رواية لهيب العشق الفصل الثامن عشر 18 بقلم سيليا البحيري
رواية لهيب العشق الفصل الثامن عشر 18
#لهيب_العشق
#سيليا_البحيري
فصل 18
جوا عربية سودا فخمة، ساكنها صمت تقيل. أدهم الشرقاوي قاعد ورا الدريكسيون، وشه مشدود، وعينه على الطريق قدّامه وفيها قلق. تارا قاعدة جنبه، مركّزة في تليفونها، بتدوّر على أي حاجة توصلهم لأمهم المفقودة... شيرين. صوت الموتور هو الصوت الوحيد اللي سامعينه، بس التوتر كان بيقطع في السكون زي السكينة.
أدهم (بصوت واطي مليان قلق):
يا تارا... أسبوع عدا، ومفيش خبر... إزاي حد يختفي كده؟ وهي أساسًا ما بتتحركش... إزاي يعني؟!
تارا (ببرود بيخبّي جواها عاصفة):
محدش بيختفي كده وخلاص يا أدهم... إلا لو في حد مش عايزه يبان.
أدهم (بصّ لها بسرعة وبعدين رجع بص على الطريق):
تقصدّي مين؟ بتتكلمي عن مين يا تارا؟
(سكت لحظة، وبصوت واطي)
ما تقوليش إنك شاكّة فيهم.
تارا (بتهكم مرّ):
مش شاكّة... أنا متأكدة. العطار ما بيرحموش، أول ما طردوها وهي بنت، تفتكر هيسيبوا لها فرصة تعيش بسلام بعد كل السنين دي؟ مستحيل.
أدهم (بيكتم غضبه):
بس دي.... أختهم! بنت العيلة! معقول كده يوصل بيهم الحقد؟!
تارا (بصّت له، عنيها مولعة نار):
عايز الصراحة؟ آه... يوصل، ووصّل كمان.
(دوسة عنيفة على الشاشة)
أنا قلتلك من الأول... رجوعنا مصر كان غلطة. غلطة كبيرة.
أدهم (اتنهّد، وبيحاول يهدّي نفسه):
رجعنا علشان أمي... علشان تحس بالأمان، تحس إنها مش لوحدها. ما ينفعش نفضل نهرب من ماضيها طول عمرنا.
تارا (بصوت هادي كأنها بتكلم نفسها):
الماضي عمره ما بيخلص يا أدهم... بيرجع يطاردنا، لحد ما ياكلنا حيّة.
أدهم (عايز يغير الموضوع):
طيب الكاميرات؟ البوليس قال إن في كاميرا شافت عربية إسعاف مريبة قُرب الفيلا يوم ما اختفت... وده آخر خيط معانا.
تارا (بسرعة):
آه... تميم قال أنها طلعت مسروقة، واللي سايقينها لابسين لبس دكاترة... يعني العملية كانت مترتبة، مش صدفة.
أدهم (ببُص لها):
يعني حد كان عارف... عارف عن أمي، وحالتها، وكل تفصيلة عنها.
تارا (بهمس فيه ريبة):
وإحنا نعرف كويس مين اللي يقدر يوصل للمعلومات دي.
أدهم (بقلق واضح):
تارا... أنا خايف عليكي... الانتقام ممكن يعميكي. ما تسيبيش النار اللي جواكي تخلص عليكي قبل ما توصلي للي ولّعها.
تارا (ضحكة خفيفة بس فيها مرارة):
أنا اتولدت في النار يا أدهم... والنار عمرها ما بتلسع ولادها.
سكون تقيل تاني، وبعدين أدهم بيقف فجأة قدام مستشفى خاص، وبُص لتارا
أدهم:قالوا إن عربية الإسعاف اللي اتشوفت على الكاميرات كانت ماشية في الاتجاه ده... يمكن نلاقي أي دليل.
