📁

رواية ورد ويوسف الفصل التاسع 9 بقلم نورهان علام

رواية ورد ويوسف عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام

رواية ورد ويوسف الفصل التاسع 9

|9| ما قبل الاخير


"ايه الخط الجامد ده يا وردتي؟"


قولتها وأنا باخد الورق اللي وقع من شنطتها، كان مكتوب على حرف "ي" بخط مرسوم وجميل أوي، اتوترت أوي وهي بتقول بسرعة:


"يوسف، هات الورقة."


ضيقت عيني بهزار وأنا بنزل صالح من على إيدي وبقول:


"واو، شكلها ورقة مهمة."


مدت إيدها تنتش الورقة مني وهي بتزعق بتوتر:


"قولت لك هات الورقة!"


رفعت حاجاتي وأنا ببعد إيدي بسرعة لورا ضهري وبقول:


"بتزيدي حماسي يا وردتي والله، هشوفها و أرجعهالك."


"يوسف، متهزرش، هات الورقة!"


قالتها وهي بتقرب جامد عشان تمد إيدها ورا ضهري تاخدها، فرفعت إيديا لفوق، فداست على رجلي جامد عشان أنزل إيدي.


"يوسف، بالله عليك هات الورقة!"


معرفش إزاي، بس رفعتها بين إيديا الاتنين، وهي تنشت الورقة بانتصار كبير.


"ممكن تنزلني بقى؟؟"


"صالح، روح لماما شوفها صحيت ولا لا يا حبيبي."


قولتها لصالح اللي جري على الباب، كانت ثابتة بين إيديا، ومرة واحدة رفعت إيدها تشد شعري:


"يا غدارة!"


"نزلني يا يوسف!"


"مش هتنزلي غير لما تفتحي الورقة."


"مش هفتح حاجة يا يوسف، واللي عندك اعمله."


"عندي كتير والله، زي إني عاوز أروح أصالح جدي، ممكن أروح بيكي ودي واسطة كبيرة جدي يعرضوا عني بيها."


"يوسف، إياك تكون بتتكلم جد."


"جد جد يا وردتي."


بصّت لي بضيق وتردد، وبعدين فتحت الورقة، كان مكتوب بخط كبير جدًا:


"كيف تقتل الملل؟؟"

"عليك أن تقتل هذا!!"


وكان تحتهم رسمة سريعة لشخص قاعد بيشتغل وفي لاب على حجره، لكن راسه مش على جسمه، رأسه جنبه بدون ملامح، ماخدتش وقت كتير عشان أستوعب إن ده أنا.


فطست من الضحك، أعصابي سابت لدرجة إني كنت هوقعها، وهي نزلت فعلاً وجريت بعيد عني وهي بتقول:


"أقسم بالله لو شلتني تاني..."


روحت ناحيتها وشلتها وبقولها:


"وريني عملي، سمحت!"


"إنت على فكرة بتستعبط، هخليك أرجع لنومة الأرض."


الباب خبط وهي بتتكلم، فضحكت بشر وأنا بقرب منه عشان أفتح، هيكون صالح أو سارة عشان يبلغوني إن ليلى صحيت.


"لا.. لا، يوسف لا، خلاص بقى."


فتحت الباب، وكانت تاليا اللي واقفة، ورد سكتت مرة واحدة، رفعت إيدها على كتفي وهي بتقول بنبرة أول مرة أسمعها منها:


"معلش يا يوسف، نزلني."


نزلتها على مهل، وقبل ما أسأل، نتاليا لقيتها هي بتقولها:


"نعم؟ عاوزة إيه؟"


"عاوزة ردك."


نظرتهم كانت غريبة وبتوحي إنهم فاهمين بعض، فسألت ورد باستغراب:


"رد إيه؟"


"الرد عند جدك، عن إذنك."


قالتها وقفلت الباب في وشها، ضحكت على تصرفها وأنا بقول:


"رد إيه اللي عند جدي؟"


"اقعد، هحكيلك."


————————————————————


قبل ثلاثة أيام


فضلت مستنية كتير، كتير، والورقة في الدولاب، قرفت حتى إني أفتحها، ومستحيل أخليه يشوفها. قمت ولبست بسرعة، وبعدين خرجت على مكتب جدو هارون. وقبل ما أرفع يدي وأخبط، ما حسيتش بحاجة غير وأنا بفتح عيني مرعوبة. ما عرفتش عدى قد إيه، وجدو هارون واقف، وكمان ليلى ونامت ويوسف وسارة، ورجل غريب بيقيس لي الضغط. كلام كتير مش مفهوم لي من قلة التركيز، لغاية ما الرجل ده خرج وعلّق لي محلول.


