📁 أحدث الفصول

رواية لهيب العشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم سيليا البحيري

رواية لهيب العشق الفصل الرابع عشر 14

#لهيب_العشق 

#سيليا_البحيري 

فصل 14

في قاعة اجتماعات شركة "العطار جروب" –

محمود (بنبرة حازمة):

إحنا محتاجين نخلص ترتيبات الحملة دي خلال الأسبوع ده. الوقت مش في صالحنا، والضغط كبير.

مهاب (بيبص في الورق قدامه):

كل حاجة تقريبًا جاهزة، بس مستنيين موافقة التسويق على التصاميم الأخيرة.

أدهم (بهدوء وتركيز):

واتأكدنا إن العقود مع المصممين اتوقّعت. المشكلة الوحيدة هي... الموديل الجديدة.

تارا (بابتسامة باردة):

هو أنا فيا حاجة غلط يا أستاذ أدهم؟

أدهم (شوية ارتباك):

لأ لأ، مش قصدي خالص، بس... إحنا بس محتاجين شوية انسجام أكتر في الشغل.

إياد (يضحك وبيبص لتارا):

أنا شايف إن تارا شغالة تمام. شغلها احترافي، ويمكن بس محتاجة وقت أكتر تتأقلم.

زين (يسند ضهره ويفضل ساكت، عينه على تارا)

نظراتها غريبة... كأنها مش بتبص علينا، كأنها بتفتش فينا.

(بس ما يقولش حاجة، يحتفظ بملاحظته لنفسه)

محمود (بصوت هادي):

في حاجة يا زين؟ شكلك سرحت.

زين (بيرد بسرعة وهو بيبتسم ابتسامة خفيفة):

لا، كنت بفكر في جدول الحملة. هنلحق ولا لأ.

تارا (بنظرة جانبية وبصوت هادي فيه غموض):

الغريب إن أوقات الجدول بيكون مجرد واجهة... واللي فعلاً يهم هو الناس اللي حواليك.

مهاب (بيهز راسه وبيقول بنبرة تفكير):

النجاح له تمن... ويمكن في ناس بتدفعه من غير ما تحس.

تارا (بهدوء لكن صوتها فيه نغمة مريبة):

كل واحد فينا عنده دافع... في اللي بيدور على فرصة، وفي اللي بيدور على انتقام. أهو كله بيبان سعي للنجاح في الآخر، مش كده؟


بعد انتهاء الاجتماع 


(المكتب هدي بعد خروج الجميع. ضوء الشمس بينعكس على طاولة الاجتماعات. تارا قاعدة بهدوء، بتقلب في ورق قدامها. زين واقف، حاطط إيده في جيبه، وبيراقبها بنظرة فاحصة.)

زين (بابتسامة جانبية ونبرة واثقة):

نخلّص تمثيل بقى؟

أنا ما بحبش الألغاز...

إنتي مين، وعايزة تنتقمي من عيلة العطّار ليه؟

تارا (ترفع عينيها ببطء، تبتسم بهدوء):

جرأة... مش متوقعة.

دايمًا كده، ولا الغرور زاد بعد ما بقيت "زين زياد ممدوح العطّار"؟

زين (يضحك بخفة، يمرر يده في شعره):

الغرور؟

لا، دي ثقة.

وأنا مش محتاج أفتكرك إن جاذبيتي مش بس في شكلي...

أنا كمان بقرأ الناس زي كتاب مفتوح.

زيّك.

تارا (بابتسامة خفيفة):

يمكن بتحب تقرأ، بس أوقات... في كتب نهايتها مش بتعجب القارئ.

زين (يقرب منها شوية، بنظرة فيها تحدي):

بس أنا مش قارئ عادي...

أنا كنت معيدك في أمريكا، فاكرة؟

الطالبة اللي دايمًا قاعدة ورا، نظراتها بتقطع، وصمتها أشر من الكلام.

تارا (ترفع حاجبها بسخرية ناعمة):

واضح إنك مركز فيا أكتر من باقي الطلبة.

زين (بثقة قاتلة):

أكيد.

الكل كان بيحاول يلفت انتباهي...

بس إنتِ؟ لا.

وده اللي خلاني ألاحظك أكتر.

تارا (تنظر له مباشرة، بنبرة أخف لكنها غامضة):

يمكن عشان كنت شايفة إنك مش مختلف عنهم...

بس شكلك مصمم تثبت العكس.

زين (يبتسم، لكن عينه ما فيهاش لعب):

أنا دايمًا مختلف.

وإنتِ... مش جاية تشتغلي بس.

جاية لهدف. وأنا هعرفه، عاجلًا أو آجلًا.

تارا (بهدوء، صوتها فيه نغمة مريبة):

ممكن... وممكن لا.

بس اللي متأكدة منه إنك أذكى مما توقعت...

ودي أول مرة حد يلفت نظري من وقت طويل.

زين (بنبرة نرجسية):

طبيعي.

أنا دايمًا بلفت الأنظار... بس قليل اللي يعترف.

(لحظة صمت. تارا تقوم وتقفل الملف بهدوء.)

تارا (وهي ماشية ناحية الباب):

بس خليك فاكر، زين...

مش كل اللي بيظهر عدواني... هو اللي بدأ الحرب.

أوقات... الحرب بتكون رد فعل.

(تفتح الباب وتخرج بثقة. زين يفضل واقف، بيبتسم لنفسه وهو بيتمتم:)

زين (بصوت منخفض):

واضح إن اللعبة بدأت... وأحب الألعاب الصعبة

*********************

بعد ساعة ، داخل مكتب تارا – شركة العطار  – الساعة 10:30 صباحًا

تارا جالسة وراء مكتبها، أنيقة كعادتها، عيونها باردة كأنها بتحسب كل خطوة. على المكتب قدامها علبة صغيرة فيها أمبولة شفاف لونها باهت. الباب بيُخبط خبطتين، وتدخل السكرتيرة مي

تارا (بهدوء):

اتفضلي يا مي، كنت عايزاكي في كلمتين.

مي (بابتسامة):

أكيد، تحت أمرك.

تارا (تمد يدها وتدفع العلبة الصغيرة ناحيتها):

شايفة دي؟ دي إضافة بسيطة… هـ تساعد إياد يبقى "أهدى" شوية.

هتحطيها في القهوة بتاعته النهاردة… الساعة ١٢ زي ما بيحبها.

مي (بتشد جسمها، عينيها بتتحرك ناحية الأمبولة):

آسفة حضرتك… يعني إيه؟ هو ده… دوا؟

تارا (تبتسم ابتسامة باردة):

اعتبريه مكمل غذائي… بس إياد ما يحبش ياخد أي حاجة من غير ما تتخدم عليه، وأنا مش فاضية أتعب معاه.

وإنتي مش هتخسري حاجة، دي بس نقطة صغيرة… في القهوة. وهيشربها، وهيشكرك بعدها.

مي (بقلق واضح):

بس… بصراحة مش مرتاحة. لو حصل له حاجة… أنا المسؤولة، ومقدرش…

تارا (تقطعها وهي بتقوم من على الكرسي وتبصلها مباشرة):

إسمعي يا مي… إنتي هنا بتشتغلي عند مين؟

عند الشركة… وأنا دلوقتي بوجهلك طلب بسيط، وما فيهوش أذية لحد.

ومين عارف؟ يمكن أقدّر تعبك… ومكافأتك توصل بسرعة لحسابك.

مي (تتردد، تبص للعلبة تاني):

طيب… بس دي أول وآخر مرة.

تارا (بنبرة كلها سلطة):

أول مرة… بس مش آخر جميل، لو لعبتي صح.

دلوقتي امشي… وجهزي القهوة.

مي تخرج من المكتب، وتارا بتقعد تاني وتخرج صورة قديمة من درج مكتبها فيها امها شيرين وهي صغيرة، تبصلها شوية، وبصوت هامس تقول

تارا (لنفسها):

إنتي اتدمرتي في لحظة… وأنا هدمّرهم لحظة بلحظة

بعد  خروج مي لوضع المخدر في قهوة إياد بدقائق

تارا بتلف في المكتب، قلقة من سرعة خطة إياد، لكنها مسيطرة… فجأة بيرن موبايلها – اسم المتصل: أدهم 

تضغط تارا على زر الرد بسرعة.

