رواية ارناط الفصل الثامن عشر 18 بقلم حور طه
رواية ارناط بقلم حورطه
«البارت 18من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلسوا جميعا في الصالون…
بعد أن أزالوا بعضا،من شوق الغياب الطويل…
والسكينة تتسلل بهدوء بين أنفاسهم…!
قال رائد وهو ينظر إلى عاليه:
ــ أنا هشوف واحدة تيجي تنضف الشقة…
اللي فوق، عشان عاليه وشادي يقعدوا فيها…!
عاليه ردت بإحراج وهي تبص في الأرض:
ــ ماتشغلش بالك يا رائد، أنا هشوفلي بيت قريب…
لكن أكمل، اللي لسه شايل شادي …
في حضنه بص لها بحنان وقال:
ــ البيت هنا كبير، وانتي زيك زي ليلي…
وبعدين... انتي عايزة تبعدي عن صحبتك؟
عاليه بصت لليلي وضغطت على إيدها بحب:
ــ ليلي مش صاحبتي يا جدو، ليلي أختي…
وما ليش غيرها في الدنيا بعد ما أهلي مـ ـاتوا…!
ليلي نزلت دمعة من عينها…
وحتت إيد عاليه بإيدها التانية:
ــ وأنا لو كان عندي أخت حقيقية…
ماكنتش هتكون أحن ولا افضل منك…!
رائد قاطعهم بضحكة وهو يقوم من مكانه:
ــ طيب، على ما تخلصوا المسلسل الدرامي ده…
أنا طالع أشوف حد ينضف الشقة اللي فوق…!
ضحكوا كلهم ومسحوا دموعهم في نفس اللحظة… كأن الضحك والمشاعر اختلطوا ببعض…!
أكمل بص لشادي وقربه من صدره، وهو يقبله بحنية:
ــ وبعدين أنا حبيت شادي من أول لحظة شلته فيها... حسيت كأنه شق قلبي وقعد فيه من غير استئذان…
ليلي وعاليه تبادلوا نظرات طويلة…
نظرات فيها ألف كلمة، وأكتر من سر…!
نظراتهم كانت بتحكي اللي لسه متقالش…
وأكمل، وهو فرحان بحفيد مش عارف إنه حفيده… فضل يضحك لشادي ويحضنه…
من غير ما يعرف إن الطفل اللي في حضنه…
مش ابن عاليه، لكن ابن ليلي…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد مرور أربعة أيام|
البيت ساكن، لكن الصمت فيه له صوت…
عبد الحميد واقف في نص الصالون…
عينه بتقدح شرار، عضلات وجهه مشدودة…
كأنه بيقاوم بركان جواه…!
سحر قاعدة على الكرسي، حاطة إيدها على بطنها.. كأنها لسه خارجة من معركة، ملامحها شاحبة…
تمثل الألم والإرهاق ببراعة…!
عبد الحميد صوته عالي، ثابت، بيقطع الصمت:
ــ البيت ده... مش عايز أشوفك فيه تاني يا راهب!
راهب يتقدم بخطوتين…
صوته غاضب مبحوح من الوجع:
ــ انت بتطرد ابنك؟ علشان واحدة زي دي؟!
عبد الحميد يرفع صباعه في وشه، صوته مر:
ــ اتكلم بأدب، اللي بتتكلم عنها دي تبقى مراتي…
أنا ما بطردكش علشانها...
أنا بطردك علشان مش قادر أبص في وشك!
انت السبب في مـ ـوت أخوك... وهو لسه ما كملش حتى شكل الإنسان، كان مجرد شوية د،م!
راهب يبتسم بوجع، بعين فيها تحدي:
ــ بجد؟ بجد مصدق الكذبة دي؟
مصدق إن واحد في سنك…
بعد اللي حصله، يقدر يخلف؟ولا إيه…
عمتك … بطلت تشوف خلاص؟
عبد الحميد صوته يرتعش
من الغضب بيقاوم الانفجـ ــار:
ــ اطلع بره... ما تورينيش وشك تاني!
انت زي الفيروس... كل اللي يقرب منك يتسمم!
دمـ ــرت أختك... سبتها كفيفة…
بتتخبط في الظلام لوحدها…
ولما عرفت إن سحر حامل...
قتلـــ ـت الطفل،بطنها!
ولك عين بعد كل ده تتكلم…اطلع بره!
راهب صوته مكسور
وعينه بتلمع من الذل والخذلان:
ــ انت كبرت وخرفت...
معقول مش شايف الحقيقة؟
مراتك دي... سلعة رخيصة
بترمي روحها في حضن أي راجل!
والله أعلم الطفل اللي كانت شايله ده ابن مين!
عبد الحميد يندفع عليه…
وضـ ـربه بالقلم، صوت الصفعة دوى في المكان:
ــ اخرس! ما تسمعنيش صوتك تاني...
اطلع بره، مافيش ليك مكان هنا!
راهب ما اتكلمش، نظرته كانت هي اللي بتحكي… خرج وهو بيشد نفسه بصعوبة، مشي للجنينة…
الهوى بيقرص وشه، بس اللي بيقرص قلبه أقسى…
راهب بيطلع موبايله، صوته غليظ:
ــ يوسف... كلم الما، وخليها تبعتلي كل الإيميلات...
اللي تخص الشغل لازم توصلني، بسرعة…!
قبل ما يوسف يرد، حس بنفس أنفاسها ورا ضهره. سحر وقفت جنبه، وهمست في ودنه، بنفس نبرة صوت يوسف:
سحر بنبرة باردة:
ــ الما... ماجتش النهارده…
اترش عليها ميه نـ ــار، وهي دلوقتي في المستشفى...
راهب لف لها، عيونه متسعة بدهشة مرعوبة…
راهب بصوت مش مصدق:
ــ انتي؟ انتي اللي عملتي كده فيها؟!
سحر بخبث وهي بتقرب منه، نبرتها هادية وقاتلة:
ــ أنا؟
أنا ما بحبش أعـ ــدائي يختاروني خصم…
أنا بشفق على أعـ ــدائي...
وإنت شفت بنفسك النتيجة…!
راهب يمد إيده ويمسك دراعها بقسوة
عينه بتتوهج بالغضب والوعيد:
ــ أنا عارف إنك اللي مدبرة كل حاجة...
بس خدي بالك، الشاطر اللي بيضحك في الآخر…
واللي انتي فاكرة إنك مسكاه دلوقتي...
في لحظة ممكن تفتحي إيدك ما تلاقيهوش!
سحر تهز إيده وتتخلص من قبضته
بصوت واثق:
ــ الما؟
دي كانت سمكة صغيرة...
في بحر القروش، السمك الصغير ما بيعومش كتير...
راهب بابتسامة باردة، صوته اتغير
بقى أهدى... لكن أخطـ ـر:
ــ القروش اللي عندك؟أنا هكسـ ـرلك زعانفهم…
واحدة ورا التانية…
وهاخليكي تبقي عبرة...
الكل هيشفق عليكي، حتى أعــ ـدائك…
راهب ركب عربيته، الباب اتقفل بعصبية، وصوت… الموتور دوى في سكون الليل. انطلقت العربية… بسرعة، والطراب طار حوالين إطاراتها…
وساب وراه ريحة غضب ووعيد…!
سحر وقفت في نص الجنينة، كانت بتتفرج…
على ضهر العربية وهو بيختفي، ملامحها ثابتة…
بس عيونها بتلمع ببريق شيطاني ساكن…
سحر تبتسم ابتسامة باهتة
وتهمس بصوت واطي لكنها حاد زي السكـ ـين:
ــ واضح يا راهب...
إنك مصمم تكون عـ ــدوي…
يعني القرار قرارك... وانت اللي اخترت الطريق ده…؟
تلف جسمها ببطء، وكأنها بتخاطب حد مش موجود أو يمكن كانت بتخاطب الهوى نفسه…
بس نبرتها كانت مقصودة، محسوبة…
سحر تكمل الكلام بصوت أعلى شوية
مليان خبث وتخطيط:
ــ واضح إن الوقت جه...
الوقت اللي نبدأ نستفيد فيه من الطير اللي اصطدناه
ما يصحش نخليه في القفص أكتر من كده...
الطير لازم يغني... وإحنا نسمع ونستفيد…!
تمشي سحر بخطى هادية، كعب جزمتها بيطق على الأرض الرخام، وكل خطوة فيها رسالة…
أنا اللي بلعب، والكل أدوات…!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم التالي – في مكان مهجور تحيط به الجدران المتهالكة والهدوء القــ ـاتل…!!
ليلى واقفة وسط الخراب، تلف بعينيها في كل الاتجاهات، تتنفس بسرعة، في يدها تليفونها مفتوح على رسالة قصيرة تحت خريطة تحديد موقع…
الرسالة:
افتكر إنك مستنية حد يكلمك من وقت ما رجعتي مصر. تعالي على المكان ده حالا…!
ليلى تهمس لنفسها وهي تبص حواليها بقلق:
ــ مافيش حد... المكان فاضي...؟
فجأة، يرن في المكان صوت معدني، بارد كأنه خارج من جهاز آلي، صوت فقط... من غير جسد، من غير أي مصدر واضح…
الصوت:
ــ ماتتعبيش نفسك في إنك تدوري عليا...
مش هتشوفيني…
ليلى تتوتر، تبص حوالينها:
ــ انت مين؟ وعايز مني إيه؟
الصوت:
ــ خلينا نختصر. انتي ذكية، زي ما كنت متوقع…
ملك خدت منك البحث، بس انتي كنتي أذكى...
سبتي الشفرة الأخيرة معاك…
الشفرة اللي من غيرها البحث مايسواش…
مجرد ورقة فاضية…
ليلى تتراجع خطوة…
ملامحها تتقلب بين الصدمة واليقظة:
ــ يعني أنتو اللي بعتوا ملك علشان تساعدني وتاخد البحث؟أنا حسيت من الأول إن مساعدتها مش براءه منها… وكلام غزل الله يرحمها أكد شكي...
علشان كده خدت احتياطي…
الصوت بهدوء مريب:
ــ وده اللي عاجبني فيك…
بس أنا في كل الحالات هاخد الشفرة...
لكن علشان ذكائك عجبني… هديكي عرض…
تديني الشفرة... وأنا أقولك معلومة هتغير حياتك كلها
ليلى بصوت متردد:
ــ وليه أصدقك؟ إيه الضمان؟
الصوت:
ــ مافيش ضمانات…!
ليلى تفكر، عيناها تضيقان:
ــ طيب، قول المعلومة... وبعدها أبعتلك الشفرة…!
لحظة صمت طويلة... بعدها الصوت ينطق بكلمات سقطت على قلبها كالرعد…!
الصوت:
ــ أرناط... اللي كنتي فاكرة إنك قتــ ـلتيه...
عايش، يا ليلى.
ليلى تتجمد مكانها. عيناها تتسعان
وشفتيها ترتعشان.بهمس مذهول:
ــ لا... مستحيل...
أنا شفته، كان غرقان في دمــ ـه قدامي...
كان ميــ ـــت... ميـــ ـت!
الصوت:
ــ مش كل اللي بنشوفه حقيقي...
يمكن اللي شفتيه كان غطاء...
بس دلوقتي، أنتي عرفتي...
نفذي... وبعتي الشفرة…
ينقطع الصوت. تفضل ليلى واقفة مكانها، ودماغها بتغلي. كل فكرة تضـ ــرب التانية، ووش أرناط قدامها ما بيفارقش خيالها. في الآخر، بتضغط على الشاشة... وتبعت الشفرة…
لكنها كانت عارفة...
إن حياتها ماعدتش هترجع زي الأول…
بعد ما تبعت الملف، تقفل ليلى الموبايل ببطء وتحطه في جيبها. ملامحها ساكنة بس عينيها بتقول حاجة تانية… فيها عمق، فيها سر…
ليلى بصوت خافت:
ــ فاكر إنك كسبت؟
دي مجرد خطوة…
خطوة لازم تتحط عشان اللعبة تبدأ…
لكن المفتاح الحقيقي... لسه في جيبي…
تلف ليلى وتبص حواليها كأنها بتتأكد إن مافيش حد ثم تمشي بخطوات ثابتة، وكأنها داخلة على مرحلة جديدة كانت بتحضر لها من الاول…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل سيارة متوقفة أمام بيت صغير…
على أطراف المدينة…!
راهب قاعد جنب يوسف…
عينه على البيت بعينين فيها مكر قديم…
وأصابعه بتطقطق على تابلوه العربية…
راهب بهدوء سام:
ــ شايف البيت ده؟
جوه البيت ده... أكبر سر مدفون…
في حياة سحر الطوخي…!
يوسف بفضول:
ــ سر إيه؟
راهب بابتسامة جانبية:
ــ ابنها.
الولد اللي محدش يعرف عنه حاجة… عاش هنا…!
يوسف ينقلب صوته لصدمة:
ــ سحر عندها ولد؟! إزاي؟
ده حتى عمي عبد الحميد مايعرفش…
راهب:
ــ عمري ما شوفت غلطة استخبت حلو…
مهما اتخبت، بتسيب ريحة...
وأنا شميت الريحة دي من زمان…
لكن عمك ده بيشوف تحت رجله …
وهو لابس النظاره بالعافيه…
يوسف ساخر:
ــ طيب وبعدين؟ هنعمل إيه؟
يعني عايزنا نخطف طفل؟!
راهب يقهقه:
ــ لأ يا يوسف، إحنا ناس متربيين…
هننزل ناخده عادي… زي ما سحر كانت بتعمل…
يوسف بتعجب:
ــ أيوه سحر… مش إحنا…
هي لما بتبعت حد بيبقى معروف …
للدادة اللي بتربي الطفل…
لو نزلنا إحنا،است اللي جوه دي هتطلعنا هاشتاج…
راهب يرفع تليفونه:
ــ عشان كده تليفونه معايا.
أول ما توصل هناك، الدادة هتتصل، وأنا اللي هرد…
وهديها صوت مألوف، يخليها تسلمك راكان وهي مطمنة…
يوسف ينفجر ضاحكا:
ــ والله يا راهب انت شيطان بعينين بني آدم…
طيب… رايح…!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع
لقراءة باقي فصول الرواية اضغط هنا ( رواية ارناط )
#روايه_ارنــاط
#الكاتبه_حور_طه
صلي على الحبيب 💙