من إحساسي… كنت شايفة الانتقام أهم…
بس إياد…
زين (بهدوء مخيف):
– إياد ممكن ما يقومش تاني.
ولو مات… والله العظيم…
ما هرحمك.
مش علشان الانتقام، لأ…
علشان وعد الناس اللي بيحبوه… إن حقه مش هيضيع.
تارا (بتبص في الأرض ودموعها بتنزل في صمت):
– ما كنتش فاكرة… إني هوصل للدرجة دي…
أنا كنت… تايهة.
زين (يرجع ناحية الباب):
– تايهة؟ تايهة دي مش حجة…
اللي تايه ما بيدمرش أنضف بني آدم في العيلة.
(بيفتح الباب، وبيهم يخرج، بعدين يبص لها آخر مرة)
زين:
– جهّزي نفسك… علشان هتشوفي وشّك الحقيقي أول مرة في المراية.
بيقفل الباب وراه، وتارا بتقع على ركبها، دموعها نازلة، وعينيها فيها خليط من الذنب، والندم، والحزن، وخوف من حب ما كانتش ناوية عليه
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
رواية لهيب العشق الفصل الثالث والعشرون 23 من هنا
الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)