رواية عزبة الغراب الفصل الأول 1بقلم أحمد محمود الشرقاوي
رواية عزبة الغراب بقلم أحمد محمود الشرقاوي
خرابة مليانة بجثث الأطفال
وكأن عُقم التفكير وقذارة الإنسان دايمًا عايزة تثبت إن أشر كائن عايش على الأرض هو الإنسان، وإن جهنم نفسها محتاجة وقت طويل عشان تغسل بعض البشر من قذارتهم وشرورهم....
..................
عـزبـة الـغــراب 1️⃣.. القصة الكامـلـة..
مكالمة تليفون جتلي من صديق ليا مبنتكلمش بقالنا أكتر من ٥ سنين كاملين، أول ما شوفت اسمه ابتسامتي نورت وشي ورديت عليه فورًا، وبعد عتاب طويل تخطى العشر دقايق بدأنا نخطط عشان نتقابل ونشوف بعض، وعرض عليا إني أروح معاهم حجز عشان نلعب ساعتين كورة ونقعد بعدها على القهوة نتكلم شوية..
وافقت فورًا ووصفلي المكان اللي كان في بلد جمبي عشان أعرف أوصل، قفلت معاه وأنا بفتكر تفاصيل الأيام اللي قضيناها سوى في شغل الأمن، وخناقتنا أول يوم، وبعدها ارتباطنا الغريب ببعض، أيامنا اللي قضيناها والضحك والهزار، وحتى المقلب اللي عملناه في كل اللي كانوا شغالين معانا وأولهم صاحب الشغل..
مش عارف ليه حسيت ببهجة غريبة لما افتكرت كل ده، وبقيت بحسب الساعات لحد بكرة عشان نتقابل وأشوفه من تاني، وتاني يوم نزلت بدري وخدت معايا لبس الكورة، شورت وفانلة الزمالك وخرجت، قعدت على القهوة ساعتين لحد ما قرب ميعاد الحجز..
ركبت عربية من الموقف وطلبت من السواق ينزلني عند ملعب الساقية، وبعد نص ساعة السواق نزلني في مكان على الطريق وقالي إني همشي حوالي ربع ساعة لحد ما أوصل للقصر القديم وهلاقي هناك الملعب..
نزلت وحطيت الهاند فري في ودني واتمشيت لحد آخر الطريق، معرفش ليه بيحبوا يلعبوا في الملعب البعيد ده، بس مش مهم، المهم إني أشوف صاحبي اللي غايب عني بقاله خمس سنين..
بس الغريب واللي بدأت ألاحظه إن المكان فعلًا غريب، شارع طويل فيه حوالي أربع قصور مهجورين من قصور زمان، على مرمى البصر فيه شوية عمارات كل سكانهم مش ظاهرين، والمكان كله فاضي حرفيًا..
ولما فتحت اللوكيشن اللي خدته من صاحبي اكتشفت اني كان الأفضل انزل قدام شوية ومعديش من الشارع المهجور ده، بس مش مهم، أهو اللي حصل بقا، وبدأت غصب عني اتأمل القصور المهجورة دي..
اتخيل شكلها زمان لما كان ساكن فيها البشاوات والملوك، اتخيل منظر السواق والشغالة والأميرة وهي خارجة منها، وخدتني التخيلات أكتر لدرجة إني بدأت أشوف نفسي آخر شخص موجود في العالم، مدينة خربة من الأطلال مفيهاش أحياء غيري حرفيًا..
الموضوع كان مثير أوي، رغم إن فيه رهبة مسكت في قلبي بس كنت مستمتع، مستمتع لدرجة إني فردت دراعي وصرخت بأعلى صوتي، وقتها صوتي بدأ يتردد في كل مكان، صداه كان غريب، كأني جوة متاهة في عالم تاني، عالم من روايات الفانتازيا والرعب اللي بيكتبهم كاتبي المفضل أحمد محمود شرقاوي..
وسط شعور الإثارة ده وأنا بعدي من ورا القصر لمحت طفل واقف في الطريق وباصصلي في ثبات مخيف، كان شكله متبهدل، لابس لبس مقطع ووشه متسخ وشعره نازل على عنيه وواقف يبصلي في صمت، يخربيتك أيه اللي جابك في المكان ده لوحدك..
قربت منه بابتسامة وقولتله:
ـ أنت بتعمل أيه هنا يا حبيبي؟!
مردش عليا وفضل باصصلي بعيون ثابتة، شكلها مخيف رغم إنه طفل، فكرت أسيبه وأمشي بس حسيت بالندالة إني أسيب طفل لوحده في المكان ده..
ـ طيب فين بيتك يا حبيبي؟!
برضه مبيردش، وقبل ما أحط إيدي على كتفه لقيته بيشاور ناحية بوابة قصر من القصور القديمة، بصيت للبوابة اللي كان جواها ساحة كبيرة فيها مقلب زبالة كبير بعدم فهم..
قربت منه أكتر وحطيت إيدي على كتفه، وصرخت، أول ما لمسته لقيته عض إيدي بكل شراسة وطلع يجري ودخل من بوابة القصر، رجعت لورا وأنا ببص لأثر العضة وبشتم وبقول:
ـ يابن العضاضة..
استنيت شوية لحد ما أثر العضة خف شوية وبدأت أبص ناحية بواية القصر، ورغم ضوء النهار بس حسيت بخوف رهيب إني أقرب، وبدأت دوامة من الأفكار المُخيفة تراودني، ومع ذلك الفضول كان بيدفعني أدخل أشوف فيه أيه جوة ساحة القصر الغريب ده..
قربت بهدوء تام للبوابة وعديت منها، وفي ساحة القصر اللي المفترض تكون جنينة لقيت كوم زبالة ضخم، لقيت نفسي بدخل أكتر وبتأمل ساحة القصر من جوة، سور القصر الحجري، ومبنى القصر نفسه الضخم الغريب، وكوم الزبالة اللي معرفش مين بتجيله الجرأة يرمي زبالة في المكان ده..
ووسط شرودي لمحت الطفل اللي عضني بيجري وبيدخل جوة القصر نفسه، لقيت نفسي بنادي عليه بغضب وبجري وراه عشان أمسكه، بس في لحظة اختفى ومبقاش له أي أثر..
دخلت القصر من جوة اللي كان مهجور بمعنى الكلمة، العنكبوت معشش في كل مكان، والتراب مغطي الأرض والحوائط، والأثاث قديم ومتهالك بطريقة مخيفة، ووسط تأملاتي دي بدأت أسمع صوت طفل بيبكي، استغربت أوي من وجود طفل في المكان ده، قولت في عقل بالي يمكن نفس الطفل اللي شوفته..
بدأت اتتبع صوت الطفل لحد ما طلعت سلم القصر لحد الدور التاني، عديت أوضة والتانية لحد ما بقا الصوت واضح أوي في الأوضة التالتة، دخلت وأنا حاسس بخوف كبير وكانت المفاجآة الرهيبة..
لقيت طفل جوة بيزحف وعمال يبكي بهيستريا، جريت عليه بقلب مفطور وشيلته من الأرض وأنا هتجنن، مين اللي جاب الطفل ده هنا، فضلت أطبطب عليه بخوف وقلق عشان أشوف بالصدفة سلسلة في رقبته مكتوب عليها "أنس" ..
خدته وخرجت بسرعة عشان أسمع صوت طفل تاني بيبكي، جسمي كله أترج وجريت ناحية الأوضة التانية ولقيت طفل تاني، شيلته بسرعة ونزلت أجري من المكان ده، وأول ما نزلت شوفت الهول كله قدام عنيا..
كان فيه أطفال كتير أوي واقفين في ساحة القصر وبيبكوا، وقتها بس بدأت أحس بالرعب، كل الأطفال دول جايين منين، وكلهم كانوا زي المتسولين، هدوم مقطعة وجسم متسخ وبيبكوا بهيستريا..
وقفت قدامهم مش قادر أنطق ولا اتحرك، خايف ومرعوب، خاصة إنهم كانوا كتير وقافلين باب القصر تمامًا، بس الرعب الأكبر بدأ لما لقيتهم بيبكوا دم من عنيهم، دم كتير، وقتها جسمي اتخشب..
مقدرتش أنطق، وحسيت بحاجة بتتحرك على إيدي بصيت برعب لقيت نفسي شايل جثتين لطفلين والدود بيجري على أجسامهم، دود كتير أوي لدرجة إنه اتحرك على جسمي أنا..
صرخت، صرخت برعب الدنيا ورميت الجثتين وجريت، جريت وسط دموع وبكاء وصراخ الأطفال، جريت زي المجنون لحد ما خرجت من المكان كله، جريت لحد ما وصلت للملعب عشان ألاقي صاحبي قلقان أوي وواقف مستنيني..
مكنتش قادر اتكلم، أهمس، حاولت مظهرش حاجة ليهم واعتذرت إني مش قادر ألعب معاهم، سبتهم يلعبوا وسرحت أنا، سرحت في الجنان اللي شوفته من شوية، وفين وفين لما هديت، جالي صاحبي وبدأ يسأل عن سبب تعبي وشرودي ده، بس لقيت نفسي مش حابب أحكي أي حرف، اعتذرت بشياكة عشان يسأل سؤال غريب:
ـ أنت أيه اللي جابك من ناحية الخرابة؟!
بصتله بتوتر وقلت:
ـ الخرابة؟!
ـ أيوة يابني، أنا قولتلك تيجي من ناحية مجلس المدينة، أيه اللي جابك من الشارع الغريب ده؟!
ـ أهو نصيبي، بس هتفرق يعني!!
ـ طبعًا يابني تفرق..
بصتله باهتمام وقولت:
ـ تفرق في أيه؟؟
ـ يابني الخرابة اللي جوة قصر الباشا دي مليانة جثث أطفال..
تماسكت بالعافية وقولت:
ـ أنت هتهزر بقا؟!
ـ والله أبدًا..
ـ طيب فهمني أنا مش فاهم..
ـ فيه عزبة قريبة من المكان اسمها عزبة الغراب، الناس هناك كلهم بيشتغلوا في الزبالة حرفيًا، مش لاقيين ياكلوا أصلًا، لدرجة إن تقريبًا أي واحدة ست بتخلف بالغلط من خوفها إن الواد يموت من الجوع بترمي الواد في الخرابة، غير إنهم هناك ميعرفوش دين ولا أخلاق، الفاحـ ـشة هناك منتشرة وكل واحدة بتولد أو تجهض بترمي الواد في الخرابة يموت، أنت مشوفتش برنامج الليل اللي عرض حلقة عنهم من سنتين..
وقتها شعر جسمي كله وقف ومقدرتش اتكلم، بل إني ادعيت إني مستعجل وعاوز اروح ووعدته نتقابل بعد يومين مرة تانية، وسبته وهو مستغرب من أفعالي، ومتسألنيش ازاي أنا روحت تاني، روحت أبص على القصر مرة تانية، كأن فيه حاجة بتناديني عشان أفهم أيه اللي بيحصل في المكان ده، كأني بتجذب جذب للمكان ده تاني..
وزي ما توقعت على باب القصر لقيت ست مجذوبة حاضنة حاجة ملفوفة في قماش زي الطفل وعمالة تنوح وتقول:
ـ قتلتك يا أنس، قتلتك بإيدي..
وهنا عرفت إن فضولي هياخدني عشان أقرب منها، وعشان استفهم منها عن حكاية أنس، وعن العزبة الغريبة دي، وقربت منها واتكلمنا، وعرفت أغرب حكاية ممكن أعرفها في حياتي..
بس قبل ما أحكيلكم الحكاية فكرت، فكرت كتير أوي، واكتشفت إننا جهلة أوي بحتة الأرزاق، مش متفهمين خالص إن رب العزة نفسه تعهد إن الرزق في السما مش في الأرض، مش متفهمين إن ربنا نهانا عن قتل أولادنا خوفًا من الفقر، مش متفهمين إن الرزق زي القدر، وكل ما تخلف طفل لازم رزقه يجيلك، أحنا بعيد أوي، خايفين من قلة الرزق، وده والعياذ بالله سوء ظن رهيب بالله..
[وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ] سورة الذاريات
[وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا] سورة الإسراء
استنوني هحكيلكم الساعة ١٠ بإذن الله، حصل أيه مع الست دي وليه قتلت ابنها وشافت أيه عشان تيجي الخرابة بنفسها..
بقلم/ أحمد محمود شرقاوي
..................
لو عجبتك القصة، متبخلش علينا بلايك وكومنت تقول فيه رأيك....
أعمل شير لأصحابك أو ابعتلهم القصة عشان يتابعوا معانا....
ولو دي أول مرة تشوفنا، أعمل متابعة لصفحتي عشان متفوتش ولا قصة....
بـقـلـم/
القـائـد أحـمـد محـمـود شرقـاوي
يتبع
رواية عزبة الغراب الفصل الثاني 2
لقراءة باقي فصول الرواية اضغط هنا ( رواية عزبة الغراب )