رواية ونس القلب الفصل الثامن 8 بقلم ديدا عبد الرحمن
رواية ونس القلب الفصل الثامن 8
ونس كانت نايمة بهدوء، صوت نفسها متقطع لكنه مطمّن شوية.
يونس قاعد جنبها، إيده لسه ماسكة إيدها كأنه خايف لو سبها لحظة تختفي.
الدكتور دخل فجأة، ومعاه ممرضة. صوته هادي لكنه جدي:
– لازم الكل يخرج دلوقتي… المريضة محتاجة فحص دقيق.
يونس شد نفسه بسرعة:
– لأ، أنا مش هسيبها ثانية.
الدكتور حاول يسيطر على الموقف:
– يا أستاذ يونس، وجودك مهم ليها… بس دلوقتي لازم تسيبنا نعمل شغلنا. أي ضغط زيادة عليها ممكن يضرها.
عامر حط إيده على كتف يونس، صوته واطي:
– تعالى نخرج شوية… هي محتاجاك، بس كمان محتاجة تتعالج.
يونس وقف متردد، عيناه معلقة بونس وهي نايمة، لحد ما الممرضة قالت بهدوء:
– أوعدك هنخليها بخير.
خرجوا واحد ورا التاني…
رحمة مسكت إيد هدي برة الأوضة، وقالت لها بصوت متكسر:
– أنا قلبي كان هيتشال من مكانه، يا بنتي.
هدي حضنتها وهي بتحاول تبكي بهدوء:
– الحمدلله إنها رجعتلنا.
عدي واقف في الكوريدور، بيمشي رايح جاي، صوته متضايق:
– أنا مش مرتاح… اللي حصل مش صدفة. الرصاصة دي كان ليها هدف.
عامر بص له بحدة:
– تقصد إيه؟
عدي وقف مكانه، نظراته متجهمة:
– أقصد إن في حد كان عايز يخلص منها. والسؤال… ليه هي بالذات؟
يونس سمع الجملة دي وهو واقف بعيد، قلبه اتقبض.
رفع عينيه لعدي وقال بصوت حاسم:
– اللي حاول يقرب من ونس… مش هيعيش يشوف يوم جديد.
عدى كام يوم…
ونس بقت قاعدة على السرير، ملامحها لسه ضعيفة بس عينيها فيها نور غير اللي كان.
إيدها فيها أثر المحاليل، بس ابتسامتها الصغيرة وهي شايفة الكل حواليها كانت أقوى من أي وجع.
يونس داخل بالأكل في إيده، صوته فيه دفء:
– يلا يا عنيدة… الدكتور قال لازم تاكلي.
ونس رفعت حاجبها بخفة:
– مش قلتلك مليش نفس؟
يونس قعد جمبها وهو يفتح الطبق:
– مش هسكتلك… حتى لو أطعمك بإيدي.
ضحكت بخفة وهي تهز راسها:
– عنيد زي ما إنت.
رحمة دخلت ومعاها هدي، عينيها فيها دموع فرح:
– الحمدلله يا بنتي… وشك رجع ينور.
ونس مدت إيدها لرحمة، مسكتها بحب:
– وجودكم جنبي هو اللي رجعني.
عامر كان واقف عند الباب، ساكت، لكن عيونه مليانة كلام.
ونس نادت عليه:
– عامر… مش هتسلم؟
قرب منها بخطوات تقيلة، ولما مسك إيدها صوته اتكسر:
– كنت فاكر إني مش هشوف اللحظة دي.
ونس مسحت دموعه بإيدها:
– هو أنا هسيبك؟
ضحكة صغيرة طلعت من الكل، حتى عدي اللي كان واقف بعيد ابتسم لأول مرة من أيام.
قرب وقال بنبرته الجادة المعتادة:
– أهم حاجة دلوقتي إنك تركزى على صحتك.
ونس بصت له بابتسامة هادية:
– حاضر يا سيادة الظابط.
الغرفة امتلأت دفء… ولأول مرة من وقت طويل، الكل حس إن الخطر ابتعد ولو للحظة.
ونس أغمضت عينيها وهي سامعة ضحكاتهم، وقالت لنفسها بهدوء:
– يمكن دي البداية الجديدة.
عدا كام يوم وكانت خلاص هتروح عل البيت
ونس نزلت من العربية بخطوات هادية، عامر ساعدها من ناحية، ويونس من الناحية التانية.
رحمة سبقتهم وفتحت باب البيت، عينيها بتلمع من الفرحة:
– الحمدلله يا بنتي… رجعتي بيتك بخير.
ونس دخلت بهدوء، وقفت لحظة في الصالة، عينيها لفت في كل الركن كأنها بتتنفس المكان من جديد.
– وحشتني ريحة البيت…
هدي ضحكت وهي تحط الشنطة على الكنبة:
– هو البيت كمان وحشك.
يونس قعدها على الكنبة براحة، وقعد جمبها كأنه عايز يطمن إنها مرتاحة.
– لو تعبتِ قوليلي على طول…
ونس ابتسمت ابتسامة صغيرة:
– أنا كويسة، بجد.
عامر جاب لها كوباية عصير وحطها قدامها، صوته هادي:
– اشربي يا ونس… جسمك محتاج.
ونس مدت إيدها وخدت الكوباية، بصت له بشكر من غير كلام.
عدي كان واقف ساكت زي العادة، وبعدين قال بنبرة جدية:
– الفترة الجاية محتاجة راحة… من غير توتر أو تعب.
ونس رفعت عينيها له وابتسمت:
– حاضر يا سيادة الظابط… هسمع الكلام.
ضحكوا كلهم بخفة، الجو أخيرًا كان فيه أمان ودفء.
ونس اتكأت على الكنبة وهي بتشوفهم حواليها، قلبها دق براحة، وقالت بصوت واطي:
– الحمدلله إني معاكم.
ونس كانت قاعدة في الصالة، حواليها الكل، الجو هادي والضحك خفيف.
وفجأة باب الشقة اتفتح ودخلت بهية بسرعة، ملامحها باينة فيها خوف وفرحة مع بعض.
– يا ربي! قلبي كان هيقف عليكي يا ونس…
ونس قامت بسرعة من مكانها على قد ما قدرت، ورمت نفسها في حضن أمها:
– ماما… وحشتيني قوي.
بهية حضنتها بقوة، دموعها نزلت وهي تقول:
– وحشتك؟ ده أنا اللي روحي كانت هتطلع من خوفي عليكي.
رحمة قربت منهم، دموعها في عينيها:
– الحمدلله إنها رجعت بالسلامة.
يونس كان واقف بيتفرج، قلبه بيتقبض من منظر دموع بهية، لكنه ما قدرش يمنع نفسه يقول:
– محدش هيقدر يقرب منها تاني وأنا موجود.
بهية بصت له بسرعة، دموعها لسه على خدها:
– أمانتها في رقبتك يا يونس… دي بنتي.
ونس مسكت إيد أمها وضغطت عليها بحب:
– متخافيش يا ماما… أنا معاكم.
الجو امتلأ دفء ودموع، وكلهم حسوا إن اللحظة دي كانت ناقصة من غير حضن الأم.
الليل نزل، والبيت هدي بعد ما الكل نام.
ونس كانت قاعدة في أوضتها، ضهرها وراها مخدة كبيرة، عينيها بتسرح في السقف.
الباب خبط بخفة، وسمعت صوت أمها بهية:
– أصحى داخلة يا ونس؟
ونس ابتسمت:
– ادخلي يا ماما.
بهية دخلت وقعدت جنبها على السرير، مدت إيدها وسكتت ثواني وهي تبص في وش بنتها.
– يا بنتي… أنا قلبي كان بيتقطع عليكي. كنت حاسة إني مش هشوفك تاني.
ونس مسكت إيدها بحنان:
– معلش يا ماما… وجعتك معايا.
دموع بهية نزلت غصب عنها:
– وجع إيه؟ ده أنا روحي اتسحبت من جسمي… إنتي بنتي الوحيدة يا ونس، لو حصلك حاجة أنا هموت.
ونس قربت منها، حضنتها بقوة:
– متعيطيش يا ماما… أنا لسه هنا، جنبك.
بهية مسحت دموعها وهي تبص في عينيها بجدية:
– عايزاكي تاخدي بالك من نفسك… ما تبقيش متهورة، ما تسيبيش حد يعرضك للخطر.
وبصت ناحية الباب كأنها تقصد يونس من غير ما تقول اسمه.
ونس فهمت، ابتسمت بخفة:
– ماما… يونس عمره ما هيأذيني، هو أكتر واحد خايف عليا.
بهية أخدت نفس طويل وقالت:
– يا رب يكون زي ما بتقولي. المهم عندي أشوفك بخير، أياً كان مين حواليكي.
ونس حطت راسها على كتف أمها، وغمضت عينيها وهي تحس إنها لسه طفلة صغيرة في حضنها.
الصبح دخل من شباك الأوضة، شعاع الشمس خفيف على عيني ونس.
قامت من السرير بهدوء، لابسة طرحة خفيفة على شعرها، وخرجت للجنينة الصغيرة اللي في البيت.
الهوا البارد لمس وشها، قلبها اتنفض… من زمان ما حستش بالسكينة دي.
قعدت على الكرسي الخشبي، وسرحت في العصافير اللي بتتنطط على الشجر.
بعد لحظات، يونس خرج وراها وهو شايل بطانية خفيفة.
قرب منها وحطها على كتفها من غير ما يقول حاجة.
ونس بصت له بابتسامة هادية:
– أنا كويسة يا يونس، مش محتاجة.
يونس جلس جنبها، عينيه ما فارقتش وشها:
– محتاجة… حتى لو مش للبرد، محتاجة ليا.
ونس ضحكت بخفة، قلبها ارتاح من كلامه.
– أنت مش سايبني لحظة.
– ومش هسيبك.
في اللحظة دي بهية طلعت، شايلة صينية فيها كوبايتين شاي:
– يا سلام! قاعدين في الهوا من غير ما تقولولي؟
ونس ابتسمت وهي تاخد الكوباية من أمها:
– كنت محتاجة أشم نفس يا ماما.
بهية بصت لها بحنان:
– ربنا يحميكي يا بنتي… أهم حاجة عندي أشوف الضحكة دي على وشك.
عامر جه بعدها بلحظات، واقف عند باب الجنينة:
– شكلكم عاملين قعدة عائلية وأنا آخر من يعلم.
ونس ضحكت:
– تعالى… البيت من غيرك ناقص.
عامر ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يقرب، والجو بقى أدفى بوجودهم كلهم.
ونس رفعت عينيها للسما، وقالت في سرها:
– يمكن دي الحياة اللي كنت بدور عليها.
الجو في الجنينة كان مليان دفء… ونس وسط أمها ويونس وعامر، ضحكة صغيرة بتطلع من وقت للتاني.
وفجأة، صوت جرس الباب دوّى في البيت.
رحمة قامت بسرعة تفتح… وبعد لحظات، دخلت وهي وراها شخصية جديدة:
راجل في الخمسينات، شكله وقور، عيونه جادة لكنه ملامحه فيها هدوء.
عدي لحقه من ورا رحمة، صوته واضح إنه كان السبب في دخوله:
– ده الأستاذ فؤاد… الخبير اللي اتكلف يراجع موضوع التحقيق في الحادثة.
ونس اتفاجئت، بصت حواليها وهي بتحاول تفهم.
– تحقيق؟
فؤاد ابتسم ابتسامة مطمئنة:
– ما تقلقيش يا بنتي… وجودي بس عشان نعرف إيه اللي حصل بالضبط.
بهدوء كمل:
– الرصاصة اللي جاتلك… مش جاية من مسافة قريبة. فيه تفاصيل محتاجة تتكشف.
يونس شد إيد ونس تلقائيًا، صوته حاد:
– المهم إنها بخير دلوقتي.
عامر اتدخل بسرعة عشان يخفف التوتر:
– صح… بس برضه لازم نفهم مين اللي ورا ده.
ونس بصت لمامتها، لقت وشها شاحب من القلق.
مسكت إيدها وقالت بهدوء:
– ماما… متخافيش. أنا كويسة.
فؤاد قعد معاهم وقال:
– الأيام الجاية هنحتاج منكم تعاون… يمكن في حد من القريبين عارف أكتر مما باين.
سكت الكل فجأة… كأن الكلمة وقعت تقيلة في الجو.
ونس حسّت قلبها يدق أسرع، ورغم إنها رجعت البيت ولسه بتحاول تعيش اللحظة، عرفت إن اللي فات مش نهاية القصة… ده مجرد بداية.
يتبع