تارا (فتحت باب العربية بسرعة):
مافيش وقت يا أدهم... لو لسه عايشة، يبقى لازم نلاقيها قبل ما تضيع خالص زي ما ضاع بابا
***********************
في مكتب إياد في شركة العطار – بالليل – النور خافت شوية، والجو مشحون. إياد قاعد ورا مكتبه، قدامه ملف مفتوح. أحمد واقف جنب الشباك، وزين قاعد على كرسي فخم، باصص لإياد بتركيز.
أحمد (مستغرب ورافع إيده على صدره):
يعني بجد يا إياد؟ بتدوّر ورا تارا؟! إنت إزاي تشك في بنت زي دي؟ دي زي أختي يا راجل!
إياد (نظرة مترددة وفيها قلق):
أنا مش بشك... أو يمكن آه، بس مش من فراغ يا أحمد. في حاجات بدأت تبان... نظراتها، ردود أفعالها، تصرّفات غريبة مش داخلة دماغي، أنت مشفتش حالتها في فيلا جدها لما امها اتخطفت ، على شوية كان هتقتل مرات عمها ، دي مش زي ما هي بتظهر لنا
أحمد (بص له باستغراب):
بس إنت كنت بتحبها... وكنت شايفها ملاك! إزاي قلبت كده مرة واحدة؟
زين (بتنهيدة وسخرية وهو بيعدّل قعدته):
المشكلة مش إن مشاعره اتغيّرت... المشكلة إنه أخيرًا بدأ يستخدم مخه. برافو يا إياد!
إياد (بص لزين):
أنا مش بحب أظلم حد يا زين، بس لما حد يدخل حياتي ويبدأ يتلاعب بيا أو بأهلي... لأ، لازم أوقفه.
زين (بإعجاب):
خطوة صح. تارا مش بالبراءة اللي باينة بيها. وأنا شفت ده بعيني في هارفرد، بس وقتها ما كانش عدوانية زي دلوقتي، ماكنتش أعرف إنها دخلت على العيلة كده.
أحمد (رافع حاجبه):
بس هي ماعملتش حاجة غلط... يمكن بس شخصيتها قوية شوية.
زين (ببرود):
قوية؟ لأ... دي عدوانية. دماغها ما يهداش غير لما توقع حد. وأنا حاسس إنها بتحاول تدخل وسطنا لهدف معين، مش حب ولا صدفة.
إياد (بصوت واطي ومتردد):
علشان كده طلبت من كمال يدور وراها. لازم أعرف تارا دي مين بالظبط... قبل ما أتورط أكتر.
أحمد (هز راسه بشويش):
أنا مش مرتاح للحوار ده... بس طالما إنت شايف كده، وعايز تطمن... أنا مش هقف في وشك.
زين (بنبرة جد):
صدقني يا أحمد، لازم نعرف الحقيقة... قبل ما الدنيا تولّع في وشنا كلّنا
*********************
فجأة موبايل إياد بيرن، وكان المتصل كمال. إياد بيرد بسرعة، ويدوس على زر السبيكر علشان الكل يسمع. زين بيتكئ على الكرسي بهدوء، وأحمد واقف ورا إياد بفضول واضح.
إياد (بلهفة):
أيوه يا كمال... معاك.
كمال (صوته من السماعة – هادي ومرتب):
مساء الخير يا باشا... جبتلك المعلومات اللي طلبتها عن الآنسة تارا.
إياد (مشاور بإيده للكل يسكتوا):
اتفضل، سامعك.
كمال:
الآنسة تارا الشرقاوي، كانت عايشة في أمريكا مع عيلتها لفترة طويلة. أبوها اسمه سليم الشرقاوي... كان راجل أعمال تقيل زمان، وسُمعته كانت جامدة، كانوا بيسموه بين رجال الأعمال "الدكتاتور"، توفّى من حوالي ١٣ سنة.
أحمد (رافع حاجبه):
"الدكتاتور"؟ اسم يخض بصراحة...
كمال (مكمّل):
أمها اسمها شيرين... كانت عندها مشكلة في الحركة، شلل يعني، وكانت عايشة معاهم برضو هناك، بس نادر جدًا ما كانت بتظهر قدام الناس. وتارا كانت دايمًا معاها. جدّها عادل الشرقاوي، كان شخصية معروفة زمان، بس دلوقتي مختفي من الصورة.
إياد (باصص لأحمد باستغراب):
يعني البنت من عيلة معروفة!
كمال:
وعندها أخ أكبر منها اسمه أدهم الشرقاوي... عنده ٢٥ سنة، بس دكتور جراح مخ وأعصاب وناجح جدًا بالنسبة لسنه. هم رجعوا مصر من حوالي سنة كده، وساكنين هنا دلوقتي على طول معا عيلة الشرقاوي
زين (بيبتسم لنفسه ويهمس):
أدهم... شيرين... الشرقاوي...
إياد (متجاهل تعليقه):
شكرًا يا كمال، عملت اللي عليك وزيادة.
كمال:
تحت أمرك يا باشا... لو عايز أي حاجة زيادة قولي.
إياد بيقفل المكالمة ويحط الموبايل على المكتب
أحمد (بيحك دماغه وهو محتار):
بس غريبة يا إياد... يعني هي عايشة مع أمها شيرين... وده نفس اسم عمتنا!
إياد (بيهز راسه):
صدفة غريبة فعلًا...
أحمد (بيضحك بحُسن نية):
بس أكيد مش نفس شيرين عمتنا! عمتنا كانت هنا زمان، دي بقى تارا دي أمريكية، شكلها وستايلها حاجة تانية خالص.
زين بيبتسم ببرود ومابيعلّقش، باصص عليهم كإنه بيتفرج على مسرحية كوميدية على عبط و غباء إياد و أحمد، وهو خلاص ربط الخيوط كلها في دماغه
إياد (ببطء):
بس أنا لازم أعرف أكتر... ليه كل الغموض ده؟ تارا عمرها ما بتتكلم عن أهلها، وده بيقلقني.
زين (بصوت هادي وواثق):
كمّل يا إياد... إنت ماشي في السكة الصح
بالليل، النور خافت، وزين قاعد لوحده ورا المكتب بعد ما أحمد وإياد مشيوا. ملامحه مشدودة، وعينيه سارحة قدّامه، وإيده ماسكة ورقة مكتوب عليها "تارا الشرقاوي".
زين (بصوت واطي وهو بيقرأ الاسم):
"تارا الشرقاوي... بنت شيرين... اللي محدش جاب سيرتها بقاله ٢٥ سنة..."
بيقوم من على الكرسي، وبيمشي ناحية الشباك، يبص ع الشارع كإنه بيركّب الأحداث في دماغه:
زين (بحدة):
"يعني كانت قدامنا طول الوقت... ووشّها البريء ده طلع قناع؟ جاية تنتقمي من عيلة طردت أمك؟"
يضرب بكف إيده على المكتب، ووشّه مولّع من الغضب والخذلان:
زين:"أنا معنديش مشكلة أنك تفتحي ملفات زمان، ولا حتى ترجّعي حق أمك... إنما تفكّري تقربي من إياد؟ تأذيه؟ تلعبيله في دماغه؟ لأ! مش طالعة."
بيرجع ناحية المكتب، يسحب شوية صور لتارا وهي في الشركة، ويبص عليهم بنظرة كلها شك وغضب:
زين (بصوت واطي وغاضب):
"من أول يوم شوفت فيكي حاجة مش داخلة دماغي... وكنت حاسس إنك مش جاية هنا بالصدفة. بس دلوقتي... دلوقتي فهمت كل حاجة. ومش هاسيبك تأذي حد مننا... خصوصًا إياد."
بيرجع يقعد، ويتكئ لقدام شوية كده، ويهمس بصوت كله تهديد:
زين:
"لو فكّرتي تلمسي شعرة من إياد... أو تلعبيلنا على نقطة ضعف واحدة في العيلة... أنا هبقى جحيمك يا تارا. سامعة؟ الجحيم بعينه."
زين يجلس في المكتب، يمسك هاتفه بيده، يضغط على اسم "مايا" ويضعه على الأذن. بعد ثوانٍ، ترد بصوت هادئ مشوب بالبرود
مايا:
زين؟ خير؟ مش وقتك أبداً تتصل… عندي محاضرة بعد ربع ساعة.
زين (بصوت جاد وعاجل):
مايا… اسمعيني، محتاجك تيجي مصر فوراً.
مايا (بضحكة ساخرة):
إيه؟ اجي مصر؟ زين إنت كويس؟ إجازتي مش دلوقتي، وبابا مش هيسيبني أسافر لوحدي.
زين (بتوتر واضح):
مايا… إياد في خطر. البنت اللي خربتلك حياتك في هارفارد… تارا الشرقاوي… طلعت قريبتنا، وهي ناوية تنتقم.
صمت على الطرف الآخر للحظة، قبل أن يرتفع صوت مايا بغضب مكتوم
مايا:
إنت بتهزر؟! تارا؟! الشيطانة دي؟
هي في مصر؟ وقريبة مين فينا بالضبط؟!
زين (بحدة):
بنت عمتو شيرين… بنت جدو محمود ، اللي محدش في العيلة بيجيب سيرتها. دخلت شركتنا، قربت من إياد، وكل ده تمثيل!
مايا، أنا مش بهزر… وهي مش هترحم. لازم تيجي… تساعديني نوقفها قبل ما تعمل مصيبة.
مايا (تتنفس بعصبية):
أنا لو شفتها… أقسم بالله ما هسيبها تمشي على رجلها… بس بابا زياد مش هيرضى… ممنوع أسافر لوحدي.
زين (بصوت متوسل وحازم):
اعملي أي حاجة، كذبي، تحايلي، قولي هتزوري صاحبتك، خدي طيارة خاصة لو لازم!
بس مايا… أرجوكي… إياد في خطر حقيقي، وأنا مش هقدر أوقفها لوحدي.
تسكت مايا للحظة، نبرتها تتغير من العصبية للحسم
مايا:
اديني يومين. هتصرف… وهكون هناك.
بس أوعدني بحاجة واحدة يا زين…
زين:
إيه هي؟
مايا (بنبرة صارمة):
لو شفتها قبلي… ما تعملش أي تصرف متهور. خَلّي اللي بيني وبينها… أخلصه بإيدي.
زين (بابتسامة خفيفة وحزن في صوته):
أوعدك… بس تعالي بسرعة، قبل ما الشيطانة دي تولع الدنيا
********************
في نادٍ ليلي صاخب في لوس أنجلوس. الأضواء تتراقص، والموسيقى تعلو في الأرجاء، وفي زاوية مظلمة تجلس جاكلين مرتدية فستانًا أسود قصيرًا، سيجارة بين أصابعها، وكأس نبيذ أمامها. عيناها تتوهجان غضبًا وهي تتحدث بصوت منخفض إلى صديقتها "روكسان" الجالسة بجوارها
روكسان (ضاحكة):
هل نسيتهِ تمامًا؟ لم يتصل بكِ منذ أن عاد إلى مصر… كان مجرد لعبة بالنسبة لكِ، أليس كذلك؟
جاكلين (بصوت ساخر ومرير):
نسيته؟ أنا؟
كنت على وشك أن أقيّد أغبى رجل بريء رأيته في حياتي… آدهم الشرقاوي كان تذكرتي نحو الثراء والسلطة.
روكسان:
لكن تارا… شقيقته… كانت أذكى منكِ، أليس كذلك؟
تسحق جاكلين سيجارتها على الطاولة، وترتفع عيناها وقد امتلأتا بالغضب
جاكلين:تارا؟
ليست إنسانة… إنها أفعى بعينين ملائكيتين.
دخلت حياتي كأنها بريئة، وقالت لي بمنتهى الهدوء: "اقتربي خطوة واحدة من أخي… وستكونين بقايا حكاية لن يصدقها أحد."
ترتشف رشفة طويلة من كأسها، وتضحك بمرارة
جاكلين:
أتعلمين؟ لقد شعرت بالخوف منها للحظة.
لكن الآن؟ لا.
الآن أنوي أن أرد الدين… مضاعفًا.
روكسان (بفضول):
وماذا ستفعلين؟
جاكلين (بنبرة باردة تفيض بالكراهية):
لن أهاجمها مباشرة… لا.
سأبدأ من داخلها… من العائلة التي تحميها.
آدهم؟ كان البداية… أما في المرة القادمة؟
سأجعلها ترى أعزّ من لديها يتحولون إلى خناجر تطعنها في ظهرها…
وستكون هي السبب في آلامهم.
تنهض، تعدل فستانها، وتلقي نظرة ساخرة على الحاضرين من حولها
جاكلين (هامسة لنفسها):
هل أنتِ مستعدة للعبة الجديدة يا تارا؟
لأن الجحيم… لم يبدأ بعد
*******************
في حارة ضيّقة ومهجورة على طرف المدينة، قدّام عمارة قديمة بايظة، الوقت: بعد المغرب بشوية.
وقفت عربية سودة، ونزلت منها ثريا بخطوات باينة عليها التوتر، عنيها مليانة شوق وخوف.
وراها نزل إياد بهدوء، وبص حواليه بحذر.
ثريا (بصوت مخنوق):
هو ده المكان... نفس العنوان اللي كان في الجواب.
إياد (قرّب منها ووطّى صوته):
متأكدة إنك عايزة تقابليه لوحدك؟ ممكن تكون كمين، يا ثريا.
ثريا (بصّت له ودموعها في عنيها):
حتى لو كان كمين، لازم أعرف... لو فيه أمل صغير إنه كريم، ابني... يبقى لازم أعرف الحقيقة.
إياد (مسك إيديها وضغط عليهم بهدوء):
أنا معاكي، ومش هسيبك. بس لازم ناخد بالنا. هستخبى قريب، ولو حصل أي حاجة، هكون جاهز.
ثريا (تنهدت وحاولت تمسك نفسها):
عمري ما كنت أتخيل إن اليوم ده هييجي... بعد كل السنين دي، مجرد أمل بسيط بيخليني أرتعش.
إياد (مسح على كتفها وابتسم بحنية):
مهما حصل، أنا جنبك. ولو طلع ابنك بجد، فرحتك هتبقى فرحتي.
(بص حواليه ومشي نحية زُقاق ضلمة على جنب):
هستخبى هناك. خليكي قوية... وكل حاجة هتبقى تمام.
ثريا (هزّت راسها من غير كلام وبصّت له وهو بيبعد، وبعدها وقفت لوحدها وسط الضلمة، حطت إيدها على قلبها وهمست):
يا رب... خليني أشوفه، حتى لو لحظة...
سكون لحظي، وبعدين صوت خطوات خفيفة طلع من الضلمة، وصوت هادي قال:
ثريا...
بعد عدة دقائق
المجهول (بصوت واطي وخشن):
ماكنتش فاكر إنك هتيجي لوحدك...
ثريا (مرتعشة بس بتحاول تمسك نفسها):
إنت قلتلي لو جيت... هعرف الحقيقة. فين ابني؟! فين كريم؟!
المجهول (يسكت شوية، وبنبرة مفيهاش أي إحساس):
ابنك... اتولد بين إيدين اتحرمتي منها...
اتخطف يوم ما إنتي جيتي الدنيا، يوم صرختِ أول مرة.
ثريا (بصدمة):
يعني إيه؟ مين خده؟! مين؟!
المجهول (بنبرة تقيلة):
أبوكي... فوزي.
هو اللي باعه... باع لحمه ودمه... لراجل اسمه خالد الحريري.
ثريا ترجّع خطوة لورا، كإن الأرض اتزلزلت تحت رجليها، حطت إيدها على بقها، عنيها اتفتحت على الآخر، وصوتها طلع بصدمة:
ثريا:
لأ... لأ، مستحيل... فوزي؟ بابا؟!
المجهول (ببرود كأنه بيطعنها من غير سكينة):
ما باعوش لأي حد... باعه لراجل عامل كل جرايم الدنيا
ثريا (تصرخ بصوت مخنوق):
ليه؟! ليه عمل كده؟!! هو كان بيكره أسامة بس عمره ما كره كريم!!
المجهول:
هو كان بيكره فقره... بيكره اللي كسره قدام نفسه...
وشاف في حفيدك عار... فقرر يمحيه.
ثريا بتعيط، بتنهار تقريبًا، والمجهول واقف زي التمثال
ثريا (بكلمات متقطعة):
فين... فين ابني؟! فين كريم؟!!
المجهول (يستنى لحظة، وبعدين يطلّع ورقة من جوا الجاكت بتاعه):
ده عنوان...
يمكن تلحقيه قبل ما يضيع من حياتك تاني.
يمدّ الورقة بهدوء، بس هي ما بتتحركش. ياخد خطوة لقدّام، ويحط الورقة على كرسي خشب متهالك جنبها، وبعدين يلف ويمشي
من بعيد، في الضلمة — إياد واقف، عنيه مركّزة على المشهد، قلبه بيخبط بسرعة. مع إن الضلمة مخبية الملامح، بس في حاجة في الراجل ده... طريقته في الوقفة... حركة إيده وهو بيقدّم الورقة... نبرة صوته. كلها حاجات مش واضحة، بس حرّكت حاجة جواه
إياد (بهمس جواه، محتار):
مين ده؟ ليه حاسس إني... أعرفه؟
قلبي بيدق كإنه نادى على اسمه... بس مش عارف لمين
*********************
في حارة ضيّقة على طرف القاهرة – الليل ضلمة قوي، والجو برد، نور أعمدة الشارع ضعيف، ونباح كلب بعيد بيكسر السكون. تارا طالعة ماسكة كشاف، ماشية جنب أخوها آدهم اللي عينُه بتلف حواليه بقلق
تارا (بقلق):
مش ممكن تكون خرجت لوحدها… مستحيل، حالتها ما تسمحش يا آدهم.
إحنا بقالنا ٣ أيام بندوّر… مافيش أي أثر.
آدهم (بيحاول يتمالك نفسه):
أنا اللي غلطت… كان لازم أفضل جنبها أكتر من كده.
سبتها مع المُمرضة وافتكرت إنها بأمان… تارا، لو جرالها حاجة، عمري ما هسامح نفسي.
تارا (عنياها فيها لمعة دموع، بس بتحاول تتمالك):
ماما قوية… حتى وهي على الكرسي، عمرها ما كانت ضعيفة.
بس اللي حصل ده مش طبيعي… قلبي مش مرتاح خالص.
آدهم بيقف فجأة وبصّ على بيت قديم شكله مهجور
آدهم:
استني… شايفة الباب ده؟
ماكانش مفتوح امبارح.
بيمشوا بهدوء، وتارا بتسلط الكشاف على الباب الخشب اللي باين عليه القدم
تارا (بصوت واطي):
ممكن تكون جوه؟
ممكن حد خطفها فعلاً؟
آدهم (بصوت متوتر):
كل حاجة واردة، خصوصًا مع الناس اللي حوالينا.
جاكلين، وطارق الألفي… و حتى عيلة العطار...دول ممكن يعملوا أي حاجة.
تارا (بغِلّ مكتوم):
لو ليهم يد في اللي حصل… والله لهوّرّيهم يعني إيه ندم.
آدهم بيفتح الباب بحذر، الباب يطلع صرير عالي. ينوروا جوه… كله ضلمة وتراب، ومفيش حاجة تدل إن في حد هنا
آدهم (محبط):
فاضي… زي باقي الأماكن اللي قلبناها.
تارا (بتقعد على عتبة الباب، ماسكة راسها):
أنا تعبت… مش بس جسمي، نفسيتي تعبانة أكتر.
كل يوم بيعدّي، الخوف جوايا بيكبر.
آدهم بيقعد جنبها، بيحط إيده على كتفها
آدهم (بحنية):
هنلاقيها، وعد مني ليكي.
شيرين الشرقاوي ما بتتهزش بسهولة.
بس لازم نتحرك بسرعة… قبل ما الوقت يسبقنا.
تارا (بنظرة كلها تصميم):
أنا مش ههدى… غير لما ألاقيها، وأعرف الحقيقة… كلها
*********************
في فيلا سعاد العطار
خالد (بنبرة مخنوقة):
كريم مش ابنّا...
ده كان بيبي لسه مولود... ساعتين عمره لما خدناه من فوزي.
وكل اللي عملناه فيه...
سعاد (بتقاطعه ببرود وهي بترفع فنجانها):
عملناه علشان لازم يتعمل.
الضعاف يا خالد، يا إما أدوات... يا إما حمل تقيل.
وإحنا عمرنا ما كنا ضعاف.
ناهد (بتضحك بسخرية):
بتقوليها كإنك قتلتي أمه!
آه صح... فوزي هو اللي باعه، مش إحنا!
إحنا بس ربيناه... بطريقتنا.
خالد (بيصرخ فجأة):
كفاية!
أنا تعبت...
تعبت منكم، من البيت ده، من الدم اللي على إيديا...
أنا هقول لمحمود كل حاجة... كل حاجة يا أمي!
سكون تقيل بينزل على المكان. لحظة صمت مرعبة. سعاد تحط الفنجان بهدوء تام. ناهد تبطأ في حركتها وبصّتلها
سعاد (ببرود قاتل):
يعني... قررت تموت يا خالد؟
خالد (بيبص لها بصدمة):
إيه؟
ناهد (بتقوم وبتمشي نحوه بالراحة):
إنت مش فاهم...
كلمة واحدة منك، وكل حاجة هتنهار.
تخيل 25 سنة تعب وشغل... يروحوا بكلمة؟
سعاد (بصوت بارد):
وأنا مش هسمح لحد… أنا اللي عملت منه راجل،
يجي ويغدر بيا.
خالد (بيرجع خطوة، بيهمس):
أمي… ما تقوليش إنك...
سعاد (بهدوء مرعب، وهي بتمسح على عصاها):
أنا ما بقولش... أنا بعمل.
شيرين كانت البداية... وإنت، يا ابني، لو فتحت بُقك، هتكون النهاية.
ناهد (بتقرب منه، وهمسة ساخرة):
وإنت عارف إن أمي ما بتهزرش.
خالد (صوته بيرتعش، لكنه بيصر):
أنا ندمان...
نفسي أطلب السماح، حتى من ربنا.
سعاد (بتقوم فجأة، عنيها بتلمع بجنون):
ربنا؟
افتكرت ربنا بعد ما دخلت كل السكة السودة؟
افتكرته بعد ما عملت جحيم في حياة ناس بريئة؟
لأ يا خالد...
الغفران مش ليك...
بس القبر.
خالد بيبص لها، وبعدين يرمق ناهد اللي بتبتسم الابتسامة الباردة دي. بيفهم كل حاجة
خالد (بهمس حزين):
يعني... حتى ابني مش هيعرف الحقيقة؟
ولا أنا هعيش عشان أقولها؟
سعاد (بتضحك بخفة):
مفيش لازمة تقول حاجة يا خالد.
الفوضى بدأت... ولسه هتكبر.
وفي أسرار... لازم تتحط في التراب.
خالد بينسحب بخطوات تقيلة، كإن رجليه مش شايلينه. وسعاد وناهد لسه واقفين قدام النار، نص وش سعاد في الضي، والنص التاني في الضلمة
ناهد (بهمس):
خلاص؟ نخلّص الليلة؟
سعاد (بتضحك):
لأ يا بنتي...
نخليها تموت بالراحة.
الندم... ألعن من الرصاصة
********************
ف صالون فيلا خالد – بعد ما خالد مشي – سعاد وناهد قاعدين في سكوت تقيل، وفجأة...
صوت التليفون الأرضي بيرن بصوت عالي ومخيف، ناهد تنتفض من مكانها وبصّت لسعاد
ناهد (بتوتر):
مين اللي بيتصل دلوقتي؟!
سعاد (ضاقت عنيها، ورفعت السماعة بهدوء):
ألو؟
مفيش رد… وفجأة النور بيقطع! رعب بيملأ المكان، وبعدين… شاشة التليفزيون تنوّر لوحدها
الصوت من التليفزيون:
...وحشتيني اوي يا طنط سعاد
الشاشة بتعرض أوضة سودة تمامًا… كرسي جلد في النص… قاعدة عليه ست غامضة، رجل على رجل، لابسة كله سواد، وشها مش باين… بس بتتنفس بثقة مرعبة
المجهولة (بصوت هادي ورايق، لكن فيه نقمة):
جِه الوقت يا سعاد…
جِه وقتك تدوقي العذاب اللي زرعتيه في أرواح ملهاش عدد.
ناهد (بتترجع وبتهمس):
لأ… مش ممكن… مش تاني…
المجهولة (بضحكة خفيفة وباردة):
افتكرتي الصوت اللي خوّفك من كام يوم؟
ضحكته هزتك، صح؟
فاكرة إن ده لعبة؟ أعصاب؟
لأ يا سعاد… دي بداية النهاية.
سعاد (بتحاول تتمالك نفسها، صوتها بيرتعش):
إنتي مين؟!
عاوزة إيه؟!
المجهولة (بصوت حاسم):
أنا اللي دفنتيها وهي لسه بتتنفس…
أنا صرخة ما اتسمعتش…
أنا الشاهدة على خيانتك…
وجيت… عشان أخلي اسمك لعنة ما تتنسيش.
ناهد (بهمس مرتعش):
إنتي تبع الشخص المجهول؟ هو اللي بعتك؟
المجهولة:
هو… وأنا… وكل اللي ظلمتيهم…
إحنا واحد…
واحد بوشوش كتير…
أرواح معلقة في رقبتك يا سعاد.
صوت خطوات في الشاشة، الكاميرا بتقرب ببطء من وش الست… وقبل ما النور يوضّح ملامحها، الشاشة تنفجر في نور أبيض قوي، والفيلا تغرق في ضلمة تانية
سعاد بتصرخ، تمسك قلبها، وناهد تقع قاعدة على الأرض
سعاد (بصوت مرتجف ومليان غضب):
لأ… مستحيـــــل…
مين؟! مين إنتي؟!
مفيش رد. بس صوت ست من بعيد، بتهمس همسة بردة ومخيفة:
المجهولة:
النهاية يا سعاد…
العد التنازلي بدأ…
كله هيتحول تراب…
حتى وشك…
وبعدين كل حاجة تسكت… ضلمة كاملة…
الساعة تدق دقة واحدة… بالظبط نص الليل
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
رواية لهيب العشق الفصل التاسع عشر 19 من هنا
الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)