تارا (بلهجة قلقة):

أدهم؟ خير يا حبيبي، في إيه؟!

أدهم (صوته ملهوف ومضطرب):

تارا! ماما… ماما اختفت!

تارا (بتجمد مكانها):

إيه؟ يعني إيه اختفت؟! انت بتتكلم بجد؟!

أدهم (بحزن وتوتر):

أنا كنت في الشغل في المشفى ، وسايبها في الجناح بتاعنا في الفيلا…  ولما رجعت لقيت الاوضة فاضية 

مفيش كاميرات في الطابق اللي فوق، والبواب بيقول محدش خرج… بس أنا دورت في كل مكان، مش لاقيها!

تارا (بتبدأ تترعش):

مستحيل… ماما ما تقدرش تتحرك لوحدها! يعني إيه اختفت؟! حد دخل؟ سرقها؟! دور كويس ممكن تكون مع تيتا صفاء او جدو عادل 

أدهم (بصوت مخنوق):

هم أصلا معايا و مكانتش معاهم.... أنا مش عارف! بس أنا منهار… أنا كنت حاسس إن في حاجة هتحصل…

تارا بترتبك، تبدأ تمشي في المكتب بشكل هستيري، وتغالب دموعها

تارا (بعصبية):

استنى… استنى. آخر حد كان عندها مين؟

ثريا؟ كانت لوحدها مع ماما في أي وقت؟

أدهم (بيتردد):

أنا مشفتش… بس أنتي عارفة طنط ثريا كانت متضايقة من اللي حصل امبارح 

تارا (تصرخ):

أنا هقتلها لو ليها يد في اللي حصل!

أنا جاية حالًا على البيت! متتحركش من مكانك، ومش عايزة حد يعرف أي حاجة لحد ما أوصل!

أدهم (بصوت منكسر):

ماشي… بس لو حصلها حاجة، أنا مش هسامح نفسي…

تارا (بصوت ناعم ومكسور فجأة):

ماما قوية… مش هتسيبنا دلوقتي… استنى يا أدهم، أنا جاية.

تقفل الخط. عينيها بتدمع، وتاخد نفس عميق، وبصوت واطي تحكي كأنها بتكلم شيرين

تارا:

مستحيل أسمحلك تختفي تاني يا أمي… لسه منتقمتش… ولسه ما حضنتكيش بقلبي اللي اتكسر في حضنك سنين.

تاخد شنطتها بسرعة وبتخرج من المكتب، بس وهي خارجة، تشوف مي راجعة وبتقولها بهمس

مي:

القهوة اتحطت خلاص يا مدام…

تارا توقف لحظة، تبص لمي بعين فيها وجع وغضب

تارا (بصوت بارد):

لو حصل لإياد حاجة دلوقتي… ممكن تكوني أنقذتيه


تارا بتفتح باب المكتب بسرعة وبتبدأ تجري في الممر، خطواتها متلخبطة، دموعها بتنزل من غير ما تحس. فجأة يصطدم بها إياد، كان داخل المكتب عشان يواجهها بشأن القهوة…

إياد (بدهشة):

تارا؟ مالك؟ رايحة فين؟!

تارا ترفع عينيها، تحاول تتكلم بس تتعثر، وبعدين تنهار في حضنه من شدة التوتر والدموع

تارا (ببكاء مخنوق):

ماما… ماما اختفت، إياد… مش لاقيينها!

إياد (بصوت مصدوم):

إيه؟! مين؟ مامتك؟! ازاي يعني؟!

تارا (بترتعش وهي لسه محتمية في حضنه):

كانت في البيت… مش بتتحرك… مش بتتكلم… مشلولة بقالها سنين… وأخويا اتصل… مش لاقيها…

حد خدها، إياد! حد خدها!

إياد يلف ذراعيه حواليها بتلقائية، بنظرة قلق حقيقية على وجهه

إياد (بحنان):

هشش، إهدي… إهدي، أنا معاكي…

محدش هيأذيها، هتكون بخير، هنلاقيها… أنتي مش لوحدك.

تارا (بصوت مكسور):

أنا حاسة إني هنهار… دي أمي، إياد… أمي الوحيدة… أنا ماليش حد غيرها.

إياد (بحزم):

لا، عندك أنا. وصدقيني، أنا مش هسيبك.

هاروح معاكي دلوقتي، وهساعدكم في البحث عنها.

قوليلي بس، فين بيتكم؟

تارا (بصوت مهزوز):

في فيلا عائلة جدي… ، في المعادي…

إياد (بنبرة حاسمة):

خلاص، يلا بينا. هنروح دلوقتي.

يأخذ يدها بلطف، ويمشوا سوا بسرعة نحو المصعد… وإياد يرمي نظرة لمي السكرتيرة الواقفة مذهولة ومرتبكة

إياد (بهدوء لجاف):

أجلي كل حاجة النهاردة، وقولي لجدو و بابا إن حصل ظرف طارئ

******************

- فيلا عائلة الشرقاوي - الصالة

الجو ثقيل، التوتر يملأ المكان… كل أفراد العائلة مجتمعين، والقلق ظاهر على وجوههم بعد اختفاء شيرين.

إياد الشرقاوي (العم، بنظرة صارمة):

ده مش طبيعي… شيرين عمرها ما خرجت لوحدها من الفيلا… حد ورا اللي حصل.

ادهم (بحدة):

وأكتر حد عنده دافع… واضح!

ينظر ناحیة ثريا، اللي قاعدة على الأريكة، لأول مرة مش بترد، ولا رافعة رأسها بتعالي. عيونها شاردة، ووجهها شاحب.

تميم (ابنها، باستغراب وقلق):

ماما… مالك؟ ليه ساكتة كده؟

ثريا (بصوت واطي مكسور):

محدش مصدقني… حتى إنت.

إياد الشرقاوي (بحدة):

أنا مكنتش أتخيل ييجي يوم تبقي فيه طرف في مصيبة زي دي.

ثريا (بهمس وهي تنظر في الأرض):

أنا يمكن غلطت كتير… قلت كلام جارح… بس عمري ما كنت ممكن أعمل فيها كده.

كنت بغير، آه… بغير من حب الناس ليها…

بس مش قاتلة… ولا مجنونة.

تميم يتقدم بخطوة، ويجلس جنبها، لأول مرة يشوفها ضعيفة.

تميم (بحنان لأول مرة):

ماما… أنتي وحيدة دلوقتي؟

أنا جنبك… بس لازم تقولي الحقيقة.

ثريا تبصله، دمعة تنزل بصمت من عينيها. لكن قبل ما ترد، الباب يُفتح بعنف.

تارا (تدخل وهي تصرخ):

فينهاااااااااااا؟!!!!

تجري كأنها عاصفة، وعيونها مجنونة، أول ما تقع عينها على ثريا، بتصرخ:

تارا:

إنتي اللي عملتيها! أنا عارفة إنك ورا اختفاء أمي!

تندفع نحو ثريا بكل قوتها، تمسكها من رقبتها، وسط صدمة الجميع.

ثريا (بتختنق):

أنا… ما… عملتش… حاجة…

تميم (بصوت عالي وهو بيحاول يبعد تارا):

سيبيها يا تارا!!

إياد العطار (يدخل خلفها بسرعة):

تارا! إهدي!!!

ادهم (يمسك كتف أخته):

كفاية! هتقتليها!

تارا تبكي بحرقة وهي تصرخ:

تارا (بصوت مبحوح):

كانت نايمة… مش بتتحرك… أمي مش بتقدر تمشي أصلاً…

إزاي تختفي؟! مش هصدق إنها راحت من غير سبب!

وإنتي كرهتيها طول عمرك، إنتي السبب!

ثريا (بصوت مكسور وهي تبكي):

أنا مش وحش زي ما فاكرين…

أنا غلطت… بس مش للدرجة دي…

أنا لو كنت السبب… كنت موتت نفسي قبل ما أشوفكم كلكم بتبصولي النظرة دي…

الكل يسكت… للمرة الأولى، ثريا تبكي قدامهم، ملامحها مكسورة وضعيفة.

إياد العطار (يهمس وهو يبص لتارا):

أول مرة أشوفها كده… مش ممكن تكون هي.

تارا (بهمس مكسور):

بس أمي… راحت مننا…

ادهم يمسك بإيد أخته، وتميم يبص لأمه بنظرة مختلفة لأول مرة… الجو كله بيتغير…

إياد الشرقاوي (بحزم):

أنا مش هرتاح إلا لما نعرف الحقيقة.

بس لحد ما نعرف… إحنا سوا. عيلة وحدة


تارا واقفة في منتصف الصالة، أنفاسها سريعة، ودموعها ما زالت تنزل. أدهم يقف بجانبها يحاول يداري ألمه، وثريا جالسة على الأريكة تلتقط أنفاسها، وعيونها زائغة. تميم وياسر ينظران بين أفراد العائلة، والقلق ظاهر على الجميع. إياد العطار واقف جنب تارا، يمد يده على كتفها بلطف.

إياد العطار (بصوت هادئ وحنون):

إهدي شوية، أنفاسك سريعة جدًا…

أنا جنبك، تارا، مش لوحدك.

تارا (بصوت مخنوق، ما بين الحزن والقلق):

أنا مش قادرة أستوعب… ماما اختفت من البيت، من السرير…

ما حدش شافها، ولا سمع صوتها…

إياد العطار (بنبرة جادة):

إحنا هنلاقيها، ما تقلقيش.

اللي عمل كده مش هيفلت، وعد مني.

تارا تبص له بنظرة شكر عميقة، عيونها مليانة ألم لكنها مرتاحة لوجوده. في اللحظة دي، أدهم ينظر لإياد بنظرة طويلة، فيها مزيج من المشاعر – الارتباك، الألم، والحقيقة اللي ساكت عنها.

أدهم (بصوت خافت):

شكرًا إنك جيت معاها، إياد.

هي محتاجاك جدًا دلوقتي.

إياد العطار (بيهز رأسه بلطف):

ده أقل حاجة.

أنا يمكن ما أعرفهاش من زمان، بس… وجودي معاها دلوقتي مش محتاج تفكير.

أدهم ينظر إلى تارا التي تبادله النظرات. كلاهما يعرف أن هذا الشاب الواقف أمامهم… هو ابن خالهما. لكن الوقت ليس مناسبًا للحقيقة.

تارا (بصوت هادي وهي تمسك يد إياد بخفة):

أنا مقدّرة وجودك جدًا… أكتر مما تقدر تتخيل.

إياد (يبتسم بحنان):

وإن شاء الله نرجع نلاقيها بخير… ونلمّ الشمل على خير.

يبدأ أدهم في التحرك نحو غرفة المكتب ليتابع الكاميرات، بينما إياد يظل بجانب تارا. ثريا، في الزاوية، لا تزال تبكي بصمت، وتشعر أنها لأول مرة… غريبة بين أهلها

********************

– شقة بسيطة في حي هادئ – مساء

الأثاث بسيط، ما زال بعضها في كراتين. على الطاولة زجاجة خمر نصف ممتلئة… وكوب زجاجي موضوع بجانبها، فارغ.

كريم واقف عند النافذة، ينظر إلى الشارع تحت، ووجهه مليء بالتعب. يده تمسك صورة قديمة له مع جدته سعاد ووالده خالد. يتنهد تنهيدة طويلة، ثم يغمض عينيه ويحكي لنفسه:

كريم (بصوت داخلي):

كفاية…

كفاية سنين من الضياع… من الكذب… من التمثيل.

ينزل نظره للصورة، ويرميها على الطاولة ببرود، ثم يلتفت نحو الزجاجة… يأخذها، ينظر فيها لحظات طويلة، ثم يفتحها… ويفرغ كل ما فيها في الحوض دون تردد.

كريم (بصوت مرتفع لنفسه):

أنا مش عبد للزجاجة…

ولا للستات… ولا لجدتي سعاد.

أنا كريم… ، مش ظلّ سعاد.

ينظر لنفسه في مرآة صغيرة قريبة…

كريم (بحزم):

من النهاردة… هبدأ من جديد.

هعيش نظيف… وهشتغل شغل محترم…

وهبطل أمشي في السكة اللي رسموها لي وهم.

يرجع يقعد على الكنبة، ويمسك دفتر صغير، يكتب عليه العنوان:

"خطة كريم – البداية الجديدة"

كريم (وهو يكتب):

1. أقطع علاقتي تمامًا بسعاد وخالد وناهد.

2. أبدأ أدور على شغل شريف.

3. أروح  لمحمود، وأقول له كل حاجة…

من أول لحظة، لحد آخر جريمة.

يرفع رأسه، وعيونه مليانة تصميم وألم بنفس الوقت.

كريم (بهمس):

يمكن يغفروا لي… ويمكن لأ.

بس أنا هغفر لنفسي… لما أختار أكون إنسان حقيقي، مش عروسة ماريونيت 

********************

– داخل مكتب خالد في فيلا سعاد – مساء مظلم


الإضاءة خافتة. خالد يجلس على الكرسي الجلدي، ينظر إلى صورة كريم وهو طفل صغير… شروده عميق، يداه متشابكتان، ونظراته تحمل ثقل الذكرى.

خالد (بهمس لنفسه)

٢٥ سنة… ولسه فاكر اليوم ده كأنه امبارح.

فوزي… لما دخل عليّا ومعاه الطفل، ملامحه كانت مكسورة… بس عينيه فيها نار.

قاللي: “الواد ده لازم يختفي… بنتي عمرها ما هتشوفه تاني.”

وإنت يا خالد؟ وافقت… اشتريت ضحكة طفل… ودفنتها في بيت سعاد.

يغمض عينيه بضيق، كأن الذنب بدأ يزحف نحوه ببطء.

خالد (بصوت مكسور)

كنت فاكر إني هبدأ صفحة جديدة…

بس هو عمره ما كان ابني… مش مني…

هو ابن وجع مش ليّ.

باب المكتب يُفتح فجأة… تدخل سعاد بخطوات حادة، ترفع حاجبيها بنفور.

سعاد (ببرود):

سرحت تاني؟

ولا بتفكر في مصيبتك الجديدة؟

شايف وشك عامل ازاي؟ زي واحد شاف شبح.

خالد يرفع نظره إليها، يحاول يخفي اضطرابه.

خالد (بجفاف):

كنت بفكر في كريم… بس دي مش حاجة تهمك.

سعاد (بضحكة ساخرة):

كريم؟

الواد اللي كنت فاكر إنه هيطلع زيك…

وطلع له ضمير؟

آه… دي فعلاً مصيبة.

خالد (بنبرة ثقيلة):

هو مش زينا… عمره ما كان زينا، وده يمكن أحسن.

سعاد تتقدم ناحيته، نظراتها تزداد قسوة.

سعاد (بحنق):

أنا اللي صنعتك، وصنعت كريم…

بس شكله طلع عيب تصنيع.

وأنت… شكلك نسيت إنت مين، يا خالد.

خالد يقف فجأة، نظراته قاتمة.

خالد (بحزم):

وإنتي ناسية إنك دفنتي قلوبنا تحت رجلينك.

أنا اللي دفعت، لكن إنتي اللي علمتيني إزاي أدفن الحقيقة من غير ما أرمش.

سعاد تضحك ضحكة جافة، ثم تدير ظهرها ببرود.

سعاد:

افتكر كويس… أنا ما بخسرش.

وأي حد بيحاول يخرج من تحت جناحي… نهايته معروفة.

تخرج سعاد تاركة الباب مفتوحًا خلفها… وخالد يعود للجلوس، لكن هذه المرة بنظرة مشوشة، كأن شيئًا داخله بدأ يتغير


– فلاش باك – داخل مخزن مهجور على أطراف المدينة – قبل 29 سنة – ليلاً


الجو عاصف، المطر يضرب الأرض بقوة. داخل المخزن، الإضاءة خافتة والمكان يعبق برائحة العفن والحديد.

فوزي، رجل في منتصف العمر، يقف بجمود، يحمل بين يديه طفلًا حديث الولادة ملفوفًا ببطانية خضراء باهتة. ملامحه قاسية، عيناه لا تلمعان بأي حنان.

يدخل خالد بهدوء، يلبس معطفًا طويلاً، ويقترب بخطوات ثابتة، تتبعها نظرة مريبة.

خالد (باردًا):

ده هو؟

فوزي (بجفاف):

ابن بنتي… كان لازم يختفي قبل ما تصحى.

خالد (بدهشة باردة):

يعني فعلاً قتلت جوزها؟

فوزي (بلا تردد):

ما ينفعش بنتي تتربط بواحد زي ده… فقير وحقير، وكان هيشدها للقاع.

خلّصته من الوهم… وخلصت العيلة من العار.

خالد (ينظر للرضيع):

والواد ده؟ شكله ملوش ذنب.

فوزي (بقسوة):

أكبر ذنب إن أمه جابته.

دلوقتي… يا تاخده وتربيه كابنك، يا هرميه لأي دار أيتام.

خالد (يتقدم ويأخذ الطفل):

اسمه كريم.

فوزي (بصوت بارد):

اسمه مش مهم… اللي يهمني إن ثريا تصحى وما تلاقيش لا جوز ولا ولد.

خالد (يرفع الحقيبة ويضعها قرب الطاولة):

نص المبلغ… والباقي لما توصلني شهادة ميلاد مزورة باسمي وناهد.

فوزي:

هتوصلك خلال يومين.

خالد ينظر إلى الطفل ثم إلى فوزي، كأنه يحاول أن يفهم كيف يمكن لإنسان أن يبيع دمه ببرود. ثم يستدير ويخرج من المخزن تحت المطر.

فوزي يقف للحظة، ثم يطفئ المصباح ويغادر في الاتجاه المعاكس…

وفي الخلفية، يُسمع صوت بكاء الرضيع يتلاشى في عتمة الليل


– بعد أيام من الحادثة – في قصر فوزي – غرفة مظلمة بنوافذ مغلقة

الوقت صباح، لكن الغرفة غارقة في الظلام، وكأنها تواسي ساكنتها في حزنها. ثريا ترقد على السرير، شاحبة، ملامحها متعبة وعيونها متورمة من البكاء. والدتها تجلس بجانبها بصمت خائف، بينما فوزي يقف عند الباب، يراقب بهدوء قاتل.

ثريا (بصوت ضعيف، مبحوح):

فينه…؟

فين ابني…؟

فين جوزي…؟ ليه ما رجعش؟ ليه ما دخلش عليا…؟

الأم (مترددة، تحاول الإمساك بيدها):

يا بنتي… ارتاحي، انتي تعبانة…

ثريا (تصرخ فجأة، تنهض رغم ضعفها):

ما تقوليش ارتاحي! أنا عايزة ابني!

فينه؟! فين جوزي؟!

فوزي يقترب بخطوات ثابتة، نظرته باردة، كلماته محسوبة وكأنها طعنات بطيئة.

فوزي (بصوت حاد):

ابنك مات.

ثريا (تشهق، تقف مكانها مذهولة):

إييييييييييييييه…؟

لا… لا، مستحيل…

انت بتكذب…!

فوزي (بجفاف):

مات وهو بيتولد… الدكتور قال إنه ما عاشش… خلّصنا من وجع مالوش لازمة.

ثريا (تتراجع بخطوات بطيئة حتى ترتطم بالحائط):

وانا… جوزي؟… فين هو؟

اسامة ما جاش…

ما سألش حتى…!

فوزي (بنظرة قاسية):

جوزك التافه… مات هو كمان.

ثريا (ترتعش):

مات…؟!

فوزي (ينظر لها بلا أي شفقة):

حوادث بتحصل كل يوم. وأحيانًا ربنا بيأخذ قرارات بالنيابة عنّا.

بس أنا خدت قراري مكانك، وساعدتك. خلصتك من عبء كان هيخرب مستقبلك.

ثريا (تنهار على الأرض، تصرخ):

قتلتهم… قتلت قلبي… أنت اللي قتلتهم ، ليه.... ليييييه؟؟ 

لحظة صمت ثقيلة، فوزي ينظر إليها بشيء من الانزعاج، ثم بصوت جامد ينهي الأمر.

فوزي:

بعد أسبوع… فرحك على إياد الشرقاوي.

ثريا ترفع وجهها ببطء، عيناها تمتلئ بالذهول والدموع، وقبل أن تنطق، يدير فوزي ظهره ويغادر الغرفة، يغلق الباب خلفه بهدوء شديد… كأنما يغلق على ثريا قبراً جديداً

End Flash Back 

*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

رواية لهيب العشق الفصل الخامس عشر 15 من هنا

الرواية كاملة من هنا (رواية لهيب العشق)

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات