رواية أعلنت الحرب على قلبي عبر روايات الخلاصة بقلم إسماعيل موسى
رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل الثلاثون 30 والأخير
النهايه
ندى
الباب المعدني انفتح ببطء ليُطلّ منه رجل في منتصف الأربعينات، يرتدي بدلة أنيقة على غير عادة الجنود من حوله. ملامحه باردة، وعيناه خاليتان من أي دفء إنساني. جلس أمامها واضعًا حقيبة جلدية على الطاولة، فتحها بحذر، وأخرج منها ملفًا يحوي أوراقها التي عملت عليها لأشهر طويلة. كانت تلك معادلاتها، كتاباتها بخط يدها، كل ما سهرَت عليه الليالي الطوال.
ابتسم ابتسامة صغيرة وقال بالعربية المكسّرة:
— "مجهود عظيم… لفت أنظارنا."
رفرفت الكلمات في أذنيها مثل سكاكين. شعرت بقشعريرة تجتاح جسدها، خصوصًا حين أخرج ورقة بعينها — كانت تحمل تعديلها الأخير على نظرية ناقصة تركتها د. سميرة موسى.
— "أنتِ أمام فرصة نادرة،" تابع الرجل، يضغط على الحروف كما لو كان يزنها بميزان، "نوفّر لك مختبرًا، فريقًا كاملًا، وحرية مطلقة لتكملي ما بدأته. كل ما نريده… أن يكون هذا العلم في خدمتنا."
كان العرض مغريًا في ظاهره، لكنه يحمل في باطنه خيانة. ندى أدركت أنها لم تُختطف لمجرد سؤال أو اختبار، بل لمحاولة استغلال عقلها كأداة.
الأيام التالية تحولت إلى دائرة خانقة من الضغوط.
في البداية استخدموا أسلوب الإقناع الناعم: قدموا لها طعامًا جيدًا، غرفة أكثر راحة، وأظهروا لها صورًا لمعامل حديثة، محاولين إقناعها بأنها ستحقق أحلامها هنا، حيث "التقدير الحقيقي".
عندما تجاهلتهم، انتقلوا إلى مرحلة الترهيب: ساعات طويلة من الاستجواب تحت الأضواء القوية، أصوات تنطلق من مكبرات الصوت بلا توقف لتعطيل نومها، جنود يقتحمون غرفتها في منتصف الليل ليربكوا أعصابها.
ثم بدأوا يستغلون نقاط ضعفها الإنسانية: عرضوا عليها صورًا مزعومة لأسرتها، يوحون بأنهم قادرون على الوصول إلى كل من تحب إن هي لم "تتعاون".
ندى قاومت. كانت تنهار لحظات ثم تعود فتشد من أزر نفسها. لم يكن الصراع داخليًا فقط، بل مع كل همسة في عقلها تقول: ماذا لو أكملت؟ أليس هذا ما أردته دومًا؟ لكنها في كل مرة تذكّرت أن العلم الذي يُسلب منها سيتحوّل إلى أداة دمار، لا أداة تقدم.
كانت تجلس ليلًا على حافة السرير المعدني، ترتجف من البرد ومن الصراع في آنٍ واحد، وتتمتم لنفسها:
— "أنا لست للبيع… لست للبيع."
في اليوم الخامس، أدخلوها إلى قاعة صغيرة فيها سبورة بيضاء، أعطوها طبشورًا وطلبوا منها أن تشرح لهم إحدى معادلاتها. وقفت صامتة، عيناها تراقب الأعين المتربصة خلف الزجاج العاكس. كانت تعرف أنهم ينتظرون أي انكسار… لكنها قررت أن تُخفي، أن تتلاعب، أن تُظهر لهم أنها مستعدة للتعاون، بينما في داخلها تخط خطة للهروب أو للمقاومة.
من خلف الزجاج العاكس جلس الرجل ذو الشعر الرمادي القصير، عيناه ثابتتان على ندى التي كانت تجلس في الغرفة المقابلة، مُحاطة بجهاز تسجيل وكاميرات دقيقة تخترق كل حركة من حركاتها. أدار كرسيه نصف دورة، ثم التفت إلى معاونيه بصوت هادئ لكنه مائل بالصرامة:
"أنتم مخطئون إن ظننتم أن ما نريده هو ورقة بحث أو معادلة. نحن لا نفتقر إلى المختبرات، ولا إلى العلماء. لدينا تقنيات سبقت زمنها بعقود، وكل ما يمكن أن تكتبه هذه الفتاة لا يضيف شيئًا إلى خزائننا."
أحد المعاونين رفع حاجبه متسائلًا:
"إذن لماذا هي هنا؟ لماذا كل هذا الجهد لاختطاف باحثة جامعية؟"
ابتسم الرجل، ابتسامة حادة كأنها سكين صغيرة، وقال:
"المعادلات ليست سوى أثر جانبي. ما نريده هو العقل. أن تصل إلى حيث وصلت، منفردة، بلا أجهزة فائقة، بلا تمويل، بلا فريق بحثي… هذا ما يخيف. لأنها أثبتت أن عقلًا واحدًا يمكنه أن يعيد بناء ما اعتقدنا أننا وحدنا نحتكره."
اقترب من الزجاج وأشار بإصبعه نحو ندى التي كانت تحدق في الطاولة بوجهٍ شاحب، ثم تابع:
"هل تعلمون ماذا يعني أن تلتقط فتاة من جامعة محلية خيطًا تركته سميرة موسى قبل عقود وتتمكن من وصله؟ يعني أن هناك عقلًا محليًا قادرًا على إشعال حريق معرفي لا يمكن إخماده. لو وُجدت عشرات مثلها، سينهار ميزان القوة كله. لن يعود أحد بحاجة إلينا."
ساد الصمت لحظة في الغرفة، قبل أن يضيف بنبرة أكثر حدة:
"نحن لا نحتاج إلى نتائجها… نحن نحتاج أن نعرف: كيف تفكر؟ ما هي حدودها؟ هل يمكنها أن تفعلها مرة أخرى؟ وهل هناك آخرون مثلها في الظل؟"
أطرق أحد الضباط برأسه وقال:
"إذن الغرض الحقيقي ليس ورقتها العلمية… بل مراقبة ندى نفسها."
ضحك الرجل ضحكة قصيرة بلا دفء:
"بالضبط. نحن لا نطارد الورق. نحن نطارد البذرة. من الورقة نستطيع أن نمحوها. أما إن تُركت هذه البذرة لتنمو، فستُخرج لنا غابة كاملة من المعرفة لا يمكن السيطرة عليها."
ثم التفت نحوهم بحزم:
"راقبوها جيدًا. لا تسمحوا لها بأن تعتقد للحظة أنها حرة. إن حرية عقلٍ كهذا أخطر من أي سلاح."
لقد رأيتم عندما سمحنا لهم بالحريه والتفكير ما فعلته حفنه من المقاومه بنا...
حشمت مندور
كان يتسكعان فى الشوراع بهويات مزوره ،يسهران فى الحانات ويحتسى حشمت مندور الجعه ولا يخرج من النوادى الليليه الا سكران يترنح ،لكن عقله كان يعمل بطريقه جد عميقه، خلال تنقلهم درسو بعض الأهداف المحتمله ،الأقل حراسه وإمكانية الوصول إليها ،كان الهدف استهداف أكثر من مكان فى وقت واحد، واذا نجحو فى تفجير هدف واحد سيعد انتصار لهم ، وكانت مراكز الأبحاث أسهل الأهداف حراسه ،بعد أكثر من شهر استقرا على الخطه، سيقوم حشمت مندور وسلوان بتفخيخ عدة اهداف متقاربه ويضغطة زر وأحده سينتهى كل شيء وليس مهم على الأطلاق ما سوف يحدث بعد ذلك، قال حشمت مندور لسلوان ذات ليله
سيتحقق حلمى عندما أرى اشلائهم تتطاير وتتبعثر على الطريق مثل ما يفعلون بنا، نسقيهم من نفس الكأس ولو مره واحده، وكانت الحرب تساعدهم ،فأعين الجيش والشرطه موجهه تجاه غزه ،الضرب من الداخل مستبعد وغير متوقع خاصه مع الاحتياطات التى اتخذتها الشرطه لحماية الأهداف القوميه ،أنهى حشمت مندور وسلوان عشائهم فى مطعم مواجه لمبنى خاص بالابحاث النوويه ،تابعا العاملين والعلماء يرحلون ويأتون على مدار الساعه، خلال تغير الورديه فى غرفه خلفيه استبدل حشمت مندور وسلوان ملابسهم بملابس خاصه بالشرطه المحليه ،ورغم ان خطوات التسليم والتسليم شديدة التعقيد هناك الا انهم نجحو فى عبور النقطه الامنيه
وقبل ان يدخلو نحو غرفة التبديل عرجا خلال الرواق نحو غرف الباحثين والعلماء ،عليهم أن ينهو كل شيء قبل أن تكتشف الأجهزة الشخصين الذان قاما حشمت مندور وسلوان بقتلهم والاستيلاء على ملابسهم ،مجند ومجنده التحقا بالحراسه منذ وقت قريب.
وضع حشمت مندور وسلوان العبوات الناسفه الدقيقه فى عدة اماكن ثم اضطرا للانفصال حيث سيحتاج كل واحد منهم حجه للخروج من المبنى ،نجحا فى الخروج والتقيا فى شارع خلفى ثم تحركا نحو الهدف التالى
المبنى البحثى الأقدم فى ايلات للدراسات النوويه كانت هناك حراسه مشدده مما اضطرهم لمراقبة الموقع أكثر من ساعه انتظارا لوصول سيارة شركة اورشا بام للصيانه
حتى خرج رجال المخابرات فى سيارات مصفحه وعاد الهدوء للمبنى البحثى ، كأفراد صيانه تابعين لشركة اورشا رام المختصه بصيانة المبانى البحثية
المعلومه التى تحصلت عليها سلوان من احد معارفها العاملين داخل المبنى ،لما وصلت السياره بداء العاملين بنقل المعدات لداخل المبنى وقبل عودتهم لنقل بقية المعدات وعندما خرج سائق السياره لابتياع طعام تعاملا بهدوء ،حملا بعض المعدات ودلفو بها المبنى دون أن يعترضهم رجال الامن
صعدا درج السلم متحاشين عاملى الصيانه فى الشركه الذين يستخدمون المصعد منعا لاكتشافهم وخلال رجوع العمال الاصلين لاحضار ما تبقا من معدات ذرعا العبوات الناسفه
داخل كبائن الكهرباء والتكييف.
تبطأت سلوان ذراع حشمت مندور وغرقا فى محادثه ناعمه خلال خروجهم من المبنى ،كان باب الخروج أمامهم تماما
عندما سمع حشمت مندور صوت ينادى بأسمه ،لم يستدير حشمت مندور لكن الرعب دب فى اوصاله حتى سلوان ارتعش جسدها ضغط حشمت مندور على سلوان ومنحها قبلة طويله حتى خرجا من المبنى
انتى سمعتى إلى انا سمعته يا سلوان ؟همس حشمت مندور عندما وصلا الشارع
سمعت يا حشمت ،تعتقد انهم كشفونا ؟
لو كشفونا مكناش هنفضل أحياء لغاية دلوقتى ،تنهد حشمت مندور جهاز المؤقت فى يده مجرد ضغطة ذر وينتهى كل شيء لكنه استدار من خارج الزجاج والقى نظره اخيره
رأى ندى محاطا برجلين ينظران نحو حشمت مندور ويتحدثون فى الهاتف بقلق بالغ وصوت يشبه الصراخ
ندى ؟
ندى مين يا حشمت؟
ندى المصريه يا سلوان موجوده داخل المبنى
انتفضت سلوان ،ندى ايه إلى جابها هنا ؟
مش وقت الكلام ده دلوقتى يا سلوان احنا كده خطتنا كلها هتفشل
وبلا تردد منح حشمت مندور سلوان جهاز التفجير ،امشى لأخر الشارع وانا هدخل المبنى احاول اخرج ندى بأى طريقه
لو شفتى هرج ومرج وشرطه اضغطى الزر وفجرى المبنيين
انت ،انت عايزنى اقتلك يا حشمت ؟
اطلق حشمت مندور نظره إلى عيون سلوان ،حكايتنا كان معروف نهايتها يا روح الروح، احنا اخترنا نهايتنا من زمن طويل، امشى ودفع حشمت مندور سلوان بعيد عنه
وهو يشعر بمغص فى امعائه دخل حشمت مندور المبنى مره اخرى وفور ان وضع قدمه داخل المبنى ارتفع الأصوات
توقف مكانك بلا حركه!!
كان جندين قد صوبا اسلحتهم تجاه حشمت مندور
عندما صرخت ندى بأسمه ارتاب الحراس فى هويته وبعد اتصال قصير وصلتهم الأوامر بقتل حشمت مندور والفتاه التى فى رفقته من قبل جهاز المخابرات
ابتسم حشمت مندور ،حرك يدة لكن الحارس صرخ توقف ولا حركه واصل حشمت مندور فتح ازرار قميصه وبعد لحظات ظهر الحزام الناسف الذى وضعه حول جسده
اصفر وجه الحراس، انهم يخشون الموت أكثر منه
اشعل حشمت مندور سيجاره وسار تجاه الحراس المجتمعين حول ندى كان يعرف انه حتى لو خرج من المبنى فأنهم سوف يقتلونة إلى اى مدى قد يستطيع الفرار ؟
اتركوها إذآ رغبتم فى النجاه
تردد الجند لكن حشمت مندور لم يصمت ،قال بصوت واضح بنفس لغتهم
ستخرج الفتاه وسأظل معكم! ؟
ثم صرخ فى ندى اركضى نحو الخارج وكل امله ان تلحظ سلوان ندى وتتمكن من انقاذها
ركضت ندى والتقت عينيها بعينى حشمت مندور للحظه كانت كافيه ان ترى فيها المشاعر التى يكنها لها
قولى لها ان تفعلها همس حشمت مندور خلال خروج ندى
انها فى نهاية الزقاق.
خرجت ندى راكضه وكان بعض الماره قد تجمع خارج المبنى يشاهدون ما سوف يحدث
نفس حشمت مندور دخان سيجارته ورفع يديه بطريقه مسرحيه هلمو هلمو كلما ازداد العدد كان أفضل
رأت ندى سلوان فى نهاية الزقاق وهى تركض صرخت انه يطلب منك ان تفعليها، لم تكن تفهم ما يعنيه ذلك الا انها رددتها أكثر من مره
كانت عيون سلوان دامعه وكاد الشارع ان يتحول لسكنه عسكريه وكان بعض الماره يلوحون إلى الشرطه نحو مكانهم والكلاب البوليسيه تركض مع الجند
افعليها انه يقول افعليها صرخت ندى مره اخرى
إلى اللقاء يا روح قلبى، شهيد بأذن الله ضغطت سلوان جهاز التفجير وحدث انفجار ضخم فى المبنيين المتجاورين
انفجار شق سكون الليل وطارت جدران المبنى إلى مسافات بعيده.
سقطا الكثير من الماره واشتعلت أكثر من سياره وارتفع صراخ الجند والمواطنين وغمر المكان كله بالغبار والدخان
الركض ،ركضت ندى وسلوان ،سلوان كانت تعرف أن المنطقه كلها تم حصارها من قبل عناصر الشرطه لا أحد يدخل لا أحد يخرج ،بعد ثلاثة شوارع متعاقبة رفعت سلوان غطاء بلاعة مجارى ودفعت ندى داخلها ثم قفزت خلفها ،نفس المكان الذى خططا من خلاله الهرب هى وحشمت مندور
اندفعا داخل مجرى الصرف الصحى وسط الوحل والرائحه
المتعفنه ،عليهم أن يركضا بلا توقف لأكثر من ميل قبل أن يخرجا إلى الشارع بعد نقاط التفتيش واذا كانتا محظوظتين ستكون سيارة قريبهم العربى فى انتظارهم ،نال منهم التعب والإرهاق، وكانت سلوان لديها دافع بالبقاء أكثر من الهرب
لكن حشمت مندور اختار انقاذ ندى وعليها ان تكمل امنيته
عندما خرجا من مجرى الصرف الصحى كانت السياره فى انتظارهم وانطلق بهم الرجال باقصى سرعة لأكثر من عشرة أميال قبل أن يتركا السياره وينتقلا لسياره أخرى خاصه بأحد رجال الشرطه الخرائية كان الرجل قد سرقها قبل عدة ساعات ويأمل ان يكون صاحبها لم يقدم بلاغ حتى الآن
اندفعت بهم السيارة الأخرى لاميال طويله دون أن توقفهم نقط التفتيش المحليه على الطرقات ،السياره تحمل شعار الشرطه الخاص بهم
نقلهم الرجل لنقطه عمياء احد المنازل المهمله، ستكملون طريقكم من هنا بمفردكم، سأتخلص من السياره
فى الداخل توجد امتعه ومؤن ونقود إذآ تمكنتم من الوصول
لحى برشلين النقود ستساعدكم فى الهرب.
عندما عبرتا الحدود القت سلوان نظره اخيره على غزه
كان قلبها مدمى ولا رغبه لها فى الحياه، الدرب الترابى امتد أمامهم إلى ما لا نهايه بعد نصف كيلو انهت ندى الاتفاق مع رجل يملك سيارة ربع نقل من أجل توصيلهم إلى العريش
الرجل الذى يحفظ دروب الصحراء جيدا وضع رزم الدولارات فى جيبه وخلال ساعات كانتا قد وصلتا بر الأمان.
انتهت