رواية أيوب ورِتال عبر روايات الخلاصة بقلم ملك عبد اﷲ أحمد
رواية أيوب ورِتال الفصل الثالث 3
تنويه قصير قبل القراءة
هذا مشهد روائي تخيّلي، يستند إلى معلومات فقهية متداولة على قدر معرفة الشخصيات، ولا يُقصد به إصدار حكم شرعي أو فتوى.
كلّ الموجودين اتصدموا، ونظراتهم اتصوّبت ناحيتي إلا أنا؛ ما كانش باين عليَّ الصدمة قدّ ما كنت مستغربة كلامها ليه تكذب بالشكل ده؟ ده معناه إنها متعرفش الحقيقة، وكمان أيوب ما يعرفش إنها هنا، وأكيد هو مش ساذج للدرجة دي.
ردّيت بهدوء، بس سؤالي كان محتاج استجواب:
_ أيوب فين يا طنط؟!
التوتر بان عليها، لاحظته بشكل يوحي إن في حاجة مخبّياها استنيت جوابها، لكن صمتها طال، وصدمة اللي حواليا لسه في عيونهم.
_هو… هو في البيت آه، هو قالي أقولك كده، وبعدها يومين ويرجعك، يخلّص شوية حاجات في شغله.
جِتلك عشان أطيب خاطرك وأعرّفك إن أيوب بيحبك، والله.
الكذب في نظراتها قبل كلامها جوايا زاد فضولي أعرف فين أيوب ليه بتكذب؟ ليه!
_تمام.
_ تمام إيه يا رِتال؟! إنتِ هبلة؟ إنتِ موافقة ترجعي له كده من تاني؟ ده حتى ما حاولش يجي يصالحك، وباعته مامته ده يردّك من غير ما توافقي وتعرفي، ويقولك خليكي هنا يومين لحد ما يخلص شغله هو الشغل أهم منك دلوقتي؟!
كان كلام ريهام زي صفعة، وأنا مش فاهمة أنا قلت "تمام" على إيه كل اللي عايزة أعرفه ليه بتكذب، والأهم فين أيوب خصوصًا بعد نظرات أمه اللي زادت توترًا وهي بتحاول تخترع كلام تجمّل بيه الموقف.
_حبيبتي دي حاجة خاصة بينهم، يرجعوا أو يسيبوا بعض وبعدين أيوب لو فاضي كان هييجي، بس طلب مني أروح عشان رِتال تعرف يعني.
الكل مشي، واتبقينا أنا وريهام كنت غرقانة في بحر من التوهان إيه اللي بيحصل؟ وليه ده كله؟ كنت فاكرة نفسي لوحدي في المعركة، طلع غيري فيها.
_إنتِ يا نيلة إيه اللي بسمعه ده؟ ده عبط وهبل! يعني إيه يرجعك كده وكمان المهندس مشغول ومش فاضي ييجي ياخدك للدرجة دي بايع؟ مستحيل توافقي على ده.
ده عبث والله وبعدين إزاي مش فاهمة ردّك؟ يعني إنتِ كذبتي عليّا؟!
_ إحنا مطلقين فعلًا يا ريهام.
_إيه؟! إنتِ عايشة فين؟ قوليلي عشان أعيش معاكي ما سمعتيش أمه قالت إيه؟ ده رجّعك يا حبيبتي، استوعبي يا ماما.
_استوعبي إنتِ وافهمي، أيوب ما رجعنيش، مامتُه بتكذب.
لما قالي «أنتِ طالق» وقتها وعدني بوعد.
_ أنتِ طالق يا رِتال، جرحتِك ويمكن ظلمتك أكتر ما ظلمت نفسي، بس أنا ضايع ومش عايزك تدخلي نفس الحرب اللي أنا غرقان فيها لو لنا نصيب هرجعلك تاني، هاجي واطلب منك تسامحيني وأحكيلك كل حاجة، لو رجعت ولو لسه موجود وقتها القرار هيكون في إيدك وحدك يا إما توافقـي وترجعـي لي، يا إما تنسيني وتقفلي صفحتي من حياتك. أوعدك ساعتها أقف قدامك من غير أي تزوير ولا تزييف.
_ أنا مالي وعد ولا موعدش، يا حبيبتي إنتِ ملكيش عِدّة أصلاً – على حدّ اللي أعرفه من كلام المشايخ – عشان يردّك إنتِ وهو كنتوا عايشين زي الأخوات بالضبط، إزاي بقى فيه عِدّة عشان يرجّعك يا نابغة عصرك؟
_ مين قالك إن مفيش عِدّة وإنه ما يقدرش يرجعني في شهور العِدّة؟
_ مش إنتِ اللي قولتي يا بنتي إن تعاملكم كان زي الإخوات، ما فيش بينكم حياة زوجية؟ يبقى إزاي الشرع يحسب عِدّة؟
_ بس فيه خلوة…
_ فيه إيه؟! خلوة إيه دي؟
_ الخلوة اللي سمعت العلماء يتكلموا عنها… مش أي قعدة لوحدنا وخلاص لازم الأول يبقى في عقد جواز كامل بشهود وولي وصيغة واضحة، وبعد كده نكون في مكان مقفول علينا محدّش يقدر يدخل فجأة، مكان مأمون وآمن كمان ما يبقاش في حاجة تمنع القرب الطبيعي زي مرض يمنع أو وقت مش مناسب شرعًا ولازم نكون عارفين إننا متجوزين رسمي، مش مجرد وعد أو خطوبة. ساعتها الشرع – على حدّ ما اتعلّمت – يقول دي خلوة صحيحة، وساعتها بس لو حصل طلاق يبقى عليها عِدّة حتى لو ما حصلش بينا أي شيء لكن لو أي شرط من الشروط دي ناقص، يبقى مفيش عِدّة ولا رجعة غير بعقد جديد ومهر جديد، وكل ده لازم يكون برضاي أنا، من غير ضغط ولا خداع.
_ يعني أيوب دلوقتي رجعك؟!
_لاء، مرجعنيش لو عايز يرجعني كان نفّذ وعده وجِه عندي، لكن إن مامته تيجي هي، يبقى بتكذب، وكان باين عليها.
_ كنت دايمًا فاكرة إن الجملة دي عظيمة:
”اللي يحارب مرة عشاني، هحارب ألف مرة عشانه.”
لأول وهلة حسّيتها مليانة وفاء وقوة وإخلاص، لحد ما وقفت قدامها وأنا ببص على حياتي مع أيوب.
هو كان زوجي، وكان المفروض يبقى سندي، لكن الحقيقة إننا كنا بنحارب في اتجاهين مختلفين.
سألت نفسي ليه أستهلك كل طاقتي وأخوض ألف معركة عشان حد ما حاولش عشاني حتى مرة واحدة؟
ليه أستنزف روحي وكأني بحاول أثبتله إن وجوده يستحق كل ده، وهو أصلاً ما جاهدش؟
ليه ما يكونش المبدأ قائم على العدل؟
إنك تحارب لي مرة فأحارب لك مرة.
إنك تحارب ألف فأحارب ألف.
ليه ميزان التضحية يفضل مايل ناحية واحدة؟
أنا الكفة اللي بتدي بلا توقف، وهو الكفة اللي بالكاد تتحرك.
الإنهاك ماكانش من الحرب نفسها؛ الحرب متعبة آه، بس مقبولة لما تبقى متبادلة.
الإنهاك الحقيقي كان في الوحدة… إني أبذل وأبص ورايا ألاقي نفسي لوحدي.
مفيش صمود مشترك، مفيش نفس القتال، مفيش نفس العناء.
حتى لما كان في محاولات بسيطة من ناحيته، كانت مرة أو اتنين بالكثير، وما تتقارنش أبدًا بحروبي المتكررة.
وفي الآخر… انتهى كل شيء بالطلاق.
اتعلمت الدرس
العدل في أي علاقة إن الحرب تتقسم، مش تتكدّس على طرف واحد.
لو حارب مرة، هحارب مرة.
لو حارب ألف، هحارب ألف.
لكن أكون أنا المقاتلة الوحيدة؟
ده ما يبقاش حب… ده استنزاف.
” تعوّد ألا تتعوّد،
ألم تُدرك أن كل شيء يرحل؟
أحلامنا التي نسجناها معًا، الأماني التي وعدتني بها، حتى الحياة التي رسمناها… كلّها تتبعثر.
أعاتبك لأنك جعلتني أصدّق أن البقاء ممكن، ثم تركتني للفراغ والدموع، أعدُّ خيباتي بعد أملٍ كنتَ أنتَ سببه، ونزاعٍ ما كان يجب أن يكون.
كيف استطعت أن تعوّد قلبي عليك، ثم تتركه يعتاد الغياب؟”
شهر عدى، وأنا ما عنديش علم عن أيوب، وكأنه اختفى؛ آثاره مش موجودة لا في الشركة ولا في بيته عرفت ده بمساعدة ابن عمي، ومش فاهمة سبب اختفاؤه وليه؟! هل أيوب ممكن يكون مظلوم؟ بقيتش عارفة أنا المفروض أصدق مين.
الكل فاكر إن أيوب ردّني، ومعنديش دليل أفهّمهم الحقيقة، ومش قادرة أكذّب والدته ولا أقول الحقيقة.
أنا تعبت… فين أيوب؟ ليه بيختفي؟ مش هسامحه حتى لو رجع وطلب مني أرجع له. مش هسامحه.
_ رِتال، أنا عرفت أيوب فين.
_فين يا أحمد؟ عرفت إزاي؟ هنا في مصر ولا مسافر؟ انطق فين؟
_اديني فرصة أقول لما حكيتِ لي كل حاجة، وقتها بدأت أشك في والدته وبدأت أراقبها، واللي اكتشفته إنه أيوب في المستشفى.
_مستشفى إيه؟ بيعمل إيه هناك؟
_من وقت طلاقك إنتِ وهو، وهو محجوز في المستشفى من شهرين.
_أنتَ بتقول إيه؟! ليه محجوز؟ فهمني، بيعمل إيه؟ وإزاي ما عرفتُش؟ أنا هتجنن.
_اهدي أنا ما عرفتش أخد معلومات كافية، لكن اللي فهمته إنه كان بيعمل عملية وبعدها دخل غيبوبة كام أسبوع، ويدوب لسه فايق منها وبيتحسن لكن عملية إيه معرفش.
_مستشفى إيه وفين؟
_هتعملي إيه؟ أوعى تكوني هتروحي.
_أكيد هروح، أومال أفضل واقفة؟
_ لاء، بس هتروحي إزاي وبصفتك إيه؟ وهتبرّري إزاي إنك عرفتي؟ باين إن محدش يعرف وفاكرين إن أيوب مسافر.
_معرفش، بس أنا لازم أروح.
_افهمي الأول من مامته وبعدين اعرفي.
_ وافرض كدبت عليّا؟ مش فاهمة هي بتعمل كده ليه أو أيوب بيكذب عليّا ليه أنا تعبت.
_ أنتِ هتواجهيها بالحقيقة، وبعدين ابدأي اعرفي ليه الكذب منهم.
_أيوب مكذبش عليّا، هو اتكلم بطرق غير مباشرة لكنها صحيحة.
_ أنتِ وزوجك أو طليقك ده اللي محدش يعرف غيره، بتلعبوا وبتدوّخوا الناس حواليكم!
ليه بتصعّبوا الحياة على بعضكم، على عكس ناس تانية في دوامة عارفه… في حكايات ما تتقالش على بعضها في ناس لما يلاقوا الحقيقة تقيلة، يفضّلوا يزرعوا دخان حواليهم. يبانوا غلطانين، يبانوا هم السبب، بس الحقيقة دايمًا أعمق من اللي بنشوفه.
في قلوب تختار تتحمل كره غيرها بدل ما تسيبهم يعيشوا في خوف يشيلوا هم السر لوحدهم، ويبعدوا من غير ما يدوّرك على تفسير.
تفتكري اللي يرحل فجأة رحل علشان زهق؟ يمكن لأ يمكن في وجع ما ينفعش يتحكي، وجع لو عرفتِه يهدّ اللي باقي فيكي.
ساعات الرحيل مش هروب.
ويمكن تفضلي طول عمركِ تفتكري إنك كنتِ الخسارة… مع إنك كنتِ النجاة.
_ الحقيقة… فهمت أيوب كان بيمثّل عليّا، هو واهمني، وهمّ الكل.
_ بتقولي إيه؟!
_أنا محتاجة أقابل والدته حالًا.
يتبع...
ملك عبدﷲ أحمد.
#نَـهْــر 'ر
#أيوب_و_رِتال
#يتبع