📁 أحدث الفصول

رواية ليله في قلب الظلم بقلم امال

رواية ليله في قلب الظلم بقلم آمال

رواية ليله في قلب الظلم

 عنوان القصة: ليلةٌ في قلب الظلم


كانت زهرة عبد الحي فتاةً يتيمة الأبوين، نشأت في بيت خالتها منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. أحبّتها خالتها كما تحبّ أمٌّ ابنتها، وربّتها مع ابنها الوحيد حازم الطيب. نشأ الاثنان كأخوين في المظهر، ولكن القلوب تعرف الفروق جيدًا، إذ كانت زهرة تخبّئ في قلبها مشاعر خجولة تجاه حازم، بينما هو لا يرى فيها أكثر من واجب ثقيل تفرضه عليه الوصية.


عندما بلغت زهرة العشرين، توفيت خالتها بعد مرضٍ عضال، وأوصت حازم – الذي صار شابًا ناضجًا في الثلاثين – أن يتزوج بابنت أختها إن أرادت أن تستقر، وأن يحسن إليها، فقد ربتها كما ربت ابنها، ولا تطيق أن تتركها في المجهول.


امتثل حازم للوصية... زواجًا لا يحمل فيه من الحبّ إلا اسمه. تزوجها في حفلٍ بسيط بلا بهجة، وكانت زهرة تعرف أنها لا تسكن قلبه، لكنها كانت تحاول... كانت تطبخ له ما يحب، وتنتظر عند الباب حتى يعود، وتستقبل صمته بالابتسامة، ونفوره بالصبر.


مرّت ثلاث سنوات لم تسمع خلالها منه كلمة "أحبك"، بل لم تسمع كلمة "شكرًا" حتى. ومع هذا، كانت تُمنّي نفسها بأنّ صبرها قد يلين قلبه.


وفي مساءٍ خريفيّ، عاد حازم إلى البيت متجهّم الوجه، وقال دون أن يلتفت نحوها:


– "أنا سأتزوج."


كانت في المطبخ ترتّب الأطباق، فتجمدت يدها على حافة الحوض، ثم خرجت إليه، وقالت:


– "ماذا قلت؟"


نظر إليها ببرود وقال:


– "انقلي حاجتك إلى الغرفة الصغيرة، عرسي غدًا، وكتب الكتاب تمّ اليوم."


ابتلعت زهرة دموعها بصعوبة، وقالت بصوت منخفض:


– "وأنا؟ أنا زوجتك… ألا يجب أن تخبرني قبل أن تُفاجئني؟"


قال وهو يزيح سترته عن كتفه:


– "أنتِ مجرد وصية، لولا أمك الله يرحمها، ما كنت نظرت في وجهك أصلاً."


ردّت بصوتٍ مخنوق:


– "هي أمي… وأنت تعلم أنها خالتك، وقد ربّتني كما ربّتك، هل هذا جزاؤها؟ أن تُهان وصيتها؟"


لم يرد، بل رفع يده مشيرًا نحو الغرفة الصغيرة وقال:


– "خذي حاجتك… عروستي تحتاج مكانًا أوسع."


دخلت زهرة غرفتها، ويدها ترتجف على المقبض، وجمعت ملابسها في حقيبة صغيرة، وضمّت صورة والدتها تحت ثوبها، وجلست في الزاوية، تبتلع الدموع، وأصوات الزغاريد تمزق قلبها.


كانت تسمع صوته وهو يضحك، ووجهه الذي لم تراه يومًا يبتسم لها، يبتسم الآن لامرأة غريبة… سمر الشناوي، ابنة أحد التجار الأغنياء.


اقترب منتصف الليل، حين دخل حازم عليها مجددًا وقال:


– "حضّري العشاء لي ولزوجتي."


نظرت إليه بعيونٍ ملتهبة من القهر، وقالت:


– "دعها تُحضّره لك… فهي الآن صاحبة المكان."


اقترب منها، وانحنى وهو يقول بنبرة تهديد:


– "أنتِ تعلمين أني لا أعيد الكلام… قومي."


خافت… فقامت، وأعدّت الطعام بيدين ترجفان، وخرجت به إلى المائدة، حيث سمر تجلس إلى جانبه، تمسك يده وتضحك.


نظرت إليها سمر بسخرية وقالت:


– "أنتِ زهرة، أليس كذلك؟ حازم قال إنك خجولة…"


قالت زهرة باختناق:


– "عن إذنكِ."


ودخلت غرفتها وأغلقت الباب، وانهارت على السرير تبكي، حتى بللت وسادتها. لم تكن تبكي على رجل لا يحبها، بل على كرامة دِيست تحت أقدام الزوجية، وعلى سنوات الانتظار التي ذهبت هدرًا.


لم تكن تعلم كم مرّ من الوقت، حتى سمعت الباب يُفتح فجأة، التفتت، وكانت عيناها محمّرتين من البكاء، لتجد حازم يقف في عتبة الباب.


شهقت:


– "حازم؟"


قال بلهجة غريبة لم تعهدها:


– "أريد أن نتحدث."


لم ترد، فقط نظرت إليه بحذر.


جلس أمامها، وبدأ يُمسك بيده الأخرى حافة الفراش، وقال:


– "سمر… لا تُشبهكِ."


نظرت إليه بتعجّب:


– "ماذا تقصد؟"


قال وهو ينظر في الأرض:


– "ظننت أنني بحاجة إلى امرأة تُشبه ما أراه في الخارج، تلبس، وتضحك، وتتماشى مع الناس… لكني وجدت فيها قشرة فقط… أما أنتِ…"


سكت، ثم تابع:


– "أنتِ تحملين البيت فوق كتفيكِ، دون أن تتذمّري. لا ترفعين صوتكِ، لا تُهملينني، ولا تتركي فراغًا، كنتِ تسكبين في الصمت دفئًا لم أشعر به إلا حين غاب."


قالت زهرة بهدوء:


– "وهل كنتَ بحاجة إلى أن تهينني لتكتشف قيمتي؟"


رفع رأسه نادمًا، وقال:


– "أخطأت… وكان غروري أكبر من أن يراني زوجًا ليتيمة."


قامت من مكانها، ووقفت على بعد خطوات منه، وقالت:


– "غدًا سأخرج من هذا البيت، ولن أعود. لا لأنك تزوجت، بل لأنني عرفت أن كرامتي أثمن من الانتظار."


صمت طويل…


ثم قالت:


– "سأترك لك المكان، ولزوجتك الجديدة… وابقَ معها ما دمت تراها تشبه العالم الذي تركتني من أجله."


خرجت زهرة في الصباح، دون ضجيج، لم تحمل شيئًا إلا حقيبتها الصغيرة، وصورة والدتها. ركبت الحافلة دون أن تلتفت، والمفاجأة لم تكن فيما حدث داخل غرفتها، بل في قلب حازم الذي اكتشف متأخرًا ما لا يُصلح ندمُه.


بعد شهور، طلق سمر، فقد كانت تشتكي دائمًا من زهرة، وتُقارن، وتعاتب، وتحكم على البيت بالبرود. ولما رحلت زهرة، رحلت معها الروح.


أما زهرة، فقد بدأت من جديد، عملت في مدرسة لتحفيظ القرآن، ثم افتتحت دارًا صغيرة لإيواء الفتيات اليتيمات، وقالت يوم افتتاحها:


> "من لا يُكرم قلبًا ضعيفًا في داره، سيبكي ندمًا يومًا حين يكتشف أنه فقد الجوهرة بحثًا عن بريق زائف."


---


يا قارئ الحكاية...


احذر أن تُهين الصابرين، فربما كانوا آخر من يحبّك بصدق. لا تخدعك الزينة المؤقتة، فبعض القلوب لا تُعوّض، وإذا رحلت، لا يُجدي الندم.

Mohamed ME
Mohamed ME
تعليقات