📁

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي عبر روايات الخلاصة بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم إسماعيل موسى

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل الثامن عشر 18

عندما وصل جاسم المنزل، انفجرت شاهندة في وجهه، وكأن كل ما كتمته طويلاً وجد طريقه أخيرًا للخروج:


"أأنت تدرك ماذا فعلت؟ لقد أفسدت كل شيء… كل ما بنيته، كل ما رسمته من خطط لمستقبل هذه العائلة! كنت أضع آمالي كبيره على هذه الزيجة!! 


كانت كلماتها تخرج متلاحقة، مشحونة بالغضب والخذلان، ووجهها يرتجف من شدة الانفعال. تابعت بنبرة أكثر حدّة:

"لقد ضيّعت عليّ سنوات من الجهد، أفنيتها في أن أرتب الطريق أمامك، في أن أرفعك فوق ما أنت فيه… وفي لحظة واحدة كسرت كل شيء!"


وقف جاسم أمامها، ملامحه جامدة لا تعكس سوى برود متعمد. تركها تفرغ ما في صدرها، ثم رد بهدوء قاتل:

"لم أطلب منك يوماً أن ترسمي لي مستقبلاً، ولا أن تضعيني في خططك.

 حياتي لي، ومساري لي، وأنا قادر أن أعتمد على نفسي دون أن أكون أسير أحلامك."


كانت كلماته أشبه بصفعة هادئة، لكنها محكمة،لم يرفع صوته، ولم يحاول الدفاع أو التبرير، بل اكتفى بتلك العبارة التي أغلقت الباب أمام كل محاولاتها للهيمنة.


سقط الصمت بعده ثقيلاً، بينما وقفت شاهندة مذهولة، عاجزة عن الرد للحظة، إذ لم تتوقع منه هذه الصلابة…

كانت تتوقع أن بمدرج كلمتين مثل الماضى ستجعل جاسم يركض خلف روان ويعيد المياه إلى مجاريها 


تراجعت شاهندة خطوة إلى الخلف، كأن كلمات جاسم دفعتها دون أن يلمسها.

لم تكن تتوقع أن ترى في عينيه هذه اللامبالاة القاسية. كانت قد اعتادت عليه أن يكون مطيعًا مثل الكلب كسائر الأمهات  أن يسير وفق الخيوط التي تحيكها حوله، لكن فجأة بدا أمامها مختلفًا… متحررًا، عصيًّا على السيطرة.


اجتاحها خليط من الغضب والخذلان. فكّرت: كيف تجرأ؟ كيف يواجهني بهذه البرودة؟ متى وصل إلى هذة المرحله من السفه وقلة اللياقه ؟

 ألم يدرك أنني أفنيت حياتي لأصنع له مكانًا؟! شعرت بالفراغ يزحف إلى قلبها، فراغ امرأة أدركت أن سلطتها التي طالما تغنّت بها بدأت تتهاوى فوق رأسها مثل ارملة اكتشفت خيانة زوجها بعد وفاته.


أما جاسم، فكان يقف ثابتًا، كمن أنهى معركة داخلية طويلة قبل أن يدخل هذه المواجهة. في داخله كان اضطراب خافت يهمس: هل أغلظت عليها القول؟ هل كان عليّ أن ألين؟ لكنه سرعان ما سحق ذلك الصوت، مؤكّدًا لنفسه أن لحظة الانفصال عن قيودها كان لابد أن تأتى 

شعر بحرية لم يعرفها من قبل، حرية مؤلمة لكنها صادقة.


بينما كانت شاهندة تكافح كي تستعيد أنفاسها، تردّد في ذهنها سؤال ملحّ: هل فقدته إلى الأبد؟ هل صار عصيًّا على العودة؟ كان جزء منها يصرخ في أعماقها أن تتمسك به، أن تعيد إحكام قبضتها عليه، لكن جزءًا آخر ـ أضعف، وأشد إنسانية ـ كان يهمس بخوف: لقد كبر… ولن يعود الطفل الذي أعرفه.


مدّت يدها نحو الكرسي القريب وجلست، وقد خارت قواها فجأة. كان الغضب يشتعل في عينيها، لكن تحت سطحه بدأت ملامح الانكسار تتسلل، رغمًا عنها.


أما جاسم، فقد التفت عنها بهدوء، كأنه أغلق الباب النفسي بينهما. كان يعلم أن هذه المواجهة ليست الأخيرة، وأن عاصفة شاهندة ستعود أقوى، لكن في تلك اللحظة شعر أنه خطا أول خطوة في طريق استقلاله.


---


وقف جاسم ببطء، مقعده يصرّ على الأرض كأن الصوت إعلان رحيله. لم ينظر إلى أمه مباشرة، كان يخشى أن يضعف، أن يرى دمعتها فتستعيد سلطتها القديمة عليه. اكتفى بأن يلتقط معطفه عن الكرسي، ويقول بنبرة حاسمة أقرب للهمس:


– أنا خارج يا أمي…


كأن الكلمات خنجرت صدر شاهندة. مدت يدها فجأة، محاولة أن توقفه، لكن أصابعها تجمدت فى الهواء ولم تلمسه. أدركت أن المسافة بينهما لم تعد تُقاس بخطوات، بل بأعوام من تراكم الخوف والصراع.


فتح الباب، وخرج بخطوات هادئة واثقة، ليترك وراءه صمتًا أثقل من الرصاص.


جلست شاهندة فى مكانها، ظهرها متكئ على الكرسي، لكن كل عصب فى جسدها كان يرتعش. 


انحنت للأمام، وضغطت على صدرها كأنها تخشى أن ينفجر قلبها. تدفقت صور السنوات فى عقلها: ليالي السهر، الحسابات الدقيقة، الخطط التى وضعتها لبنائه حجرًا فوق حجر. وها هو الآن يهدم كل شيء بكلمتين وبظهرٍ استدار عنها بلا تردد.


تمتمت بصوت واهن:

– ليه يا جاسم؟… 


لكن الغرفة لم تجب. فقط ظلت تشهد ارتجاف جسدها، وصوت أنفاسها المتقطعة، والفراغ الذى تركه رحيله.


كانت شاهندة ما تزال جالسة فى مكانها، جسدها مشدود ودموعها تتساقط ببطء، حين اهتز الهاتف الموضوع على الطاولة أمامها. نظرت إليه بآلية متعبة، كأنها لا تملك القدرة حتى على مد يدها، لكن الإصرار الخفى على معرفة الخبر جعل أصابعها تتحرك فى النهاية.


شاشة الهاتف أضاءت باسم روان.


بلمسة مرتعشة فتحت الرسالة.

كلمات قصيرة، قاطعة، بلا مقدمات:


> “دكتورة شاهندة… ابنك اختار بنت عمه عليا. واللوم مش عليه، اللوم عليكي. إنتِ اللي ورطتيني فى علاقة من البداية كانت فاشلة.”


بقيت الكلمات معلقة أمام عينيها، كأنها لا تريد أن تُمحى.

شعرت شاهندة بأن الأرض تميد من تحتها


أطبقت أصابعها على الهاتف بقوة، كأنها تريد أن تسحقه. حدقت طويلًا فى الشاشة 

أسندت رأسها إلى ظهر الكرسي، أغمضت عينيها بقوة، لكن الرسالة ظلت منقوشة داخل جفونها

بنت عمه ؟

عاينت شاهنده الرساله مره اخرى بدت لها مشفره تحاول فك شفراتها

بنت عمه مين؟

تحول الكتمان داخلها لغضب ،لموج محيط يضرب شاطئ رملى، انها عائلة زوجها اللعينه التى تفسد حياتها دومأ

لكنها لن تقف مكتوفة الايدى ،ستطربق الدنيا كلها فوق رأس الجد وكل أبنائه.


                حشمت مندور 


لم يكن بوسع حشمت مندور أن يبقى أكثر فى الوكر المهجور. جدرانه الباردة، ورائحة العفن التى تتسرب مع الليل، جعلته يشعر أن المكان صار قبرًا ينتظر إغلاقه عليه. لم يثق بالهدوء الذى خيّم بعد معركة رجال شنكل، فغادر مع أول ضوء للفجر، حقيبة صغيرة على ظهره وبندقيته ملفوفة داخل بطانية قديمة ،تاركًا مروان غيث لتتعامل معه حيونات البريه 


حين وصل إلى القاهرة، أحس بارتباك غريب. المدينة التى عرفها من قبل صاخبة ومزدحمة، بدت له اليوم أكثر ضيقًا من أى وقت مضى. الميكروباصات تتزاحم على جانب الطريق، والوجوه متعبة، عابسة، تمضغ يومها كما لو كان عبئًا. اندس بين الركاب، جلس فى الزاوية، يحاول أن يبدو واحدًا منهم.


إلى جواره جلست فتاة شابة، تحمل حقيبة ظهر بالية وكتابًا مفتوحًا. كان فى عينيها بريق مختلف، غريب عن ضجيج الشارع. بشرتها القمحية ولهجتها حين ردّت على سائق الميكروباص كشفت عن أصلها. همس لنفسه: فلسطينية.


ظل صامتًا، لكن عينيه لم تكف عن مراقبتها. هى لم تلتفت إليه فى البداية، منشغلة بسطور كتابها. لكنه، على غير عادته، شعر بالضيق من حضورها. شيئًا فى هدوئها أزعجه. كأنها تفضحه وهو يحاول أن يذوب وسط الناس.


حين مال جسده قليلًا ليفتح النافذة، اصطدم كتفه بكتفها. رفعت رأسها فجأة وقالت بنبرة صارمة:

– ممكن تاخد بالك وانت بتتحرك؟


لم يكن معتادًا أن يرفع أحدهم صوته عليه بهذه البساطة. نظر إليها بحدة، ابتسامة ساخرة على شفتَيه:

– هو أنا خبطتك برصاصة؟ دا كتف فى كتف.


تغيرت ملامحها، وضمت كتابها إلى صدرها كمن يستعد للرد:

– فى بلادنا بنقول الاحترام بيبان من التفاصيل الصغيرة. لو مش قادر تحترم المسافة، على الأقل ما تتريقش.


اشتعلت الكلمات فى صدره. لأول مرة منذ زمن طويل يجد نفسه فى جدال لا يسيطر عليه. رد بسرعة، كأنها أخرجت من داخله شيئًا دفينًا:

– احترام؟ أنا شوفت العالم كله بيتداس، احترام إيه اللى بتتكلمى عنه؟


ابتسمت بمرارة، عينيها تتقدان بثبات غريب:

– يمكن علشان شوفتوا العالم بيتداس… بقتوا شايفين إن مفيش فرق. لكن أنا، حتى فى الغربة، مش هقبل حد يقلل منى. لا بالكتف ولا بالكلمة.


ساد صمت قصير. الركاب تبادلوا النظرات، لكن لم يتدخل أحد. كان النزاع بينهما أعمق من مجرد احتكاك عابر.

حشمت أدرك أنه لأول مرة منذ سنين يجد من يواجهه بهذه الصلابة، دون خوف. لم يقل شيئًا. اكتفى بأن أدار وجهه إلى النافذة، يبتسم لنفسه ابتسامة باهتة، كأن الخلاف معها ترك داخله أثرًا لم يتوقعه. 


حين توقّف الميكروباص فى وسط البلد، نزل الركاب فى عجالة. الفتاة الفلسطينية سبقت الجميع، تسير بخطوات سريعة، حقيبتها تتأرجح على ظهرها، ورأسها مرفوعة بثقة.

أما حشمت مندور، فقد ظل يتتبعها من بعيد. لم يفكر فى الأمر بوعى، لكنه وجد نفسه منجذبًا إلى ظلها، كأن بينه وبينها خيطًا لا يريد أن ينقطع. كان يقول لنفسه: مش مهم… أول ما تختفى من عينى خلاص. بس لحد ما تختفى.


المدينة بدت أكثر قسوة فى ذلك الوقت. شوارع مزدحمة، صياح الباعة، دراجات نارية تتفادى المارة. هى تمشى بخط مستقيم وسط الزحام، كأنها تعرف طريقها جيدًا، بينما هو يراقبها بنصف ابتسامة مستنكرة: بتتصرف كأن الدنيا ملكها…


لم يكد يمضى دقائق حتى انبثق ثلاثة رجال من زقاق ضيق. وجوههم غليظة، نظراتهم مشبوهة. اعترضوا طريقها بجرأة فجة. أحدهم قال:

– إيه يا قمر، مستعجلة ليه؟ تعالى نتكلم شوية.


شدّت الفتاة حقيبتها إلى صدرها، عينيها تضيقان بالتحفّز:

– ابعدوا عنى.


ضحك الثانى بخبث ومد يده ليعترض طريقها. لم يتردد حشمت لحظة. وجد نفسه يندفع للأمام كمن يقفز داخل معركة قديمة ينتظرها. قبضته ارتطمت بوجه الرجل الأول فسقط إلى الخلف، ثم التفت بسرعة يركل الآخر فى بطنه. الثالث حاول أن يهاجمه بسكين صغيرة، لكن حشمت انتزع يده بحركة عنيفة وطرحه أرضًا، يصرخ.


الفتاة تجمّدت للحظة، مذهولة. الناس فى الشارع توقفوا يتابعون المشهد. حشمت وقف يتنفس بحدة، يرمق البلطجية الممددين على الأرض كأنهم مجرد صدى من ماضيه، ثم التفت إليها بنصف ابتسامة متعبة:

– مفروض تقولى شكراً.


لكنها لم تفعل. شدّت حقيبتها أكثر، ونظرت إليه ببرود لم يتوقعه:

– ما طلبتش منك تنقذنى.


جمدت ملامحه. استنكر بعصبية:

– يعنى إيه؟ دول كانوا هياخدوكى فى ثانية! ده أنا لو ما كنتش موجود…


قاطعت كلماته بنبرة حاسمة:

– الفضل اللى ما طلبتوش… ما بقبلوش. أنا عارفة أحمى نفسى.


ثم خطت مبتعدة، كأنها تمحو وجوده من المشهد. حشمت ظل واقفًا فى مكانه، يطالع ظهرها الذى يبتعد. شعور متناقض يملأ صدره: الغضب لأنها لم تعترف بفضله، والدهشة لأنها لم ترتجف لحظة أمامه. همس لنفسه بمرارة ساخرة:

– بنت غريبة… تشوف الموت وما تتهزش…


ومع ذلك، لم يستطع أن يمنع عينيه من ملاحقتها، حتى اختفت وسط زحام القاهرة.


لم يكن من عادة حشمت مندور أن يطيل النظر فى خطى أحد، لكن تلك الفتاة كسرت عادته بلا إذن. من لحظة أن غادرت الموقف وهو يتبعها بعينيه، ثم برجليه. لم يكن يعرف لماذا، غير أن الفضول تسلل إليه كدخان لا يراه الناس، يملأ صدره ببطء حتى صار أثقل من أن يُحتمل.


الفتاة لم تكن تسير كفتاة عادية تتسكع فى القاهرة. كانت تتحرك كأنها تعرف شوارع المدينة أكثر من أهلها، تدخل زقاقًا ثم تخرج من آخر، تلتقى برجل عجوز يبيع الجرائد، تهمس له بكلمات قصيرة لا تكاد تسمع، ثم تمضى. فى مكان آخر توقفت عند امرأة بسيطة تبيع الخضار على الرصيف، انحنت قليلًا، تبادلا حديثًا مقتضبًا، ثم انصرفت كأن شيئًا لم يكن.

كل حركة لها كانت تحيطها بهالة غامضة، وفى كل مرة يزداد فضول حشمت.


هى بتعمل إيه؟ بتبلغ مين؟ وليه كل ده فى السر؟

أسئلة تتوالى داخله دون إجابة. لكنه لم يتوقف.


حتى وصلت أخيرًا إلى بناية قديمة فى حى شعبى، صعدت درجات السلم الخشبية بخفة، واختفت خلف باب خشبى باهت اللون. وقف حشمت تحت العمارة، متردداً لحظة. جزء منه كان يقول: مالكش دعوة. وجزء آخر، أقوى وأعمق، يهمس بإصرار: لازم تعرف.


لم يهدأ له بال حتى صعد. طرق الباب مرة، لم يجبه أحد. الثانية كذلك. الثالثة لم ينتظر بعدها، أخرج أداة صغيرة من جيبه وفتح القفل بحركة سريعة، كما اعتاد فى أيامه القديمة. دفع الباب ببطء، ودخل.


الشقة ضيقة، جدرانها متآكلة، لكن آثار حياة واضحة فيها: حقيبة مفتوحة على الكرسى، بعض الأوراق المبعثرة، منشورات صغيرة تحمل شعارات لم يخطئ عيناه فى قراءتها. توقف عند كلمة واحدة ارتجّت فى صدره: المقاومة.


ابتسم نصف ابتسامة وهو يزفر دخان سيجارته الأولى فى المكان. جلس على المقعد المهترئ، وضع بندقيته على فخذيه كمن يستعد لمعركة قديمة، ثم أرخى جسده للخلف.

كان يعرف الآن.

الفتاة ليست مجرد متسكعة فى شوارع القاهرة، بل عنصر فى المقاومة الفلسطينية.


أغمض عينيه فى ثقة، كأن كل هذا الفضول وجد جوابه.

دقائق قليلة، وانسحب فى نوم ثقيل وسط دخان سيجارته المتصاعد، منتظرًا عودتها.


وحين دارت مفاتيح الباب فى المساء، ووقفت هى مذهولة على عتبة شقتها، كان هو ما زال جالسًا هناك، كأنه صاحب البيت، يتنفس ببطء، بندقيته على ركبتيه، وسيجارته نصف مشتعلة بجانبه.


ادخلى من غير ما تعملى صوت وإلا هفرغ البندقيه فى صدرك

ترك ابتسامته الساخره تسبقه وهى تجلس على المقعد بلا خوف

رمقتة الفتاه بغضب ،انت ايه حكايتك يا جدع انت؟

هو انت مجرم؟

اطلق حشمت مندور ضحكه ، اكتشف انه مفضوح دون أن يتحدث

ما أنتى بتعرفى تتكلمى زينا اهو ،كان ايه لازمته البرطمة الفارغه ؟


انا مش خايفه منك، عندنا الموت موجود فى كل لحظه وانا مش هكون استثناء __


ابتسم حشمت مندور ،وايه إلى خلاكى تعتقدى انى هقتلك ؟

صرخت الفتاه بغضب امال واحد زيك هيكون عايز ايه ؟


نهض حشمت مندور ،سحب نفس من سيجارته ،بدا يفكر أكثر من الأزم، ثم انحنى تجاه الفتاه ووضع عينه فى عينها

تعجبه لماضتها وتمردها ،انا عايز.... 


                        ندى 


---


كانت ندى جالسة فى غرفتها، منكبة على كتبها كما اعتادت، تحاول أن تغرق نفسها فى تفاصيل الدروس، تلاحق السطور بعينيها كأنها تحارب النسيان. كل كلمة كانت أشبه بخيط يربط عقلها بواقعها، وكل مسألة تحلها كانت محاولة لإثبات أن لها مكانًا فى هذا البيت غير مجرد عبء أو ظل.


لم تكن تشعر بشيء حولها، حتى جاءها الصوت.

صرخة حادة، ممزقة، اخترقت جدران الطابق الأرضي وصعدت كالسوط:

شاهندة.


توقفت يدها عن الكتابة، وارتجف قلبها مع الكلمات التى تبعت الصرخة: اتهامات مريرة، كلمات مُحمّلة بالسم، تتهم الجد بمحاولة سرقة ابنه منها، تدّعى أن ندى ليست سوى "ألعوبانة" تلعب بعقل جاسم وتخطفه منها.


الدم صعد إلى وجهها، وحرقة غيظ تفجرت فى صدرها. جلست للحظة مشدوهة، ثم نهضت بعزم لم تستطع كبحه. خطواتها على الدرج كانت سريعة، غاضبة، كأنها نزلت تحمل كل القهر الذى ظلّ مكتومًا فى صدرها منذ أعوام.


حين دخلت الصالة، كان المشهد مشتعلًا:

شاهندة فى مواجهة جدها، صراخها يعلو، اتهاماتها تتوالى بلا توقف. الجد صامت، ملامحه متماسكة لكنها متصلبة، عينيه ضيقتين، وندى تشعر أن كل كلمة تصيبها مباشرة.


لم تحتمل.

صوتها خرج متوترًا، مرتجفًا لكن حادًا:

— كفاية يا خالتي، أنا مش ألعوبانة ولا باخد حاجة مش ليا…


لكن كلماتها لم تهدئ شيئًا. بل زادت النار اشتعالًا. شاهندة وجهت غضبها مباشرة لها، كالسكين. ندى حاولت الدفاع عن نفسها، حاولت أن تقول إنها لم تقصد يومًا أن تسرق شيئًا من أحد، لكن كل جملة كانت تضيع وسط العاصفة.


فى وسط هذا الصخب، الجد رفع صوته للمرة الأولى:

— اسكتي يا ندى!


تجمدت، لكنها لم تسكت.

الحزن تحول لقهر، والقهر لانفجار صغير فى صدرها، جعلها تعاند صوته وتستكمل دفاعها.


وهناك فقط، فقد الجد صبره.

يده ارتفعت، وصفعة واحدة سقطت كالرعد على وجهها. اللحظة انقسمت نصفين: قبل الضربة وبعدها. كل شيء سكن، حتى شاهندة صمتت، مذهولة للحظة من المشهد.


ندى وضعت يدها على خدها، عينيها تتسعان بالصدمة. لم يكن الألم فى وجهها فقط، بل فى قلبها. إحساس قاهر، خليط من الذل والغيظ والخذلان، جعلها عاجزة عن الكلام.


فى تلك اللحظة، كانت تعرف أنها لم تُترك لتخوض معركة عادلة. كانت وحيدة، حتى الجد الذى حسبت أنه حاميها اختار أن يسكتها بالقوة.


شعرت انها تختنق، انفاسها تهرب منها ،خرجت تجاه الحقول تتخلص من غضبها وثورتها دموعها منهمره بلا توقف

خطت داخل الحقول تركض هاربه من كل شيء حتى نفسها

لم تعرف إلى أين وصلت ولا اين هى حتى سمعت صوت أمر

اثبتى مكانك واياكى تنطقى كلمه واحده؟

كانت هناك سكينه مغروسه فى جانبها  الأيمن ومسدس فى يد شخص آخر يلوح به كلعبه

امشى يا بت من سكات، مشت ندى تحت تهديد السلاح حتى وصلت الطريق الترابى هناك كانت سياره تنتظرها دفعت داخلها بقوه وانطلقت السياره بعيد عن القريه.

يتبع...

رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل التاسع عشر 19 من هنا

رواية أعلنت الحرب على قلبي كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات