📁 أحدث الفصول

رواية لهيب العشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل التاسع عشر 19

#سيليا_البحيري 

#لهيب_العشق 

فصل 19

ف أوضة الجد عادل – بالليل – نور خافت – صوت المطر شغّال في الخلفية

الجد عادل قاعد على الكرسي الهزّاز جنب الشباك، إيديه بترتعش شوية، وعنيه تايهين في الضلمة ورا الإزاز. بيحط إيده على راسه كإن الذكريات تقيلة عليه. قدامه على الترابيزة صورة قديمة ليه هو وابنه سليم ومراته شيرين يوم فرحهم. بيمد إيده على وش سليم في الصورة، وبعدها بيغمض عينه وبيبتدي يتكلم بصوت واطي، كإنه بيكلم روحه.

عادل (بصوت مهزوز):

يا رب… يا سليم يا ضنايا… ليه يا ابني سبتني في الضلمة دي لوحدي؟

كنت دايمًا تقوللي إنك مرتاح عشان أنا وإمّك حوالين شيرين… بس شيرين راحت… راحت وإنت مش هنا تحميها.

(بيبص في الصورة)

إنت كنت عارف الحقيقة، الوحيد اللي فهم ليه اتجوزت البنت الصغيرة دي… شيرين كانت غلبانة، ضحية كدبة وسخة اسمها سعاد، ودفعِت عمرها تمن لبراءتها…

ودلوقتي؟ دلوقتي يتخطفِت من قلب القصر؟ من بيتنا؟ وهي لا قادرة تمشي ولا تتكلم؟

يقوم من مكانه بصعوبة، يروح ناحية المكتبة القديمة، يفتح درج، يطلع دفتر، يبصّ عليه شوية، وبعدين يرجعه مكانه

عادل (بغُصة):

وثريا… برضه غلبانة، مستخبية ورا قناع من القسوة… وأنا ساكت… ساكت من سنين، وأنا عارف اللي عمله أبوها، الحقير فوزي… قتل حبيبها، وخطف ابنها، وحرّمها حتى من الحزن… وأنا سكت! وافقت تتجوز إياد عشان أسكّت فوزي… بس هي ما تستاهلش اللي جرى لها.

يمشي ببطء ناحية الشباك، يفتحه شوية ويشم نفس من الهوا، يغمض عينه لحظة، وصوته يبقى أوطى

عادل (بهمس):

وتارا… تارا المسكينة… شايلة في قلبها نار… نار محدش شايفها، بس أنا حاسس بيها… بنتي الصغيرة، حفيدتي… ناوية تنتقم من عيلة العطّار، ومش عارفة إن الانتقام مش هيشفي جرحها…

يا رب… ما تخليهاش تمشي في السكة الغلط…

يسكت، وبعدها يرجع يقعد على الكرسي، يدفن وشه في كفوفه، ويطلع تنهيدة تقيلة

عادل (بكلام متقطّع):

أنا تعبت… والله تعبت… ضهري انحنى، مش من العمر… من الأسرار… من الذنوب اللي مش ذنوبي…

وكل اللي عايزه… ألاقي شيرين… ترجعلي بالسلامة… وقلوبنا تهدا…

وترجع عيلتي…

يبص لفوق ويهمس

عادل:

يا سليم… ساعدني يا ابني… أنا ما عادش عندي طاقة أستحمل…

يُسمع صوت الباب بيتفتح بهدوء، بس عادل ما بيبصش… يفضل يبص في صورة شيرين وسليم، وسكوته تقيل


الباب بيتفتح بهدوء، زين داخل شايل كباية يانسون، بيقرّب من أبوه عادل اللي قاعد في الضلمة.

زين (بصوت واطي):

لسّه صاحي يا بابا؟ الجو برد، جبتلك يانسون يمكن يدفّي قلبك شوية.

عادل بيرفع راسه بتعب، بيحاول يبتسم رغم الحزن اللي باين في وشه.

