رواية هواجس معتمة عبر روايات الخلاصة بقلم ٱيات عاطف
رواية هواجس معتمة الفصل الأول 1
كنت قاعدة قصادها، رجلي بتتهز بعصبية
كأني مش قادرة أتحكم في جسمي.
طلعت علبة السجاير من الشنطة،
وايدي بتترعش وأنا بسحب منها سجارة.
ولعتها بسرعة، مش عارفة دي السجارة الكام من ساعة ما قعدنا.
حطيتها في بوقي ونفخت أول نفس،
كأن الدخان ممكن يغطي الرعب اللي بيغلي جوايا.
مريم كانت قاعدة قصادي، عينيها سابتني شوية وهي بتراقب حركتي…
وبعدين فجأة صوتها جه حاد وحزين في نفس الوقت:
-ممكن كفاية بقى يا سلمى، كفاية سجاير.
عايزاكي تهدي، عشان نعرف نفكر هنعمل إيه.
أنا ما استحملتش، بصيت ليها بعيون كلها دموع،
وقلت بصوت متقطع:
_أنا اللي قتلته مش كده يا مريم؟
اتسمرت ثواني، كأنها اتفاجئت بالسؤال،
بس بسرعة لملمت نفسها وردت وهي بتحاول تهديني:
-سلمى، لا إنتِ ما عملتيش حاجة.
وبعدين إنتِ حتى مش فاكرة إيه اللي حصل!
اتنفست بصعوبة، ودموعي نزلت غصب عني:
_بس أنا كنت معاه وقتها، أنا آخر حد شافه!
صوتي اتكسر أكتر وأنا بكمل بانهيار:
_بجد يا مريم، أنا مش فاكرة أي حاجة. مش عارفة إيه اللي حصل!
كل اللي فاكراه إني كنت معاه، وبعد كده الدنيا ضلمت في دماغي.
مريم مدّت إيدها ومسكت إيدي المرتعشة، صوتها كان هادي جدًا بشكل يخليني مش عارفة أصدقها ولا لأ:
-سلمى إهدي. إنتِ ما عملتيش حاجة.
كل حاجة هتبقى تمام، وأنا مش هسيبك.
وبعدين محدش هيقدر يلمسك.
إحنا هنثبت إنك كنتِ بتروحي لثيرابيست.
بصتلها بجمود، وقلبي بيوجعني:
_أنا مش مجنونة يا مريم!
وشها اتغير للحظة، وبعدين بسرعة حاولت تدارك الموقف.
بصتلي بعينيها اللي مليانة حنية وقالت:
-عارفة يا حبيبتي والله عارفة. أنا آسفة، مقصدش أي حاجة تجرحك.
بس دماغي مش عارفة تركز دلوقتي.
وبصوت أوطى، كأنه وعد:
-هنلاقي حل صدقيني، أنا معاكِ.
---
"في مكان تاني"
كنت واقف وسط الشقة، ريحة الدم لسه معلّقة في الهوا،
الجو كله تقيل كأنه بيضغط على قلبي.
الجثة قدامي، والهدوء الغريب حوالين المكان بيخليني أحس إن الجدران نفسها شاهدة على اللي حصل.
سليم، صاحبي وزميلي في القسم، كان واقف جنبي،
بيطالع بعينيه المكان بعناية.
قبل ما نبتدي الفحص الدقيق، قررت نسأل البواب.
وقف قدامنا وهو مرتبك، بيشد طرف جلابيته بعصبية.
سألته بنبرة حازمة:
-إنت يا حاج ما لمحتش أي حركة غريبة؟
أي حد طالع أو نازل وقت الجريمة؟
هز راسه بسرعة، وصوته كان مليان توتر:
لا يا بيه، والله ما شوفت حاجة. أنا طول الوقت قاعد عالبوابة،
واللي دخلوا العمارة النهارده كلهم معروفين، ساكنين قدام عيني.
بعدين ابتلع ريقه وقال بخوف:
-يعني ما سمعتش حتى دوشة ولا حاجة.
بصيتله بفحص:
طيب، لو افتكرت أي تفصيلة صغيرة،
حتى لو شايفها تافهة تبلغنا فورًا.
سليم قرب مني وهمس:
واضح إنه مش هيضيف جديد،
نرجع للمكان ونشوف إحنا.
رجعنا الأوضة. الجثة ملقاة على الأرض، الطعن واضح في البطن.
انحنيت جنبها، قلبي بيركز أكتر من عقلي:
الطعنة دي مباشرة القاتل كان قريب جدًا من الضحية.
سكت لحظة وبصيت حواليا:
مفيش أي سلاح جريمة مفيش سكينة، مفيش أداة حادة.
واضح إنه اتسحب من المكان فورًا بعد ما خلّص.
سليم عض شفايفه وقال وهو بيبص حوالين المكتب:
-باين إن كان فيه شجار قبل ما يموت…
شوف الفازة اللي اتكسرت عالأرض. أكيد حاول يقاوم أو يصد الهجوم.
قمت واقف، خطوتين لقدام وبدأت أتمشى في الأوضة
زي العادة لما بحاول أفكر.
القاتل كان متعمد جدًا، مش سايب أي أثر. لا بصمات واضحة، ولا سلاح.
بعدين رفعت عيني لسليم:
-عارف ده معناه إيه؟
سليم ابتسم ابتسامة باهتة:
-إننا مش بنتعامل مع جريمة عادية.
هزيت راسي:
-بالظبط. اللي عمل كده مش هاوي، دي خطة مدروسة.
والموضوع مش مجرد خلاف بسيط…
الطعنة في البطن معناها مواجهة قريبة، فيها غضب.
وقفت ثواني أتأمل المكان، وبصوت واطي قلت كأني بكلم نفسي:
"السؤال دلوقتي القاتل كان عايز يسيبنا من غير أي خيط.
بس اللي ما يعرفوش… إن التفاصيل الصغيرة دايمًا بتفضحه".
---
كنت لسه ما فقدتش الأمل. الجريمة دي ما ينفعش تبقى متقنة للدرجة دي من غير ما يكون في غلطة صغيرة.
عينيا كانت بتتنقل بين المكتب والكتب المرصوصه على الرفوف.
سليم قال بنبرة زهقانة:
-ياسين، مفيش فايدة مفيش أي حاجة واضحة.
ما رديتش عليه. جوايا يقين إن القاتل مهما كان حريص لازم يسيب أثر.
قربت من المكتب، وبدأت أفتش الأدراج واحد ورا التاني.
أوراق متكومة… فواتير… أقلام… مفيش جديد.
لكن في درج تحتاني كان بيفتح بصعوبة،
كأنه متخبي بقاله فترة طويلة.
شديت، لحد ما اتفتح، وظهر قدامي دفتر أسود صغير.
مسكته، وإحساس غريب جري في جسمي.
الغلاف مهترئ شوية، ومليان خدوش،
كأن عمر كان ماسكه في كل لحظة خوف.
فتحت الصفحة الأولى، وعيني اتسمرت على أول جملة:
"لو جيتوا تدوروا بعدي اعرفوا إن اللي بيهددني مش بعيد عني…"
سليم قرب مني وقال بلهفة:
-يعني إيه مين اللي بيهدده؟
قلبت الصفحة، لقيت سطور مقطوعة جمل مش مكتملة:
"الليلة سمعت خطوات، مش عارف كان حلم ولا حقيقة."
"في وشوش كتير حواليا، بس في وش واحد بيطاردني."
"عايزكو تعرفوها اني بحبها اوي".
قريت بصوت واطي كأني بكلم نفسي:
"اني بحبها".
مين دي؟
سليم اتنهد وقال بهدؤ:
-الكلام غامض أوي، مفيش اسم، مفيش أي دليل ملموس.
قلبت لصفحة تانية، لقيت سطور فيها تواريخ مبعثرة…
12/4 … 27/4 … 30/5 …
وبين التواريخ كلمة مكتوبة بخط تقيل:
"النهاية قربت."
قفلت الدفتر بإيد ثابتة، رغم إن قلبي كان بيدق بسرعة.
بصيت لسليم وعيني بتلمع:
-غامض آه. لكن الغموض ده مش صدفة.
عمر كان عارف إن في حد بيهدده وقرر يسيب لنا رسائل مبهمة.
يمكن ما كانش واثق في حد…
يمكن كان عارف إن القاتل قريب لدرجة إن
أي كلمة واضحة هتتسبب في موته أسرع.
اتكلمت بحزم وأنا حاطط الدفتر في شنطتي:
-الغموض اللي عمر سابه، هو بالظبط اللي هيوصلنا للقاتل.
---
"سلمي"
كنت قاعدة على سريري، ضهري ملزوق في الحيطة
كأني بدور على أمان مش لاقياه.
مريم قصادي، وشها مليان قلق، بتحاول تبين إنها
مسيطرة بس أنا عارفة إن قلبها مرعوب زيي.
ملك صاحبتنا وصلت من شوية، مريم هي اللي كلمتها تجي، وقالتلي:
"يمكن وجودها يخفف عنك."
بس وجود ملك ما غيرش حاجة…
العكس، حسيت إن خوفهم الاتنين بيضاعف خوفي.
ملك كانت قاعدة جنبي، ماسكة إيدي وبتحاول تهديني:
-يا سلمى، إهدي كل اللي حصل ده مش نهاية الدنيا.
يمكن يكون في لبس، يمكن أي حاجة، المهم ما تسيبيش نفسك للذنب.
أنا مش قادرة أرد، كل كلمة بتتقال بتخبط في وداني من غير ما تدخل قلبي.
كلامي لنفسي كان أوضح:
أنا كنت معاه، كنت آخر حد شافه، يعني مش يمكن فعلًا أكون السبب؟
وفجأة، سمعنا خبط شديد على الباب.
اتجمدنا إحنا التلاتة، نظراتنا اتقابلت، قلبي كان هيخرج من مكانه.
مريم قامت بسرعة وبصوت واطي قالت:
أكيد ده خالك يمكن جاي يطمن.
بس الخبط زاد، وأصوات رجول تقيلة اتحركت في الصالة.
سمعت صوت خالي محمد وهو بيقول:
-مين؟
وراجل خشن رد:
-شرطة يا أستاذ، مش ده بيت الآنسة سلمى محمود؟
حسيت الدم بيتسحب من جسمي كله.
مريم وملك بصولي بنفس اللحظة، رعبهم انعكس على وشي.
قمت واقفة بالعافية، رجلي بتهتز من غير سيطرة.
صوت خالي ارتبك:
خير يا حضرات في إيه؟
رد الظابط بحزم:
-معلش يا أستاذ، ناديها لو سمحت.
سمعت خطوات خالي وهو جاي ناحيتي، صوته كان متكسر:
-سلمى يا بنتي، هم عايزينك.
طلعت من الأوضة زي اللي ماشي على حبل رفيع فوق هاوية.
عينيا وقعت على اتنين ضباط واقفين في الصالة،
واحد فيهم ماسك ورق رسمي في إيده.
قال بصوت واضح، كلماته اتغرزت في وداني زي سكاكين:
-الآنسة سلمى محمود،
حضرتك مطلوب القبض عليكِ بتهمة قتل عمر المهدي.
الكلمة دي بالذات "قتل" حسيت إنها بتخنقني.
إيديا بردت، وركبي ما بقوش قادرين يشيلوني.
مريم قامت بسرعة وقالت:
-استنوا إزاي يعني؟
في غلط، سلمى ما عملتش حاجة!
ملك مسكت إيدي أكتر، وشها كله دموع:
-سلمى قولي حاجة!
أنا ما كنتش قادرة أتكلم. لساني اتشل.
ببص على خالي، لقيته مش عارف ياخد نفسه، عينيه واسعة ومرعوبة.
وأنا كان كل اللي بيدور في دماغي جملة واحدة:
"هو ده الكابوس اللي عمري ما كنت متخيلة أعيشه."
---
يتبع..