📁 أحدث الفصول

رواية لهيب العشق الفصل السابع عشر 17 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل السابع عشر 17 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل السابع عشر 17 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل السابع عشر 17

#سيليا_البحيري 

#لهيب_العشق 

فصل 17

في قصر العطار – صالة الطعام – صباح يوم مشمس

رائحة الخبز الطازج تعبق في المكان. اجتمعت العائلة حول الطاولة الكبيرة المليئة بأصناف الطعام الفاخر. الجدة مها تترأس الطاولة بجوار الجد محمود، وعلى يسارهم أدهم وزوجته ولاء، وأمامهم علا، ثم مهاب وزوجته سلوى، وأولادهم أحمد وإياد.

مازن، كالعادة، كان الغائب الأكبر.

محمود (بابتسامة راضية):

"الحمد لله على سلامتك يا أحمد... السفر كان موفق؟"

أحمد (مبتسمًا وهو يحرك كوب العصير بين يديه):

"الحمد لله، الصفقة مشيت زي ما خططنا... بس التعب كان فوق المتوقع."

مها (بحنان):

"ربنا يقويك يا ابني... شرف لينا."

ضحكة خفيفة تمر بالطاولة. إياد يربت على كتف أحمد بنوع من التآمر.

إياد (بصوت خافت):

"لحقت ترجع... والشركة لسه قايمة، رغم مغامرات بعض الناس مع العارضات."

أحمد (يبتسم بمشاكسة):

"مغامرات؟ أنا عمري ما خرجت عن حدودي مع أي بنت...

وتارا بالذات؟ دي زي أختي الصغيرة."

ولاء تضحك وتقول بمزاح:

ولاء:

"ده لو كل الناس كانت زي أحمد، كان زمان الدنيا بخير!"

زين، الذي كان صامتًا معظم الوقت، حرك رأسه ببطء، ونظر للجميع بنظرته الرمادية الساخرة. بنبرة مغرورة وهو يحرك ملعقته في فنجانه:

زين (ببرود ساخر):

"مش دايمًا كل اللي بنعتبره أخ أو أخت... بيكون فعلاً ملاك زي ما إحنا شايفين."

مهاب (بجدية):

"بتقصد مين يا زين؟"

زين (بابتسامة نصفية وهو يلمس طرف الكوب بأصابعه):

"مجرد إحساس... إحساس بيقول إن مش كل الوجوه المبتسمة بريئة."

سادت لحظة صمت قصيرة.

محمود (بحزم خفيف):

"العطار ما يحكمش على حد بالإحساس بس... نحكم بالأفعال."

زين (بصوت منخفض فيه سخرية خفية):

"إن شاء الله يا جدي... بس أحيانًا... الإحساس أصدق من العيون."

تبادل الأحفاد نظرات متوترة، خصوصًا إياد، الذي شعر بانقباض داخلي غامض... تارا كانت تتغلغل في حياته أسرع مما كان يتوقع


محمود (بصوت خافت مجروح):

"أي أخبار عن شيرين؟...  قدرتم توصلوا لحاجة جديدة؟"

سادت لحظة صمت ثقيل. تبادل الحضور النظرات، قبل أن يتنحنح أدهم بخفوت.

أدهم (بصوت مثقل بالأسى):

"للأسف يا بابا... لسه ما وصلناش لحاجة... دورت في السجلات، بحثت عن أي خيط... كأنها تبخرت من الدنيا."

مهاب (يتكلم ببطء):

"استعنت بشركة تحقيق خاصة... بس مفيش نتيجة"

محمود (يحرك سبابته ببطء على ذراع الكرسي):

"خمسة وعشرين سنة... خمسة وعشرين سنة وغرفتها مقفولة... ولسه مافيش أي خبر عنها."

تنهدت مها وهي تمسح دمعة سالت على خدها بصمت.

محمود (ينظر إلى إياد وأحمد وعلا بنظرة حزينة):

"وأنتوا يا ولادي... سمعتم عن عمتكم شيرين مؤخرًا... وعرفتوا إنها كانت ... جزء من دمكم."

أحمد (بهدوء مؤلم):

"آه جدو... عرفنا... وأنا وإياد وعلا بنحاول ندور... بنسأل وندور في كل السجلات والمستشفيات..."

إياد (بحزن):

"بس، مافيش ولا خيط... كأنها اختفت من الدنيا."

زين، الذي كان جالسًا واضعًا ساقًا فوق الأخرى، عبس قليلًا ونظر للجميع باستغراب.

زين (بفضول غير مصدق):

"شيرين؟! أنا أول مرة أسمع الاسم ده...

يعني حضرتك كنت مخبي وجود عمة علينا طول السنين دي؟"

نظر إليه محمود بنظرة يغلب عليها الألم.

محمود (بصوت مشوب بالندم):

"ما كنتش مخبي يا زين... كنت... كنت غرقان في ندم لا بينتهي... شيرين كانت نور البيت... توأم مازن... كنا نظن إننا بنحمي العيلة، لكن ظلمناها... وطردناها ليلة برد شديد... من غير ما نسمعها."

صمت الجميع. حتى زين المتغطرس شعر بشيء يشبه الوخز في قلبه.

مها (تكمل وهي تبكي بصوت مبحوح):

"كل يوم ندعي ربنا يغفر لنا... كل يوم نعيش ألمه."

أحمد (يحاول تهدئة الأجواء):

"بس وعدنا نفسنا، ووعدناك يا جدو... مش هنرتاح إلا لما نلاقيها... أو نعرف مصيرها."

زين حرك رأسه ببطء وعينيه مليئتين بالفضول والشك.

في داخله، سؤال كان يتردد: هل للأمر علاقة بتلك العارضة الجديدة الغامضة... تارا؟

***********************

في فيلا ممدوح – غرفة الجلوس – أمريكا

المساء، الجو دافئ ومريح

(ممدوح قاعد على كرسيه الهزاز، وجنبها جليلة قاعدة تقرأ كتاب. زياد قاعد على الأريكة بيبص في موبايله، وحلا قاعدة جمبه بتشرب قهوتها، ومايا قاعدة بتمشط شعرها الطويل وهي متغاظة شويه، بس مبتسمة كل ما حد يذكر زين.)

ممدوح (بيبتسم بفخر):

"زين سافر مصر النهاردة... رايح عند محمود وأولاده... فخور بيه، الولد ده زي الذهب، ربيته تربية حلوة."

جليلة (بتغلق الكتاب وبتتنهد بحنان):

"ربنا يحميه... دايمًا منور في أي مكان رايحله. بس والله البيت ناقص من غيره."

زياد (بيضحك وهو بيبص في موبايله):

"زين؟ ناقص البيت؟ دايمًا صوته مليّ المكان يا جدتي... غروره لوحده بياخد نص المساحة!"

مايا (بترفع راسها بتفاخر):

"عادي يعني... عنده حق. قليل اللي زيه! ذكي، وسيم، متعلم، ومحترم... وأستاذ جامعي في هارفارد! لو أنا مكانه كنت هاعمل زيّه، يمكن أكتر!"

حلا (بتتنهد وبصوت شوق):

"بس لازم يتجوز... خلاص، تعبنا من كلمة (لسه بدري). نفسي أشوف أحفادي قبل ما أكبر زيادة!"

زياد (بيمزح بسخرية):

"مين اللي هتقدر تتحمل دلع زين أصلاً؟ محتاجة صبر أيوب وأعصاب من حديد!"

مايا (بترد بابتسامة ساخرة):

"ممكن واحدة زيّه، بنفس غروره... مش أقل ولا أكتر!"

جليلة (بتضحك بهدوء):

"زين، مهما كان مغرور، قلبه أبيض... لو شاف حد محتاج حاجة، هيسيب غروره ويمشي يساعده."

ممدوح (بحزم وفخر):

"زين ابننا... في دم العطار الأصيل... عزتنا وفخرنا، ومصر هتنبهر بيه زي ما أمريكا اتبهرت."

حلا (بتبتسم ودمعة صغيرة في عينها):

"إن شاء الله يرجع بالسلامة... ومن يدري؟ يمكن يرجع ومعاه عروسة جميلة تفرح القلب."

مايا (بتغمز بخبث):

"بس تتأكدي إنها تليق بمقام زين... مش أي واحدة!"

كلهم بيضحكوا، والجو مليان حنين وحب في الأجواء


فجأة، تليفون زياد بيرن.

زياد (بيبص على الشاشة وبيضحك):

"ياااه، مين اللي افتكرنا في مصر كده وافتكر يتصل بينا في الساعة دي؟"

بيبان إن اللي على الخط زين. زياد بيرد عليه وبيبدأ الكلام.

زين (صوته من التليفون، بضحكة):

"يا بابا، كنت لسه هكلمك! عاملين إيه كلكم؟ والله واحشيني أوي!"

حلا (بشوق ولهفة):

"ربنا يحميك يا حبيبي! مصر عاملة إيه؟ وأخبار عيلة محمود إيه؟"

زين (وهو بيضحك):

"مصر تمام، يعني مش زي أمريكا، بس الجو حلو. وبالنسبة لعيلة محمود، كله تمام، بس مستغربين من الشاب المغرور اللي جاي من أمريكا ده!"

ممدوح (يبتسم بفخر، ويدخل في الكلام بحزم):

"المغرور اللي جاي من أمريكا ده ابنّا، وزي ما قلتلك قبل ما تسافر، راجع ومعاه مفاجآت! مستنيينك ترجع بالسلامة يا بطل."

مايا (بتهزر بصوت عالي):

"يا زين، لازم ترجع معاك عروسة! تكون شبهك كده… شايفة نفسها برضه!"

زين (بيضحك جامد من التليفون):

"بصراحة يا مايا، لسه بدري على الكلام ده! خليني أرجع الأول وبعدين نشوف موضوع العروسة… وبالنسبة للغرور، الناس هنا مش مصدقة إني من هارفارد، بيقولولي: أنت زين؟ بجد؟!"

زياد (يضايقه بدلع):

"مستغربين منك؟ ده أنت بتضحك يا زين! بعد اللي عملته؟ الناس يمكن شايفينك صغير، بس في الآخر دايمًا الملك يا ابني."

زين (يضحك):

"ماشي ماشي… بس بالله عليكم كفاية دلع، خلونا في الجد… وحشتكم قد إيه بقى؟"

حلا (بحنان):

"إنت مش بس مغرور… إنت نور البيت. واحشتني أوي، يا روحي. ونفسي أشوفك عريس قريب."

زين (صوته بيتأثر):

"أنا كمان وحشتوني كلّكم. بس خلوني أرجعلكم الأول، وبعدها نبقى نتكلم عن العروسة!"

ممدوح (بيضحك، ويتخيل المشهد):

"وساعتها، هنرجّع زين، ونلبسه تاج الملك، ونعمل له فرح كبير! بس إقنعيه يا حلا."

مايا (بخبث وبتقاطع جدها):

"آه يا جدو، بس لازم تاخد رأيي أنا الأول! لو العروسة مش قد  مقام زين، مش هوافق خالص!"

الكل بيضحك، والجو مليان حب وهزار

زين (بيضحك على التليفون، وبحماس):

"مايا، خليني أرجع الأول، وبعدها كل حاجة تبقى على كيفكم! بس بصراحة، العروسة الجاية هيبقى ليها معركة كبيرة مع العيلة دي!"

المكالمة بتكمل في وسط ضحك وحب، وكلهم بيتطمنوا على زين وسفره. ورغم الضحك والهزار، الحب الحقيقي بينهم باين قوي


زين (بجدية وهو بيبص لمايا):

"مايا، كنت عايز أسألك عن حاجة. تارا... فاكرة؟ لقيتها في مصر، في شركة العطار. بس والله تصرفاتها مش مريحة خالص... مش زي ما كنت متوقع."

مايا (بتتجمد شوية وبتستغرب):

"تارا؟! إزاي دي وصلت مصر؟ وإزاي دخلت شركة العطار؟! أنا حتى معرفش إنها ليها علاقة بيهم!"

زين (بيهدي نفسه، بس لسه جدي):

"كنت معيد ليها في هارفرد، بس لما شفتها هناك في الشركة، حسيت في حاجة غلط. كانت دايمًا شايفة نفسها، بس لما شوفتها مع إياد... لأ، دي كانت بتحاول توقعه في حاجة، ومش عاجبني أسلوبها."

مايا (قلقانة وبتبصله):

"أنا ماكنتش أعرف إنها راحت مصر أصلًا! حاجة غريبة فعلاً. إيه اللي جابها عند شركة العطار؟ مافيش أي صلة ما بيننا وبينهم!"

زين (وهو بيحاول يركّب الأحداث):

"بالظبط! دي الحاجة اللي مش داخلة دماغي. هي إيه علاقتها بيهم أصلاً؟! كانت بتتصرف كأنها عارفة إياد كويس، وبتحاول تلفت انتباهه بطريقة مش كويسة."

ممدوح (بقلق):

"يعني إيه الكلام ده؟! تارا دي مالناش علاقة بيها. دي مش من العيلة، صح؟ إيه اللي جابها في طريقنا؟"

جليلة (بتستغرب أكتر):

"أنا مش مستوعبة! يعني كانت في هارفرد وبعدين بقت في شركة العطار؟! ده كتير أوي على الصدفة!"

حلا (بحذر):

"ممكن تكون صدفة فعلاً... بس لو في وراها حاجة، لازم نعرف. زين، إنت شفتها بنفسك، كانت بتحاول تتحكم في إياد؟"

زين (بيفكر شوية وبعدين يرد):

"أنا حاسس إنها بتلعب بمشاعره. بتحاول تحوّله لطرف في لعبة مش نظيفة. مش مرتاح لها، والله."

مايا (بتضحك بس بنبرة غيظ):

"أنا فاكراها كويس من الجامعة. كانت دايمًا شايفة نفسها على الكل. مرة شتمتني قدام الناس... مش ممكن أنسى. وعمري ما ارتحت لها."

زين (نبرته بقت حاسمة):

"بالظبط! نفس الإحساس. في حاجة مش طبيعية في أسلوبها، وأنا متأكد إنها مش جاية من فراغ. كانت مركزة أوي على إياد."

ممدوح (يبص للجميع): "إحنا لحد دلوقتي مش عارفين الحقيقة كاملة، فلازم نتابع اللي بيحصل، وبهدوء. لو في حاجة غلط، هتظهر."

جليلة (بتفكر بتركيز):"آه، أكيد في حاجة، بس لازم نصبر شوية. الحاجات دي بتبان مع الوقت."

حلا (بهدوء):"إحنا لازم نكون مستعدين لأي حاجة، بس من غير ما نتسرع. نراقب، بس بعقل."

زياد (وهو بيفكر بعمق):"ممكن تبقى صدفة، بس أنا قلبي مش مطمّن. البنت دي مش عادية... ولازم نفتح عنينا كويس."


الكل بيبص لبعض بقلق، بس محدش بيشكك في كلام زين، لإن محدش فعلاً فاهم إيه دور تارا أو إيه نيتها

*********************


في  فيلا عيلة الشرقاوي – مصر – صباح مشرق – أوضة السفرة

الكل قاعد حوالين ترابيزة الفطار:

الجد عادل، الجدة صفاء، زين ومراته منار، إياد ومراته ثريا، ولادهم ياسر وتميم، وأدهم وتارا.

الجو كئيب ومليان توتر عشان شيرين مش موجودة، لكن فيه توتر تاني باين في الهوا المرة دي.

عادل (بحزن وهو بيحرّك كباية الشاي):"عدّى وقت... ولسه مش عارفين حاجة عن شيرين."

صفاء (تمسح دموعها بسرعة):"ربنا يطمّنا عليها... وحسبنا الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب."

زين (بهدوء، بس واضح عليه القلق):"مافيش يأس من رحمة ربنا... إحنا بندوّر في كل حتة."

منار (بتحاول تبان قوية): "بس لازم كمان نكمل حياتنا... مش معناه إننا ننسى، لأ، بس نعيش."

ياسر (نظرة حزينة بيحاول يخبّيها بابتسامة خفيفة): "إحنا نقدر ننسى طنط شيرين؟ دي محفورة في قلوبنا."

تميم (بيهز راسه موافق): "طول ما إحنا عايشين، بندوّر ومش هنيأس."

ساعتها، ثريا بتقوم فجأة من مكانها، عنيها حمرا كأنها كانت بتعيط طول الليل. بتتقدم ببطء لوسط الترابيزة، وتاخد نفس عميق كأنها بتجمع شجاعتها

ثريا (بصوت مكسور ومليان ندم): "أنا... عايزة أقول حاجة." (تسكت شوية، الكل بيبصلها باستغراب.)

"عارفة إني طول عمري كنت قاسية... مش بس معاكم، مع الكل... حتى مع ابني."

(تبص لتميم وعنيها مليانة دموع.)

"ضيعت سنين كان المفروض أكون فيها أم بجد... سبت منار و عمتي صفا يربوه، وأنا بجري ورا الفسح والسفر والمظاهر الفاضية."

(تسكت شوية، وبعدين تبص لأدهم.)

"أنا آسفة يا أدهم... كنت قاسية عليك وانت مالكش ذنب."

(تبص لتارا، اللي بتبصلها ببرود.)

"وتارا... إنتِ بالذات... يمكن جرحتك بكلامي ونظراتي، يمكن ظلمتك وإنتِ دايمًا محترمة. آسفة... من قلبي."

لحظة سكوت تقيلة تملأ المكان. صفاء تحط إيدها على صدرها متأثرة، وعادل بيبصلها بنظرة فيها شوية حزن وشوية راحة

إياد (بيبص لمراته بحزن خفيف): "ثريا... إحنا عارفين إنك مريتي بحاجات صعبة... والحياة كسرتك. بس الاعتراف بالغلط شجاعة."

صفاء (بحنية وهي تقرب من ثريا):"الحمد لله إنك رجعتي لطيبتك يا بنتي."

تميم (بصوت مخنوق بس بيحاول يبان قوي):"أنا مسامحك يا ماما... طول عمري بحبك ومستني اللحظة دي."

منار (بابتسامة خفيفة): "كلنا بنغلط... المهم إننا نصلّح."

الكل متأثر... ماعدا تارا،  وقفت بهدوء، خدت شنطتها، وبصّت لثريا بنظرة بردة، كأن قلبها اتحجّر من زمان

تارا (بهدوء قاطع وبارد):"الكلام مايمسحش السنين."

(وبعدين تبص للجد عادل.)

"أنا رايحة الشغل، عن إذنكم."

تمشي تارا بخطوات ثابتة، وسايبة وراها وجع وندم... الكل بيبصلها بصمت تقيل

عادل (بصوت واطي وهو بيبص للباب اللي خرجت منه تارا):

"وجع السنين مايتشالش في يوم وليلة... ربنا يرقق قلوبنا."

ثريا تقعد وتحط راسها بين إيديها، وتعيط في سِكِت... لأول مرة من سنين طويلة

**********************

فأوضة ثريا – فيلا الشرقاوي – الضهر

ثريا قاعدة على طرف السرير، عينيها تايهة في الهوا.

دموع بتنزل على خدها من غير صوت.

ذكريات وجع بتطاردها:

وش أسامة اللي كانت بتحبه...

صوت عيّط ابنها اللي ما شافتوش غير لحظة ما اتولد...

قسوة أبوها فوزي...

وجوازها من إياد اللي اتفرض عليها.

حضنت نفسها بذراعيها، كأنها بتحاول تطبطب على قلبها.

فجأة...

موبايلها اللي على الترابيزة بيرن.

نغمة قصيرة – رسالة جديدة

تمد إيديها اللي بتترعش وتشيل الموبايل.

على الشاشة باين رقم غريب.

الرسالة: "ابنك عايش... اسمه كريم، عنده ٢٩ سنة.

دي صورته."

ثريا شهقت جامد كأن النفس اتقطع منها.

إيديها بترتعش وهي بتفتح الصورة.

الصورة:

شاب وسيم، في عينيه شبه منها وشبه من أسامة.

ضحكة دافية... وعينين فيها حياة.

تحط إيدها على بُقها، مش مصدقة اللي شايفاه.

ثريا (بهمس وارتعاشة): "كريم...؟!"

وقعت على السرير، حضنت الموبايل في صدرها كأنها خايفة يطير منها.

قلبها بيدق جامد، حاسة بنبضه في جسمها كله.

ثريا (وهي بتعيط ومخنوقة):"كان عايش... طول الوقت... وانا عايشة بتأنّب الضمير... ظلمت الكل... وظلمت نفسي!"

عيطت عياط مرير، كل وجع السنين نزل دفعة واحدة.

ثريا (بتشهق وسط العياط):"يا رب... سامحني... يا كريم، يا روحي... كنت فين كل السنين دي؟!"

سكون إلا من شهقاتها المكتومة

قامت بشويّة مجهود، تمسح دموعها بقوة.

ثريا (بصوت مكسور فيه عزيمة): "لازم ألاقيه... لازم آخده في حضني... حتى لو بيكرهني... حتى لو ما عرفنيش."

بَصّت تاني على الصورة، وعدّت صباعها على وشه بحنية.

ثريا (بابتسامة حزينة وهي بتكلم الصورة): "أنا أمك... غصب عني بعدنا... بس قلبي عمره ما نسيك لحظة."


بعد لحظات

خبط خفيف على الباب... بعدين الباب بيتفتح بهدوء

إياد بيخش وهو بينادي بلُطف:"ثريا... انتي فين؟ الكل مشي... ليه ما نزلتيش تفطري معانا؟"

يشوفها قاعدة على السرير، وشها باهت، والموبايل في إيديها

إياد (بقلق وهو بيقرّب):"ثريا... مالك؟"

فجأة، قبل ما يكمل، ثريا بتجري عليه زي المجنونة.

بترتمي في حضنه، بتعيط وبتضحك في نفس الوقت

ثريا (بصوت مخنوق، تايه بين الفرح والوجع): "لقيته... إياد، لقيته! ابني... ابني عايش... ما ماتش... كان عايش طول الوقت!"

إياد بيتجمد من الصدمة

إياد (مذهول وهو بيحاول يهديها):"ثريا... انتي بتقولي إيه؟!"

تدفعه برقة وهي بتوريله الموبايل

ثريا (بلهفة): "بُص! بُص الرسالة! شوف صورته... شوفه... ده ابني... ابني يا إياد!"

إياد ياخد الموبايل بشويش، يبُص على الرسالة وبعدين على الصورة

عنـيه بتتفتح على الآخر...

وشه يتشد من الصدمة، مش مصدّق اللي شايفه.

إياد (بصوت واطي مبحوح): "كريم...؟!"

يبص لثريا، وبعدين للصورة، وبعدين يرجع يبُص لها تاني كأنه مش قادر يستوعب

إياد (بحذر):"مين اللي بعتلك الرسالة؟! مين لسه فاكر الحكاية بعد السنين دي كلها؟!"

ثريا تهز دماغها بعنف، دموع مغرقاها

ثريا (بجنون الفرح والصدمة): "معرفش! والله معرفش! بس مش مهم! المهم إنه عايش... ابني عايش، إياد!

عايزة ألاقيه... عايزة أشوفه... آخده في حضني... وأحكي له كل حاجة!"

تبدأ تلف حوالين نفسها زي المجنونة وهي بتضحك وتعيط

إياد (يقرب منها بحذر، يحاول يهدّيها):"حبيبتي، اهدي شوية... هنلاقيه، بوعدك... بس لازم تهدي الأول... سامعاني؟"

ثريا ترجع ترتمي في حضنه كأنها بنت صغيرة بتدوّر على حضن يطمنها بعد سنين خوف.

ثريا (بهمس وهي بتنتحب):"سامحني يا إياد... سامحني على قساوتي... سامحني على كل حاجة...

أنا كنت ميّتة من جوايا... ميّتة..."

إياد يحضنها بقوة، عنيه بيلمعوا بالدموع.

دلوقتي بس فهم إن ورا قسوتها فيه قلب مكسور عاش طول عمره موجوع

إياد (بصوت هادي حنون):"أنا جنبك يا ثريا... ومش هسيبك لوحدك أبدًا...

وعد شرف، هنلاقي ابنك."

ثريا تقفل عنيها وهي بتعيط لأول مرة بريّحة راحة بعد سنين الوجع...

كأن الحِمل اللي على قلبها ابتدى يخف

بعد لحظات من حضنها لإياد

وهي لسه بتعيط بهدوء في حضنه، الموبايل بيرن تاني... صوت الرسالة الجديدة بيملأ الأوضة

ثريا بتتهز في حضنه، تِبعد شوية وبصعوبة بتبُص ع الموبايل بإيدين بترتعش

ثريا (بصوت متهدج): "رجع... بعتلي رسالة تانية!"

إياد ياخد الموبايل منها بسرعة ويبص ع الرسالة

الرسالة:"لو عايزة تعرفي مكان ابنك... تعالي لوحدك للعنوان اللي في الرسالة الساعة تسعة بالليل... وماتقوليش لحد."

إياد يقبض على الموبايل جامد وعينيه تديق من التوتر

إياد (بغضب متكتم):"ده فخ...! مستحيل أسيبك تروحي لوحدِك."

ثريا ترفع عنيها له، قلبها بين الخوف والفرحة

ثريا (بتوسُّل): "بس يا إياد... يمكن يكون بيقول الحقيقة... يمكن فعلاً يعرفني أوصّل لابني!"

إياد يحُط إيديه على كتافها بثبات

إياد (بصوت حازم ودافي):"أنا مش هسيبك تواجهي أي حاجة لوحدِك... أنا معاكي يا ثريا. مهما حصل، إحنا سوا."

ثريا تبُص له بدهشة وامتنان، لأول مرة تحس إن في حد حاميها بجد

ثريا (بصوت مكسور):"بس الرسالة كاتبة أروح لوحدي..."

إياد (بابتسامة مُرة): "هنروح كإنك رايحة لوحدِك... وأنا هكون وراكي من بعيد... مستحيل أسيبك للخطر، حتى لو حصلي إيه."

ثريا تهز راسها بالموافقة، ولسه مش مصدقة اللي بيحصل حواليها

إياد يطلع موبايله بسرعة ويتصل بواحد صاحبه في المخابرات

إياد (بصوت جد):"آدم... حضَّرلنا فريق خفيف يراقب... الموضوع حساس... هنتحرك الليلة."

يقفل المكالمة بسرعة، ويرجع يبص لثريا بابتسامة تطمّن

إياد: "ارتاحي شوية... الليلة دي هتكون بداية جديدة في حياتك يا ثريا."

ثريا تبتسم ابتسامة صغيرة فيها وجع، وتحط راسها على كتفه، وتهمس لنفسها كأنها مش مصدقة:"ابني... أخيرًا... هشيله في حضني.

فأوضة  اياد ثريا – بعد ما اتفقوا إياد وثريا يروحوا يقابلوا الشخص المجهول

باب الأوضة بيتفتح فجأة من غير ما حد يخبط، ويدخل تميم بخطوات سريعة وابتسامة خفيفة

تميم (بيهزر): "إيه يا جماعة! فيه اجتماع عائلي سري وأنا مش معزوم ولا إيه؟"

إياد يلف بسرعة، بيخبّي التوتر اللي في وشه، وثريا بسرعة تمسح دموعها وبتحاول تبان طبيعية

إياد (بهدوء مصطنع): "مفيش حاجة مهمة يا تميم... شوية كلام بيني وبين أمك."

تميم يرفع حواجبه بشك ساخر، ويقرب بخفة دمه المعهودة

تميم (بمزاح):"كلام خاص؟ لا يكون قررتوا تجيبولي أخ كده فجأة؟"

ضحكة عصبية تطلع من إياد وهو متوتر، وثريا ترتجف وعضّت شفايفها، كأن قلبها وقع لما سمعت كلمة "أخ"

إياد بيحاول ينهى الكلام

إياد (بصوت هادي حاسم): "كفاية هزار يا تميم... روح دلوقتي، إحنا مشغولين."

تميم يبُص لمامته بعينه الشكاكة، ياخد باله من الحزن في وشها وعيونها اللي لسه حمرا

تميم (بجدية مفاجئة): "ماما... إنتي كويسة؟ عيونك عاملة كده ليه؟"

ثريا تبتسم ابتسامة باهتة وتحاول تطمنه

ثريا (بصوت مهزوز بتحاول تبان قوية): "أنا بخير يا حبيبي... متقلقش عليّا."

تميم يقرب منها ويحضنها بحنان، ويهمس في ودنها برقة

تميم:"أنا هنا... ومش هسيب أي حاجة تزعلِك، فاهمة؟"

دموع ثريا تنزل أكتر وهي بتربت على كتفه بلُطف.

تميم يرجع خطوة، ولسه حاسس إن في حاجة مش مفهومة، بس بيحترم الخصوصية

تميم (بابتسامة دافية ونبرة خفيفة): "طيب... طالما ماما تمام، أنا همشي... لو احتاجتوا حاجة، نادوني، موجود دايمًا."

يلوّح بإيده ويخرج بهدوء، يقفل الباب وراه

بعد ما تميم يخرج، ثريا تنهار على السرير وتعيط بصمت، وإياد يقرب منها بحنية

ثريا (بهمس حزين وهي بتعيط): "لو يعرف... لو يعرف إنه عنده أخ... هيكون إحساسه إيه يا إياد؟"

إياد يقعد جنبها، ويمسك إيديها ويضغط عليها بلطف

إياد (بصوت مطمن): "لما نلاقي كريم... هنفكر بهدوء... المهم دلوقتي نركز في الليلة دي."

ثريا تهز راسها بهدوء، وعنيها مليانة خوف وأمل

********************

ف أوضة التجهيز في شركة التجميل — الساعة تسعة الصبح

الباب اتفتح بعنف، ودخلت تارا بخطوات سريعة، صوت كعبها العالي بيزنّ على الأرض. شعرها مرفوع بعناية، بس ملامحها باينة عليها الغضب، عنيها حمرا كأنها مانامتش طول الليل.

مصفف الشعر (بخفة): صباح الفل يا تارا، وحشتينا الأيام اللي فاتت.

تارا (بتقف فجأة وببُصله بنظرة حادة): وحشتك؟! أنا مش جاية أسمع نُص كلام فارغ، اشتغل وخلاص.

المساعدة (بتحاول تحط بودرة على وشها): لو سمحتي يا تارا، ممكن تبصي ناحيتي شوية...

تارا (بتزيح إيدها بعنف): إيدك تقيلة! ووشي مش ملعب تجاربك الغلط... لو بوّظتي شكلي، هخليكي تندمي على اليوم اللي قررتي تشتغلي فيه المجال ده!

مساعدة تانية (بتهمس لزميلتها): هي كده على طول؟ ولا عشان أمّها...

تارا (بتزعق فجأة بعد ما سمعت الهمسة): بتقولي إيه؟ عندك حاجة قوليها في وشي، مش من ورا ضهري زي الجُبَنا!

المصمم (بيحاول يهديها): تارا، إحنا فاهمين اللي إنتي فيه... بس لازم نكمل شغلنا، عندنا تصوير بعد نص ساعة.

تارا (بعصبية): تصوير؟! حطّوا وشوشكم في الحيط، الصور تطلع أحلى! أنا جاية أشتغل، بس ماليش مزاج أتعامل مع حد، فاهمين؟!

قعدت بعنف على الكرسي قدّام المراية، وبصّت للجميع بنظرات متحدّية، وبعدين همست لنفسها:

تارا: يا ماما... فين؟! سايباني ليه وسط القرف ده كله؟!

الفريق بَصّ لبعضه بنظرات قلق، لكن كملوا شغلهم في سكوت تقيل


الهدوء لسه مالي المكان. الكل شغال في سكوت وحذر.

تارا قاعدة قدّام المراية، ومابتبطّـلش ترمي نظرات مستفزة لأي حد يقرب منها.

نيرين دخلت الأوضة شايلة أدوات الميكياچ، وابتسمت برقة وهي بتحط حاجتها.

نيرين: صباح الفل يا بنات... صباحك زي السكر يا تارا.

تارا (ببرود ومن غير ما تبصلها): صباحك عادي.

نيرين (بتضحك بخفة): عادي؟ ماشي، العادي أهو أحسن من الوحش.

تارا (بصوت ساخر): ما كلنا ماشيين حالنا، بس في ناس شكّلها اتعودت تعيش ع العادي... وناس تانية مستواها أعلى بكتير.

نيرين (وقفت عن ترتيب حاجتها وبصّت لها بثبات): تقصدي مين بكلامك ده؟ ولا بتكلمي في الفاضي؟

تارا (باستحقار): بكلمك إنتي. يعني كفاية تمثيل إنك رقيقة وراقية، إنتي مجرد بنت بتحط ميكياچ. مش محتاجة تتقمصي دور البطلة.

نيرين (قربت منها بخطوة وبثقة): بصي يا تارا، أنا مش جاية أتنافس معاكي لا في شكل ولا في كرامة. بس في فرق كبير بين إنك تبقي متضايقة، وإنك تبقي قليلة أدب. لو عندك مشكلة، حليها بعيد عنّا، متطلعيش غلك علينا.

تارا (بتضحك بسخرية): إنتي بتربيني ولا إيه؟

نيرين (بحدة): لأ، بس بفهمك حدودك. مفيش حد هنا أحسن من حد. كلنا شغالين، وكلنا بشر. حتى لو إنتي عارضة، ده مايدّكيش حق تهيني الناس أو تتكبّري عليهم.

تارا (وقفت واتقدمت منها): لو مش عاجبك طريقتي... الباب قدّامك.

نيرين (بابتسامة هادية): ولو في حد المفروض يخرج، فهو اللي ناسي إنه زميل مش مديرة. والباب قدّامك إنتي كمان... جربي تمشي كده وشوفي هتعرفي تكملي شغل من غيرنا ولا لأ.

سكت الكل. تارا بصّت لها بعنيها مولعة، بس ما ردّتش.

نيرين رجعت بهدوء تكمل شغلها بثقة.

واحدة من البنات همست للي جنبها: أول مرة حد يوقف تارا عند حدّها...

بعد الخناقة اللي حصلت بين تارا ونيرين بلحظات

تارا (بصوت عالي): دي آخر مرة تتكلمي معايا بالطريقة دي، فاهمة؟ أنا ما بسمحش لحد يعلي صوته عليا، خصوصًا حد في مستواكي!

نيرين (بثبات وهي متضايقة): وإنتي كمان، آخر مرة تقولي لحد "في مستواكي". إحنا مش في قصر، وإنتي مش أميرة. كلنا هنا بنشتغل زي بعض.

تارا (بتقرب منها بتهديد): شكلي محتاجة أديكي درس...

الباب بيتفتح فجأة

صوت راجل هادي لكن نبرته حادة: كفاية كده. أنا بكره الصوت العالي... خصوصًا قبل ما أشرب قهوتي.

الكل لف ناحية الباب.

زين دخل، طويل، لبسه شيك، نظرته حادة، واقف كأنه صاحب المكان.

زين (بيبص لتارا ببرود): أهو... زي ما توقعت بالظبط. تارا، بركان ماشي على رجليه.

تارا (اتجمدت لحظة، وبعدين تمالكت نفسها): زين؟! غريبة... شكلك لسه ما بطّلتش تراقب الناس، حتى وإنت في مصر!

زين (نص ابتسامة): وأنا مش مصدق إنك سبتِ المحاضرات والمشاريع واشتغلتي عارضة... في شركة عمي كمان!

نيرين (بحذر): حضرتك تبقى مين؟

زين (بغرور مهذب): زين ممدوح الشناوي. حفيد أخو المدير الكبير بتاع الشركة. جاي زيارة... أو يمكن لأ.

نيرين (بإيماءة محترمة بس بنظرة متحفزة): أهلاً وسهلاً بيك.

زين (بيبص لتارا): ما اتغيرتيش يا تارا، لسه صوتك عالي، مستفزة... وغامضة بطريقة بتوجع الدماغ.

تارا (رافعه حاجبها): وإنت لسه شايف نفسك، متكبر... وبتحب تحشر نفسك في اللي مالكش فيه.

زين (بيبص لنيرين وبيبتسم بثقة): أنا آسف إنك اضطريتي تتعاملي معاها كده. شكلها بتطلع غلها في أول حد تقابله... ومش دايمًا بتختار الشخص الصح.

نيرين (بصت له نظرة طويلة وبعدين ردّت بثقة): أنا ما بخليش حد يتعدى حدوده معايا... حتى لو كان "زائر من أمريكا".

زين (مندهش شوية، وبعدين بيضحك): ردّك عجبني.

تارا (بتتدخل ببرود): خلصتوا فقرة استعراض العضلات؟ لو فاضيين اتسلّوا، أنا عندي شغل.

زين (بيبصلها): آه، عندك كتير... شغل، وتمثيل، وخطط صغيرة كده. بس ما تقلقيش، أنا شايفك.

تارا (بحدة): لو ناوي تراقبني، خليك واضح. أنا ما بخافش.

زين (بنبرة تقيلة): لأ... إنتي فعلًا ما بتخافيش، بس دايمًا في نقطة ضعف. وأنا ناوي ألاقيها.

بيلف وبيخرج من الأوضة، سايب وراه سكوت تقيل

نيرين (بصت لتارا): شكلك ما بتسيبيش وراك ذكرى حلوة في أي حتة.

تارا (بابتسامة كلها سخرية): وأحلى ذكرى كمان


بعد ما زين خرج بدقايق

تارا بتحاول تهدى وتستجمع نفسها قدّام نيرين اللي سايبها وبتبصلها بسكوت كده كله حذر. الجو لسه مكهرب.

قبل ما أي حد يتكلم، الباب بيتفتح تاني... المرة دي بهدوء.

إياد بيدخل، ماشي بخطوات واثقة، شكله مهندم، هادي، عنيه بتدور على وشّ معين... تارا.

إياد (بصوت ناعم فيه شوية قلق):

تارا؟ أنا سمعت دوشة من آخر الطرقة... إنتي كويسة؟

تارا (بسرعة، وعنيها فيها لمعة مصطنعة):

إياد! أنا... كنت محتاجة أشوفك.

نيرين (بصوت واطي وهي مضيّقة عنيها):

واضح...

إياد (بيبصل نيرين بسرعة ورجع يبص لتارا):

إيه اللي حصل هنا؟

تارا (قربت منه، وعاملة فيها مكسورة):

مش مهم... شوية استفزازات من ناس بتحب تجرّح وخلاص... بس أنا تمام طول ما إنت جنبي.

إياد (بيبص لها بتردد، وبهدوء بيحط إيده على كتفها):

تارا... أنا عايز أكلمك بعد الشغل. ضروري.

تارا (ترمش بسرعة):

عن إيه؟

إياد (بيبصلها بجدية):

عن حاجات لازم أسمعها منك... بإنتي.

تارا (بتحاول تهزر بدلع):

أوووه، تحقيق؟ ولا غيرة؟

إياد (بيبص بعيد شوية، كأنه بيكتم حاجة):

ياريت تبقى غيرة بس، تارا. بس في حاجات مش داخلة دماغي. واللي بحبها، لازم أثق فيها.

نيرين (وهي بترتب حاجاتها):

وأهو حد أخيرًا بدأ يفهم.

تارا (بحدة فجأة لنيرين):

وإنتي مالك؟ مش كل حاجة ليكي فيها.

إياد (برفع إيده يهدي):

كفاية، تارا. الأسلوب ده مش بتاعك.

تارا (بسرعة ومن غير ما تبين إنها اتأثرت):

آسفة، بس أنا متوترة النهارده.

إياد (بيبصلها بعمق):

وأنا كمان متوتر... بس هنتكلم بعد الشغل، ماشي؟

تارا (بتبص تحت وبتهمس):

ماشي...

إياد بيخرج بهدوء، بس قبل ما يختفي من الباب، بيرجع يبص تاني... النظرة مش بس نظرة حب، دي نظرة واحد بدأ يجمع خيوط اللعبة.

نيرين (بهدوء وهي بصّة لتارا):

شكله بدأ يشوف الحقيقة... السؤال، إنتي جاهزة لوقتها؟

تارا (بابتسامة باردة):

لما تيجي، كل واحد هياخد اللي يستاهله... وزيادة


في جناح الأعصاب – مستشفى العيلة – أوضة العمليات الجانبية

الوقت بالليل، والدنيا هادية غير صوت الأجهزة وخطوات خفيفة في الطُرقة الطويلة.

جوه الأوضة، أدهم واقف لابس لبس الدكاترة الأبيض، بيرتب في ملفات المرضى. وشه مرهق، وعنيه حمرا من قلة النوم.

يدخل مازن فجأة، من غير ما يتكلم، يفتح دولاب الأدوات وبعدين يبُص لأدهم.

مازن (بصوته العميق والتعب باين فيه): إنت لسه هنا؟ مش كان المفروض نوبتك تخلص؟

أدهم (بابتسامة باهتة): ماقدرتش أمشي... في حالة لسه بتتحسن، وكنت عايز أطمن.

مازن (يقرب منه ويبصله في عينه شوية): النظرة اللي في عنيك مش غريبة... نفس النظرة اللي كنت بشوفها زمان.

أدهم (يبص للأرض بسرعة، وقلبه بيدق): يمكن... كل واحد فينا شايل وجعه بطريقته.

مازن (بصوت واطي كإنه بيكلم نفسه): عارف... في ناس أول ما بيمشوا بياخدوا جزء منك معاهم... وأنا... أنا روحي ناقصة بقالها 25 سنة.

أدهم (بصوت مهزوز): كنت بتحبها أوي؟

مازن (يبص بعيد ويتمتم): كانت توأمي... روحي، ظلي، نفسي التاني... كنت بحس بيها من غير ما تتكلم. ولما راحت... أنا فضلت أعيش بنص قلب، ونص عقل.

أدهم (ياخد نفس ببطء، وعنيه بتدمع): بس لو كانت عايشة... كانت هتحبك زي ما انت حاسس دلوقتي... وكانت هتسامحك، وتحضنك... أكيد كانت مفتقداك زي ما انت مفتقدها.

مازن (يبصله فجأة، مستغرب من كلامه): إنت بتقول الكلام ده كأنك تعرفها...

أدهم (يحاول يتمالك نفسه بسرعة): لأ... بس... أنا عارف يعني إيه تخسر حد ماكانش يستاهل يضيع... عارف يعني إيه تنادي عليه ومايردش... تبُص في المراية وتقول: "كنت ممكن أنقذه، بس ما لحقتش..."

مازن (يبص له شوية وبعدين يقعد على كرسي): اسمك... أدهم، صح؟

أدهم (بهدوء): أيوه.

مازن: اسمك مش غريب... وحتى شكلك... فيه حاجة... مش قادرة أركبها... بس قريبة.

أدهم (بصوت شبه مكسور): يمكن القريب هو الحزن اللي جوانا... أنا وإنت.

السكوت يسيطر على المكان، والجو بقى تقيل بذكريات مش مفهومة

أدهم يهمس لنفسه، ومازن مش سامع:

أدهم: لو بس تعرف إني ابنها... وإنك خالي... وإنها لسه عايشة جوايا كل يوم.

يخرج أدهم من الأوضة من غير ولا كلمة، وماشي نحية جناح المرضى اللي كان بيروحه مع أمه زمان...

أدهم قاعد لوحده على كرسي صغير في آخر الطُرقة، يطلع صورة قديمة من جيبه لأمه “شيرين” وهي بتضحك – ويهمس للصورة:

أدهم: ماما... أنا تعبت... كل يوم أعدي من هنا ومش بلاقيكي... مش قادر أستوعب إنك مش بخير... سامحيني إني ما عرفتش أحميكي... بس بوعدك، هرجعك، حتى لو دورت في كل حتة في البلد...

يضغط الصورة على صدره، ويغمض عنيه، والدمعة تنزل بهدوء على خده


ف أوضة العمليات أو أوضة المراقبة العصبية في المستشفى – النور خافت، وأجهزة بتصدر صوت خفيف – مازن واقف جنب الشاشة بيراقب حالة نادرة، وأدهم واقف جنبه ساكت وحزين، وعينيه سرحانة

مازن (من غير ما يبصله): ركّز يا دكتور، الحالة دي ما بتحصلش كتير.

أدهم (بصوت مبحوح): آسف... دماغي مش هنا خالص.

نسمع صوت خطوات سريعة جاية، الكاميرا تلتف وتورينا تارا لابسة شيك، شكلها حاد بس في توتر واضح في عينيها

تارا (بحزم): أدهم، لازم نمشي.

مازن (ببرود): الدخول هنا للطاقم الطبي بس.

تارا (بنظرة متحدّية): أنا مش زائرة، أنا جاية آخد أخويا.

مازن (بهدوء فيه تحفظ): الدكتور أدهم في الشيفت، ما يخرجش غير بإذني.

أدهم يبص لمازن، وبعدها لتارا، وشه مخنوق

أدهم (بصوت مكسور): لو سمحت دكتور... أنا محتاج أروح. ماما مختفية بقالها كذا يوم، ومش قادر أركز.

لحظة صمت، مازن يبص لأدهم بتركيز، وبعدها يحوّل نظره لتارا، فيه إحساس غريب بس مش قادر يمسكه

مازن (ببرود يخبي ارتباكه): والدتك؟ مختفية؟ من إمتى؟

أدهم (بصوت واطي): من أسبوع، ودورنا في كل حتة ممكن تكون فيها... مفيش أثر.

تارا (وهي بتحاول تسيطر على صوتها): وهي أصلاً بقالها سنين ما بتتحركش من البيت... بس المرة دي راحت ومارجعتش. وده مش طبيعي.

تارا تبصله بتوتر، وتشُد على دراع أخوها

تارا (بسرعة): يلا أدهم، لازم نكمل ندور، ماعندناش وقت نضيّعه

*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

رواية لهيب العشق الفصل الثامن عشر 18 من هنا

الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات