📁

رواية يحيى وليلة الفصل الأول 1 بقلم نورهان علام

رواية يحيى وليلة عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام

رواية يحيى وليلة الفصل الأول 1

"وانتِ يا ليلة، ناوية تعملي إيه بعد ما رجعتي من السفر؟"

كان سؤال خالتي، وقبل ما أرد سبقتني ماما ربنا يحفظها وقالت:


"تعمل اللي يريحها، تقعد في بيت أبوها وتستريح من الغربة، مش وقته الكلام دا يا هبة."


"هو أنا أقصد حاجة؟ أنا بس خايفة عليها. ليلة زيها دي أي واحدة من بناتي، أخاف العمر يجري بيها وهي وحدانية كده، لا رجل ولا أخ ولا أب."


"معها ربنا، وأمها في ظهرها جبل تسند عليه. الدور والباقي على اللي معاهم رجالة بيصرفوا عليهم!"


ماما تضرب ولا تُبالي، ابتسمت أنا ومهرة، وبعدين قمت نحضر العشا.


"أخبارك إيه انتِ وعلي؟"


سألت مهرة، اللي ابتسمت وهي بتبصلي وبتقول:


"ربنا يرزقك زي ما رزقني يا ليلة. علي الحمد لله كويس معايا ومع سيليا."


"ربنا يبارك لك فيه. والله وحشني، وكلكم وحشتوني، كل حاجة سبتها."


"كل حاجة كل حاجة؟"


قالتها وهي بتعمد، وبعد كده ضحكنا. هم يضحك وهم يبكي.


———————————————————————-


"المكان دا فاضي يا أخويا؟"


رفعت عيني من على الملزمة، لقيته شاب شكله كويس كده. بصيت حواليّا لقيت المكان زحمة، فقولت له:


"فاضي..."


سحب كرسي وقاعد، وفتح شنطته، خرج لاب وروتر نت هوائي، وقال:


"باسورد النت عشان لو محتاجة في المذاكرة..."


ابتسمت، وعملت اسكان للكود، وكل واحد انشغل في اللي بيعمله. وجي الجارسون أخذ طلباتنا، وقبل ما يمشي وقفه شاب وقال:


"محمد... شوفلي مكان فاضي بسرعة واعمل لي قهوة."


بصله الجارسون، وبان إنهم يعرفوا بعض، وقال:


"الدنيا زحمة وفي ضغط جامد، أفتحلك باب السطح تقعد فوق؟"


"الدنيا تلج فوق، والنت مش هيلقط أصلا!"


قبل ما أتكلم، الشاب اللي قاعد معايا قال:


"تعالى يا صاحبي اقعد هنا، المكان فاضي."


"متشكر جدًا."


قالها، وقاعد معانا، وشوية ومشروبه جي، وبعدين سألنا:


"حد معاه شاحن أو وصلة آيفون وباور بنك؟"


بصينا لبعض أنا والشاب التاني، وهزيت راسي بلا، وكذلك الشاب، لكني قولت:


"أنا معايا وصلة آيفون."


"وممكن تشحن من الباب عندي، هيبقى بطيء لكنه هينفع."


ابتسم لما وقاعد جنبه، وبدأ يشحن فعلًا، وبعدين فتح موبايل وجاله مكالمة:


"إيه يا حبيبتي؟

حاضر، ابعتي كل طلباتكم على الواتساب وهجيبهم.

إنتِ قدامك قد إيه؟

تمام، لما تخلص قعدتك معاهم اتصلي بيا وهاجي آخدك."


كان صوته مسموع لينا. دقايق وقفل المكالمة، ورجع يبص في الآيباد بتاعه، غالبًا كان بيرسم ديجيتال. فجأة النور قطع من المكان!


"يا صلاة الزين!"


قالها الشاب اللي كان شغال على اللاب، وقفله وهو بيزعق لأنه كان موصله بالكهربا وفصل!


"متقلقش، المكان هنا في مولّد كهربا... دقايق وهيشتغل."


عدّى عشر دقايق، وطلع المدير بيعتذر:


"بعتذر للكل، المولّد فيه عطل، والكهربا هتفضل قاطعة شوية. اللي هيدفع كاش يتفضل، ولو هيدفع فيزا أو تحويل للأسف هيستنى شوية."


ريّحت راسي على الملزمة بزهق. لازم أعدّي المادة دي. سكتنا وإحنا الترابيزة الوحيدة اللي مفيهاش نور، لأن موبايلاتنا فاصلة أو هتفصل.


"الحمد لله، لعله خير يا جماعة. فرصة عشان ترتاحوا وتفصلوا شوية... بالمناسبة أنا علي."


تنهدت، ورفعت راسي من على الملزمة، وقولت:


"وأنا يحيى."


ثواني، والشاب التالت اللي كان فاتح اللاب قال بزهق:


"أنا صالح..."


سكتنا من تاني، فقولت أنا المرة دي:


"إيه سبب نزلكم في الوقت دا والتلج دا؟ أنا ضارب خناقة من البيت وخربان من دوشتهم عشان إذاكر للمادة اللي بشيلها من ساعة ما دخلت الكلية؟"


ضحكوا بخفة، وبعدين علي قال:


"أنا ساكن جنب الكافيه، ودايمًا بقعد هنا. وجيت عشان نسيت مفتاحي، ومراتي عند أهلها."


"ربنا يبارك... وأنت يا صالح، نازل ليه؟"


"مطرود من البيت."


قالها ببساطة، فضحكت وبقوله:


"بتحصل يا صاحبي، عندك أنا مثلًا أبويا بيطردني في اليوم خمس مرات، والحياة ماشية."


رجعنا سكتنا تاني، وكنت متوقع إن علي مثلًا هيبدأ الكلام، لكن صالح قال:


"هو الجواز حلو؟ يعني حلو وواو زي السوشيال ميديا؟ ولا كله خناقات وقرف زي علاقات أهلينا؟"


كان سؤاله لعلي، لأنه المتجوز اللي فينا.


"حلو ووحش دا أنت اللي بتحدده إنت وشريكك. مش هقولك الحب هو اللي بيخلي الجواز حلو، عشان جوازات كتير مبنية على حب وفشلت من أول شهور. بس عشان يبقى بيت ناجح وجواز مريح لازم يكون فيه خمس أعمدة أساسية:


الأول هو إنك تتقي ربنا، وتعمل كل واجباتك على أكمل وجه، لأن دا مش فضل منك، وهي كذلك.


العمود الثاني، تختار شخص شبهك! نفس دينك، ويفضل يكون أعلى منك عشان يرفعك في الخير، ويكون نفس مستواك الاجتماعي ونفس حالتك المادية.


العمود الثالث، الاتنين يكونوا فاهمين يعني إيه قوامة، ويعني إيه طاعة زوج. لا هو يقصر في واجباته ولا هي تضيع حقوقه. كل واحد يعرف دوره ويشتغل عليه.


العمود الرابع بقى، وهو إنك تفهم نفسيتها كواحدة ست، وهي تفهم نفسيتك كراجل. متعملهاش كأنها زيك! اللي ميزعلكش ممكن يزعلها، وكذلك هي. اللي إنت مش شايفاه هو بيشوفه. فلازم يكون فيه فهم إنكم نفسًا مختلفين عن بعض، فلازم تفهموا الاختلاف وتوطنوا نفسكم على احتواء بعض.


وأخيرًا، العمود الخامس هو المودة والرحمة. يبقى فيه بينكم رصيد ود ومحبة من العشرة، ولما حد فيكم يغلط في حق التاني ميكنش جلاد عليه ويقف له بالمرصاد، بل تكونوا رحماء ببعض وحنينين على بعض. ويبقى فيه مهارة من التغافل بينكم. في مشاكل صغيرة لازم طرف يتغافل عنها عشان العلاقة تمشي. وصدقوني، الحب بيكون أحلى وهي مراتك وجنبك. ولو اتجوزت واحدة إنت مش بتحبها وكان بينكم الخمس حاجات دول، فأنت هتقع في غرامها."


النور جي بعد ما خلص كلامه، وأنا كنت مركز في كلامه ومبتسم، وصالح كان باصص له بتشكيك وقال:


"حاسس إني مفهمتش حاجة، بس اللي استنتجته إن اللي بتتكلم عليهم دول اتنين مش موجودين معانا على الكوكب. تلاقي فين واحدة بتسمع الكلام وتطيع جوزها؟"


"العيب مش في البنات بس. في رجالة أقل ما يقال عليهم إنهم نطع، بيبقى همه على نص المرتب اللي مراته هتحطه في مصروف البيت!! قبل ما تفكر في الجواز، شوف أصلًا بقية منظومة المجتمع. أما المجتمع يكون فيه فاسدة، متتوقعش إنك تلاقي جوازات ناجحة، إلا من رحم الله. دايمًا فيه فئة موجودة بتخلي فيه أمل."


"أديك قولت، الفئة دي قليلة. كل البنات راكبة دماغها."


"خليك إنت من الفئة القليلة... اعمل اللي عليك وربنا هيرزقك بشخص زيك."


كنت شايف في حدة في الحوار، مش من علي، صالح هو اللي منفعل. عشان كده قولت:


"خلاص يا شباب، مش رايحين نتجوز ولا العرايس على بيتنا طوابير. بس قولي يا أبو علي، إنت كنت قاعد بترسم إيه؟ شكلك جرافيك ديزاينر."


ابتسم وهو بيفتح الآيباد وبيقول:


"لا، أنا شغال محاسب عادي. بس احتفال بسيليا بنتي عشان حفظت جزء عمَّ، فكنت برسم كرتونات هي بتحبها وحاجات تحمسها على الحفظ تاني وكده."


ابتسمت وأنا بشوف الحاجات اللي راسمها أنا وصالح، وقولت:


"اللهم بارك، جامدين أوي! متأكد إنك مش بتشتغل؟؟ إنت فنان ومستواك احترافي كمان."


"إيه الجمدان دا يا أبو علي! دا إنت اعمل شغل جامد، التاسك الواحد ممكن يعمله من 50 لـ500 دولار بمستواك دا."


كنا منبهرين، فهو قال:


"بتتكلموا جد؟ أنا أصلًا مش متعلم جرافيك ولا ديجيتال آرت. الفكرة إني بحب الرسم من زمان، بس مليش في الورقة والقلم. ولصدفة حد جابلي الآيباد دا هدية من أربع سنين، وكان وقت فراغي بقعد أرسم، واتعلمت حاجات كتير لوحدي من غير كورسات. وفعلا في حد قال إني ممكن أشتغل، بس محتاج أطور نفسي كتير. والسنتين اللي فاتوا كانت المسؤولية بتزيد، مش ملاحق، فكبرت دماغي. كنت بس بستمر في الرسم."


"يا ابني إنت فنان بجد. صدقني، أنا شغال ديجيتال ماركتينج بقالي خمس سنين، وبشوف شغل مصممين أشكال وألوان، في ناس أقل منك وبتنجح وبتشتغل."


كلام صالح خلّى علي يبتسم، وحسيت إنهم في ثواني نسوا الشد اللي كان بينهم، فقولت بتشجيع:


"اسمع مني، شغلانة حلوة وعلى كيفك. اشتغلها مع شغلتك في البنك. عندك أنا مثلًا بسمع أرقام خزعبلاية من مصممين عشان يصمموا شغل البراند بتاعي. هو لسه مبدأتش، بس أوبشن إني مجهز ميزانية للمصاريف ومحتاج ميزانية تانية للمصمم نفسه!"


———————————————————————-


"حبيبة قلب خالتو يا ناس!"


كنت شايلة سيليا بنت أختي وبنلف أنا وهي وبنرقص على الهيصة اللي عملناها بعد الأكل، وبعد ما تعبنا قعدنا نرتاح ونضحك لغاية ما...


"يحيى... يحيى..."


كان صوت حد بينده من الشارع. غمضت عيني بضيق على اسمه اللي بيتكرر من ساعة ما خرجت من المطار!

مين يحيى دا كمان اللي بينادوا عليه!

أخذت يد مهرة أختي ودخلنا البلكونة، وقلت بصوت واطي:


"هو في حد ساكن هنا اسمه يحيى؟"


مهرة أختي رفعت حاجبها وهي بتقول:


"أه! هو اللي على راسه بطحة بيحس عليها!

دا ابن واحد جار ماما، اسمه يحيى، عيل عنده سبع سنين!"


"أوف، هو أنا اتكلمت! أنا بس اتعصبت، من لحظة ما خرجت من المطار واسمه حواليّا."


"صدفة يا حبيبتي، صدفة."


"أبو الصدف يا ستي، أنا أصلًا مقفولة من أول اليوم."


"طب يلا يا أختي، خلينا نقعد معاهم عشان ميزعلوش."


مرّت ساعة، والكل انسحب من الشقة، وكنت قاعدة أنا وماما ومهرة، وسيليا بتلعب في الأرض.


"ماما، اعملي حسابك، علي هييجي ياخدنا إحنا الاتنين عشان هنسهر هناك في الشقة."


"يا بني، جوزك بينزل شغله بدري... خليه يرتاح."


"جوزي أصلًا مسافر بكرة مع مامته، فتعالوا اقعدوا معايا عشان سيليا هتخليني أشد في شعري."


"معلش يا ماما، أنا مش مرتاحة أقعد هنا أصلًا، ممكن نروح؟"


بعد إلحاح، ماما وافقت. مكنتش عارفة أتحرك في الشقة من ساعة ما دخلت الصبح، حتى مفتحتش الشنط. ولا دخلت أوضتي، والأكيد إني مدخلتش أوضة بابا أو مكتبه. اتكسرت كتير أوي من بعدك يا بابا.


———————————————————————-


" مشروع إيه؟

قول محتاج إيه يمكن أقدر أساعدك. "


قالها علي وصالح باصص ليا باهتمام، فقولت:


" مشروع بلانرز ومخططات… حاجات تساعد الناس والطلبة والأمهات على تنظيم وقتهم وكده. محتاجة حد يمشي معايا خطوة بخطوة في تنفيذ التصميمات اللي في خيالي… "


قبل ما أخلص كلامي النور قطع تاني، فضحكنا تاني، فقام علي وهو بيقول:


" الحساب عليّا. وبما إن مراتي مش جاية برقبتي، فتعالوا نطلع على سطوح بيتنا، أعزمكم على كوبيتين شاي بالنعناع ونشوف حوار المشروع ده. "


" اشطا، وتفهمني يعني إيه بلانرز عشان أنا مش فاهم، ولو أعرف أساعدك في التسويق نشوف هتشتغل إزاي. "


———————————————————————


" يا بنتي استني، علي هييجي يجيبنا. "


" إحنا لسه قدامنا ساعة، وحرام عليكِ، الواد رايح جاي وعربيته في الصيانة. كده كده عربيتي تحت البيت، وبيتك خمس دقايق من عندنا. حضّري سيليا بس. "


قولتها وخلصت ترويق البيت لماما أنا ومهرة، ونزلت الشنط بتاعتي، وقعدت مستنياهم في العربية. بضبط النقاب في المرايا وعيوني دمعت، والذكريات اتجمعت. اتنهدت وأنا بمسح دموعي ونزلت فتحت الباب تمامًا، وتوحدت سيليا عشان نامت على يد مهرة. واتحركنا على بيت مهرة وعلي. وصلت هناك وكانت عربية علي موجودة. نزلت بالشنط وطلعت واحدة واحدة قاصدة الباب، مهرة شايلة سيليا وطالعة هي وماما.


" شوفتي علي! قولت له المفتاح تحت المشاية، مافيش فايدة. "


" مقبولة منك يا سِتّي. "


كان صوت علي بعد صوت مهرة على طول وهو يرد عليها، ونزل من على السطح.


أحمد المفتاح وفتح، ودخلت مهرة وماما، وأنا ماسكة الشنط بدخلها، لقيته بص لفوق وقال:


" انزلوا يا شباب، السكة فاضية… ليلة، ادخلي وأنا هدخل الشنط جوه. "


كنت لسه هرد عليه وهدخل، لقيت نفسي اتشليت عن الحركة والنطق، وأنا بشوفه نازل من على سلم السطح!

نفس الملامح، نفس الابتسامة اللي مش بتفارقُه، نفس الشعر… يمكن جسمه بقى ضخم أكتر، بقى شكله شاب كبير مش زي زمان!


كان صوت علي واصل بإخفوت وأنا متنحة مش عارفة أستوعب!

معقول بعد السنين دي كلها أشوفك يا يحيى؟


نزل من قصادي هو وعلي ومعاهم شاب تالت، وأنا لسه واقفة مكاني. دقيقة ومهرة خرجت، خدتني وهي بتنزل ليا النقاب وبتقولي:


" فيكِ إيه يا بنتي؟ جسمك متلّج! "


" مهرة! يحيى… أنا شوفت يحيى. "

يتبع...

رواية يحيى وليلة الفصل الثاني 2 من هنا

رواية يحيى وليلة كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات