رواية ورد ويوسف عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام
رواية ورد ويوسف الفصل الثالث 3
"ياسر."
إيدي اتزعزعت وبعدها بسرعة بعدت عن ياسر. في لحظة كان يوسف واقف جنبي — لا، يوسف كان قدامي بخطوة، شبه مخبيّني ورا كتفه العريض.
"چو... وحشني. بقى كده متقولش إنك اتجوزت، وكمان اتجوزت ورد الغريب!"
سبق بيها ياسر بعشم غريب، وابتسامته كانت مش صافية. ويوسف مش غبي عشان مايلحظش دا، فقال:
"طب ما أنت عارف إنها مراتي، بتمد إيدك تسلّم عليها ليه؟"
نفسي كان متقطع؛ مكنتش شايفة اتهام، دا كان تحقيق. عيون يوسف بتحاول تترجم الموقف، علشان كده وقعت جنب يوسف وانا بقول:
"كانت بسلم عليه، أصل... أصل أنا أعرف ياسر... من الكلية."
كلامي متقطع ووشي باهت، ضربات قلبي للسما — خايفة عليه الغبي! غبي وجاي برجله لهلاكه. معرفتي بغيرة رجالة الصدّيق تخليني أموت رعب على ياسر لو بس يوسف حس إنه بيرفع عيونه فيا!
"أسلّم عليه أنا بالنيابة عندك. ستات آل صدّيق ما بيسلموش على حد غير محارمهم."
نبرته كانت شديدة، بس نظراته كانت متصلبة على ياسر. ومرة واحدة لف ذراعه ناحيتي وضمّني بهدوء وهو بيرفع إيده التانية وبيسلّم على ياسر. مكنش سلام، دا كان إعلان ملكية!
"أنت اتجننت... وأنت على فكرة مش قد كلامك... أنت قلت إنك مش هتلمسني."
"لو على الجنّان... فأنتِ إزاي تمدّي إيدك لرجل غريب تسلّمي عليه! أولًا حرام، وثانيًا عدم احترام ليا."
"أنت مالكش حق إنك تحاسبني يا يوسف."
قولتها بصوت عالي وانا برفع راسي لطوله وببص له بغضب. مش عارفة بحاول أوجّه غضبه واشتّت دماغه أنه يفكّر في ياسر. لقيته قرب بزيادة، عيونه فيها غضب مكتوب:
"يعني إيه مليش حق أحاسبك! رجل غريب عنك ولا إيه! إنتِ مراتي يا ورد، زي ما أنا مينفعش أروح أمسك إيد واحدة وأسلم عليها. ولو وقفت قصادي واحدة بلف ظهري لها، وبحترمك في غيابك قبل وجودك. إنتِ كمان واجب عليكِ تحترميني. اللي بيحصل بينا في الوضة دي مينسّكش إنك متجوزة يا ورد."
"قصده إيه يعني... عايز توصل لإيه؟ عمال تغني إني مراتك."
"اللي عاوز أوصّله إن مينفعش رجل يلمسك غيري. تفهمي إنك مراتي، أفهمك إيه... مينفعش تسلّمي على رجل، تتكلمي معاه لغير حاجة. إنتِ في حياتك رجل."
نقاش حاد. دخل البلكونة وانا دخلت الحمام أهدى شوية. عشر دقايق وسمعت صوت كركبة برّه، فخرجت. كان بيدوّر على دواء الضغظ. جبته له وروحت عنده وبحاول ما أبصش في عيونه؛ عارفة إنه على حق في كل كلمة. أديته الدوا، فأخده وغمض عينه ورمى جسمه على السرير. اتخضّيت وانا بقعد جنب راسه وبناديله:
"يوسف... يو..."
"أنا صاحي... مغماش عليا أنا بس فصلت."
فكرت أغمى عليه، بقيت أتعاطف معه شوية، فكرة إنه شاب، وعايش مربوط بمرض زي دا، وحياته كلها على ما يبدو إنها طحن وضغط فيه، فضل مغمض فترة طويلة وأنا قمت من مكاني بتوتر من كوني كنت قريبة فيها، فضل مكانه بيتنفس وجسمه نصه على السرير، عشان كده قمت أخذت اللحاف من الدولاب وقلت
" يوسف "
" هممم "
قالها وهو بيتعدل على مهل وماسك راسه وباين جدًا إنه دايخ ومصدع، وبعدين لما شاف في إيدي اللحاف قال
" حاضر ... أنا داخل البلكونة .."
" لا ... ما هو أنا... أنت شكلك تعبان أوي، هنام أنا في البلكونة النهاردة وأنت نام على السرير "
بعد الكلمتين المقطوعين قلت كل اللي في بالي مرة واحدة وبسرعة، سكت لحظة وابتسم بسخرية تقريبًا وهو بيقرب ناحيتي وبيقول
" دماغي مصدعة أوي ومش حمل مناهدة "
قالها وهو بياخد اللحاف من إيدي وزقني ناحية السرير، ودخل البلكونة، ابتسمت على زقته، حرفيًا لكنه حركني بصوابعه، دون أدنى مجهود.
صحينا تاني يوم، كان بيسعل وبيكح، أخذ لحافه وبدأت بطبعه كالعادة وأنا لسه بفتح عيني، اكتشفت إنه في نص الأوضة، نسيت أقفل باب البلكونة، كانت حالتي متبهدلة، وانتهت إني شعري باين فلميته بسرعة. هو دخل الحمام وغاب، لما خرج الحمام كان بيطلع بخار دافئ أوي، اتعصبت وأنا بقول
" أنت بتعمل إيه! استنى بس عندك هقفل التكييف والمروحة، أقف مكانك "
آه كنت بديه أوامر، وآه كان بينفذها بضحكته الغريبة دي ووقوف فعلًا مكانه، الجو خد شوية، قمت من مكاني أخذت فوطة ناشفة من الدولاب واديتها له عشان يحطها على شعره
" خطها على شعرك ورقبتك، وارمي المبلولة دي قبل ما تيشيرتك يتبل والبرد أكتر! "
" حاضر "
قالها بطواعية، كأنه ابني، باصص لعيوني بتعب وبيقولها إنه واثق فيها، زي الأم لما بتقول لابنها على حاجة، بيبقى متأكد 100% إنها هتنفع مش هتضره.
رجعت قعدت مكاني، واتغطيت، كالعادة هو مش بيسند على السرير أصلًا لو أنا قاعدة عليه، وقف عند المكتب وفتح الدرج بتعب، أخذ دواء معرفش نوعه إيه، مكنش الضغط، غالبًا مسكن آلام، عضيت على شفايفي، هو مأكلش حاجة من امبارح.
" يوسف "
بص لي بإرهاق وقال
" نعم يا ورد "
" أنت مكلتش حاجة من امبارح، ممكن تنزل تأكل "
" لا أنا مستعجل، يا دوبك أخذت المسكن وألبس عشان نازل، عندي شغل كتير أوي "
سكت شوية، وهو لبس بليزر كلاسيك، كان شكله رجل أعمال ثلاثيني بجد، جمعت شجاعتي وقلت
" أنت هتقعد هنا لغاية ما سارة تحضر لك فطار عشان أنت شكلك أخدت مسكن وكمان دوا، والغلط إنك تاخد كل دا على معدة فاضية! "
كان باصص لي باستغراب كبير، أنا تجاهلته وأخذت تليفونه اديته له وقلت
" ممكن تتصل بسارة تجهز لي فطار معاك "
ابتسم وغمزاته ظهروا، أخذ التليفون واتصل بيها فعلًا، وبعدين قال
" هقعد في البلكونة عشان تقعدي براحتك، لما الأكل ييجي افتحي لي "
"هزيت رأسي بموافقة وهو دخل وانا قمت أقفل عليه. مكنتش مضايق إنّه قاعد، كان بس صعبان عليه عشان الأكل بدأ يبرد برّه وهو كان نايم طول الليل في البلكونة، وحاليًا خرج من الدش ورجع على البلكونة برضو. فضلنا قاعدين مستنيين سارة تيجى وفعلاً جت والأكل اتحط على الترابيزة وفتحت له عشان ياكل. قعدنا ناكل في صمت لغاية ما سامع غسل إيده ورجع ينشّفها وقال:
"أنا قلت لليلى تبعت لك فستان جديد من بتوعها متكونش لبسته قبل كده. البسيه وجهّزي على الساعة ٧ عشان ننزل نشتري اللي يعجبك."
هزيت راسي وبعدين سالني لو محتاجة حاجة فقلت له لا.
———————————————————
خبطت على مكتب جدي وسمحّ ليا بالدخول. كان أعمامي وزابويا موجودين، حتى محمد وخالد وباقي عيال العم. دي حاجة معتادة إننا كل شهر بنتجمع وجدي بيحاسبنا على شغلنا ويعرف إيه الزيادة وإيه النقص.
"يوسف... أقعد حاسب عيال مع عمك، واعرفلي إزاي في عجز 10% في مينا إسكندرية، واعرف امتى الاجتماع مع المستورد عشان تسافر."
قعدت راجعة الورق وكل شوية باسأل واحد فيهم عن حاجة وهم ماسكين موبايلاتهم مشغولين، الملفات واللاب كان قدامي ومسكت ورقة وقلم والآلة الحاسبة وقعدت بتاعة ساعة ونص لغاية ما فهمت إيه حصل وقلت بضيق كبير من الكارثة اللي حصلت:
"مين فيكم كان مسؤول إنه يبعت إيميلات الشحنة بتاعت البتروكيماويات؟؟ ومين فيكم دفع رشوة الفحص الأمني عشان السفينة تعدي؟؟؟"
متأكد إن صوتي كان مسموع للِّي قاعدين حوالينا بس. معرفش إزاي جدي سمعنا وزعق فيهم كلهم وقال:
"مش بتردوا ليه؟ هو مش بقاله ساعة بيرجع شغلكم خرع زيكم، محدش بيتكلم فيكم ليه؟"
كانت أعصابهم وأعصابي أنا كمان مشدودة من عصبية جدي. اتنحنح محمد وقال:
"أنا اللي ببعت الإيميلات وبحدد الشحنات يا جدي."
"مين دفع الرشوة لموظف الفحص؟ اتكلموا."
الكل كان ساكت. كنت عارف مين اللي دفع الرشوة، بس محدش يعرف إني عرفت إزاي. حتى جدي مكنش فاهم حاجة بس كان واثق في كلامي.
"طيب، اتكلم أنت يا يوسف. بس اللي عمل كده لو اتكلم بعد ما تخلص كلامك ليلته مش هتعدي."
محدش اتكلم، عشان كده أنا اتنهدت وقلت:
"أول غلطة كانت من اللي بعت الإيميل لشركتنا في المينا. اتبعت الإيميل على إنها مواد دهان وكميات بسيطة. الشحنة كان مفروض تروح لإيطاليا يعني أسبوع بالكتير وهتوصل وتتنزّل كمان في الميناء. الأصل إن الشحنة كانت بتروكيماويات، وفي الفحص الأمني في إسكندرية حد دفع رشوة عشان الشحنة تعدي لأنها كانت رقم 15 وقبلها فحصها بياخد وقت. الشحنة عدت وخرجت من بورسعيد، وقبل ما توصل مالتها كان في تسريب كيميائي دخلنا في اشتباه خطر. الشحنة كانت على السفينة وقت 25 يوم هناك وبعدين كملت رحلتها لإيطاليا ورجعت. طبعًا تأخير الشحنة على المستورد دفعنا شرط جزائي كبير، ومع الغرامات بتاعت التسريب مافيش ربح خالص وكمان في عجز 10%."
جدي زعق فينا وطردنا كلنا حتى أنا. وبعد ما خرجت بدقايق بعث لي فروحت له، لقيته هادي قاعد مكاني فقال:
"عايزك تسافر إسكندرية عشان المستورد اللي جاي بالليل هيبقى موجود الساعة 9 بليل النهاردة. يعني تسافر قبلها بكذا ساعة عشان تجهّز الدنيا. والكارثة اللي عملوها محمد وشها لازم تتصلح يا يوسف. أنت أكتر واحد فاهم يعني إيه فحوص أمنية وغرامات. مش مهم اللي ضاع والحمد لله عليه، لكن ده خطر على سمعتنا وممكن يخسرنا شغل كتير. عايزك تقعد في إسكندرية 3 أيام تراجع فيهم شغل آخر 3 شهور كلهم وتبعتلي تقرير بيهم ولو في أي غلطة تجيبه عشان أنا خلاص نويت أريح نفسي من إهمال عيال ناصر وبفكر أنقل خالد إسكندرية. وبعد التلات أيام ترجع عشان هيبقى فيه الاجتماع السنوي والمؤتمر كمان، وأنت أشطر وأعرف تجيب لنا شغل وصفقات."
كانت ضغوط معتادة، ذكر اسم يوسف لحل أي مشكلة أو لشغل كبير محدش هيعرف يعمله غيره. يوسف 4×1 بعمل كل الشغلانات. بضحك جدًا لما أسمع عيال عمي بيتكلموا إن مرتبه أعلى منهم بمراحل. أنا صحتي وعمري بتستنذف هنا من 7 سنين، وقبل السبع سنين دول كان في 3 مطحون بتعلم الشغل وبدرب على إيد جدي وأبويا.
"حاضر يا جدي. كنت بس عايز أقولك إني هاخد ورد وننزل نشتري حاجات لها وتخرج كمان من البيت."
"مش عاوزك تكون مقصر معاها في حاجة. خليك حنين يا يوسف. ورد غلبانة هتتعامل معاها طيبة، وصدقني كان في أصعب منها كتير."
كنت فاهم إنه قصده زينب. أخدت بعضي وخرجت ببص في الساعة. كان أذان الظهر قريب. نزلت أتمشّى للصلاة وبعدين رجعت أخبط على ورد. مكنش فيه صوت. مرة واتنين وتلاتة، فتحت الباب، لقيتها نايمة مكنها على السرير. كنت دايمًا بشوف كلامها عن حبها لأوضتها وسريرها وإنها ممكن تصحى بلايام عشان مش في بيتها. مضايق عليها وعلى قلة راحتها حتى في النوم؛ حتى النومة مش مرتاحة ليها هنا.
قعدت في البلكونة وقفلت الباب عليّ، وبعت لمحمد يبعتلي شغل آخر 3 شهور عشان أبدأ أرجعه من دلوقتي. كان ممكن أشتغل من مكتبي أو مكتب جدي أو في أي مكان عادي بس كنت حابب أكون في نفس المكان اللي هي فيه عشان تتعود على شوفتي. كنت مقرر إني هتحرك إسكندرية على العصر. بعد ساعتين شغل لقيت باب البلكونة بيتفتح وهي شعرها متنعكش شوية والطرحة على كتفها وبتتاوب بِنعاس.
"انتِ هنا من إمتى؟؟"
غالبًا مش مستوعبة إنها من غير طرحة، لقيتها قعدت قدامي وقالت:
"هو أنا ممكن أكلم ماما؟؟"
ابتسمت لها بزعل عليها وطلعت تليفوني وفتحته أنا؛ لأن الباسورد ذكرى ميلادها، ودي حاجة مش لازم هي تعرفها. اتصلت برقم أمها، قعدوا شوية يتكلموا وتطمنّت عليها، وبعدين قفلت.
"شكرًا."
"العفو... إيه رأيك بما إنك بتحبي إسكندرية، أنا هسافر تلت أيام هناك. تعالي معايا ونشتري اللي انتي عاوزاه من هناك بدل القعدة لوحدك هنا."
كانت جرأة مني إني أعرض عليها عرض زي ده، بس كنت حابب أخرجها وتشم هوا. ورد أصلًا بتخرج كتير وتتصور كتير، حياتها كلها ألوان فاتحة وبهجة، وأنا بطفي الألوان دي.
"مش عارفة؟ هو مش مينفعش أخرج بره القصر؟"
ابتسمت وقلت:
"طول ما انتي معايا كل حاجة مسموحالك يا ورد. وصدقيني، القيود اللي عليكي دي عليا أنا كمان. فترة وهتصرف والدنيا هتتحل."
هزت راسها بنعم. مكنتش فاهم هي موافقة تسافر ولا بتوافق على كلامي، عشان كده سألتها:
"موافقة تسافري معايا؟؟"
"هو أنا عندي حق الرفض؟"
"معاكي حق الرفض والاعتراض، كل الحقوق معاكي. لو مش عاوزة تسافري مافيش أي حاجة تجبرك. وأهي فرصة تقعدي براحتك شوية، عشان أنا مقيّد حريتك في الأوضة."
"بس أنا عاوزة أجي، أنا فعلًا بحب إسكندرية."
"طب قومي جهّزي نفسك عشان هنتحرك على العصر."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتحركت معاه بعد ما رجع من صلاة العصر. كنت لابسة الفستان بتاع ليلى اللي بعتته. هو كان شيك أوي، قميصه، الساعة، الجزمة... كل حاجة كانت شيك وباين عليها الترف جدًا. أول ما ركبنا، استأذن إنه هيعمل مكالمة ويتابع الشغل؛ عشان صوته هيضايقني. قلت له تمام. وهو طلع مجهّزلي الآيباد وعليه بودكاست وفديوهات كتيرة، وكلهم كانوا مفضلاتي!!
"أيوه... تمام يا خالد. 50 ألف دول نضربهم في 7 رحلات قطع غيار، المفروض يكونوا 350 ألف... في غلطة، الشغل ده هيسيح... تمام تمام... لا لا، اسمع بس، في سفينة أصلاً هتيجي من الفحص الأمني وتركن شوية عشان الصيانة بسبب التسريب... طب اقفل يا خالد، هنزل أجيب قهوة وأكلمك تاني."
كنت لابسة سماعة ومندمجة مع البودكاست ، وهو بيراجع الشغل مع خالد من ساعة ما بدأنا. ركن العربية في بنزينة وخلع السماعة وقال:
"تنزلي؟ تحرّكي رجلك ونشتري حاجة تشربيها، ولو عاوزة تضبّطي طرحتك."
"لا، أنا تمام."
نزل وغاب شوية ورجع مع قهوته وكيس كبير غالبًا ليا. بالفعل دخل وهو بيقول:
"جبتلك عصير مانجا مزارع دينا، وشوية سناكس تتسلي بيهم. حقيقي نسيت خالص أجيب قبل ما نتحرك."
فتحت الحاجة وبدأت آكل بملل وأنا بتفرج على فديو مومن مندمجة. وهو كمل شغل. مافيش عشر دقايق وموبايله فصل شحن! وكان ناسي وصلة الشاحن!
"الحمد لله..."
قالها بهدوء، وسب الموبايل وكمل الطريق وهو بيشرب قهوته، لحد ما قال:
"بتتفرجي على إيه؟"
"أظنّك عارف إنت منزل إيه، مش دا الآيباد بتاعك؟"
"مين قال إنه بتاعي؟
الآيباد بتاعك، وموجود عندك طول اليوم مفتوح. كل مرة بعرض عليكِ تمسكيه عشان تتعودي على حاجاتك الجديدة بفتكرك نسياه."
"يوسف... هو إنت ليه كده؟"
ضحك بخفّة على سؤالي ورد عليّا بسؤال وإنّه عارف إنّي عارفه وفهم قصدي.
"كده إزاي يعني؟"
"مش مفهوم... غامض، مش محسوب ردود فعلك."
"والله كل واحد بيشوف الناس بعينيه، فلو إنتِ شايفةني كده رجعي نفسك؛ لأن الصفات دي فيكِ إنتِ يا ورد. أنا كنت واضح من أول يوم معاكِ."
"يوسف إنت ليه مش مجبورة على جوازي مني! أنا اتجبرت أوافق عشان تحصل هدنة. أنا متأكدة إن الدنيا أصلًا مولعة الأسبوعين اللي فاتوا عشان كده مينفعش أتوصل مع حد من أهلي أو صحابي."
"سؤال الأول ليه مش مجبور؟
عشان إنتِ مش حاجة وحشة الإنسان يهرب منها بالعكس تمامًا. وغير كده أنا قلت لجدي موافق عليكِ؛ مُدرك إنك مكانش عندك رفاهية الاختيار، عشان كده أنا مديكِ المساحة اللي تقرري فيها هل عاوزاني ولا لا."
"لو مش عاوزَكِ؟ هطلقني."
"لو مش عاوزَانِي نِحترم قراركِ ونعيش زي ما إحنا عايشين ومحدش يعرف عنها حرفًا! لكن موضوع الطلاق ده مش سهل وله معوقات كتير. مقدرش أوعدكِ بحاجة أنا مش عارف إذا كنت أقدر عليها ولا لا... وعلى فكرة الدنيا هادية بين العائلتين جدًا ومش ده سبب عدم تواصلكِ معاهم؛ السبب يطول شرحه. فبلاش توجعي دماغكِ بحاجة مش هتجيبلكِ غير وجع ودوشة وملهاش حل. خليكِ متأكدة إني دايمًا هتصرف عشانكِ وعشان راحتكِ وهبذل كل جهدي عشان أعمل لكِ اللي إنتِ عاوزاه، وتعرفي إن حياتكِ معايا كلها هتبقى بقراركِ أنتِ واختياركِ أنتِ."
"يوسف! إنت إزاي تعرف عني بحب إيه وعندي حساسية من إيه! إزاي وصلت لتفاصيل محدش يعرفها غيري؟ استحالة تكون تحريات عادية."
"صدقيني المهتم بيوصل للي هو عاوزه. ما قولتيش برضو كنت بتتفرجي على إيه؟"
توهت في الموضوع، والأفضل إني أتوَه معاه لأني معنديش أدنى استعداد أسأل تقصد إيه بـ«مهتم»؟ لكن مش معنى كده إننا هنخرج من إطار كلامنا.
"طب إنت كل اللي بتقدمه ده مش هتطلع قصاده مقابل؟"
"ورد! إنتِ وقعتي على دماغه وإنتِ صغيرة!؟
أنا قلت لكِ كل اللي عندي؛ تعرفي إني مش بسبب كلامي ناقص غير قليل أوي. وأنا قلت كل اللي عندي في الموضوع ده من أول يوم: أنا مش عاوز منكِ حاجة إنتِ مش عاوزة تديهالي... فهمتي؟ لو ناوية بجد تيديني مقابل، حاولي تنسي الظروف اللي عايشين فيها، وتديني فرصة نبقى أصحاب! أهو صحوبية مش هناخد عليها ذنب واحد! مش إنتِ نفسك في صاحب ولد بس حرام؟ أنا أهو يا ستي ولد ثلاثيني العمر، ميغركيش دوا الضغط اللي بخده أنا لسه سألتي والله بس الزمن جاي عليا حبتين."
ضحكت على كلامه وسكت بعدها معرفش أقول له إيه، بس كلامه لأول مرة ريحني راحة حتّامة من غير تشكيك ولا خوف ولا تردّد. فتحت الآيباد تاني وشغّلت المسلسل وهو مركز عليّ وعلى السواقة، وما فيش كتير ووصلنا المدينة، فقال:
"افتحي الشباك، ريحة البحر هتخفّف عنك."
ابتسمت وفتحت الشباك بحماس، وهو فصل ماشي لغاية ما كان قرب الشط والصخور، ونزل فتخلّي الباب وهو بيقول:
"معانا نص ساعة تعالي اتمتعي بالبحر من قريب."
يتبع...
#نورهان_علام
#حواديت_تراب_القمر
نهاية لطيفة، بس اللي جي مش لطيف اووي😭