"جدو هارون"


"فداكِ جدك يا ورد، قولي يا حبيبتي عايزة حاجة، أوديكِ مستشفى؟"


كان حنين أوي وهو بيطبطب على يدي السليمة، حنية أنا مستغرباها وعيون الموجودين استغربوها. بس بعد لحظة تفكير، الحنية دي أصلها حنين لأحلامه اللي اتخذت. كان بيحلم بزينب وبيحلم يجيب منها ورد، فجَسَرة الأيام أن يخرج من نسلها ورد، لكن مش وردته هو ومش منه هو


"ممكن نتكلم لوحدنا؟"


خلى الكل يخرج، وقبل ما سارة تخرج جابت شنطتي اللي وقعت جنبي وخرجت. فتحتها وطلعت الورقة وقلت له:


"دي تاليا جابتها لي بعد ما يوسف خرج لك. ما عرفتش نيتها إيه لكنها من ياسر، أظن زي ما اللي ياسر عنده عيب، ده عيب أكتر لأنها قالت كلام ما ينفعش يتقال، وما أعتقدش لو كلمتني ثاني إني هأسكت لها."


ضحك بقوة عليّ وهو بيقول:


"داخلة عليّ حامي كده ليه يا ست زينب؟"


ابتسمت له وبأقول له:


"أنا ورد يا جدو."


"لأ، أنتِ حبيبة زينب وتربيتها من غير ما تشوفك، أنتِ اللي معاكِ مذكرتها مش كده؟"


فتحت عيوني بذهول إزاي عرف إن مذكرتها معي. فضحك أكتر وقال:


"زينب حتى ولو ما عشّعش معها، بس ما حدش فاهمها قدي. اللي ما بينول الأحلام يا ورد بيسلّمها لحبيبه عشان يحققها هو، وأنتِ وأبوكِ حبايب زينب في النار."


"عرفت إنها بتقول على بيت الغريب نار إزاي؟"


"عشان أقول ما جات لأبويا من خمسة وخمسين سنة قالت له: يا عمي احميني من نار الغريب هتكويني."


"حبك جميل أوي يا جدو."


"وحب الواد يوسف من حبي، اتعلم الحب على يدي."


ابتسمت بفرحة وقلت:


"طب وغضب يوسف؟"


"برضه من غضبي، وغضب الحبيب شديد، عشان كده أنا سايبه ينفّس عن غضبه، عشان أما بيتحبس بيتضاعف يا بنتي."


"أنا خايفة يأذي نفسه."


"قولي له."


بصيت باستغراب وقلت:


"أقول له إيه؟"


"قولي له إنك خايفة عليه، الحب بيطفي أي نار، هيسمع منك ومش هيسمع مني."


"بالنسبة للورقة؟"


"ما تشيليش همها، ولا هم ياسر، خليكِ في جوزك، واتجدعني بقى ما زهقتيش من قاعدة البيت؟"


عقدت حاجبي باستغراب أكبر وقلت:


"أتجدعن أعمل إيه؟

وإيه علاقة القاعدة في البيت، دي مش بيدي؟"


"ده كلام يوسف الخايب ده، تلاقيه لسه مش راضي يقول لك."


"يقول لي إيه أنا مش فاهمة حاجة."


"بصي يا بنتي، لما زينب ماتت، أنا كنت نار بتحرق كل من يقف قصادها، حتى عيالها، اللي عارضوني وكانوا عايزين يحرموني من قبرها، وطبعًا جدك. بعد سبع سنين من موتها كانت عمتك وقعت في ابني محمود، حبوا بعض، وجاء لي ابني عايز يتجوزها. ساعتها أنا وقفت قصاد الدنيا عشان حبهم، وأول ما عمتك جات لي بقت في حماية خلاص. وغريب اتبرى منها، وبعد كام سنة مات. كانت عمتك عايشة في القصر زيك من غير خروج ولا طلوع ولا أي حاجة وده كان حماية.


والعرف اللي حطه ليّ أبويا أما قلت له أتجوز زينب:

قال هتفضل غريبة بينا لغاية ما تخلف من صلبها ولد، أنا قلت كده لابني بعد سنين، وفعلا بقت من وسطنا لما خلّفت ياسر، خلفته بعد يوسف بسنة.


والعرف ده أنا قلته ليوسف يوم كتب كتابكم، ومن ساعتها الخايب مش عايز يقول لك وخايف تعرفي، ومنبّه على القصر كله ما حدش يقع بلسانه قصادك عشان مش عايزك تخافي منه."


دماغي كتير عليها أوي أوي اللي حصل النهاردة!

كتير عليها اللي جده قاله، مش هأنكر إني خفت، وكنت هاتزعل لو سمعت الكلام ده في أول يوم جواز، ويمكن عمري ما كنت فتحت قلبي ليوسف واتجننت وحاولت أهرب.


"يعني عشان أعيش حياة عادية وأرجع للكلية وحياتي القديمة وأشوف أهلي كمان، لازم أحمل من يوسف؟!"


"أيوه يا ورد، وصدقيني الخطوة دي كل ما تاخدوها بدري كل ما حياتكم هتبقى أجمل. الأجمل من إنك تتجوزي حبيبك هو إنك يبقى عندك حتة منكم ماشية على الأرض، ما تحرميش نفسك وما تحرميش يوسف يا ورد، يوسف عاشق التراب اللي بتمشي عليه زي ما بيقولوا، وأنتِ خلاص قلبك ما بقاش خالي من ناحيته."


ابتسمت بحسرة وقلت:


"مش خالي والله يا جدي، بس أنا خايفة أوي."


"يبقى تروحي وتقولي له، مين يؤمن خوفك غير ربنا سبحانه وتعالى، روحي ادعي وصلي استخارة وخلي ربنا يطمن قلبك، وبعدين روحي ليوسف وقولي له كل اللي في بالك."


اتبسط أوي من كلامه وقمت أحضنه بحب، ودماغي ما بقتش بتفكر بخوف، بقت بتفكر بحب، وأول حاجة هأعملها بعد الاغتسال هي الاستخارة.


——————————————————-


"أنتِ بتقولي إيه أنا اتسطلت!"


ضحك جامد عليه وهو فاتح بقه ومبرق بعد ما حكيت له اللي حصل بيني وبين جده من كام يوم قبل ما نمشي من القصر، حتى الجزء اللي فيه إني عرفت إني لازم أخلف عشان أرجع لحياتي الطبيعية.


"ورد أنتِ بتتكلمي عادي كده إزاي؟

أولًا عايز أفهم إيه محتوى الورقة اللي تاليا جابتها، وأنتِ إزاي ما فيش منك أي رد فعل على موضوع الخلفة؟"


"أولًا أنا أصلًا ما فتحتش الورقة، ثانيًا مش لازم أعرف كل حاجة يا أستاذ يوسف، ويلا أنت مش ناوي تروح تصالح جدك؟"


"الورقة فيها حاجة تخص ياسر، أكيد تاليا مش هتيجي هتكتب جواب حب."


"ما تكتب لي أنت طيب، الإنسان هيعيش من غير جوابات حب إزاي؟"


قلتها وأنا بأنكشه، فضحك وهو بيقرب ويقول:


"حلو أوي التقدم ده، ماشية على 220 وما حدش هامك."

قالها وهو بيغمز لي فقلت:


"طب إيه رأيك تصالح جدك وأنا أنزل أشوف حاجة آكلها وأستكشف المطبخ بتاعكم بالمرة بما إن أول مرة هأدخله."


بص لي وضيّق عينه وهو بيبوس يدي وبيقول:


"خلي حوار المطبخ ده وقت ثاني يا حبيبتي، أمي مش هتحلّك بجد."


"هأتعود يا يوسف، ثم إني عندي لسان يعني، مش قصدي إني هأرد عليها، بس ممكن أرد على أي حد غيرها عادي... وكمان في خيار إني أجيب حد من شعره مثلًا."


"Go on, baby، بس ما تحتكيش مع أمي بالله، أمي ما بتسكتش وكلامها تقيل."


"حتى لو قالت إيه ما ينفعش أرد عليها، عيب وكمان ده هيعمل مشكلة أنا وأنت اللي هنتصدّر فيها، وهيحصل زعل في الآخر."


"حبيبتي العاقلة يا ناس."


قالها وهو بيبوس دماغي ويدي فضربته على يده:


"خلاص عمال تبوس من الصبح وأنا ساكتة لك."


"هو أنا لسه عملت حاجة؟"


قالها بخبث ونظرات واضحة فضربته على كتفه وقلت:


"يلا من هنا... يلا روح صالح جدك بدل ما أنت مطرود كده."


قالها وهرب بيضحك وبيقول:


"عارفة زمان قالوا إيه؟


مصيرك يا ملوخية هتيجي تحت المخرطة."


"حاضر حاضر... امشي بقى."


================================================================================


خرج وقفل الباب وأنا قمت سرحت شعري للمرة الثانية في اليوم، وعملت ضفيرتين ولفيتهم ولبست الطرحة ونزلت على المطبخ، طبعًا استعنت بسارة، دخلنا سوا وكان المنظر كالتالي: ماما يوسف وماما سارة واقفين على البوتوجاز، ورندا وواحدة تقريبًا اسمها مهى ولا نهى ومعاهم بنت ثانية قاعدين بيقوّروا باذنجان، وواحدة بتلف ورق عنب، وبنت سِنة واقفة على جنب بتفرم بصل، وكمية أكل كبيرة متوزعة من فراخ وصواني.


"السلام عليكم"


الكل بص ناحيتي لما قلتها، نظراتهم عصبتني، رحت ناحية ماما يوسف وأنا بأقول:


"أساعدك في حاجة يا طنط؟"


"لأ يا حبيبتي أنتِ على يدك نقش الحنة، الحاج هارون قال ما تعمليش حاجة في المطبخ."


كانت باستهزاء وواضح جدًا، مسكت أعصابي وقلت:


"اللي يريحك يا طنط."


"بيبو هي فين البسيسة بتاعتي؟"


كان صوت تاليا اللي لقيتها بتوجّه الكلام لمامة يوسف، بهية بقت بيبو!!


"في الفرن يا حبيبتي، هتلاقيه جنب صينية يوسف، صينية يوسف الكبيرة خدي بالك."


"أوكي يا بيبو، طب ما آكل أنا ويوسف الصينية الكبيرة دلوقتي والصغيرة للتحلية؟"


"يوسف ما بيحبش حد ياكل من البسيسة بتاعته عشان بيقرف."


كنت بأغلي، وقبل ما هي تروح للفرن سبقتها وأخذت الصينية الكبيرة، وبعدين اديتها لسارة وفتحت الثلاجة كان فيه حاجات كتير لكني طلعت طبق فاكهة وبعدين قلت لأخت سارة الصغيرة:


"معلش يا قطة ممكن تقولي ليوسف يبعت يجيب لي عصير فريش، هتلاقيه في مكتب جدو هارون؟"


البنت راحت بسرعة وبحماس، ده لأن يوسف بيعملها بحنية كبيرة. الكل بص لي وأمه جات أخذت الصينية من سارة وهي بتقول:


"هتقطعي كلام الرجالة عشان عايزة عصير؟"


"مش أحسن ما أشرب عصير معلب وجوزي يزعق؟"


كانت هتتقهر، بس ما كانش قصدي هي، أنا كان قصدي اللي ودانها بتطلع نار ورايا. وبعدين رحت وقلت لطنط:


"معلش يا طنط ممكن تدي الصينية لسارة؟

يوسف كده كده مش هيقرف مني لو أكل منها عشان نفسي فيها أوي."


رفعت حاجبها وهي بتديها الصينية وبتقول بصوت عالي:


"الله يعينك يا ابني على الدلع ده."


===========================================================================


ضحكت بخفة ومشيت مع سارة، بس طلعنا على أوضة ليلى اللي سارة قالت إنها صحيت. دخلنا وكانت قاعدة على السرير شكلها متضايق، قعدت جنبها على مهل وسارة شغلت صالح عنها.


"مالك يا ليلى، ماعرفناش نتكلم سوا؟"


"أنا خايفة أوي يا ورد، الدكتورة وخالد وحتى يوسف قالوا أجهضيه صحتك أهم بس أنا عايزاه يا جماعة أنتم مش فاهمين."


"يا حبيبتي أكيد هم مش فاهمينك، أنا عمري ما هأفهمك لأني ما جربتش قبل كده، بس الأكيد إنهم كلهم بيخافوا عليكِ وعمرهم ما يغامروا بيكِ."


"أنا عارفة، بس لازم آخذ قرار، وخالد أول مرة ما يكونش مساعدني، ما يكونش بيدعمني، كل ما أكلمه يقول لي مش هأسمح لك تروحي مني ومصمم إني أجهض، عايزيني أعمل كده بيدي أنا!

في حد يقتل روح جواه!

أنا ساكتة ومستنية الشهر الثالث عشان يسكتوا وما حدش يتكلم، لكن الأستاذ خالد بيتخانق معايا مش بيتكلم بس، أعصابه فلتت."


"مش بأبرر له، بس الرجالة غيرنا يا ليلى، أنتِ حاسة بحاجة جواكِ وبعد شهور هتسمعي نبضه وبعد شهور هتمسكيه على يدك، أنتِ عينك شايفة كل ده لكن هو شايف روحه بتروح منه. طب أنتِ عارفة لو كانت بطنك كبيرة شوية ولا كنتي في الثالث ولا السونار كان ظاهر فيه حاجة غير كيس البيبي، كان هيتجنن أكثر لكنه برضه هيختارك، أنتِ غالية عنده يا ليلى، وهو أكيد مستكفي ومش عايز من الدنيا حاجة غيرك أنتِ وصالح، حاولي تفهميه."


"أنا فاهمة، بس محتاجة له يا ورد، أنا لازم أروح للدكتورة بكرة وعشان أديها القرار، وخالد حلف إني هأجهضه، بس أنا صليت استخارة ولو حجم الورم ما تضخمش أو فضل ثابت وما حصلش أي تغير أنا هأكمل الحمل بإذن الله، ربنا يختار لي عشان أنا تايهة."


"اهدي طيب وبلاش تفكير، والله حتى يوسف قال نفس اللي هأقوله لك ده، أنا حاسة ومستبشرة بخبر حملك ده، وصدقيني ربنا هيكرمك فيه، وبإذن الله نشيل ابنك ده على إيدينا ونلعب بيه كمان."


ابتسمت لي وقعدت أقطع لها فاكهة هي وصالح وسارة، وقعدنا نرغي شوية بأحاول أخرجها وتشتيت دموعها عن التفكير. قعدنا ساعتين لغاية ما خالد رجع، فخرجنا كلنا وأنا رجعت على أوضتي، لقيت يوسف واقف قصاد المراية بيعدل ياقة التي شيرت وبيظبط شعره.


"عملت إيه عند جدك؟"


"الحق ولا ابن عمه؟"


"أوعى تقول إنه طردك ثاني."


"وضربني كمان، القلم منه بيخلي مناخيري تنزف."


بصيت له بتعاطف وأنا بأقرب منه وبأسأله:


"أنت كويس طيب؟"


"زي الفل يا قطتي، كنتِ عند ليلى؟"


"آمم، قعدنا شوية وحاولت أضحكها وأخرجها من الزعل اللي هي فيه ده."


"خير ما عملتي والله، أنا عرضت السونار وتحاليل الورم وكمان التحاليل القديمة على دكتور في ألمانيا اتعرفت عليه وأنا هناك، وهيرد عليّ كمان شوية، بيقيس خطورة إنها تكمل الحمل ونسبة الأمل، والأمر كله لله، بإذن الله هيكرمها."


"يوسف أنت إزاي كده؟"


ضحك لي وقال:


"إزاي يعني؟"


"بتعرف تاخد بالك من كل حبايبك، اللي يشوفك يقول إنك اتلهيت عن موضوع أختك ورميت شغلك عشان أنت كان معاك مشكلة، لكن أنت ما بتنساش أختك لحظة، وكمان عملت شغلك وبتاخد بالك مني، أنت إزاي قمر كده؟"


ضحك على الكلمة الأخيرة اللي فلتت مني وهو بيقول:


"من عند الله، ثم إني واخد الموضوع ده من جدي، ما ينفعش تغمض لي عين من غير ما أكون مطمن على حبايبي كلهم."


"ربنا يحفظك يا يوسف، ها يا مطرود، قولي هنرجع شقتنا ولا إيه؟"


"هنرجع يا قطتي، بس بما إننا عندنا وقت، إيه رأيك نعمل شوبينج وندلعك شوية؟"

"إزاي يعني؟"


"يعني أدوات رسم، على شوية برفانات بتحبيها، على حبة ميكب للبيت مثلًا، وأهم حاجة هدوم عشان أنتِ ما عندكيش، وأنا كمان عايز أشتري كام جاكيت عشان الشتا، أصل العبد لله ربى عضلات فمعظم الجواكيت اللي بأحب ألبسها ما بتدخلش."


"ليه حاسة إن في استعراض قوة بيحصل؟"

"لأ لأ ده استعراض القوة اللي بجد."


قالها وهو بيرفعني بيد واحدة، وقبل ما يلف لي عصيته من كتفه جامد، فنزلني بسرعة.


"سعرانة!"


"وأنت مستعبط!"


"اسمها بتستعبط!"


"لأ، بتستعبط ده فعل، مستعبط ده فاعل."


"اللغة العربية في ذمة الله."


"يعني إيه، تقصد إني غلط؟"


"لأ، طلع ليّ أنا يا وردتي، ده اللي حطوا المعجم العربي نفسه هم اللي غلط، أنتِ الصح يا باشا."


"أيوه كده."


==========================================================================


كنت قاعد على البحر، ساكت. الجو برد وأنا مش حاسس، شارد وبأفكر في حاجات كتير، بأفكر إنها خلاص مش ليّا، ومش عشان بقت ليوسف دي المشكلة، أنا ضيعتها بيدي من شهور، ما فيش لون غير عليّ. ويمكن دي الحاجة الوحيدة اللي هأبطل أحقد على يوسف فيها، لإنها تستحقه. يوسف أحسن مني وورد ما تستحقش غير الأحسن. وزي ما قال لي جدي، اللي بيحب ما يستحملش يشوف حبيبته في يد غيره، وبدل ما أنت أول ما شوفتها في قلبك غل عشان بقت مع يوسف يبقى أنت ما حبتهاش أنت بس غيرتك من يوسف وجعتك، ودي حقيقة لو كانت اتجوزت حد ثاني ما كنتش هأهتم أصلًا. فضلت قاعد التفكير هيجنني حرفيًا، لغاية ما لقيت صوت جدي ورايا.


"قاعد زي المطرودين كده ليه؟"


ضحكت بسخرية وقلت له:


"تبقى طردتني من قصرك ومضايق إني قاعد على الكورنيش شوية؟"


"طردتك من قصري، لكن ما طردتكش من أملاكي، الشقة اللي أنت بايت فيها دي بتاعتي على فكرة."


"عايزني أمشي يعني؟"


"لأ، عايزك ترجع وتقف على رجلك، وبلاش نظرات التوهان، مش ياسر محمود هارون الصديق اللي يقعد ظهره محني كده."


"أيوه الاسم اللي ما جابش لي غير وجع القلب ده."


"طب هتسيب دور الضحية ده إمتى، عشان مجهز لك دور أحسن على فكرة."


بصيت له بفضول وسألته:


"دور إيه؟"


"هتمسك المينا في إسكندرية، لوحدك!

هأسيب معاك عمك عشان يسندك، وتختار واحد بس يساعدك من عيال عمك، بس مش هتنام، هتطحن شغلك، هتنسى ياسر الضحية ده. وبما إن حضرتك فنان، فإسكندرية بلد الفن والمعارض واللوح، ملي عيونك بيهم وركز على شغلك، عايزه تثبت للكل إنك شاطر ولو حطيت حاجة في دماغك هتنجح فيها."


"مش عايز إثبات لك أنت كمان؟"


"مش عارف أودي فين لسانك ده ينضف، بتقولي لي أنت!!

وعمومًا مش عايز أخذ إثبات حاجة أنا متأكد منها يا عم ياسر، لما تسيب دور الضحية تبقى كلمني."


ابتسمت له وجريت حضنته وأنا بأقول له:


"أنا بأحبك أوي يا جدي."


"وأنا كمان يا روح جدك، يلا اركب العربية هأشحنك إسكندرية خلاص."


———————————————————-


رجعنا الشقة، ويوسف شايل كمية شنط!

جوزي الجنتل اللي رافض إني أشيل حاجة، وجوزي القمر اللي خلاني فرتكت مبالغ ضخمة، والقمر أكتر عشان جاب لي موبايل وأخيرًا واشترى لي خط جديد، وخلاني كلمت ماما منه وخلاص بقى خطي الأساسي.


"أنا رجلي مش شيلاني."


"أشيلك أنا يا عمري."


"شيل نفسك يا خويا."


بص لي بغل وهو بيشيل الحاجة وبيخرج المفتاح:


"هأضربك يا بت في مرة."


"وسع بس هموت وأقلع الطرحة دي مش قادرة."


"الله يعينك يا حبيبتي، مأجورة على الصبر ده والله."


"يا ربي يا يوسف أنت جميل أوي، معظم الرجالة أما بيسمعوا كده أقرب كلمة لهم، مالهم الستات لابسة حجاب وفي اللي لابسين نقاب؟"


"إيه الكلام ده، يبقى أنا مراتي عاملة فرض ربنا وبتصون نفسها، وبتستحمل الحر، وطبقات الهدوم واللبس الواسع، وفي الآخر أجي أكسر بخاطرها وأقولها ما الكل بيعمل كده؟ وأصلًا الموضوع صعب على الكل، ده إحنا لابسين بنص كم في الصيف وكل خمس ثواني في الشغل بأدلق على نفسي إزازة مياه، أومال أنتم تعملوا إيه؟ الله يعينك."


كنت مبسوطة من كلامه أوي، وهان عليّ أقوم أحضنه. حطيت الحاجة بعشوائية وهو صلى ركعتين قيام، وبعدين جه ليّ ويقول لي:


"يلا ننام يا قطة."


"كلمة قطة دي مستفزة أوي."


ضحك وهو بيفك توكة شعري وبيقول:


"خلاص هأقول لك يا بطة، معبرة أكتر."


قالها وهو بيلعب في شعري، فضربته على إيده وقلت له:


"أنت مش محترم."


"والله إلا إن أنتِ ما شوفتيش مني غير كل احترام."


"هأخليك تنام على الأرض على فكرة!"


شلني لوحدي على السرير جامد وهو بيقول:


"كان سرير أبوكِ هو، كل ما أتنفس تهدديني، على فكرة أنا ما بتهددش."


——————————————————-

بعد ثلاثة شهور


يوم طويل، حرقت فيه صينيتين بسيسة. كنت عاملة مكرونة لذيذة ومعها بانيه بتتبيلة سكر اتعلمتها من على النت. حبيبي على مدار ثلاث شهور وديته المستشفى مرتين بسبب أكلي، والدكتور كل مرة يقول له: يا باشمهندس ما تأكلش من الشارع ثاني، أفهمها إداريات أكل من أكلي أنا. كنت قاعدة على الوصفات على النت لغاية ما المغرب أذن عليّ، سبت اللي في إيدي مع إني كنت مركزة، بس دي حاجة يوسف علمني إياها: "بارك الله في عمل قطعته الصلاة." صليت المغرب ورجعت المطبخ، اللي اخترت فيه كل قطعة على ذوقي. حاجات كتير أوي اتغيرت الثلاثة شهور اللي فاتوا، اتصلت بماما.


"السلام عليكم يا ماما."


"وعليكم السلام يا حبيبتي، وحشتيني يا بت يا ورد."


"والله يوسف قال لي إنه هيفضي نفسه يوم ويروح يجيبك عشان تزورينا، أنتِ عارفة إني مش هينفع أجي دلوقتي."


"حاضر يا حبيبتي، قولي لي بقى بوظتي إيه النهارده؟"


"والله أنتِ بتفتري عليّ، أنا ما ليش غير جوزي حبيبي."


"ده مطبلاتي شاطر يا حبيبتي، فالح بس بيقول لك:


الأكل باظ لوحده يا وردتي أنتِ مش بتبوظي حاجة."

"آه ولما بأحط سكر بدل الملح بيقول لي: أحلى أكل sweet and sour أكلته في حياتي."


فضلنا نضحك وقالت لي على وصفة البسيسة الحلوة، وبعدين قفلنا. وفضلت قاعدة لغاية صلاة العشا، قلت صليت وبعد ما خلصت لقيت الموبايل بيرن، كان أستاذ يوسف طبعًا.


"نعم؟"


"حقك عليّ والله، لسه خارج من الاجتماع."


"أنت من قبل المغرب ما اتصلتش بي على فكرة."


"يا عمري والله الشبكة زي الزفت، والله لولا إنه شغله مهم ما كنتش اتأخرت أوي كده بره البيت."


"طب هتعوضني بقى عشان أنا زهقت من شغلك ده."


"عينيّ والله بكرة كله إجازة لأجل عيونك، وبعدين جهزي الدنيا عشان صالح هيجي ينام معانا شوية، ليلى تعبانة أوي اليومين دول."


"حبيبتي ربنا يقومها بالسلامة، متحمسة أوي أشيل بنوتتها."


"طب ما نجيب إحنا بنوتة أجمل منها الآه؟"


"لأ بإذن الله ربنا يكرمنا بولد قمر كده."


"وماله، ده أنا أقتله فيها، إذا كان أنا بأغير من صالح العجل اللي بتنيميه في حضنك ده، عايزانا نخلف ولد؟ متشكر يا ست كفاية أنتِ عليّ."


ضحكنا سوا وأخيرًا رجع ومعه صالح اللي قضيت معه سهرة لطيفة جدًا إحنا الثلاثة بنتفرج على كرتون لغاية ما صالح نام وهو في حضني، ويوسف ضمني أنا وهو وإيده بتلعب في شعري كالعادة.


"يوسف."


"نعم يا عيون يوسف."


اتبرمت وأنا بأرفع عيني ناحيته وبأقول:


"تعرف إني بأحبك أوي؟"


"عارف."


قالها وهو بينكشني وبيضحك، فضربته على صدره وقلت:


"تصدق أنا غلطانة؟"


"استني بس، أنا بأحبك أكتر يا ستي، بس قولي لي إيه اللي شاغل عقلك يا بطتي؟"


ابتسمت وأنا بأريح راسي على صدره ثاني وقلت:


"أنا عايزة ألبس الخمار، قلقانة وبس عايزة أعمل كده، أنت قلت لي إن اللي بياخد حاجة بالتدريج ده مش بيوصل لنتيجة كويسة ولازم تجيب آخرك في الحاجة."

"طب أنتِ قلقانة من إيه يا حبيبتي؟"


"مش عارفة أنا بس عايزة تدعمني في الخطوة دي."


"في جبل في ظهرك يا ورد، أنتِ مش متخيلة فرحتي بيكِ عاملة إزاي وأنتِ بتقولي لي كده، في بالي ردود أفعال كتير والله بس الكلب صالح نايم جنبنا."


ضحكت بخفوت عشان صالح نايم وأنا بأقول له:


"على فكرة أنت مش محترم."


"إحنا لسه في النقطة دي؟"


==========================================================================


مر كام يوم وروحنا نطمن على ليلى ونرجع صالح عشان وحشها، وقضينا يوم لطيف وبعد كده رحت أنا وجوزي المطرود. أنا مدركة إن جدو هارون عايزنا نقضي حياة كاملة سوا لوحدنا نأخذ فيها مساحتنا، وأحسن حجة يطلعنا بيها من القصر قدام عيون الكل إنه طارد يوسف وياسر وما حدش فيهم هيدخل القصر غير لما يتصالحوا.


كنت لبست الخمار فعلًا ومتحمسة أوي، ويوسف بعد كده جاب لي هدوم جديدة وخمارات كتير أوي، وطبعًا ما كانش بيرضى يجيب لي ألوان ملفتة وخاصة اللون الأحمر، ده لونه لوحده. كان فيه أفكار كتير شغلتني ويوسف معظم اليوم في الشغل عشان المينا بعيدة أوي عن البيت. كان اقترح عليّ بعض الكتب أدرسها بعد الشغل، وعملت كده وخلصت كتابين في الثلاثة شهور دي، وكانت أمتع حاجة في اليوم بصراحة بعد محاولات الطبخ البائسة. مر كام يوم كمان وعزمت الأمر ونزلت الصيدلية أشتري الحاجة اللي بأهرب منها.

فتحت باب الشقة بتوتر كبير ويدي بتترعش، لقيت يوسف بيفتحه هو كمان من جوه وملامح القلق عليه وبيقول:


"كنتِ فين يا ورد؟ أنا موت من القلق عليكِ وإزاي تنزلي وتسيبي التليفون، ونزلتي من غير ما تقولي لي كمان؟!"


كان قلقان، أنا مدركة ده. قرب مني وهو بيرفع وشي له وبيقول:


"حبيبتي أنتِ كويسة؟"


هزيت راسي بـ"أيوه" وفتحت شنطتي خرجت منها اختبار الحمل اللي اشتريته وقلت له:


"بلاش فرحة وبلاش حماس، أنا بس عندي شك وعايزة أتأكد."


كان متنح وقبل ما يقول كلمة جريت على الحمام وقفلت على نفسي وهو جه وقف بره وبيقول:


"ورد أنتِ بتتكلمي جد؟ فهميني طيب، شاكة في إيه... قصدي يعني حاسة بإيه... ورد اخرجي بسرعة... لأ، اعملي الاختبار واخرجي."


كان صوته متوتر وفرحان أوي ومش عارف يفكر من الصدمة، دقيقتين ولقيته بيخبط وبيقول:


"إيجابي؟ خطين طيب، هاتيه وأنا هأشوف النتيجة، والله لأكسر عليكِ الباب."


"يوسف أنت عبيط؟ اسكت شوية."


مرت دقايق كتير، عليّ وعليه كأنها سنين وأنا واقفة قصاد المراية وملامح وشي مخطوفة وعيوني مدمعة. فتحت له الباب وبلهفته سحبني لحضنه وهو بيسأل:


"خط ولا خطين؟"

يتبع...

#نورهان_علام

#حواديت_تراب_القمر

تفتكروا النتيجة خط ؟

ولا خطين ؟

رواية ورد ويوسف الفصل العاشر 10 والأخير من هنا

رواية ورد ويوسف كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات