رواية ونس القلب الفصل الرابع 4 بقلم ديدا عبد الرحمن
رواية ونس القلب الفصل الرابع 4
ونس بصوت متوتر وهي ممدّة إيدها:
– أنا طالعة أوضتي… هات التليفون.
يونس رمقها بنظرة طويلة، وبص على الموبايل في إيده، كأنه بيزنّ في دماغه آخر مرة. بعد لحظة سلّمه لها، صوته هادي لكن فيه لمسة تحدّي:
– خدي.
ونس أخذته بسرعة وطلعت السلم بخطوات سريعة، قلبها بيخبط، ولما وصلت للأوضة… رزعت الباب بكل قوة.
من تحت، صوت يونس جه واضح ومليان سخرية:
– رزّعي جامد… رزّعي!
ونس وقفت ورا الباب، تتنفس بسرعة، وإيده هي اللي كانت لسه ماسكة الموبايل بتحس كأنها سخنة من شدّة الموقف.
ونس رمت نفسها على السرير، الموبايل جنبها، وإيدها بتضغط على المخدة كأنها بتحاول توقف أفكارها اللي مش راضية تهدأ.
تحت، في الصالة، يونس واقف قدام بهية ومنه، إيده في جيبه، ونظراته جدية:
– لو عرفت إن موضوع الواد ده اتفتح تاني… متزعلوش مني.
بهيّة رفعت حاجبها وهي تمسك فنجان الشاي، بصوت فيه خبث:
– يا ابني، في إيه؟ الله… أنت هتخلي البت تعنس ولا إيه؟
يونس رمقها بنظرة تحذير، صوته أوطى لكن مليان حزم:
– أنا عارف أنا بعمل إيه… واللي يهمني إنها تبقى بخير، مش إنها تتجوز وخلاص.
منه ضحكت وهي تبص ليه:
– بخير على مزاجك أنت، مش على مزاجها.
يونس ما ردش، بس عينه رجعت تلمع بالحدة اللي كانت من شوية مع ونس.
يونس كان هيمشي، لكنه وقف فجأة، لفّ عليهم وقال بلهجة جادة:
– أنا طالع مهمة… اعملوا حسابكم.
منه قامت مرة واحدة، خطوتين بس وكانت في حضنه، تمسكه بخوف:
– تاني يا يونس؟
يونس لفّ إيده عليها، يحاول يطمنها:
– يا أمي… شغلي، أعمل إيه؟
منه بصوت مبحوح والدموع بتلمع في عينيها:
– قلتلك… متشتغلش كده يا ابني، بتوجّع قلبي.
هو مسح على ضهرها بهدوء، لكن عينه كانت فيها الإصرار اللي عمره ما بيخليه يتراجع:
– لو كان بإيدي… كنت بطّلت من زمان.عشانك
يونس انحنى وباس راسها بحنان، لكن منه شدّت نفسها وهي تقول بقلق:
– سيبوا… سيبوا يا ابني.
هو ابتسم بخفة، ورجع حضنها تاني، صوته دافئ لكن مليان إصرار:
– أنا بحب شغلي يا حبيبتي، وطول ما إنتِ بتدعيلي وراضية عني، وفوق كل ده ربنا معايا… هبقى كويس.
منه عضّت شفايفها تحاول تخفي دموعها، لكن قلبها كان بيقول لها إن كل مرة بيطلع فيها "مهمة" بتكون أصعب من اللي قبلها.
بهية قربت من يونس وحضنته، دموعها نازلة:
– خلي بالك على نفسك يا ابني.
يونس ضمّهم هما الاتنين، وبعدها خطا خطوة لورا:
– أنا ماشي… خلوا بالكم على نفسكم.
رفع عينه للسلم، وكأنه بيفكر لحظة، لكن بهية حطت إيدها على كتفه:
– مش هتسلّم عليها يا يونس؟
يونس ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال:
– ابقى سلمّيلي عليها إنتِ…
سكت لحظة، ثم رجع يتكلم بجدية:
– عرفوها تبعت لخالو قبل ما تروح في أي حتة… وتبعت لي أنا كمان. هبقى أشوفهم.
بهية أومأت:
– ماشي يا حبيبي.
يونس خرج، وصوت خطواته اختفى برة الباب.
منه رجعت وجلست على الكنبة، دموعها نازلة وهي بتكتم شهقتها.
بعد شوية، ونس نزلت من فوق وهي بتبص حواليها:
– في إيه يا عمتي؟… في إيه يا ماما؟ بتعيطوا ليه؟
عينيها لفت في الصالة تدور:
– يونس فين؟
منه بصت لها والدموع في عينيها:
– راح مهمة يا ونس.
ونس حسّت قلبها يقبض:
– إيه… ومشي؟
منه أومأت برأسها.
ونس بصوت مصدوم:
– ما قالش ليا ليه؟
بهية ردّت وهي تمسح دموعها:
– مشي على طول… كان مستعجل.
ونس وقفت مكانها، تحاول تخفي القلق اللي بدأ يملأ ملامحها، لكن جواها إحساس إن المرة دي مختلفة.
ونس بصّت لهم وقالت وهي بتحاول تخفي ارتباكها:
– أنا طالعة… سفر شغل.
بهية رفعت حاجبها:
– سفر؟ سفر إيه؟
ونس تنهدت:
– ما إنتِ عارفة يا ماما إني بسافر مع الضباط في المهمات… عشان أنا دكتورة.
بهية لمّت شالها على كتفها وقالت بضيق:
– يوهه يا ونس… هو أنا ما قولتش تمنعي الحوار ده؟
ونس بابتسامة صغيرة تحاول تغيّر الجو:
– يا ماما، ده شغلي… وبعمل اللي بحبه.
لكن جواها، فكرة إن يونس خرج في "مهمة" وهو مش مسلّم عليها كانت زي شوكة مش قادرة تشيلها.
بهيه بصت ليها بضيق: ابعتي لابوكي... يونس قال أقولك تبعتي له كل حتة تروحيها.
ونس بضيق: مش هبعت حاجة، مش هو اتقمص ومشي من غير ما يسلم عليا وهو عارف إني مش بحب كده.
بهيه وهي بتشد طرحتها على راسها: يابنتي ما تعانديش، هو قلقان عليكي.
ونس وهي بتلم شنطتها: قلقان ولا متحكم؟
بهيه بحدة: بطلّي الكلام ده، يونس نيته خير.
ونس وهي ماشية ناحية الباب: خير على مزاجه، مش على مزاجي.
ونس وهي طالعة: على العموم أنا كلمت بابا وقلت له… دي أول حاجة، تاني حاجة مش هبعت ليونس حاجة، تالت حاجة بقى… أنا طالعة أحضر شنطتي. وطلعت.
منه وهي تبص لبهيه: بنتكم هتجيب أجل الواد.
بهيه: ما انتي ابنك برضو صعب يا منه ل يقول إنه بيحبها او يسيب البت ف حالها
منه سكتت
بهيه: فكك من العيال دي، أنا هقوم أغرف لينا ناكل
منه قامت معاها: هاجي معاكي
فوق عند ونس
كانت واقفة قصاد تلفونها على الترابيزة، بتبص عليه ومترددة
ونس بصوت واطي: أقوله طيب ولا لأ…
سكتت ثواني وبعدين هزت راسها: لا لا… مش هقوله، هو مشي من غير ما يسلم عليا أصلاً.
حضرت شنطتها ونزلت ليهم، كانوا قاعدين سوا.
بهيه بصتلها بابتسامة: طبق اهو يا حبيبتي، كلي قبل ما تمشي… عملتك تونة ومكرونة زي ما بتحبي.
ونس قربت منها وقعدت، وهي بتاخد الشوكة: اممم تسلم إيدك يا مامتي، أحلى أكل من إيدك.
بهيه وهي بترفع حاجبها بخبث: ما هو أنا مابعملش كده لحد… غير اللي يستاهل.
ونس ضحكت وهي بتاكل: أيوه بقى، خليها كده دلع ومحاباة.
ونس قامت بعد ما أكلت، حضنت مامتها: تسلم إيدك يا حبيبتي.
بهيه وهي بترد الحضن: إنتي… إنتي خلاص ماشيه؟
ونس هزت راسها، وبصت عليها لقت عينيها اتملت دموع: لا لا ونبي يا ماما… وحضنتها أكتر.
ونس بابتسامة هادية: يا حبيبتي، أنا دكتورة مش أنا الظباط.
