رواية أعلنت الحرب على قلبي عبر روايات الخلاصة بقلم إسماعيل موسى
رواية أعلنت الحرب على قلبي الفصل السابع والعشرون 27
ندى
النتائج نزلت فى صبيحة يوم قائظ من يونيو.
الطلاب يتدافعون أمام لوحة الإعلانات الكبيرة، أصوات مختلطة بين ضحكات عالية وصيحات فزع وبكاء مكتوم.
ندى وقفت فى الخلف، لا تقترب. قلبها يخبط كأنه سيقفز من صدرها.
أحد الزملاء لمحها وقال بلهجة مرحة:
– "مبروك يا ندى… الأول مكرر!"
تجمدت فى مكانها، لم تصدق. دفعت بنفسها وسط الزحام لترى بعينيها. وهناك، أمام سطر مكتوب بخط واضح:
الأول مكرر: ندى رفعت منصور
الكلمات ارتجفت أمام عينيها. شعور غامر بالفخر اندفع فى صدرها، عيناها امتلأتا بالدموع. أربع سنوات من السهر والكتب والألم تجمعت فى لحظة واحدة. ابتسمت بلا وعى، ويدها ترتعش وهى تلمس الورقة كأنها تريد أن تتأكد أنها ليست خدعة.
لكن الفرحة لم تعش طويلًا.
لم تمضِ أيام قليلة حتى وصلها الخبر البارد، كصفعة على وجهها:
"الجامعة اختارت ابنة الدكتور فؤاد معيدة… المنصب مشغول خلاص."
توقفت الدنيا. شعرت أن الأرض انسحبت من تحت قدميها. كانت تعرف أن "الأول" يعنى الحق فى التعيين، كانت تنتظر اللحظة منذ بداية رحلتها. لكنها لم تتخيل أن المجاملة والمحسوبية ستأكل حلمها أمام عينيها.
ذهبت إلى مكتب العميد، حاولت أن تسأل، أن تفهم.
لكن الرد جاء بنفس البرود:
– "بنت الدكتور فؤاد تحصلت على درجات افضل
سمعت كلام كثير لكن ما فهمته انها لن تصبح معيده فى الجامعه
خرجت من المكتب تجرّ أذيال الخيبة. خطواتها ثقيلة، كل نفس يصدر منها كأنه يحمل حجرًا.
فى البيت، لم تقدر أن تشرح لأحد. دخلت غرفتها وأغلقت الباب. لم تبكِ بصوت عالٍ، لكنها جلست على طرف السرير، تنظر إلى الفراغ. الدموع تنحدر فى صمت، تتساقط على كفيها المرتعشتين.
الليل صار أطول، والنهار بلا معنى.
انكمشت داخل نفسها، عزفت عن الحديث، عن الطعام، عن كل شىء. لم تعد تخرج من غرفتها إلا للضرورة.
الكتب التى كانت صديقتها صارت كومة ثقيلة على المكتب. الأوراق المليئة بالملاحظات بدت لها بلا قيمة.
كانت تسمع أصوات العائلة من بعيد، كأنها تعيش فى عالم آخر.
كلما حاولت أن تنهض، تذكرت لوحة النتائج… تذكرت كلمة "الأول مكرر" التى تحولت إلى لعنة، وإلى جرح مفتوح.
ولأول مرة، أحست ندى أن العلم الذى أحبته خانها.
أن كل سهرها لم يكن كافيًا أمام نفوذ رجل واحد، وأن الطريق الذى حلمت به أُغلق فى وجهها بيد باردة، بلا تفسير ولا رحمة.
جلست عند النافذة فى إحدى الليالى، تنظر إلى الشارع المظلم، وقالت لنفسها بصوت هامس:
– "يمكن أنا فعلاً كنت غلطانة… يمكن الحلم دا مش ليا."
ثم أغلقت الستارة، وعادت إلى عزلتها الثقيلة، كأنها اختارت أن تختفى من الدنيا، على أمل أن يخف الألم.
لم تكن ضربة واحدة ما كسرت ندى، بل كان تراكم الضربات. لحظة إعلان النتيجة، حين سمعت اسمها يُذكر «الأول مكرر»، ثم رأتها تزاح إلى الخلف لصالح ابنة الدكتور الجامعي، كان الأمر يشبه انطفاء ضوءٍ داخليّ ظلّ مشتعلاً فيها سنوات طويلة.
مرت الأيام الأولى كأنها ضباب. كانت تجلس أمام كتبها محاولةً استعادة حماسها، لكن الكلمات تتحول إلى خطوط سوداء متشابكة، لا تحفظ منها شيئًا. كل صفحة تُفتح تُغلق بعدها بخيبة، حتى باتت الكتب نفسها تثير في قلبها شعورًا بالاختناق.
كانت تنام كثيرًا، ساعات طويلة بالنهار، ثم تستيقظ ليلًا بصداع يفتك برأسها، تتقلب في فراشها عاجزة عن النوم. أحيانًا تُغمض عينيها، لكنها لا تجد سوى صور شاهندة وهي تبتسم بتشفي، أو صوت والدة جاسم يذكرها بأنها "بلا قيمة". فتفتح عينيها من جديد، كأن النوم صار عدوًا آخر يطاردها.
لم تعد الأطعمة تُغريها. تجلس على المائدة تنظر إلى الطبق أمامها، تقلب الطعام بالشوكة دون أن تأكل. وإن أكلت، فلقيمات قليلة، كأنها تؤدي واجبًا. ثيابها بدأت تتسع عليها، لكن ذلك لم يلفت انتباهها. حتى المرآة لم تعد تهمها، بالكاد تنظر إليها.
العزلة كانت ملاذها الوحيد. تغلق باب غرفتها معظم اليوم، لا تسمع إلا صوت أنفاسها الثقيلة. أصدقاؤها حاولوا زيارتها، طرقوا الباب، اتصلوا، لكنها إما تجاهلت أو اعتذرت ببرود. لم يكن لديها طاقة للكلمات ولا للابتسامات المزيفة. حتى جدها، الذى كان دومًا عمودها الصلب، صار حضوره عبئًا، يخشى أن يراها هكذا، هشة متكسرة.
الدموع لم تأتِ بانفجار، بل كهمسات متكررة. لحظة وهي تقرأ خبرًا عن نجاح زميلة قديمة؛ لحظة أخرى وهي تسمع ضحكات بنات في الشارع. تبكي قليلًا، ثم تمسح وجهها بسرعة، وكأنها تخشى أن يراها أحد. لكنها تعرف: هذه الدموع ليست تفريغًا، بل تأكيدًا أن الحزن أصبح جزءًا من يومها.
عقلها لم يرحمها. كل ليلة كان يدور في الدائرة نفسها:
«أنا لست كافية… حتى حين تعبت وأحرزت المركز الأول، لم أكن الأولى. حتى حين كنت الأجدر، لم أُمنح ما أستحق. ماذا بقي إذن؟ هل كان كل ما فعلته بلا معنى؟»
لم يكن السؤال عن المستقبل، بل عن القيمة. عن معنى وجودها أصلًا. في لحظات طويلة كانت تتمنى فقط أن يتوقف عقلها عن التفكير، أن يتركها تنام بلا صور ولا أصوات. لكن عقلها كان كالمطرقة، يعيد الطرق مرارًا، حتى تنهك وتستسلم للصمت.
الجسد بدوره صار ثقيلاً. مجرد النهوض من الفراش بدا مهمة شاقة، غسيل وجهها عبء، فتح نافذة لغرفتها تحدٍّ يفوق قدرتها. لم تعد تعرف إن كان هذا كسلًا أو مرضًا، لكنها شعرت أن كل خطوة تسحب من روحها شيئًا.
في أعماقها، كانت تعرف: هذه ليست مجرد أزمة عابرة. هذا انهيار. انهيار صامت، لا يراه أحد، لكنه يبتلعها يومًا بعد يوم.
وفي المساء، حين جلس الجميع على العشاء وضحكوا، تسللت بهدوء إلى غرفتها. أغلقت الباب، جلست على الأرض وأسندت ظهرها إلى الجدار، وسمحت لدموعها أن تنهمر بلا مقاومة. لأول مرة لم تُخفِها، لم تمسحها، فقط تركتها تسيل، علّها تغسل شيئًا من الألم. لكنها حين توقفت، أدركت أنها لم تُغسل شيئًا، بل تركت الملح عالقًا في قلبها.
كان الاكتئاب قد تمدد فيها بالكامل، ليس كضيفٍ عابر، بل كساكن دائم.
لم تعد جدران الغرفة تتحملها. في ذلك الصباح الرمادي، وجدت قدميها تحملانها وحدهما، تنزل الدرج بخطوات بطيئة، ثم تعبر فناء البيت نحو الحقول الممتدة. الهواء كان رطبًا، والسماء ملبدة بالغيوم الثقيلة، لكنها لم تكترث. كانت تبحث عن فراغٍ أوسع من أفكارها، عن مكان يبتلعها دون أن يسألها لماذا.
وصلت إلى شاطئ النهر، وجلست على العشب المبلل. الماء أمامها يمضي في هدوء لا مبالٍ، يلمع بلون فضي تحت السماء الملبدة. أحنت رأسها إلى الأمام، كأنها تستمع إلى وشوشات الماء، لكن الحقيقة أنها كانت تحاول إسكات الأصوات في داخلها.
حين بدأ المطر، لم تتحرك. قطرات خفيفة أول الأمر، ثم انهمرت كخيوط متشابكة، تسقط على شعرها وكتفيها ووجهها. كانت تشعر ببرودة تخترق ملابسها، تتسرب إلى عظامها، لكن شيئًا فيها أبى أن يتحرك. كأنها أرادت أن يذيبها المطر، أن يغسل كل ما علق بروحها.
ارتعش جسدها مع اشتداد البرد، ورعشة أخرى أشد تسللت من الداخل. غامت رؤيتها للحظة، ثم تداخلت الصور. رأت وجهًا تعرفه جيدًا—ملامح قاسية، عينان لا تعرفان الخوف. حشمت مندور، واقف على الضفة المقابلة، سيجارة مشتعلة بين أصابعه، ينظر إليها بصمت. لم يبدُ عدوًا ولا صديقًا، فقط كان حضورًا طاغيًا يربكها. بجواره ظهرت سلوان، شعرها يتطاير مبللًا بالمطر، تحمل في نظرتها شيئًا من القوة والخذلان معًا. المشهد كله بدا كحلم يقظ، لكنها لم ترد أن تصدق أنه وهم.
مدّت يدها بخفة، كأنها تلمس الهواء بينهما، وحين لمست الفراغ أدركت أن الصور لم تكن إلا ارتباك عقل مرهق. عندها جاء صوت آخر، حقيقي هذه المرة—مواء قطة صغيرة. التفتت لترى هرّة نحيلة، واقفة تحت المطر، تحدق فيها بعينيها الواسعتين. شيء في ذلك المشهد أيقظها من غيبوبتها. نهضت بتثاقل، جسدها يرتجف، الملابس ملتصقة بها كجلد آخر، لكنها تحركت.
خطت عائدة نحو البيت، وكل خطوة كانت تشبه قرارًا صغيرًا بالعودة من الحافة. لم يكن بداخلها يقين كامل، ولا قوة مكتملة، لكن كان هناك إحساس غامض: أن شيئًا ما تغيّر. كأن المطر لم يغرقها فقط، بل أعاد تشكيلها من جديد.
وحين أغلقت باب غرفتها خلفها، جلست على حافة السرير، تمسح شعرها المبلل بأنامل مرتعشة، وفكرت: ربما لا أستطيع أن أغيّر العالم، ولا أن أحصل على ما سُلب مني… لكنني أستطيع أن أنهض، ولو مرة أخرى.
كان ذلك بداية خافتة، لا تُرى بالعين، لكنها شعرت بها في قلبها: أول بذرة لمحاولة النهوض من جديد.
حشمت مندور
كان رجعوهم إلى الأرض المحترقة قرار ثنائى ،من احد الإنفاق تسلح حشمت مندور وسلوان بأسلحه خفيفه
وعبوات متفجره وقاذفات اربجية ، تبضع حشمت مندور بكميات هائله من التبغ حتى ان سلوان قالت اشعر انك ستأكل دخان لا طعام
فى اوقات الحرب يا عزيزتى لا يبحث الرجال عن الطعام بل الكيف واننى حين احمل علبة سجائر يمكننى قتال كتيبه بمفردى
لن امنحك شيء من طعامى هكذا توعدت سلوان حشمت مندور قبل وصولهم أطراف قرية داخل حقل قمح محترق
اسمع يا حشمت لا نحتاج تهور او شجاعه فارغه سنوجه ضربات تعطل العدو وتساعد الناس على الهرب من الجحيم
وعندما مشيا بين المبانى المهدمه أدركا ان حمل ثقيل ينتظرهم ،كان مظهر الجرحى والأطفال الثكلى والأمهات لا يمكن احتمالة
لا يمكننا أن نتركهم هكذا علينا مساعدتهم
صمت حشمت مندور ،اسمعى يا سلوان لقد كنت هناك واعرف بعد وقت قصير ما سوف يحدث
ستتقدم كتيبه او كتبيبتين مع الدبابات ويقتلو كل البشر
علينا أن نلتزم بالخطه صدقينى رأيت بعينى ما يفعلون بالجرحى والأطفال انهم هنا لا يحتاجون مساعدتنا
بل الوقت ،علينا أن نمنحهم الوقت
وخلال كل ذلك كانت صرخات الهاربين ترتفع انهم قادمون من الخلف مثل الوحوش الجائعه
كان الكل يهرب نحو الجنوب الا شخصين ملثمين يركضان بين فراغات المنازل المهدمه كشبحين غير مرئين
عندما وصلا طلائع العدو كان هناك سرب كامل من الجنود يسيرون محتمين بالدبابات والمدرعات ،إلى جوارهم على اليمين كانت هناك اسره محتجزة تحت الانقاض تطلب النجده
لكن الوقت كان قد فات كان وصول حشمت مندور اليهم مستحيل مما أضطرة إلى الكمون فى موقعه يده على قاذف الاربجيه سمع الجنود صرخات الأطفال والرجال تحت الانقاض للحظه توقعت سلوان أن يتم انقاذهم لكن حشمت مندور كان اسرع بديهه، اشعل سيجاره فى صمت وعينيه تكاد تنزف دم لا دموع، اطلق احد الجنود ضحكه وهو ينظر إلى العائله من عل كان فوقهم والأطفال يصرخون من تحته
وجه اشاره إلى قائد الكتيبه الذى منحه الأذن
بعدها تحرك جندين يحملان قاذفات لهب تصلبت ملامح سلوان وكادت تقفز من مكانها
قبض حشمت مندور على يد سلوان ووضع يده فوق فمها منعها من الصراخ ثم احتضنها ووضع يده فوق عينيها ،اطلق الجنديان قاذفات اللهب وارتفعت صرخات الأطفال والاسره التى تحترق وسط ضحكات الجنود ،ارتفع دخان ممزوج برائحة اللحم وحشمت مندور يغمغم يا اولاد الكل_ب
كان يعرف أن قبل الهجوم عليك أن تحدد طريق الهرب
واختار بعض النقاط التى لم تلحظها سلوان عندما انتصف السرب همس حشمت مندور الان
انهمرت العبوات الناسفه بينما صوب حشمت مندور قاذف الاربجيه على مدرعتين رغم ان يقتل قائد السرب لكن الأشكال الحديديه حمته
تحركت مقدمات الدبابات واستدارت نحوهم وخلال لحظات
وخلال ركضهم تحول المبنى بأكمله لتراب
ركض حشمت مندور بكل سرعته جاذبا سلوان خلفه وفى اللحظه الاخيره سقطا داخل فوهة نفق قبل أن تلتقطهم كاميرات المسيرات ودون تلكع واصلا الركض داخل النفق
صرخت سلوان توقف يا حشمت كانت غير قادره على تمالك نفسها بعد ما رأته
همس حشمت مندور موتك لن يغير إى شيء ،اتريدين الحقيقه ؟
سيموت الناس ،ستقتل أكثر من اسره ولن نستطيع إيقاف كل ذلك
علينا أن نواصل الركض ان نخرج فى نقطه أخرى ونوجه ضربه أخرى عليهم أن يعرفو ان فى كل نقطه هناك موت ينتظرهم.
يتبع...