رواية صدقًا كنت أكذب الفصل الأول 1 بقلم ٱية شاكر
رواية صدقًا كنت أكذب الفصل الأول 1
- لو سمحت، حضرتك مش عايز حد يشتغل هنا؟
- إنتِ عايزه شغل؟
- أيوه… ممكن توافق إني أشتغل هنا عشان خاطري؟
قلتها واتلفت حوليا معجبه بالمكان، وعيني هتنط على الكتب اللي حوليا في المكتبه…
الحقيقه أنا مش عايزه أشتغل خالص ولا محتاجه فلوس، بس محتاجه أقعد في مكان حلو، والصراحه مفيش أحلى من كده، تخيلوا معايا لما أقرأ كل الكتب دي! دا أنا كان عقلي يتغذي ويكبر وينضج وأتحول لواحده تانيه خالص، واحنا دلوقتي في الأجازة الصيفية وقعدة البيت ملهاش لزمة، لكن قعدة المكتبه أكيد هيكون ليها لزمة.
- يا بنتي… يا أستاذه… يا أنسه.
- آآ… آسفه جدًا يا عمو كنت سرحت شويه.
كان راجل معدي الستين، شكله هادي ووقور، وملامحه دافيه، عرفت أن إسمه عمي إبراهيم، قال:
- وتحبي تستلمي الشغل من امته؟
قلت بفرحة وأنا بتلفت حوليا:
- حالًا، حضرتك أنا فاضيه، النهارده كان أخر يوم في امتحاناتي، يعني فاضيه و… على فكره أنا مش عايزه مرتب بقا، أنا يكفيني كل يوم وأنا راجعه البيت أخد كتاب أو رواية ولما أقرأها أرجعها مكانها، إيه رأيك؟
بصلي وهو ساكت ومضيق جفونه، كأنه بيفكر في عرضي أو يمكن في سلامة عقلي! وقال:
- عرفيني بنفسك الأول؟
- أنا أسمى ذكرى في تانيه صيدله، بابا كان نفسه إني أدخل طب أسنان لكن النصيب بقا، ها هتشغلني يا عمي ابراهيم؟
ضحك ضحكة قصيرة وقال:
- طيب يا دكتورة ذكرى مش كان الأفضل تشتغلي في صيدليه وتتعرفي على الأدوية؟
- لـ… لا لا أنا عايزه أشتغل هنا، لو معندكش مانع يعني، أنا بحب الكتب أكتر من الأدوية.
قعد على الكرسي بتاعه وهو بيقول:
- طالما مش عايزه مرتب، وعايزه تاخدي كتاب وترجعيه كل يوم، معنديش مانع بس ليا شرط، لو حد طلب الكتاب اللي بتقريه ومفيش غيره وحتى لو لسه بتقريه تبيعيه، اتفقنا؟
- اتفقنا.
قلتها بفرحة، رجعت البيت وأنا متحمسه للشغل الجديد اللي هبدأه من بكره، وأقنعت ماما وبابا بسهوله جدًا، كذبت عليهم كذبه بيضا إني هشتغل في صيدليه، والمكتبه بعيده عن البيت وأصلًا هما بيثقوا فيا ومحدش هيسأل ورايا!
نزلت الشغل وكنت ملتزمة بالسرية التامة حتى أقرب أصدقائي معرفتش إني بشتغل في المكتبة.
بصيت على الكتب اللي حوليا وأنا بستنشق الهوا، وبدأت ألمس الكتب وأنا بنشد بفرحة:
"ألف ٌ قاف ٌ راءٌ ألفٌ أنت إنسان مختلف…"
لفيت حولين نفسي بفرحة وفستاني لف معايا، وفجأة وقعت واتخبطت في المكتبه ورايا، فوقعت الكتب على راسي.
- عمي إبراهيم! يا عمي إبراهيم!
كان صوت شاب، قومت بسرعه وانا ماسكه راسي اللي الكتب وقعت عليه، وكأنها بتفوقني من اللي أنا فيه.
- نعم!
قلتها وأنا ببص للشاب اللي بيبصلي باستغراب لأنه أول مره يشوفني، قال:
- أومال فين عمي ابراهيم؟
رديت بارتباك:
- هنا، قصدي يعني مش هنا، لكن أنا هنا، لو عايز أي كتاب أنا بياعه… آآ قصدي يعني بعرف أبيع.
ابتسم الشاب وقال:
- لا مش عايز كتب، أنا سمعت صوت حاجه بتقع في المكتبه فجيت أطمن، أنا شغال في السوبر ماركت اللي جنبكم ده… هو إنتي بنت عمي إبراهيم؟
هزيت راسي وأنا بقول:
- أيوه.
- فرصه سعيده، طيب لما يجي قوليله إن خالد سأل عليه.
ومشي خالد بعد ما ابتسملي فابتسمتله وشاورلي فشاورتله…
كنت مرتبكة جدًا ومعرفش ليه قلت إني بنت عمي إبراهيم! حقيقي أنا بقيت مريضه بالكذب! مبعرفش أقول جملتين صدق على بعض!
كنست المكتبة وأنا زهقانه من نفسي ومن لساني الفالت، ونفسي «خالد» يرجع تاني عشان أقوله إن مش بنت الراجل الطيب ده! صحيح أنا اسمي ذكري إبراهيم لكن مش إبراهيم ده!
وعشان أهرب من زحمة أفكاري، وقفت أدور على رواية أقراها، وفعلًا لقيت رواية وقعدت أقرأ وأنا بتخيل البطل هو «محمد» رئيس اتحاد الطلبه في الكلية وكمان ابن خالتي اللي الكلية كلها شيفاني محظوظه بيه، مع إنه مش بيوقف معايا في الكلية لكن بينا كلام كتير خلف الستار وعبر الموبايل في كل مساء.
والسنه دي هيتخرج من الكلية وأكيد هيجي يتقدملي.
🍃🍃🍃🍃
مرت الأيام
وأنا مستمتعة بالقراءة وبالشغل وكل يوم «خالد» كان بيجي الصبح يسلم على عمي ابراهيم، ويبتسملي فابتسمله، ويلقي السلام فأرد عليه. وبكون خايفه أوي ليقول لعمي ابراهيم إني قولتله إني بنته!
وفي يوم قاعدة بقرأ في الرواية، ومنسجمة مع الأحداث قاطعيني صوت «محمد» اللي اتفاجئ بوجودي، قال:
- ذكرى! بتعملي إيه هنا؟
قلت بصوت مهزوز:
- لأ دا أنا… أنا بشتري كتاب والرجل الطيب اللي كان هنا راح مشوار فوقفت مكانه، ها تحب تشتري اي، أنا بياعه برده.
قلتها بمرح، فضحك محمد وقال:
- بياعه يا ذكري؟
- أيوه مسيري هتخرج من صيدله وهبقى بياعه يا عم.
- بس متقوليش كده، الصيدلي عمره ما كان بياع يا باشا.
وقفنا نهزر ونضحك شويه وطلب نفس الرواية اللي بقرأها ومكنش فيه نسخ تانية…
قلت:
- طيب إي رأيك تاخد رواية تانيه؟ فيه هنا روايات حلوه أوي.
قال:
- لا أنا عايز الرواية دي تحديدًا.
بصيت للرواية اللي في ايدي بحزن ديرت وشي وهمست بضيق:
- ليه كده!
رجعت بصيت لـ محمد وقلت:
- طيب الرواية دي تحديدًا مش موجوده بقا.
- ماشي شكرًا هشوفها في مكتبه تانيه.
كان هيمشي لكن حسيت بتأنيب ضمير، فناديته:
- استنى يا محمد.
اديته الرواية وأنا عيني عليها وقلبي ماسك فيها، ودفع الفلوس، فقتله:
- متقولش لماما إنك شوفتني هنا! اتفقنا؟
- أنا عمري طلعت سر ليكي بره؟
ضميت ذراعي لصدري وقلت وأنا رافعه ذقني:
- لأ بس دا مش سر أصلًا.
ضحك وسألني وهو رافع حاجبه:
- إنتي شغاله هنا صح؟
- مش بالظبط و… هبقا أكلمك بالليل وأحكيلك، يلا امشي بقا.
مشي، وفضلت متابعاه وأنا قلبي عايز يجري ورا الرواية، التفت وبصلي بنظرة سريعة وشاورلي فشاورتله.
لمحت «خالد» واقف قدام السوبر ماركت وواضح إنه بيبص علينا، فابتسمتله بحياء ورجعت قعدت حاطه إيدي على خدي وزعلانه، بصيت على الكتب حوليا وسحبت رواية تانيه وبدأت فيها لكن مش بنفس شغفي للرواية التانيه…
وغرقت بين سطور الرواية الجديدة، وفجأة:
- ذكرى؟ بتعملي إي هنا؟
قمت من مكاني والصدمة على وشي، كانت «نجاح» صديقتي، بلعت ريقي وقلت:
- يا خبر! إيه اليوم ده؟
قربت مني وقالت وهي بتضغط على كل كلمة:
- بتعملي إيه هنا؟
- هحكيلك بس اوعدني إنه سر يا نجاح.
ولما حكيتلها اتعصبت عليا وقالت:
- بجد إنتي مجـ..ـنونه يا ذكرى، معقوله تشتغلي في مكتبه عشان تقري وكمان تكذبي على أهلك.
- عادي يا نجاح دي كذبه بيضا ومحدش هيدور!
بصتلي نجاح شويه وقالت بنفاذ صبر:
- إنتي هتفضلي تكذبي كده وتستبيحي الكذب وتقولي كذبه بيضا لحد امته يا ذكرى؟ الكذب من درجات ألوان، الكذب كله أسود أتمنى تفهمي كده.
- متكبريش الموضوع ويا ستي إن شاء الله ربنا يتوب عليا ويهديني.
قلتها بضحك، وجبت روايه من الرف اللي ورايا لنجاح تقرأ فيها، فهزت نجاح رأسها باستنكار، ورفضت تمامًا تاخد حاجه لكن اشترت كتاب، وقالتلي وهي بتدفع حسابه:
- طالما اشتغلتي هنا اعرفي إن دي أمانه وحافظي عليها يا ذكرى، على العموم أنا كنت هاجي أسلم عليكي النهارده لأني مسافرة السعودية هعمل عُمره، أخويا باعتلنا زياره أنا وماما وبابا، وهنقعد هناك شهر… هتوحشيني.
حضنتني، ومسكت إيدها أودعها، قلت بابتسامة:
- متنسيش بقا تدعيلي يا نونه.
طبطبت على ذراعي بحنان وقالت:
- أكيد هدعيلك بالهدايه وانك تبطلي كذب أهم حاجه.
ومشيت «نجاح»، وجملتها بترن في وداني، أبطل كذب! أنا مش بكذب أوي يعني دا كله كذب أبيض، بس أنا حقيقي مش بعرف أتحكم في لساني.
«نجاح» صديقتي الوحيدة، كان ليا أصدقاء كتير لكن كلهم مش بيحبوا «نجاح»، لأنها مختلفة عنهم، مش بتخاف تأمر بالمعروف ومش بتسكت وبتنهى عن المنكر ومش بطريقة غليظه أو فظة بالعكس بتنصح بهدوء وتنسحب.
طبعًا متعرفش حاجه عن علاقتي ب «محمد» اللي هو في الأساس ابن عمها، ولو عرفت أكيد هتزعقلي وممكن تبعد عني.
أصدقائي خيروني بينهم وبين «نجاح»، لأنها بتصحى صوت ضميرهم، وساعتها اخترت «نجاح» ما أنا أبيع الدنيا كلها عشان «نجاح» اللي مولوده معايا في نفس اليوم ووالدتها صاحبة ماما…
المرة دي وهي مسافرة مكنتش حاسة بوجع في شدة كل مرة… يمكن لأني بحب القراءة جدًا وحاسه إن المكتبه دي هتعوضني شوية عن غياب «نجاح»، أو يمكن لأن من لما بدأت أتكلم مع «محمد» كل يوم شغل فراغ في حياتي كنت مفتقداه.
🍃🍃🍃🍃🍃🍃
في نهاية اليوم.
خرجت من المكتبه معايا رواية حبيتها أوي وحلفت أسهر عليها الليلة أخلصها قبل ما أرجعها بكره.
وصلت البيت ولما دخلت، كنت بدندن بأنشودة:
"ألفٌ قافٌ راءٌ ألفٌ أنت إنسان مختلف."
فقابلتني أمي:
- هوووووش، اسكتي، هو إنتي متعرفيش تدخلي ساكته، عندنا ضيوف!
قلت بابتسامة ومرح:
- ضيوف؟ عريس يا ماما؟ قوليلي إن أنا جالي عريس، معقول؟
- عريس اي؟ دا مدرس كميا جاي لأخوكي وزمايله جوه.
قالتها أمي ودخلت المطبخ، فاختفت ابتسامتي وروحت وراها، قلت:
- ألا قوليلي يا ماما، هو مفيش عريس اتقدملي؟ لا ابن عمي ولا ابن خالي ولا حتى ابن صاحب بابا أو ابن صاحبتك شافني وعجبته مثلًا.
قالت وهي بتقطع المانجا وتحطها في الخلاط:
- ادخلي يا ذكرى غيري هدومك… ويارب يا ستي يجيلك عريس ونخلص منك قادر يا كريم.
بتموت فيا أمي دي! أنا أصلًا محبوبه يعني تلاقي أي حد يعجب بيا ويحبني.
مشيت خطوتين فنادتني ماما، ورجعتلها، قالت:
- وإنتي لابسه خدي وصلي العصير ده لأخوكي.
- من عنيا يا عسل دا إنتي تأمُري.
🍃🍃🍃🍃🍃🍃
- الشغل مش عيب، أنا من ٣ ثانوي شغال في سوبرماركت وما زلت، وفي نفس الوقت شغال مدرس خصوصي لحد ما ربنا يكرم وأخلص الدبلومه وأفتح معمل تحاليل، أو يقبلوا السي ڤي بتاعي في شركة أدوية كمندوب مبيعات.
- أنا فرحان أوي إن الصدفه جمعتني بيك يا مستر خالد.
- طيب مش يلا بينا نكمل الدرس ولا هنقعد نتعرف كتير؟
كان حوار بين المدرس اللي مديني ضهره وأخويا الوحيد اللي في تانية ثانوي.
المدرس كان قاعد على السفره وأخويا واتنين أصحابه قاعدين حواليه…
ألقيت السلام وأنا بحط العصير على السفرة، ولما بصيت ناحية المدرس اتصدمت.
رفع «خالد» عينه وبصلي وسأل باستغراب:
- بتعملي اي هنا؟
- هه!
ارتبكت كنت عايزه أقوله إني الخدامه، أو أي كذبة كانت على طرف لساني لكن لأول مره في حياتي أبلع كلامي وأسكت.
وعشان يكتمل المشهد، وصل بابا ألقى السلام وهو بيقرب فشاورت عليه وقلت بارتباك:
- أهو عمي إبراهيم اللي أنا بنته وصل.
وأدي أخرة الكذب الأبيض…
كنت مرعوبه «خالد» يقول لبابا إني شغاله في مكتبه، فوقفت أقرض ضوافري وأنا بفكر في كذبه أبرر بيها لبابا لو «خالد» قال!
#يتبع
سلسلة:
#حكايات_نصها_حقيقي
#كتابات_آيه_شاكر