بهيه وهي بتعيط: بتبقي في خطر برضه.
منه وهي بتطبطب عليها: خلاص يا بهيه، اجمدي كده.
بهيه رمقتها: شوفي مين بيتكلم… إنتي كنتي لسه بتعيطي.
ونس ضحكت: خلاص بقى يا ماما، متعيطيش… يلا يا حبيبتي عشان أمشي.
بهيه حضنتها جامد: اتغطي كويس، وكلي كويس، وحاولي تكلميني يا حبيبتي.
ونس باسها على خدها: حاضر.
منه قامت لها وهي فاتحة دراعها: هاتي حضن يا بت.
حضنتها بهية وهي بتبص لها بابتسامة: هتمشي إزاي؟ بالعربية ولا…
ونس: لا، هركب تاكسي، عشان هروح معاه باقي الدكاترة.
بهية: ماشي يا حبيبتي… ربنا معاك.
ودّعوا بعض، ونس مشيت.
بعد شوية وصلت مكان التجمع.
رحمة فتحت دراعاتها: أااا ونسس!
ونس وهي بتحضنها بحماس: يا رحومهه!
رحمة: بحسبك مش هتيجي… قعدت أرن عليك ومردتيش.
ونس: معلش يا قلبي، ما أخدتش بالي… فين البنات؟
رحمة: هدى ركبت الأوتوبيس، ونور لسه مجتش، وليلي ركبت برضه.
ونس: هممم… يلا بينا.
ركبوا الأوتوبيس.
ونس بصت لرحمة وهي مترددة: رحمة… أنا ما بعتش ليونس. أبعت له ولا لأ؟ أنا مش طايقاه أصلاً.
رحمة: ابعتي… مش طايقاه ليه أصلاً؟
ونس حكت لرحمه اللي حصل، وهي بتضحك: بيحبك يا بت يا ونس.
ونس هزت إيدها قدامها: بسّ بسّ… حب إيه؟ ده شايفني زي أخته.
رحمه: بس يا عبيطة… على العموم ابعتي له.
ونس بهزّة راس ورفض: لا، مش هبعت.
رحمه رفعت حواجبها: انتي عبيطة؟ أومال كنتي بتسألي ليه؟
ونس ضحكت: خلاص خلاص، فكك بقا.
هدي وهي بتبص عليهم: عيال، حد فيكم ياكل؟ أنا جعانة.
ونس وهي بتضحك: هدي إحنا لسه راكبين يا حبيبتي.
ليلي بسخرية: دي حاجة جديدة… هدي تاكل أول الطريق، وبعدين تشتكي في الآخر إن بطنها وجعاها.
هدي ضحكت: إيه يا جدعان، هتفضلوا تبصوا في أكلي ولا إيه؟
عدى وقت ولقوا هدي ماسكة بطنها
رحمه: مالك يا هدي، في إيه؟
هدي بتوجع: بطني بتوجعني
نور ضحكت: يا بنتي قولت لكِ…
هدي: بس بقى، هي ناقصة حد معاه مسكن؟
ونس مدت إيدها: خدي، أنا عاملة حسابي
نور بخبث: أيوه طبعا، مش أول مرة البطن دي توجعك وانتِ معاهم
هدي رمقتها: اسكتي انتي، بدل ما أوجعلك إنتِ بطنك
ونس وهي بتمسك بطنها من الضحك: يلا يلا، اشربي المسكن قبل ما أغير رأيي
بعد شوية وصلوا للكامب اللي هيقعدوا فيه لغاية ما المهمة تخلص.
نزلوا كلهم من العربية، الجو كان فيه ريحة تراب وشجر حوالين المكان.
المشرف: دلوقتي هتحطوا شنطكم وتيجوا كلنا هنا… عشان هنتحرك على المستشفى. كل مجموعة هتبقى معاها حد يوريها أوضتها. يلا شوفوا مين مع مين.
كلهم: تمام.
البنات مشيوا سوا، ووراهم واحدة من المشرفات كانت بتوريهم هيباتوا فين.
بعدها راحو على المستشفى
ونس بتتكلم مع البنات واقفين لغاية ما يشوفوا هيعملوا إيه
دكتور أحمد: ونس تعالي في ظابط متصاب
ونس: حاضر يا دكتور
دخلت الأوضة… فجأة وقفت مكانها، عينيها اتسعت وهي شايفة يونس قاعد على السرير، إيده ماسكة كتفه اللي ملفوف بشاش وعليه آثار دم.
ونس بصدمه وخوف عليه جريت: يونس مالك؟!
مسكت وشه بخوف: انت… انت كويس؟
يونس باستغراب وهو بيبعد إيده عن كتفه شوية: انتي… إيه اللي جابك هنا؟ ومبعتِش ليه ليا؟
ونس بصوت مخنوق وهي بتحاول تبعد إيده: هو ده وقته يا يونس؟! أوعى أشوف الجرح
يونس بيزفر وهو بيحاول يبعدها: سيبك مني أنا… إنتِ إيه جابك هنا؟
ونس وهي بتشد إيده عشان تكشف الجرح: شغلي يا يونس… في إيه؟ وسع إيدك بقى
ونس مدت إيده غصب عنه، وهي شايفة الدم اللي لسه ما وقفش، قلبها وجعها أكتر من المنظر
ونس بعصبية مكتومة: يا يونس! ده انت سايب نفسك كده ليه؟!
يونس بيحاول يخفف الموضوع بابتسامة نص نص: ما انتي عارفاني… الحاجات دي ما تهزنيش
ونس رفعت عينيها فيه بحدة: ما تهزكش؟! انت لو جرالك حاجة…
سكتت فجأة وكأن الكلام وقف في حلقها، بس عينيها قالت كل اللي قلبها مش قادر ينطقه.
ونس: هو ده وقته يا يونس؟ أوعى أشوفك بتشد على الجرح
يونس: سيبك مني أنا… إيه اللي جابك هنا؟
ونس: شغلي يا يونس، في إيه؟ وسع إيدك بقى
(بص في عينيها)
يونس: كمّلي… وقفتي ليه؟
ونس لسه هترد، لكن حد دخل
عدي (قريبهم): يونس، عامل إيه دلوقتي؟ (قرب منه)
يونس بهدوء: أنا كويس يا عدي، متخفش
عدي بابتسامة: الحمد لله… أنا قلقت لما عرفت إنك اتصابت، ما كنتش عارف اتصابت فين ولا إيه اللي حصل
ونس وهي بتبص لعدي وبصوت فيه قلق: اتصابت ازاي؟
عدي وهو بيبص ليونس: كنا في شغل يا ونس… بس شكله اندفع أكتر من اللازم.
يونس قطع كلامه: خلاص بقا يا عدي، الموضوع خلص.
عدي رفع حاجبه: خلص إيه؟ انت متخيل لو الطلقة جت في حتة تانية؟!
يونس بهدوء وهو بيعدل قعدته: قولتلك… أنا كويس.
ونس اتنهدت وهي بتقرب أكتر: طب على الأقل أسيبك ترتاح… بس أول ما تصحى هتقوللي كل حاجة.
دخل حد بدوشة: إييي ياباشاااا، مالككك؟
يونس بص لعدي: لا لا، خرج الواد ده.
عامر بصلو وهو حاطط إيده على قلبه: تخرجني؟ ههون عليك يا قلبي.
عدي وهو بيشاور على الباب: يلا يا عيل يملزق، اخرج برا.
ونس ضحكت عليهم، ويونس بص لها بنظرة جانبية: إيه اللي مضحك؟
ونس وهي بتحاول تمسك ضحكتها: لأ ولا حاجة… أنتوا شبه مسرحية.
عدي: أهو إحنا بنتسلى، وأنتي واقفة عاملة الحكم.
حد خبط ودخل
دكتور حسام: ونس، بدوّر عليكي يبنتي، أنا عملت حسابك في الفطار… يلا.
ونس بصت بتوتر ليونس: روح انت يا حسام، وأنا هاجي وراك.
يونس وهو بيشد نظره عليها: ليه ما تروحي معاه دلوقتي؟
ونس اتلخبطت: لأ… قصدي هخلص كلام هنا وبعدين أجي.
دكتور حسام باستغراب: كلام إيه؟ يلا يا ونس.
عدي بابتسامة خبيثة: يلا يا ونس… سيبيه، شكله لسه مش شبعان كلام.ونس بصت عليهم هما التلاتة، ولاحظت النظرات اللي بيرموا بيها لحسام.
يتبع...