عادل (بصوت خافت):

تعبتك يا زين...

زين (بيقعد جنبه):

تعبك راحة يا بابا… بس أنا قلقان عليك. من يوم ما شيرين اختفت، وانت مش انت.

(يسكت شوية)

أنا كمان قلبي مش مرتاح… إزاي حد يخطفها من جوه القصر؟ وهي مشلولة؟ إزاي يعني؟!

عادل (بيبص قدامه بشرود):

هو دا اللي مانع النوم من عيني… كانت بين إيدينا، وتحت رعايتنا… سليم، ربنا يرحمه، سلّمهالي أمانة، وأنا وعدته إني أحافظ عليها…

(صوته بيخفض)

بس أنا خذلته

زين (بيحط إيده على كتف أبوه):

ما خذلتوش يا بابا، بس في حاجة أكبر مننا بتحصل. تميم وياسر بيعملوا المستحيل عشان يلاقوها، وكل صحابهم في المخابرات على رجليهم.

(يبصله بقلق)

بس في حاجة في عينك مش مفهومة… في سرّ مخبّيه عني؟

عادل (يبعد بنظره):

لأ يا زين… مش سرّ… بس حاجات من زمان، وجع قديم… وجود شيرين معانا كان نعمة… واختفاءها وجع مش راضي يسيبني.

زين (يحاول يسيطر على نفسه):

أنا بحبها… زي أختي الصغيرة… وتارا، المسكينة، حالتها مش مطمّنة، عينها فيها نار، غضب عمره ما كان فيها.

(يتنهد)

بس يا بابا، ما ترتاح شوية؟ سيب تميم وياسر يكملوا، مش لازم تشيل فوق طاقتك.

عادل (بصوت مرهق):

تعب الجسم أهون من تعب الضمير يا زين… في لحظات في الحياة، بتقف تسأل نفسك: "لو كنت عملت حاجة غير كده… كان كل دا اتغيّر؟"

زين (بهدوء):

كلنا بنفكر كده، بس اللي راح راح… المهم دلوقتي نتصرف صح.

وأنا بوعدك، يا بابا، شيرين هنلاقيها… واللي عمل كده، هيندم.

عادل يسكت، يغمض عينه لحظة كإنه بيستمد قوّة من كلام زين، وبعدين يهمس بصوت واطي أوي:

عادل:

يا رب… الله يسمع منك

*********************

في  – زقاق مهجور في ضواحي القاهرة – عربية سودا مركونة على جنب، جواها ياسر وتميم قاعدين بيراجعوا بيانات على لاب توب صغير.

ياسر (وهو بيمضغ لبانة، بتوتر ممزوج بسخرية):

يعني بجد؟ قصر فيه كاميرات في كل حتّة، وأمن مشدّد، وشيرين تطير كده؟

إحنا في دولة ولا في فيلم خيال علمي؟

تميم (يتنهّد وهو بيتفحّص خريطة حرارية):

اللي خطفها مش هاوي، واضح إنه كان بيراقب بقاله فترة… وخطّط لكل حاجة من بدري.

ياسر (بيبص له):

يعني في خاين جوّه القصر؟

ولا حد من العيلة؟ مش قادر أصدق والله...

تميم (بصوت واطي):

إحنا ما نقدرش نثق في حد دلوقتي، حتى لو من لحمنا ودمنا.

(يبص له)

أنا حاسس إن الموضوع مش خطف وبس… شيرين عندها سرّ… جدي عادل بيتصرف كإنه شايل همّ الدنيا على كتافه.

ياسر (بيهز راسه):

أنا حاسس بكده برضو… بابا بقى متوتر بطريقة غريبة.

(يسكت شوية، وبعدين يبتسم نص ابتسامة)

بس يا تميم، إحنا مش فشلة… هنلاقيها، والله العظيم هنلاقيها.

تميم (يبص للشاشة تاني):

آخر إشارة من الكرسي المتحرّك بتاعها كانت على الطريق الصحراوي… بعدها الإشارة اتقطعت.

ياسر (بجدية مفاجئة):

في حاجة تانية.

(يطلع صورة)

دي كاميرا مراقبة من بنزينة… العربية اللي ظهرت فيها شيرين كانت ماشية في اتجاه الفيّوم.

تميم (يقوم بسرعة):

يبقى نبدأ من هناك… بس نمشي بحذر، اللي خطفها معاه نفوذ.

ياسر (يبتسم):

خلي نفوذه ينفعه… لما توصل له العاصفة اللي اسمها تميم وياسر.

تميم (بسخرية):

إنت دايمًا بتحب الدراما...

ياسر (بضحكة خفيفة):

والبنات كمان.

تميم:

بس المرة دي الموضوع أهم من أي بنت… فاهم؟

ياسر (يربت على كتف تميم):

فاهم… وأهم من أي حاجة. شيرين أمانة، واللي خدها… لازم يدفع التمن.

العربية تنطلق بسرعة في اتجاه الصحرا، والليل يبلع أثرها، في الوقت اللي شاشة اللاب توب بتعكس وشّين شباب، فيهم الغضب، والولاء، والقلق


**********************


أوضة مظلمة – فيلا العيلة – نص الليل

الإضاءة خفيفة وحمرة من أباجورة على الترابيزة. الستاير مقفولة. موسيقى كلاسيك بايظة طالع صوتها من جهاز قديم.

تارا قاعدة على الأرض جنب السرير، رجليها باينين، شعرها منكوش، في إيدها قزازة صغيرة فيها مخدر الهيروين، والولاعة بتنور وتطفي بين صوابعها. عنيها محمرة ووشها شاحب، وجنبها صور متقطعة لعيلة العطار.

تارا (بتهمس وبعدين صوتها يعلى شوية بشوية وهي بتكلم نفسها بجنون):

ماما... إنتِ فين؟

فين رحتي؟

أنا كنت دايمًا بعرف أسيطر على كل حاجة... كل حاجة...

بس دلوقتي؟ أنا تايهة... تايهة من غيرك...

تضحك بهستيريا وبعدين تدمّع في نفس اللحظة

ليه مشيتي؟! مين خدك؟!

أنا مش مستعدة أعيش من غيرك... أنا معرفش أتنفس إلا وإنتِ جنبي!

تاخد نفس من المخدر، تقفل عنيها وبعدين تفتحهم ببطء، وتبدأ تقطع صورة جماعية لعيلة العطار

إنتو...

يا عيلة العار... يا اللي طردتوها كأنها عار عليكم!

يا اللي قفلتوا أوضتها كأنها مرض لازم يتنسي!

ترمي حتة من الصورة على الأرض وتغرز فيها سكينة صغيرة

مازن... إنت الوحيد اللي حس بالذنب، بس سكوتك ما ينفعش!

أدهم؟ فاجر وملعوب، لابس ألف وش

مها؟ ما هيش غير عروسة ماريونيت ساكتة

وإياد...تسكت شوية، تتنفس بسرعة، وتتلجلج...إياد...

تضحك بسخرية، وتحط إيدها على صدرها

ليه قلبي بيرقص أول ما أسمع اسمه؟

ليه صوته لما بيقول "اسمي على اسمك يا غريبة" بيخلّي الدنيا تقف؟

أنا مش بحبك... أنا بكرهك لدرجة بتضيعني... وترجعني لعنيك.

تسكت لحظة وبعدين تقوم فجأة، تدوس الصور برجليها، وتصرخ

تارا (بصوت مرعب وعيونها بتلمع):

أنا بنت شيرين!!

أنا بنتكم اللي دفنتوها وهي عايشة!

أنا العار اللي كنتوا مرعوبين منه... ورجعت.

أنا الكابوس اللي زرعتوه بإيديكم... وها أنا جيت... وجنيت.

تاخد جرعة تانية من المخدر، تقع على السرير، وتضحك بخنقة

تارا (بهمس):

هخلي كل واحد فيكم يركع...

هشوف الرعب في عيون إياد... وهو شايف اللي بيحبها بتكسر قلبه زي ما كسرتوا قلب أمي.

بس الغريبة...

الغريبة إني وأنا قريبة منه... بنسى إنتو مين...

موبايلها بيرن – الاسم "أدهم" بيظهر على الشاشة، أخوها

تارا (بتبتسم بسخرية):

آه يا أدهم...

إنت الوحيد اللي بتفكرني أنا مين... وبتشدني للواقع...

بس آسفة، الانتقام دلوقتي صوته أعلى منك...

تقفل التليفون، وتتمدد على السرير


زين بيخرج من أوضة أبوه ووشّه تعبان، بيتمشى في الطرقة الطويلة وهو ساكت، وقبل ما يوصل أوضته، بيسمع صوت حاجة اتكسرت جاي من أوضة تارا. بيجري بسرعة وبيفتح الباب من غير ما يخبط

تارا واقفة في نص الأوضة، شعرها منكوش، وعنيها محمرة من العياط، الكحول مِكبوبة على الأرض، وكوباية إزاز مكسورة جنب رجلها. وشها فيه خليط من الحزن والغضب والجنون.

زين (بصدمة):

تارا!! إنتي بتعملي إيه؟! إنتي بتشربي؟!

تارا بتلف له بالراحة، وتضحك ضحكة مجنونة، وبتتهزّ الكوباية الفاضية في إيدها.

تارا (بصوت مهزوز):

ليه ماكنش؟! كلكم عايشين في كدبة... و نايمين في العسل بس أنا... أنا الوحيدة اللي شايفة الحقيقة!

زين (وهو بيقرب منها خطوتين):

حقيقة إيه يا تارا؟ إيه اللي حصل لك؟ إنتي مش بنت سليم اللي إحنا ربيناها كده!

تارا (بتصرخ):

ما تجيبليش سيرة بابا! بابا مات، وسابنا معاكم

زين (بصوت عالي):

تارا! كفاية انتي بهدلتِ نفسك وسمعة أبوكي!

تارا (وهي بتقرب منه بخطوات مش ثابتة):

أنا ما بهدلتش نفسي، اللي بهدلني هو الماضي... عيلة أمي اللي رمتها... الناس اللي سرقوا طفولتها...

(بتضحك بسخرية)

حتى وهي قدامكم مشلولة، ما حدّش حاسس بيها... بس أنا؟ أنا هاخد حقها بإيديا.

زين بيضربها بالقلم فجأة:

زين:

اسكتي!

تارا بتقف ثابتة لحظة، وإيدها على خدها، باصة له بذهول... بعدين تنهار في حضنه وهي بتعيط.

زين (بيشيلها بسرعة وبيقعد بيها على طرف السرير):

كفاية... كفاية يا بنتي، أنا آسف... بس مش هسيبك تضيعى كده، مش كده نجيب حق اللي بنحبهم، مش بالجنون... ولا بالسكر...

تارا (وهي بتبكي بحرقة):

أنا موجوعة يا عمو... موجوعة لحد الموت... أمي ما كانتش تستاهل كده... وأنا كبرت والوجع مالي قلبي...

زين (وهو بيحضنها وبيهمس):

أنا معاكي، بس مش بالطريقة دي... لازم نعرف مين عمل فيها كده، بس بهدوء، بعقل... مش تضري نفسك.

(بيبص في عنيها بصدق)

عايزة تنتقمي؟ ماشي... بس خليكي قوية، مش مكسورة


زين لسه حاضن تارا وهي بتعيط على كتفه، وفجأة الباب بيتفتح بسرعة، ويدخل ياسر بخطوات سريعة ووشّه باين عليه التوتر.

ياسر (بقلق):

بابا... سمعت صوت صريخ... في إيه حصل هنا؟

بيوقف لحظة وهو بيشم ريحة غريبة خفيفة، بيكشّر، ويبص حواليه بحدة، عنيه تقع على المخدة اللي متبهدلة فوق السرير.

زين (بيقوم بتنهيدة):

مافيش حاجة خطيرة، تارا بس... كانت في حالة صعبة شوية. فقدت السيطرة كده...

بيبص لتارا بحنية وبعدين لابنه

ساعدني نخليها تهدى.

ياسر بيقرب بالراحة، وعنيه مش سايبة المخدة، وبعدها بيركز في نظرة عنين تارا اللي باين فيها التيه والشرود. بياخد نفس عميق، ويبلع ريقه، ويتكلم بنبرة هادية بس تقيلة:

ياسر (بهدوء مصطنع):

أكيد... خليني أتكلم معاها شوية، لو تحب ترتاح شوية، بابا...

زين (بيبص لتارا ثم لياسر):

ماشي... بس خليك واخد بالك منها، دي بنت أخوك.

زين بيخرج من الأوضة، وياسر بيستنى الباب يتقفل تمامًا، وبعدين بيتنهد، ويقرب من تارا اللي بتحاول تخبي نظراتها المتوترة.

ياسر (بصوت واطي وجاد):

إيه اللي كنتي واخداه يا تارا؟

تارا تسكت، ما تردش. تبص لتحت.

ياسر (بنبرة صارمة وهو بيشاور على المخدة):

أنا مش بس ابن عمك... أنا ظابط، والريحة دي أعرفها من أول نفس.

تارا (بصوت مهزوز):

ما... ماكانش قصدي أوصل لكده...

ياسر (ينحني ناحيتها وعيونه فيها غضب وحزن):

إنتي فاهمة إنتي بتعملي إيه في نفسك؟ مخدرات؟!

(يتنهد، وبصوت أهدى)

لو بابا عرف... هينهار.

تارا (عنيها تدمع):

مش قادرة أتحمل... ماما مخطوفة، وكل حاجة ضايعة، وأنا تايهة...

ياسر (بصوت حازم):

أنا مش هقول لبابا... مش دلوقتي. بس اسمعيني كويس يا تارا.

يقرب وشه منها

لو شفتك تاني مع أي حاجة ممنوعة، هتعامل معاكي كظابط، مش كابن عم.

تارا تهز راسها من غير ولا كلمة، والدموع نازلة من غير صوت.

ياسر (بيقوم ويظبط هدومه):

بكره الصبح عايزك صاحية، وواعية لنفسك.

(بيتنهّد)

وحنبدأ من جديد... بس أوعديني ما تعمليش كده تاني.

تارا (بهمس مخنوق):

بوعدك...

ياسر بيخرج من الأوضة بهدوء، يعدّي إيده على وشّه بتعب، ويقفل الباب وراه من غير صوت

********************

في 

عمارة بسيطة في حي هادي، الليل ساكن، ثريا واقفة قدام باب شقة، وإياد جنبها، قلبها بيدق بسرعة، وإيدها بتترعش وهي بتخبط على الباب.

يُفتح الباب، ويظهر شاب وسيم، في منتصف العشرينات، شعره منكوش شوية، عينين فيها حزن غريب... بيبص لهم باستغراب

كريم (بهدوء متحفّظ):

أيوه؟ محتاجين حاجة؟

ثريا تتسمر مكانها... عنيها تملى دموع وهي بتشوف وشه... نفس الوش اللي شافته في الصورة... نفس الملامح اللي كانت بتحلم بيها كل يوم... نفس الدم

ثريا (بصوت مرتعش):

ك... كريم؟!

(تاخد خطوة لقدّام)

إنت... إنت كريم؟

كريم (بدهشة):

آه... أنا كريم.

(بيبص لهم باستغراب أكتر)

حضرتك مين؟ أنا أعرفك؟

ثريا تنهار، دموعها تنزل وهي بتقرب منه، تحاول تمدّ إيدها بس بتتراجع، مش مصدّقة إنها قدامه

ثريا (بهمس موجوع):

أنا... أنا أمك يا كريم.

كريم يتجمد، يضحك ضحكة عصبية وهو يراجع الكلام بعقله

كريم:

أمي؟ لا لا... أكيد فيه غلط... ماما ناهد هي أمي، وبابا خالد...

إياد (يدخل بهدوء، صوته ثابت):

الناس دي مش أهلك يا كريم.

إنت اتسرقت من أمك بعد ما اتولدت بساعات...

واتبعت زي غرض... لناس معرفوش يعني إيه قلب أو رحمة.

كريم يضحك تاني بس بعيونه دموع، متردد بين التصديق والإنكار

كريم:

كلامكم ده جنون! أنا عشت في بيتهم سنين...

(بصوت واطي)

وإن كان فيه عذاب، بس كنت فاكرهم أهلي...

ثريا (بصوت مخنوق، وهي طابطة على صدرها):

أنا اللي ولدتُك، بإيديا... وشُفتك بس ساعتين...

بس قلبي عمره ما نسيك، ولا لحظة...

دورت عليك في كل 

مكان... في كل صرخة طفل...

كنت بحلم باللحظة دي من سنين... بس عمري ما تخيلت إني أقف قدامك وانت مش عارفني...

كريم بيبص في عينيها... فيه حاجة جواه بتتحرك، نظرة ملامحها، رعشة صوتها، حاجة جوه قلبه بتأن...

كريم (بصوت متكسر):

لو... لو كنتي أمي... ليه؟ ليه ما جيتيش؟ ليه سيبتوني هناك؟ ليه سبتوني وسطهم؟!

ثريا (تنهار وتبكي):

ما سبتكش يا ابني... أنا اتسلبت منك بالعافية...

جدك... اللي كنت فاكرة إنه راجل... هو اللي قتل أبوك، وخدك مني، وباعك!

كريم يرجع خطوة، قلبه بيتقلب جواه، عينيه تملى دموع، صوته يخرج منه بصعوبة

لتقص عليه ثريا القصة كاملة 

كريم:

بابا... اسامة ؟!

كان فقير... بس كان ممكن يحبني...

وأنا... أنا عشت وسط ناس ما يعرفوش حتى يحبوا نفسهم.

ثريا تمدّ إيديها، تبوس إيده وهو واقف مذهول

ثريا:

سامحني يا ابني...

أنا ما كنتش هناك أحميك، بس أنا هنا دلوقتي...

وهفضل جنبك طول ما فيا نفس.

كريم ينهار، يقع في حضنها، يبكي زي الطفل، وإياد واقف وبيبعد نظره، يحس إن اللحظة مش بتاعته، لكنها واجبه

إياد (بهدوء وهو بيبص للسماء):

رجع الحق لأصحابه...

ويمكن دي أول بداية حقيقية ليه...


بعد لحظة حضن كريم لثريا، يبتعد فجأة، ملامحه تتغير، الغضب بيظهر بعينيه... بيستوعب فجأة

كريم (بصوت مبحوح وغاضب):

يعني... سنين وأنا عايش وسطهم...

سنين بيتعاملوا معايا زي غريب... وأنا ؟!

أنا مش ابن خالد؟ مش ابن ناهد؟!

ثريا (بدموعها):

لا يا روحي... إنت ابني أنا... ابن قلبي وروحي.

كريم (بصوت بينه وبين نفسه):

ضحكوا عليا... ربوني زي كلب... طردوني لما كنت محتاج حضن... و ربنا ما هرحمهم 

إياد (بحذر):

كريم... استهدى بالله... لازم نواجههم بعقل.

كريم (ينفجر):

عقل إيه؟ دول باعوني يا أستاذ!

أنا رايح ليهم... ولازم يسمعوني... يسمعوا اللي ما قدروش يسمعوه طول عمري!

يندفع كريم خارجًا من شقته... يركب عربيته بسرعة مجنونة، ثريا و إياد وراه

بعد فترة قصيرة 

أمام فيلا خالد – منطقة راقية هادئة

السيارة تتوقف بعنف، كريم ينزل منها زي العاصفة، ياخد حجر كبير من الأرض، يرميه على زجاج النافذة الأمامية... يكسره بصوت مدوّي

كريم (يصرخ):

اطلعوااااااا!

اطلع يا خالد!

اطلعي يا ناهد!

كفاية كذب بقااااااا!!

ثريا تركض خلفه وهي تبكي، تحاول تهديه، لكن الغضب كان مسيطر

تفتح باب الفيلا، ويخرج خالد، شعره أبيض، وجهه شاحب، متردد، وراه أمه سعاد، عجوز بعينين شريرة رغم السنين، وناهد اللي بتطلع شايلة نفسها بصعوبة، وبنظرة متعالية

خالد (بصوت واطي فيه ندم):

كريم... إيه اللي جابك؟

كريم (بصوت مسموم):

بلاش تقول اسمي بلسانك...

كنت فاكر نفسي ابنك... كنت بتعاملني زي خدام... ووقت ما رجعت سكران ليلة، طردتني زي كلب...

ناهد (باحتقار وهي تتقدم):

كريم! ازاي ترفع صوتك علينا؟ ده بيتنا...

كريم (يصرخ فيها):

بيتك إيه؟!

أنا مش ابنك!

أنا كنت ضحية صفقة قذرة بينك وبين راجل باعتني زي سلعة!

كنت بتكرهيني ليه؟

ليه يا ناهد؟ ليه ما حبتنيش حتى كإنسان؟!

سعاد (بصوت حاد وقاسي):

لأنك ماكنتش مننا... وكنت دايمًا شوكة في رقبتنا...

ثريا تتقدم، عينيها محمرة، وصوتها مليان حقد هستيري

ثريا:

آه... دلوقتي فهمت...

كنتم بتعذبوه ليه...

بتربّوا ابن الحلال جوّه جحيمكم، تكسروه، تكسفوه، تحرقوه...!

تتجه ناحية ناهد، ووشها كله غضب

ثريا:

إنتي سرقتي ابني... حضنتيه بإيد بردة...

بس أنا رجّعته، رجّعته لقلبي، لرحمي، لدمّي...

خالد (ينزل راسه):

أنا... ندمان...

كان غلط... كنت طماع، وحقير... وافتكرت إني بشتري طفل وأعمله ابني...

كريم (يمشي خطوة لقدّام):

بس أنا مش ابنك... ولا عمري كنت...

أنا ابن أسامة... الرجل اللي قتلتوه، سرقتوا منه كل حاجة... حتى أنا...

ناهد تبص بخوف لأول مرة، وسعاد تنكمش وهي بتهمس

سعاد:

حرام عليك يا كريم... كفاية اللي حصل.

كريم (يبص لها بحدة):

إنتي أول واحدة لازم تدوقي مرارة كل لحظة أنا عشتها في بيتكم...

يرجع خطوتين، ياخد نفس عميق، ثم يبص لثريا

كريم:

أنا مش هرجع أعيش في الجحيم ده تاني...

أنا مع أمي... مع دمي الحقيقي...

إياد يحط إيده على كتف كريم بحنان، وثريا تبص للثلاثة الموجودين قدامها، وتهمس بصوت حاقد، وكأنها بتعلن نهاية مرحلة

ثريا:

خسرتوني ابني سنين...

بس من النهاردة... هتدفعوا تمن كل لحظة ظلم...

واللي بينا... ما خلصش ، انهارده هتشوفو الوش ثريا الحقيقي


كريم واقف قدامهم، عنيه فيها نار مش غضب... لأ، دي حاجة بعد الغضب.

خالد، سعاد، ناهد، إياد، وثريا واقفين مصدومين من الحقيقة اللي فجّرها كريم دلوقتي.

كريم (بابتسامة مرعبة وصوت بارد زي السُم):

ما بقاش في حاجة تربطني بيكم...

بس في حاجة واحدة لازم تعرفوها...

مافيش حد هيقدر يمنعني دلوقتي...

إني أروح للجد محمود،

وأحكي له كل حاجة...

عن بنته شيرين...

عن اللي حصل فيها، وعن الوحش اللي دمّر حياتها!

(بيبصّ لسعاد في عنيها)

سعاد (بعصبية):

كريم! بلاش تهوّر! ما تنساش إننا اللي ربيناك!

كريم (يضحك بسخرية):

ربيتوني؟!

أنا كنت صفقة! صفقة علشان تداروا بيها جريمتكم!

ناهد (بتصرخ):

كريم، اسكت!

كريم (بيقرّب منهم بخطوات بطيئة):

لأ، مش هسكت...

سعاد...

إنك تخطفي بنت عندها 15 سنة...

وتزرعي طفل في جسمها...

وترميها في الشارع...

وترجعي تطارديها وتقتلي جوزها اللي سترها؟

ده اسمه... شيطان!

ثريا (مرتبكة):

جوزها؟ مين دي؟؟

إياد (بيرفع حواجبه وبيركّز):

شيرين؟

استنى...

إنت بتقول إيه؟ شيرين ؟

كريم (بيبص له ببطء وبعدين يبتسم ابتسامة سوداوية):

ما كنتش تعرف؟

شيرين... دي كانت مراته.

وسعاد...

هي اللي قتلته ، هي اللي قتلت سليم الشرقاوي 

سكون قاتل... الهوى اتجمّد.

عنيين إياد اتوسّعت، وقلبه بيكاد يوقف.

إياد (بصوت بيرتجف):

لأ... لأ... شيرين؟

شيرين كانت مرات سليم؟اخويا؟؟

كريم (بيصرخ):

هي اللي قتلته!

سعاد!

هي اللي فضلت تطارد شيرين طول عمرها...

وتشلّها... وتسجنها في جسم عاجز...

وخلّت الكل يصدق إنها قليلة الأدب وهي أطهر منكم كلكم!

ثريا (بتشهق):

لأااا... مستحييييل!

إياد (بيرجع خطوة... وبعدين بيقرب منها بخطوات تقيلة):

أنا كنت بحب شيرين زي أختي الصغيرة...

والعيلة كلها حبتها زي بنتهم...

إنتِ...

إنتِ قتلتي سليم؟

ودمّرتي حياتهم؟

ودفعتي تارا... بنتهم... إنها تنتقم من ناس مالهمش ذنب؟!

سعاد (بتتلجلج):

أنا... ماكنتش أقصد...

إياد (بيصرخ بصوت مفزّع):

ماكنتيش تقصدي؟!

(ينقض عليها ويمسكها من رقبتها بعنف)

إنتي قتلتي أخويا!!

سرقتي حياتهم و سعادتهم 

إيه اللي باقي فيكي من إنسان؟!

ناهد (بتصرخ):

سيبها!

ثريا (بتحاول تبعده عنها):

هتقتلها يا إياد!

إياد (بيصرخ ودموعه بتنهار):

هقتلها!

هقتلها زي ما قتلت سليم...

زي ما قتلت قلب شيرين!!

كريم (بيبص للمشهد، وبهمس):

ودي لسه البداية...

لسه ما قلتش للجد محمود... ولسه في حاجات كتير ما اتكشفتش...

المشهد بينتهي على صرخة ثريا، وانهيار إياد وهو سايب سعاد تقع على الأرض، ووشه غرقان في الدموع والخذلان...

وفي اللحظة دي، كريم بيرفع موبايله بهدوء، وبيقول:

"جه وقت الحساب."

*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

رواية لهيب العشق الفصل العشرون 20 من هنا

الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات