📁

حواديت تميم ووتين الفصل الأول 1 بقلم نادية الرشيدي

حواديت تميم ووتين عبر روايات الخلاصة بقلم نادية الرشيدي

حواديت تميم ووتين الفصل الأول 1

_ أنتَ! أنتَ متخلف!

ميّل ناحيتي بسرعة وقال:

_ أنا آسف، مش قصدي والله!


بصيت للوحة بصدمة ودموع بتحارب علشان ما تنزلش:

_ آسف! يعني إيه...؟ أنت بوظتها!


مد إيده بأسف علشان يسندني أقوم، لكن تجاهلتها وسندت على الأرض وأنا بقوم بضعف.


فضلت أتأمل تفاصيل اللوحة اللي اتدمرت، والقهوة اللي بوظتها بالكامل..

_ ممكن ندخل الكافيه ونتكلم..؟


بصيت له ورجعت بصيت للكافيه اللي اتخبطنا قصاده.

كان هو خارج وأنا داخلة،

أنا ببص للوحة بحُزن وهو بيتكلم في الفون وماسك قهوة.

خطواته سريعة لبرا، وأنا خطواتي حزينة لجوا.


خبطنا..!

دمر لوحتي، ولبسي بقهوته، وكأنه بيموت آخر أمل فيّا..


سبقته بخطواتي داخل الكافيه، وأنا ماسكة اللوحة بيأس، وعيون حمراء مكبوت فيها كل الرفض والفشل اللي بواجهه.


فجأة لقيته قعد قصادي وقال:

_ أنا آسف، إزاي ممكن أعوضك؟

هزيت راسي بنفي:

_ مفيش حاجة ممكن تعوض خلاص، حادثة وحصلت، مش مشكلة.

هز راسه بإصرار وقال وهو بيبص للوحة:

_ أنا ممكن أشتريلك واحدة زيها.

ضحكت بسخرية _ المشكلة هنا، إن المجهود اللي بذلته علشان أنهيها بالشكل ده مش هقدر أعمله مرة تانية..!

بص لي بصدمة وقال وهو بيمسكها:

_ أنتِ اللي رسماها؟

_ يعني قبل ما القهوة تكملها.

بثقة _ يبقى مش مشكلة، تقدري تعملي أحسن منها.

ابتسمت بألم _ لأ، كانت آخر لوحة أرسمها، سبت الرسم خلاص.

_ ليه؟

بصيت له بشرود وشبح ابتسامة على وشي وقلت:

_ زي ما بيقولوا، الفن ما بيأكلش عيش، بذلت فيها مجهود كبير، أهلي وفروا لي كل حاجة محتاجاها علشان أكمل، وأنجح، بعد فشل مية لوحة قبلها، كنت قايلة خلاص، إنها نهاية كل الوجع ده!

لكنها كانت مجرد هزيمة تُضاف لباقي هزايمي.

_ إزاي؟ مش فاهم.

قلت بصوت مخنوق:

_ اللوحة دي كنت هقدم بيها في معرض، ولو كانت اتقبلت كنت هتنقل نقلة تانية.


سكتّ لثواني وأنا بفتكر كلامهم وكملت بسخرية:

_ من شوية رُحت قدمتها فيه، واترفضت من غير أي اهتمام ليها، أو ليا حتى، أصل إزاي معرض كبير كده، يقبل فيه لوحة لشخص مبتدئ ما لوش أي أعمال فنيّة سابقة؟

_ ما شافوهاش؟

هزيت راسي بنفي وقلت بهدوء:

_ لأ، سألوني عن أي عمل سابق ليا أو لو عندي أي نجاح في المجال، ولما ملقوش، رفضوا، من غير ما يبصوا عليها حتى.


بصلي بآسف وسأل باهتمام:

_ اسم المعرض إيه؟ أصل حقيقي ده قمة في الفشل، إزاي بيربطوا نجاحك بنجاح لوحتك..!

_ الرُوئ المعلقة. 


قلتها من غير اهتمام لكن اللي استغربته صدمته وتوتره أول ما سمع اسمه، لكن ما اديتش أي اهتمام.


قلت بإحراج بعد صمت دام لفترة:

_ أنا آسفة جدًا على إزعاجي، لكن كنت محتاجة جدًا أتكلم مع حد كده، شكرًا.

حط إيده على شعره وقال بابتسامة:

_ لأ، أبدًا والله، مش إزعاج ولا حاجة، وعلى فكرة، أنا لسه عند إصراري في تعويضك عن اللوحة.


ابتسمت بهدوء وأنا ببص للوحة:

_ مفيش داعي لده، هي ما بقاش ليها أي لازمة حقيقي.

فضل باصصلي بصمت وبعدين قال: _ ما تسيبيش الرسم.

 بسخرية _ قلتلك، ما بيأكلش عيش.

_ كملي علشان بتحبيه، أنا واثق إنك هتنجحي في يوم.

_ ثقتك مش في محلها للأسف.

_ لا، أنا أدرى.


قالها وقام، افتكرته ماشي خلاص، لكنه قال لي بهدوء:

_ تعالي.

بصيت له باستفهام _ فين؟

_ تعالي بس.


قمت وراه وخرجنا من الكافيه، كان ماشي وأنا جنبه مش فاهمة حاجة!

وقفت بتوتر _ في إيه؟

_ مش عايز أكون سبب في اعتزالك عن الحاجة اللي بتحبيها.

_ بس أنت ما كنتش سبب أبدًا.

قال بغموض _ كنت مرتين.

_ يعني إيه؟

_ ولا حاجة، تعالي.


مشينا خطوات بسيطة لحد ما لقيته وقف قدام محل بيضم كل أنواع اللوح والأقلام والفرش والألوان، وكل ما قادر يخطف قلبي في ثانية!


بصيت لكل حاجة بحب، وعيوني بتلمع وأنا ناسية قراري في اعتزال الرسم..


لقيته بيقرب من صاحب المكان وبيتكلم معاه بود، كأنهم ليهم صلة ببعض.


ثواني ولقيته بيقرب ناحيتي وبيقول:

_ اختاري كل اللي عايزاه.

قلت بتوتر وكسوف:

_ مش هينفع والله، ثم بجد مفيش داعي لده.

حرك كتفه بلا مبالاة: _ خلاص، براحتك.


سابني وبدأ يروح لكل قسم شوية، يقف قدامه، ويختار عدد كبير منه.

اختار من كل حاجة، أشكال وألوان مختلفة.


وقف قدام الكاشير وحاسب.

بعدها جه ناحيتي وقال:

_ عايزة حاجة تاني؟

قلت برفض _ أنا حقيقي مش هينفع أقبلهم.

_ تعالي طيب.


خدني وخرجنا، قعدنا على الكورنيش، ولقيته بيمد إيده بالحاجات وهو بيقول:

_ هنعمل ديل سوا، فُل؟

_ يعني؟

_ هنتقابل زي النهاردة كل أسبوع، في كل مرة هتيجي بلوحة جديدة من رسمك، هنتناقش في تفاصيلها، وعن مميزاتها وعيوبها.

_ ليه؟

ابتسم _ علشان الرسم خسران لو فنانة زيك هجرته.

_ أنا مش فنانة.

خد اللوحة اللي بوظتها القهوة من إيدي وقال وهو بيتأمل تفاصيلها اللي باظت:

_ اللوحة باين قد إيه كانت مميزة، ولولا القهوة فكانت حقيقي هتكون تحفة من تحف المعرض.


بصيت له بحيرة وأنا بتأمله، شخص غريب!

واثق فيّ بشكل مش واثقين فيه أقرب الناس ليا..

عيونه فيها لمعة غريبة! مش فاهماها حقيقي.


اتنهدت:

_ ليه بتعمل كل ده؟

_ أسباب كتير، أولهم إني مش مستعد أكون سبب في بعدك عن الحاجة اللي بتحبيها.


ما قدرتش أرد غير بكلمة واحدة:

_ شكرًا.


ابتسم وعطاني الحاجات اللي جابها وقال بتأكيد وهو بيرفع صباعه قصادي:

_ ما تنسيش! زي النهاردة.


قالها ومشي، وسبني واقفة باصة لظهره باستغراب، دهشة، امتنان!

رجعت البيت بسعادة وشغف، حطيت الأدوات بسرعة في أوضتي، ودخلت خدت شاور ورفعت شعري كحكة، وقررت أبدأ من النهاردة!


حطيت مج النسكافيه جنبي، وبكل شغف بدأت أول خط.

كنت بعمل التفاصيل بابتسامة، وسعادة غريبين عليّ.

ما فكرتش بالنجاح ولا الفشل، كل اللي فكرت فيه هو، في دعمه!


وقفت الفرشة في الجو للحظة وأنا بدرك إني ما عرفش اسمه!

عبث؟ يمكن.

بس كنت عايزاه يشوف إن تعويضه ما راحش هدر!

كنت عايزة رأي حقيقي في رسمي..

وبالأخير جذبني الاهتمام اللي بان بوضوح في عيونه.

اهتمام فقدته طول حياتي.

وإن كان مجرد شفقة.


سهرت على اللوحة وما نمتش غير لما خلصت أساس كبير فيها.

وتاني يوم كملتها، وفضلت طول الأسبوع، بحاول بكل طاقتي أخلصها، قبل ما ييجي اليوم الموعود.

وفعلًا، خلصتها قبلها بيوم.

أسبوع بس، خلصت فيه لوحة!

لوحة كنت بحتاج شهر علشان أخلصها...!

طلع فعلًا الشغف والنفسية، بيفرقوا في الشغل بشكل خيالي.


كنت بتأمل تفاصيلها بحب، وأنا منتظرة أقابله وأسمع رأيه فيها، منتظرة أشوف رد حقيقي يعوضني عن تعبي!


_ عاملة إيه..؟

قالها وهو بيقعد أخيرًا.


بصيت له بابتسامة وحماس، تمامًا عكس المرة اللي فاتت، وقلت:

_ الحمد لله، وإنتَ..؟


بص لي بابتسامة من حماسي، وقال:

_ يبدو إني نجحت في إنك تكملي رسم.

_ تخيّل؟

قولتها وأنا بخرج اللوحة وبدهاله.


شُفت ابتسامته وهو بيتأملها.

_ المعرض خسران والله إنه ما ضمش التحفة دي ليه.

بأمل _ تفتكر؟

_ أفتكر جدًا.


قالها بابتسامة، وهو ماسك اللوحة ومركز فيها.


فضل ماسكها بدقة وتركيز لفترة، لدرجة إني بصيت له بتوتر وخوف!

معجبتهوش؟


رفع راسه ليا على غفلة وكان هيتكلم، لكن سكت، لما لقاني ببص له باهتمام وترقب.

تقابلت عيونا لمدة معرفش قد إيه، توتر، لمعة، خوف، حماس، كلها مشاعر كانت في عيوني،

أما عيونه... غريبة! مبهرة، سحبتني جواها من غير ما أدرك ده.!


قطعنا الويتر اللي حمحم بإحراج:

_ تطلبوا إيه يا فندم؟


بعدنا عيونا بإدراك وسرعة، هو عدل صوته واتكلم بهدوء:

_ تحبي إيه؟

قالها وهو بيبص لي بطرف عينه.


قلت بحروف بترتعش:

_ نسكافيه.


هز راسه بهدوء وطلب اثنين نسكافيه.

دام الصمت بينا لثواني، لحد ما قاطعه وقال، وكل تركيزه على اللوحة من جديد:

_ اللوحة مبهرة، ألوانها جميلة، ومريحة للعين، مفيهاش أي غلط ملحوظ، لكن...


بصيت له بترقب، في حين هو كمل:

_ الفنان وهو بيرسم، لازم يكون حاسس برسمه، ينقل مشاعره ليها، بحيث إن حتى اللي يبص ليها، يحس بمشاعره، سواء حزينة أو سعيدة، لازم تخطف قلبه قبل عينه.


بص للوحة ورجع بص لي وهو بيكمل:

_ اللوحة قادرة تخطف العين من أول نظرة، لكن مفتقدة الإحساس.


بصيت لتقييمه بتشتت، وأنا مش عارفة إزاي ممكن أوصل إحساسي!

أنا كنت بالفعل في قمة سعادتي وأنا برسمها!


_ اللوحة قادرة تحسس الناظر بالراحة من ألوانها، تفاصيلها كلها تحفة، بس لسه محتاجة تأسري المتأمل بيها وتخلي مشاعرها توصله.


ابتسمت بهدوء وأنا بدرك كلامه.


سأل:

_ اللوح اللي قبل دي كنتِ بترسميها ليه؟

قلت ببساطة:

_ علشان بحب الرسم.

_ لأ، قصدي وإنتِ بترسمي، كان إيه اللي بيخليكِ تكملي رسم؟

_ يمكن علشان أنجح، وأساعد أهلي.


سكت شوية، وكملت بنبرة مهزوزة:

_ أو بالأدق علشان ما كونش عبء على أهلي.


هز راسه بتفهم وسكت.

كنا بنشرب النسكافيه في صمت تام، لا هو ولا أنا قادرين نقطعه،

أنا بفكر بشرود في حياتي، وهو بيتأمل اللوحة بتركيز.


بعد دقايق، لقيته بيقول:

_ الأسبوع الجاي هتعملي نص لوحة.

بصيت له باستغراب، فكمل:

_ عايز في أسبوعين تخلصي واحدة بس، وماتضغطيش نفسك فيها، وياريت ما ترسميش غير في وقت إنتِ عارفة إن مشاعرك من فرط قوتها هتتنقل للوحة.


مكنتش فاهمة أوي ليه كل ده، لكن هزيت راسي بهدوء.

_ طلعتي فنانة وكنتِ بتغفليني.


ابتسمت على هزارُه وأنا بفتكر حديثنا المرة اللي فاتت لما قالي إني فنانة، وأنا نفيت.


سألت بفضول:

_ هو ليك علاقة بالرسم؟ يعني حاساك خبرة.

_ يعني ممكن تقولي حاجة زي كده.


كلامه ما شبعش فضولي، لكن سكت.

فجأة تليفونه رن، رد، واستأذن بعدها يمشي علشان عنده شغل ضروري.


كان مستعجل وباين في حركاته، ولكن بعد ما مشي خطوات بسيطة، رجع ناحيتي وقال:

_ مش عارف إيه العبث ده، وإزاي نسيت أسألك!

_ إيه؟

_ اسمك إيه؟

ضحكت وقلت:

_ وتين.

فضل باصص لي بابتسامة، مجرد ما سمع اسمي، وفجأة لقيته قال:

_ تميم.

قالها ومشي، وهو بيودعني بإيده، وبيفكرني بلقائنا اللي هيكون بعد أسبوعين بحيث أكون خلصت لوحة!


فضلت مبتسمة ابتسامة بلهاء، وقمت وأنا باخد اللوحة وبهمس بنفس الابتسامة:

_ تميم.


عملت زي ما قالي طول الأسبوعين، ما كنتش برسم غير وقت مشاعري وبس، وللأسف، كانت كلها حُزن.

 رسمت لوحة غريبة، بيها فعلًا كل طاقة اليأس والحزن اللي في العالم، كنت كل ما برسمها بفتكر نقد الناس ليّ، بفتكر كلام بابا عن الرسم وإنه عبط وضياع وقت، وإني أكبر عبء عليه.


مرسمتش غير هي لوحة واحدة فعلاً، واللي كنت من فرط حزني ويأسي مش قادرة أكملها كمان.


عدى الأسبوعين بِثقل، تعب، وحزن، كانت أيامي كلها شبه بعض، مفيش جديد غير اللوحة اللي بضيف ليها كل يوم جزء جديد.


وجه أخيرًا اليوم المتفق عليه، رحت وأنا ببص كل شوية للوحة بخوف، خايفة تكون مش حلوة! خايفة متعجبوش، بسبب طاقة الحزن اللي فيها.


لكنه فاجأني لما بص للوحة بإعجاب وقال وهو بيتأملها:

_ دي مبهرة!


ابتسمت بقوة رغم إن ملامحي كانت باهتة، فحين هو كمل:

_ أكثر لوحة متجسد فيها الألم بعد لوحة إيفان الرهيب وابنه إيفان!


انتبهت لكلامه فقلت بسرعة:

_ أنت تعرفها..؟

_ آه، بالنسبة ليّ هي أكثر لوحة مؤلمة.

_ وأنا، كل ما بتأمل تفصيلها بحس بوجع.

_ لوحتك هي تاني لوحة أشوفها مؤلمة بعدها.


ابتسمت بسعادة وأنا شايفة لوحتي مؤثرة للحد ده!


_ وتين استمري على المستوى ده ووعد، لوحاتك هتحتل معارض العالم.

قلت بسعادة وأنا بحاول أتخطى وقع نبرته باسمي:

_ بجد؟

بثقة: _ ده وعد.


بصت له بامتنان وتقابلت عيونا للمرة التانية! كل مرة بمشاعر مختلفة، لكن مش بتفشل تجذبني جواها..


مش قادرة أفهم ليه بيعمل كل ده، لكن بيتسرب جوايا مشاعر مُختلفة وغريبة، أكثرها الامتنان والشكر.


_ كان مالك وإنتِ بترسمي اللوحة بقى!

قلت بكذب وأنا بتغاضى عن خناقاتي مع بابا:

_ مفيش.

_ الألم المبطن في كل تفصيلة جواها مستحيل يكون عادي.

_ المهم إنها طلعت بالشكل المطلوب.

قال بهدوء: _ نفسيتك أهم حقيقي.


سكت بوجع وأنا بسأل نفسي:

إمتى كان حد مهتم ليا، ولا لمشاعري أصلًا…؟

_ شاركيني، الوجع بيكون أخف لو شاله اتنين.


ابتسمت لجملته بمشاعر قوية، وأنا بدرك إن عمره ما حد قالي كده،

حتى ماكنش ليا صديقة تشيل معايا ثِقل الوجع ده.


ومن غير وعي، انتهزت الفرصة،

انتهزت إن في ودن مهتمة تنصت ليا، وعيون مركزة مع كل حرف بقوله.

حكيت كل حاجة من غير خوف، بمشاعر فياضة كانت مكبوتة لسنين!


خلصت، ومع آخر كلمة، كانت دموعي بتنزل.

ما اهتمتش، قد ما كنت مهتمة إن لأول مرة أحس إن الحمل اللي على قلبي خف،

إني أهدأ، إني مرتاحة!


_ حقك عليا.

قالها بحنية غريبة عليّ.


ابتسمت وسط دموعي وقلت:

_ إنت ملكش ذنب.

_ بس في جزء في قلبي حاسس بالذنب.

 بعدم فهم: _ ليه؟

فضل باصصلي بصمت، وأنا بصاله بترقب، مستنية الإجابة،

علشان تتقابل عيونا تاني، في لحظة بيعيدها الزمن من تاني.


جه الويتر وقطعها بنفس التوتر اللي في نبرة صوته وهو بيسألنا نطلب إيه.

بقينا محل شُبهة تقريبًا، ماكنش ده طموحي والله..!


بهدوء طلبنا نسكافيه برضو، وبدأنا نتكلم،

لكن مش عن اللوحة ولا الفن، بدأنا نعرف بعض...


عدى شهرين من آخر لقاء بينا، كل تلات بنقابل، بنحلل،

وكل مرة مش بنستغنى عن النسكافيه.

هو بيعبر عن رأيه، وأنا بشاركه باهتمام.

بقينا ملمين بتفاصيل أكتر عن بعض،

بنتشارك تفاصيل الأسبوع كله، اهتماماتنا، وكل شيء.


كنت برسم لوحة واحدة في أسبوعين،

ورغم كده كنا بنتقابل كل أسبوع،

وإحنا بنتغاضى عن السبب الأساسي اللي مفروض بنتقابل عشانه...


_ إيه رأيك نغير الروتين النهاردة؟

_ بمعنى؟

قال بحماس:

_ نخرج نتمشى على النيل، نشرب قصب، ناكل آيس كريم، وأعزمك على شاورما.

_ لأ لو الحوار فيه أكل، معاك وش، إنت لسه هتسأل؟!


قولتها وأنا بضحك وأنا بقوم،

في حين هو حاسب وقام ورايا، وعيونه بتضحك زيي.


فضلنا ماشيين سوا على النيل،

الناس حوالينا، البحر قصادنا، ونسمة هوا باردة بترطب قلوبنا!

كل شيء كان قادر يخليني حاسة براحة وسعادة.


كنا ماشيين بصمت،

لكن ابتسامة قوية مرسومة على ملامحنا.

كنت بقنع نفسي إن الجو والمكان هما السبب،

لكن كان في جزء جوايا عارف إن كله من قلبي،

إنه نقل بعض من فرحته لملامحي الغلبانة،

أما هو…؟

فحقيقي معرفش، هل المكان والجو السبب ولا؟؟


شهرين كانوا كفاية يعملوا في قلبي كده؟

لا أدري، بس المهم إنه… مبسوط.


قلت في محاولة إني أقطع الصمت المطبق علينا:

_ تيجي نلعب صراحة؟

بصلي بسرعة وقال بنفي:

_ لأ، بكرهها.

رفعت حاجبي: _ مش بتحب تكون صريح؟

_ لأ، مش كده.

_ أمال؟


فضل باصصلي بصمت،

وبعدين قال بقلة حيلة وهو بيبتسم:

_ يلا نلعبها وأمري لله.

قلت بحماس: _ تبدأ ولا أبدأ؟

_ إبدئي.

بصتله بخبث، وبعدين قلت:

_ إيه أكتر حاجة بتخاف منها؟

_ أفقد حد بحبه.


بصيت له بهدوء وقلت:

_ دورك.

_ نفس السؤال ليكِ.


حسيت ببرودة وأنا بفكر:

إيه فعلًا أكبر مخاوفي؟


_ إني أفضل طول حياتي فاشلة، محققش أي حلم ليا.

_ بس إنتِ مش فاشلة!

_ في عنيك بس، صدقني.

_ يبقى كفاية عليكِ عينيّا.


بصتله برعشة،

فحين هو بادلني بابتسامة هادية، قدرت تخترق أسوار قلبي.


قلت بسرعة وبتوتر، وأنا بحاول أسيطر على دقات قلبي:

_ مريت بتجربة سيئة جابتلك تروما؟

رد بغرور مصطنع: _ محدش يقدر على فكرة.

_ يا راجل!

_ يعني خمس ست مرات بس.


فتحت عيني بصدمة وأنا بردد وراه:

_ خمسة ستة بس؟

قال وهو بيضحك على ملامحي المصدومة:

_ بهزر.

_ ما أكيد بتهزر.

_ طيب تعالي.


خدني ورُحنا عند محل شاورما،

جاب، ورجعنا للكورنيش ناكل.


كل شيء حواليّا كان بيبعث لنفسي سعادة ممزوجة براحة رهيبة!

ماكنتش أصدق إن في يوم أكوّن صاحب كده.

مجرد صاحب؟

يعني ويمكن قلبي مال شوية… شويتين.

بس الحقيقي إننا صحاب،

زي ما قالي في مرة:

الحِمل بيكون أخف لو شاله اتنين.

ومن ساعتها، وأنا أخف من الفراشة.


_ بتفكري في إيه؟

_ في الحياة وقدرها، خسرت لوحة وكسبت صاحب.


ابتسم، وفضل باصصلي كأنه فعلًا بيدرك جمال القدر.

لكن اتوترت من نظراته، كملت أكل، وبعدت عيني عنه للبحر،

في حين هو فضل باصص ليّ.


فجأة بدأت أشرق، وأكح جامد،

في حين هو قام بسرعة بخضة وجاب لي مَيّة.

_ هتموتي مني النهاردة ولا إيه؟

_ لأ لسه، يا حبيبي على قلبك.

_ إيه…؟


أدركت أنا قلت إيه…

مع إنها كانت في سبيل الهزار بس والله!

تصنعت الغباء وقلت:

_ إيه؟

_ هعديها، بس على قلبي زي العسل والله، اطلعي إنتِ منها.


ولما أموت بقى بجد…

ليه يا بني؟ والله قلبي رُهيف، كفاية عليه عيونك..!


بعد ما كلنا، روحنا نجيب آيس كريم وقصب زي ما وعدني.

وخلص اليوم مع آخر نظرة لينا،

خلص ما بين كلامه وضحكي، ابتسامته، وعيونه اللي بتوقعني،

وبالأخير… اهتمامه،

محاولاته إنه يخليني مبسوطة!


هتصدقوني لو قلت إنه كان أسعد يوم في حياتي…؟

محاولاته بس كانت كفاية تخلي قلبي يرفرف،

ويمكن قلبي كان هو أكتر حد مبسوط في الليلة دي،

صوت دقاته كان قادر يسمعه كل اللي يعدي من جنبي.


لوهلة، حسيت إني مش عايزة غير نكون سوا في يوم...

رميت كل أحلامي في البحر،

وفجأة… بقى هو حلمي الجديد،

ويمكن، الوحيد.


من فرط سعادتي،

 أول ما رجعت غيّرت بسرعة، وجهزت طقوسي للرسم،

قررت أبدأ في لوحة جديدة،

بمشاعر مش قادرة أتحمل قوتها.


بدأت أحط الأساس، وأنا مش عارفة برسم إيه، أو بعمل إيه،

ماكنش عندي أي هوية لرسمي،

يمكن وقتها قلبي اللي كان مُتحكم فيّا… وفي الفرشة.


_ أنا عندي مفاجأة.

_ إيه؟

قالها بترقب وهو بيبص في عيوني، وكأنه بيحاول يكسبها لصفه علشان تفشي له عن سرنا…

فجأة قاطعنا صوت بنت جاي من بعيد، وقفت قدامه وقالت بسعادة:

_ تميم؟

_ عهد! عاملة إيه؟

_ بخير والله، صدفة جميلة إني قدرت أشوفك.


هز راسه بابتسامة بسيطة في حين هي كملت:

_ والمعرض عامل إيه؟ أنا سامعة إنه مكسر الدنيا.

بص لي بتوتر وقال:

_ أه، الحمد لله.

_ أنا شوفت اللوحات اللي فيه، حقيقي مُبهرة.


شكرها بابتسامة وتوتر مخافوش عن عيني، كنت براقب كل حاجة بصمت لحد ما قالت جملتها الأخيرة، بدأ عقلي يربط حاجات كثيرة ببعض، لدرجة حسيت إني هقع من الصدمة.


مجرد ما مشت، وقفت قدامه وقلت بحدة وأنا بحط على التربيزة اللوحة اللي كنت مغلفها وهديهاله هدية:

_ اسم المعرض بتاعك إيه؟

_ وتين، ممكن تستني أفهمك؟

فضلت مثبتة عيوني عليه وأنا بكرر جملتي:

_ اسمه إيه؟

_ الرؤى المعلقة.


بصت له ببرود مجرد سمعت الاسم، رغم جسمي وقلبي اللي بيرتعشوا من الصدمة، قلت باستهزاء:

_ يعني كل ده كان تعويض عن رفضك للوحتي، وتدميرك ليها..!


سكت لثواني وكملت بنبرة ظهر فيها جزء من رعشتي الداخلية:

_ كل ده كان شفقة؟

قال بسرعة وهو بيبص لي بقلق:

_ وتين اسمعيني…


قاطعته بانفعال:

_ أنت متستحقش، متستحقش أي حاجة، ولا إني أسمعك، أنا كنت مغفلة فعلًا! أربع شهور بتكدب عليّ فيهم! وأنا؟ كنت فاكرة كل شيء صدفة، تعويض جميل ليا، كنت فاكرة إني لقيت اللي أسند عليه أخيرًا من غير خوف، بس طلعت غبية.


قلت جملتي الأخيرة باستهزاء وسخرية موجعين، خدت نفسي وكملت:

_ كنت فكراك عوض، طلعت مجرد هزيمة جديدة تضاف لهزايمي.

يتبع..

حواديت تميم ووتين الفصل الثاني 2 والأخير من هنا

فصول حواديت تميم ووتين كاملة من هنا

روايات الخلاصة ✨🪶♥️
روايات الخلاصة ✨🪶♥️
تعليقات