رواية ورد ويوسف عبر روايات الخلاصة بقلم نورهان علام
رواية ورد ويوسف الفصل الخامس 5
رجعنا بورسعيد بقالنا يومين. كانت بتتجنبني؛ كنت ملاحظ ده، كأني رجوعنا القصر وسط العيلة فكرها بالحقيقة المرة وإنها مغصوبة عليّ. كنت مرهق نفسيًا وجسديًا؛ أخدت دواء الضغط قبل العشا ونمت على السرير من غير ما أحس. مكنتش موجودة، كانت مع ليلى وسارة. غالبًا مرَّ وقت مش عارف قدره، وصحيت وهي بتفتح الباب داخلة. كنت دايخ أوي — لأني مكلتش من الصبح واتمرَّنت بعد الشغل. قاعد على حالي وبحاول أفوق، لقيتها بتزعق وبتقول:
"أنت نايم هنا ليه؟ طريقة جديدة عاوزني أنام جنبك بيها!"
كانت بتهاجم، ومكنتش فاهم إيه بيحصل؛ رديت باستنكار وقلت:
"طريقة جديدة إيه؟ هو كان في طريقة قديمة أصلًا؟ وبعدين أنا مش قلت لك مش عاوز منك حاجة إنتِ مش عاوزِها!"
"والله؟ عاوز تفهمني إن كل صبرك ده مش طريقة منك إنك توقعني!"
"أوقعك في إيه؟ قولي بس أوقعك في إيه؟؟"
"أنت رجل... وأكيد عاوز مراتك، ودليل آه، إني جيت لقيتك نايم في السرير!"
"هو نومي في السرير بقى جريمة؟ لمجرد إني مرهق وتعبت من نومة الكنبة بقيت رجل دنيئ عاوز منك... استغفر الله العظيم، ورد لِمّي الليلة؛ أنا لا عاوز أتخمد ولا عاوز منك حاجة."
قلتها بزهق ودخلت البلكونة. كان لازم أبقى صبور وهادي أكتر لكني تعبان، وكنت بتمنى أي أمل منها إن صورتي اتغيرت عندها. صوتها غاب — غاب زيادة أوي، يمكن ساعة وشوية. مافيش حركة باينة من باب البلكونة، فدخلت الأوضة؛ مكنتش موجودة. قربت من باب الحمام وخبطت: خبطة وبعدها خبطة أقوى؛ فوصل صوتها اللي باين جدًا إنها بتعيط!
"عاوز إيه؟"
"عاوز الحمام."
قالتها ببرود متعمد. دقيقة وسمعت صوت ميّة، وبعدين على طول خرجت ووشها مغسول وعيونها حمرا وشعرها مرفوع أوي. وقفت قصادها وقلت:
"أنتِ مِعيطِة؟"
"وهعيط إيه إن شاء الله؟"
قالتها بكبْر وحدّة، فقلت لها بحنية:
"بس هدّي، وعيونك بتقولوا عكس كده."
"وأنت مالك أنت؟"
قربت شوية وأخدت إيديها وقعدتها على الكنبة. كانت متجمدة من جرأتي لأول مرة أمسك إيديها صراحة كده.
"ممكن تهدي؟ مش لازم تقولي بتعيطي ليه. بس اهدي واستجمعي نفسك كده."
مسحت وشها، وفي لحظة الدموع كانت هتتجمع تاني لقتها بتتنفّس وبعدها بصّت لي وقالت:
"انت عاوز مني إيه يا يوسف؟
شهر وشوية وأنا عايشة في قلق بسببك. أنا مش مستوعبة تصرفاتك، مش مصدقة حاجة من اللي بتعملها أو تقولها. قول انت عاوز إيه مني؟
إيه هدفك من الصبر ده كله، ومن إنك تقول لي 'أنا جوزك وإنتِ مراتي'؟
الكلام اللي ملوش غير تفسير واحد إنتِ بتقعد تنفيه بكلامك. أنا تعبت، مش فاهمة حاجة."
" هتصدقيني لو اتكلمت؟ "
قولتها بحنية كبيرة، فاتنهدت ودموعها نزلت وقالت:
" لا "
" طب انتِ عاوزه تصدقيني؟ "
فضمت عيونها، والدموع جرت أكتر، وبعدين قالت:
" مش عارفه "
" مش عارفه ولا خايفه؟؟؟ "
مسحت دموعها اللي بتنزل بدون توقف وقالت:
" الاتنين... يوسف، هو إن ممكن تكون صادق "
ابتسمت لها بنفس الحنية وقولت:
" أنا مش حاجة غير إني صادق يا ورد، أنا عاوزك على فكرة، وعاوزك مراتي وكل حاجة، بس عاوزك انتِ اللي تعوزيني، ترضي بيا. بطلب منك فرصة، فرصة نكون أي حاجة غير ورد ويوسف اللي تعرفوا واتولدوا في الظروف دي. اديني أي اسم وأي شخصية وأنا راضي، بس بداية جديدة من غير أي أحكام سابقة، وسيبيلي خوفك أنا هطمنه "
سكتت كتير أوي، كتير... وبتتهرب بعيونها بعيد عني، وبعيد عن عيني. حسيت إني اتسرعت، وحسيت إني فاشل، فشلت أخليها تثق فيا. وأكّد إحساسي لما قامت من جنبي وأدتني ظهرها. قومت أنا كمان على الحمام أغسل وشي وخيبتي.
دقايق وخرجت لقيتها واقعة على عتبة البلكونة، شايلة لحاف ومخدة، وبتبص ليا بترد وقالت:
"أنا هفرش لك على الأرض هنا، الشتا أهل والجو هيبقى برد عليك أوي، ولا أفرش لك على الكنبة؟"
كنت حاسس إن ابتسامتها أوسع من حياتي كلها لما قالت كده. ابتسمت وعيوني عليها مش سايبة فيها تفصيلة، لغاية ما اتوترت وقالت:
"يوسف! ركّز عشان مترجعش أنام في البلكونة."
ضحكت وانا بقرب وقلت:
"حطّني في المكان اللي يريحك."
ابتسمت لي وبدأت تفرش لي بأديها على الأرض جنب السرير، وفعلاً كل واحد نام مكانه.
————————————————————
"مقولتش ليّ برضه... يوسف كارِف لك ليه؟؟"
بصيت لها بزهق وقلت:
"تاليا ابعدي عني."
"اسمعي مني واتشتري يا ياسورة، إحنا أخوات برضه."
"اتفضلي."
"يوسف كارِف لك ليه؟ ملاحظة إن حتى في الميناء متفش في وشك وكلامه كان حاد أوي."
"عشان سلمت على مراته... ارتحتي!!"
قلتها بغيظ فسكتت، وبعدين قالت بتفكير:
"البنت دي مطلعتش من البخت. يوسف يعرفها أو عاوزها من قبل ما يتجوزوا."
"عاوزة توصلي لإيه؟؟"
بصّت لي بخبث وهي بتقول:
"عاوزة أقول يا أخويا يا حبيبي إن البنت مش خالية من عينك، وإنك شكلك تعرفها. هي دي بقى بنت الغريب اللي قولتلي عليها!!"
"ولو هي؟ هتفرق، ما هي تحت اسم يوسف دلوقتي."
"هتفرق كتير. مراته المتكوّنة اللي غالبًا هو اختارها من بين بنات الغريب كلهم كانت على علاقة سابقة بصاحبها. وجايز العلاقة تكون مش سابقة، في الأول أو الآخر دي جوازة مغصوبة يعني."
"إلى الآن تسليف غير استفادة واحدة وهي لكِ وبس. أنا هَستفاد إيه لو عملت كده؟"
"هتِفش غلك في ورد بدل ما أنت هتفِرّقع منها. اللمسة اللي معرفتش تاخدها منها وهي بتحبك، يوسف هيأخدها منها وهي مش بتحبه، وكمان هتقدّر يوسف، عشان كده أنت أخدت حاجة هو عاوزها من إيده..."
"طبعا يوسف بياخد كل حاجة. يوسف هو الحفيد اللي على الحجر... معرفش بتِحبي فيه إيه."
"يوسف يتحب فيه حاجات كتير أوي. نفسي فيه من سبع سنين، من أول ما نزلت مصر وشوفته في الميناء."
"طب مش حاسة إن اللي مدميش ريق من سبع سنين مش هيديكِ دلوقتي؟؟"
"ملكش دعوة أنت. شوف اللي مقعدش في إيدك سنة وفلسعت."
————————————————————
عدّى كام يوم على اتفاقنا. كان بينام على الأرض جنب السرير حاسس كأنه نايم فوق السحاب، ويقعد يكلّمني كتير، وأنا أرد عليه بهدوء وبكلام قليل من استغرابي، لكنه متحمّس... حماس جميل أوي. خرج من الحمام وأنا كنت بروّق فرشته، وبقى اتفاق صامت إني أنا اللي أفرشها وأشيلها كل يوم. كان لابس قميص أبيض وبنطلون أسود كلاسيك، ومع تقسيمة جسمه شكله خرافة.
طلع علبة صغيرة وقرب مني وقال:
"عندي اجتماع مهم أوي، اختاري كرافات أربطها، هلبس بليزر أسود."
ابتسمت وبصيت بحيرة. كنت بشوف ماما دايمًا بتربطها لبابا الله يرحمه، وكنت بتمنى في يوم من الأيام إني أربطها. لكن الموقف جه بدري أوي. عيوني دمعت، واخترتله واحدة وأديتها له، فابتسم وقال:
"تعملي معروف وتلفيها؟ ولا أروح أصحي ليلى؟"
سكت شوية بتردد وبعدين هزيت راسي. وقفت بعيدة قد ما أقدر، وذراعي ممدودة، وبربطها له بتوتر. مكنتش مظبوطة لكنه قال:
"تسلم إيدك يا وردة، جميلة ولايقة على اللوك. مش كده؟؟"
"أول مرة أشوفك لابس كرافات. رايح فين كده؟؟"
"ده زي ملتقى عربي ودولي لشركات عالمية وعربية مع مستوردين كُبار ومصدّرين. والشاطر بقى اللي يعرف يجمع صفقات أكتر ويثبت نفسه ويظهر حضوره، وكمان يخلي اللي ما تعاقدش معاه السنة دي يستنى السنة الجاية يتعاقد معاه."
ابتسمت بخفة وقلت:
"يا رب تبقى أنت الشاطر ده النهارده."
ابتسم أوي، وغمزاته ظهرت. أما بيضحك كده بحس عيونه بتضحك معاه رغم إني قلتله حاجة بسيطة جدًا.
"جهزي نفسك عشان ورانا شوبينج طويل جدًا بكرة."
"ليه؟ كفاية فستانين، أنا أصلًا مش بخرج من القصر."
"ولو ما بتخرجيش غير من الأوضة، تلبسي أحسن حاجة. وبعدين نفسك تروحي فين وأنا أوديك."
"هبقى أقولك لما ترجع، عشان غالبًا أنت كده متأخر."
"ماشي يا ورد."
قالها بتحية لذيذة وابتسامة وهو بيخرج من الأوضة.
————————————————————
خرجت من أوضتنا وأنا رايق ومبسوط، فقابلت سارة في وشي فبصت لي وقالت:
"أمم بتضحك يا يويو؟ ضحكني معاك طيب."
"بِتّ، إنتِ متكلمتش خالص، إنتِ مش جدعة. هو ده اللي هتكلمني عليه قصادها وهتخليها تحن!!"
"أنت مش فاهم حاجة. لو كل مرة بقعد معاها بكلمها عنك وإنك واو هتفهم إنك بعتني. لكن لو كل مرة برمي حاجة عنك في الكلام، الفضول بيقتلها وبتسأل عنك."
"هي بتسأل عني؟؟؟"
"في إيه يا يويو؟ إنت وقعت في حبها أوي يا أبه يوسف."
"اتنيلي أنتِ كمان؟ هو إنتِ لسه واحدة بالك! المهم هظبطي معها، هجّب لك وهغرقك شوكولاتات."
"على فكرة خالد وعم محمد مش بيحبوا الشوكولاتة اللي إنت بتجيبها."
"من عيوني لكِ، ابعتيلي صورة كل اللي إنتِ عاوزاه وأنا هوصيهم بنفسي."
"ربنا يفتحها عليك من وسع وخيره يا يويو."
بوست دماغها ونزلت لتحت أتصل بخالد عشان ينزل لي، لكنه مكنش بيرد أصلًا. اتعصبت وطلعت على أوضته بخبط لقيته فتح وكان لابس وجاهز، فسألته:
"بص، إنت لابس وجاهز. مش بترد ليه؟"
"ثواني يا يوسف."
دخل وغاب دقيقتين، وبعدين صوته جه من جوه:
"ادخل يا يوسف."
دخلت بسرعة مخضوض على ليلى، لقيت الأوضة مدمرة وهي قاعدة على الأرض ولابسة روب؛ اعتقد هو لابسه لها حوالين، ويديها مربوطة بشاش طبي.
جريت وقعدت قدامها على الأرض وأنا بمسك إيديها وببوسها، وخالد خدها في حضنه وهي لسه بتعيط.
"مالك يا عمري... في إيه يا روحي؟ قوليلي بس."
خرجت من حضن خالد لحضني ومسكتها جامد وهي بتعيط بنهيار وقالت:
"أنا حامل يا يوسف! للمرة التالتة حامل... مش عايزاه، لو هيروح مني تاني مش عاوزه. أنا تعبت يا يوسف، هي ليه مش فاهمة إنه مش بإيدي."
كانت صافعة بالنسبة لي وخالد قاعد موجوع عليها شكلًا عرف.
"اهدي يا عمري، هعمل لكِ اللي إنتِ عاوزاه. بلاش عياط بس. أنا عمري ما اتخليت عنك؛ أنا وخالد، إحنا معاكِ يا روحي."
"ليلى، عشان خاطري قومي ننزل للدكتورة بتاعتك."
"مش عاوزة حاجة. ابعد عني يا خالد."
بصيت له بسرعة علشان يسكت، وهي كانت بتتكلم في حضني وأنا برد عليها:
"يوسف، أنا مش عاوزاها تضيع مني... أنا السبب."
"إنتِ مش السبب يا عمري. ده ابتلاء من الله بيشوف صبرك."
"أنا مش معترضة، بس تعبت من تكرار نفس الكلام ومن التحاليل والإجهاض، ومحدش عارف حاجة. كلهم بيجوا عليا يا يوسف."
"ما عاش ولا كان اللي ييجي عليك وإحنا موجودين يا ليلى. تعالي يا عمري، ارتاحي شوية."
قولتها بحنية وبصيت لخالد ييجي يشيلها، لكنها مسكت فيّ وقالت:
"مش عاوزاه يلمسني يا يوسف، خليه يبعد عني. أنا هقوم."
حاولت تقوم لكنها كانت دايخة، فحطيتها على سريرها وقفصت جنبها ماسك إيديها وبوستها لغاية ما نامت. بصيت لخالد اللي كان قاعد ساكت، أخدته وخرجنا برا بعيد عن القصر. قعدنا في عربيتي وقلت:
"ممكن تهدّي! إنت اتشنجت على ليلى من شوية."
"عاوزني أعمل إيه يا يوسف؟
عاوزني أطوعها تاني وأسِيبها تكمل في حمل ممكن يكون سبب إنها تروح مني!
المرتين اللي فاتوا كانت بتسقط في الشهر التالت لوحدها!!
الورم حجمه بيكبر وهي رافضة استئصال الرحم، وأنا يوميًا بقولها إني مش عاوز عيال — كفاية عليّ صالح، أنا مستكفي بيها، هي مش فاهمةني."
"أنا فاهمك يا خالد والله، رأيك مراعي. بس هي غيرنا، ليلى نفسها في عيال كتير وعايزة منك. إنت نفسك بتحب الأطفال وعايز أطفال كتير."
"بحبهم، بس ربنا قدر ليا ابتلاء إني مش قادر يبقى عندي أكتر من طفل! أنا راضي به ومستكفي كمان."
"إنت راضي، وهي على فكرة راضية، بس إنت مش بتتعرض للضغط النفسي اللي هي فيه. معلش يا خالد أمك أكيد بتضايق ليلى بكلام، أمي شخصيًّا بتضغط على ليلى وكذا مرة وقفتها عند حدها وهي مكملة. فكرة إن اللي اتجوزوا بعدها عندهم تلات عيال دلوقتي بتوجعها كست؛ ده غير تلميحاتهم وكلامهم المقرف."
"خلاص، أنا آخد مراتي وأخرج برا القصر كله. لدرجة إني مش عارف أحميها من أمك وأمي ومن ستات ميجوش حاجة فيها!!!"
"مش ده الحل. ليلى عمرها ما تعرف تبعد عن القصر، وبعدين تقبل إن الحمل ده مش من عندها ده من عند ربنا. بلاش تشائم—روحوا للدكتورة ويكون في أمل إن الحمل يكمل حتى للسابع!"
"هو أي حاجة من عند الله، لكن أنا أعرف إن أختك شايلة الوسيلة ومش بتاخد أي حاجة بقالي شهر ويمكن أكتر بدون علمي طبعًا، يبقى هي بتروح للتهلكة بيدها."
"ده مش وقت لوم. خليك جنبها، هي محتاجةك أكتر مني وإنت مدرك ده. ولما تهدى تنزلوا للدكتورة، وصدقني ربنا هيحلها من عنده."
"أنا حاسس بقالي أسبوعين بسألها وهي بتهرب دايمًا وعلى طول نايمة... قدامي علامات كتير وأنا غبي، أنا سبتها..."
"ده قدر ربنا. مش هنقعد نندب الدهر. قوم اتوضّى وصلي ركعتين واشتكي لربك وجهه، وبعدين اطلع. ماتسبهاش لوحدها."
————————————————————
"أحلى فطار لأحلى ورد في الدنيا."
ابتسمت لها وأنا بأخذ الصنية منها وحطيتها وقلت:
"أنا مبقَتش أقدر أفوق من غير كوباية الشاي بتاعتك دي — سحر يا بنتي."
"بالله متقوليش ليوسف عشان هيزعق أوي!"
"وإيه ليه إن شاء الله؟"
"عشان منبهه إنّي معملش لك شاي بعد الأكل عشان بيكسر الحديد، بس مش قادرة أرفض لك طلب."
"بيهتم بالتفاصيل أوي."
"طبعًا يوسف بياخد باله من أي حاجة تخص حبايبه؛ حتى ليلى متجوزة بقالها سنين، بس يوسف حبيبها الأول زي ما بتقول."
"هو يوسف على طول بيشتغل أوي كده، يعني على طول بيعمل حاجة تخص الشغل."
"تعرفي إنه بقاله أربع سنين ما أخدش إجازة، ولا بقى ينام ويطول في أوضته إلا بعد جوازكم. يوسف أغلب وقته في الجنينة — بيشتغل أو في البلكونة أو معصالح وخالد قاعدين بيرجعوا شغل. خالد اترحم منه شوية."
فضلنا نرغي أنا وهي في حاجات مختلفة — بنت لذيذة وكنت حابب قعدتها.
————————————————————
كنت واقف بشرب القهوة ولسه قافل مع خالد أطمنت على ليلى. كانت لسه نايمة وهو جنبها مع صالح. بعدين اتصلت شايرك عشان تخليني أطمّن على ورد.
"السلام عليكم يا ورد."
"وعليكم السلام يا شاطر. ها قولي كسبت أي حاجة لغاية دلوقتي؟"
ابتسمت من كلامها وسط زهقي وقلت:
"ماكنتش شاطر النهاردة خالص، ولغاية الآن المحصلة صفر — أنا شخصيًا تحت الصفر."
"ليه بس أنت خارج كويس الصبح."
"لما أرجع هحكيلك، هتسمعيني؟"
كنت بنكّشها فسمعت ضحكتها وقالت:
"هسمعك يا عم، أهو صوتك أهون من صمت الحيطان اللي عايش فيه ده."
"يوسف... مش متألق كعادتك كل سنة. مالك يا چو؟ الجواز خيبك؟"
أظن صوت ياسر وصل لها ونبرتها اختلفت جدًا كأنها قلقانة.
"هو أنت مع حد؟
أصل أنا شُفت خالد في القصر."
"لا، لوحدي يا حبيبتي. معلش هكلمك كمان شوية. خلي بالك من نفسك."
كنت مدرك إنها هتحسبني على كلمتي دي، بس مش مهم. في حاجة شغلت مخي ولازم أفهمها. قبل ما أتكلم لقيته بيسأل بعشم باين جدًا إن وراه هدف:
"الجواز شكله خطفك مني يا چو، بتكلم ورد؟؟"
"خطفني منك؟
كنت مواعدك بحاجة وخليت بيكِ لاسمح الله.
طول عمرنا سكتنا مختلفة، وبعدين أنا لسه عامل حساب عشان بينا صلة دم. بس مرة تانية اسمع اسم ورد على لسانك هتشوف حاجة مش متوقعة من يوسف."
سكت شوية وبعدين ضحك وهو بيحاول يخفف من حدتي وقال:
"مالك يا چو؟
تنشِنت كده ليه؟
هي بنت خالي هارون برضه، وأنت عارف حتى لو العيلة مقطعين أمي وأبويا أنا كنت بتواصل مع الشباب، وقابلتها في الكلية قبل كده."
"أنا عرفتك اللي فيها؛ ورد دلوقتي حياتها اتغيرت بقت في بيتي وتحت اسمي، وأي حاجة كانت قبل كده فهي اتقطعت. يا ريت ما شوفكش بتفتح حاجة آخرها مش هتعجبك خالص... ماشي؟
وخاطر عمي محمود مش هيطول كتير، مراتي فوق أي خاطر"
————————————————————
خبطت على الباب كتير لكنها مش بترد. فتحت الباب بهدوء بس مكنتش موجودة. لحظة ولقيتها خرجت من البلكونة وهي مشبكة إيديها وباصصة لي، وأكيد ناوية عليّ تحقيق، لكني صفر طاقة، فقبل ما تتكلم سبقتها وقلت:
"ممكن نأجّل أي كلام بعدين؟
حقيقي مهلك نفسيًا وجسديًا النهارده."
سكتت وسبتها ودخلت أخذت دش، ونسيت آخد هدومي معايا جوه. كنت لسه هاندّي عليها لقيتها بتخبط ويدياها ممدودة بهادومي وفوطي كمان. أخذتهم منها بيدي وبعد دقايق خرجت لها لقيتها قاعدة على الفرشة في الأرض وقالت:
"من غير نقاش، أنت هتنام على السرير النهارده عشان شكلك تعبان بجد. أنا كده كده سهرانة."
"وسهرانة ليه؟
نامي وريحي جسمك."
"عادي زعقانة... نام أنت، شكلك تعبان."
"أنا تعبان بس مش عايز أنام... قوليلي."
"أقولك إيه... مش المفروض أنت تقول."
ابتسمت على مروغتها في الكلام وقلت:
"أقولك إيه... شوفي، عاوزة تسمعي إيه وأنا أقوله علشانك."
هربت بعيونها وبعدت، قالت بدافع كأنها بتدافع عن حاجة أنا متهمتهاش بيها لكن نفسها قالتها:
"أنا مش عاوزة أسمع حاجة... أنت قلت إنك هتحكيلي حاجة الصبح."
"قلت إنّي هحكيلك لما قولتي إنك هتسمعيني."
كنا بنلعب بالكلام وكل واحد بيحاول يثبت حاجة بلا مسمى للتاني، والنتيجة إنّي كسبت وهي اتعصبت بطريقة طفولية وقالت:
"أنا هنام."
"استني بس... هحكيلك ومحتاجك تسمعيني."
قلتها بهدوء وكان باين عليا التعب فعلاً. بصّت لي وملامحها لانت تدريجيًا وبدأت أتكلم:
"بصي... الموضوع يختصر في إن ليلى حامل. وده زي ما هو خبر حلو لينا هو خبر مرعب لينا. ليلى عندها ورم على الرحم، كان بعد ولادة صالح وقاعد في رحمها أربع سنين ومحدش كان عارف. من تلت سنين علمت بالاختبار إنها حامل، وكانت هتطير من الفرحة. ولما راحت للدكتورة طلبت تحليل وأشعة، والحاجات كانت آخرها إن في ورم…
ورم مش حميد؛ الحمل ممكن ميكملش. مكنش ينفع تدخل عملية تستأصل الرحم وهي في أول شهور الحمل، فقالت إنها هتكمل وبعدين الولادة تشيلها. في خلال أيام ليلى سقطت بين إيدّي أنا وخالد...
تجربة قاسية ومؤلمة—ألم نفسي وجسدي—ومحدش عرف من القصر غير جدي لأننا أصلاً كنا بره مصر أنا وهي وخالد. وبعد ما فاقت رجعت عشان تستأصل الورم، وكانت النتيجة إن الحمل ومضاعفات الإجهاض خلت فيه خطر واحتمالية استئصال الرحم كله."
كنت بتكلم بوجع وأنا بفتكر كل الأيام دي، لكني وقفت لما لقيتها بتعيط وهي قاعدة في الأرض. نزلت لها فورًا وقلت:
"ورد... اهدي بس، إنتِ بتعيطي ليه؟"
عياطها زاد شوية وهي بتتكلم وبِتقول:
"عشان هي مرت بالوجع ده. ليه واحدة تمر بكل ده؟ هي أجهضت مرتين، وهي دلوقتي أكيد تعبانة وفي خطر إنها تخسر ابنها للمرة التالتة."
كنت مانع نفسي بكل الطرق إني أضمها لحضني وأمسح دموعها. مسكت إيديها الاتنين وقلت:
"ورد اسمعيني، ليلى كويسة وهتتخطى كل الوجع ده—اهدي بس."
فضلت أهديها لغاية ما مسحت دموعها ورجعت لورا شوية. فطلعت أنا على السرير عشان تطمن ومتتوترش. هديت أكتر وبعدين سألت:
"هي دلوقتي عاملة إيه؟"
"تعبانة ومنهارة، لكن ليلى هتفوق وهتقف على رجلها. وأنا ظني في ربنا إنها هتبقى كويسة وربنا هيكرمها وتشيل ابنها ده على يدها."
"طب أنا ممكن أطمن عليها بكرة؟
والله هتضايق إنك حكيت لي حاجة."
"بصي، ممكن يومين كده وأنا وانتي ننزلها الجنينة ونفك عنها شوية."
هزت رأسها وباين في عيونها قوي إنها زعلانة عشان ليلى. ابتسمت وأنا بحب رحمتها أكتر من الأول:
"يلا يا قطة، تعالي اطلعي مكاني عشان أنا هنام على الأرض."
"لا خليك النهارده على السرير ترتاح عشان أنت تعبان."
"أنا أرتاح وإنتِ تتعبي؟
تتعبي في سبيل راحتك راحة يا ورد."
شكرت وبعدين هربت بعيونها من الخجل وقامت من سكات وبدلنا الأماكن.
————————————————————---
بدلت مكاني معاه متنطقتش بعد كلامه الأخير. رخم وبارد ومبيحترمش حدوده، وكمان حنين وصادق. اللي اكتشفته إن يوسف رقيق ومش بتاع كلام؛ يوسف رجل قوي، يمكن عمري ما شفت في حياتي راجل زيه.
أفعاله هي اللي بتوصفه. حتى لما بيقول كلمة بينفذها قبل ما ينطقها. بصيت عليه لقيته راح في النوم أخيرًا. بيوتّرني جدًا، أستاذ يوسف، وحاجة تانية بتوترني... رنة الموبايل.
قومت جبت موبايله من على الترابيزة لقيت الرنة خلصت، وبعدها رسالتين ظهروا على الشاشة. كانت رسالة مكتوب فيها:
"بص يا جو"
والرسالة التانية كانت صورة. إيدي كانت بترعش لما قرأت الاسم: "ياسر محمود الراوي".
يُتابع …
#نورهان_علام
#حواديت_تراب_القمر
يكفينا هذا القدر من اللطافة اللي فاتت ندخل في الجد بقى🙈