✨ بَيْنَ سُطُورٍ قَلِيلَةٍ .. عَالَمٌ كَامِلٌ مِنَ المُغَامَرَاتِ وَالخَيَالِ يَنْتَظِرُك 🪶♥️

📁 أحدث الفصول

رواية ما وراء الغابه بقلم يورا فؤاد

رواية ما وراء الغابه بقلم يورا فؤاد

رواية ما وراء الغابه بقلم يورا فؤاد




 _ما وراء الغابة _


"ثمّة لحظات في الحياة تترك في أرواحنا ندوبًا لا يمحوها الزمن، بل تظل هناك، شاهدة على الألم الذي خلّفه الفقدان."


كان الشغف بالاكتشاف يجري في عروقه، وكان يحبّ المغامرة حتى باتت جزءًا من كيانه. لكنّه اليوم يكره هذا الشعور، يكرهه بشدّة... فقد فقد روحه يوم فقدانك يا صديقي...


بابتسامة تحمل في طيّاتها حماسة لا يعرف لها قلبه حدًّا، التفت سليم إلى صديقه عمر قائلًا:


عمر، ما رأيك أن نستكشف منطقة جديدة؟ سمعت الكثير عن ملقا في ماليزيا، الجميع يقول إنها من أجمل الأماكن هناك!


ارتسمت على وجه عمر ابتسامة مكرٍ قبل أن يردّ:

فكرة رائعة سأُخبر فادي ومروان، ونذهب جميعًا.


وبالفعل، لم تمرّ ساعات حتى كان الجميع قد وافق، وحُجزت التذاكر، وحدّد موعد الرحلة: الأربعاء، السادسة صباحًا.


في فندق "لاس فيجاس"، الذي يُعدّ من أرقى فنادق ملقا، استقرّ الأصدقاء الأربعة في غرفهم استعدادًا ليوم طويل من الاستكشاف في اليوم التالي.


لكنّ الهدوء لم يكن ضيفًا مرحّبًا به هذه الليلة...


عمر، وهو يغسل يديه في الحمام، انتفض على إثر انطفاء الأضواء فجأة صمت لوهلة، ثم تمتم:

لا بأس، يبدو أن الكهرباء هنا غير مستقرة.


لكن بعد ثوانٍ قليلة، انطفأت الأضواء مجددًا... ثم عادت تملّكه التوتر، لكنه تجاهل الأمر مبرّرًا ذلك بالإرهاق.


وفي غرفة فادي، أُغلقت النافذة أمامه بقوة. تساءل في دهشة:

الهواء لكن أي هواء الجوّ خانق بالخارج!


لكنه بدوره قرّر ألا يمنح الأمر اهتمامًا، واتّجه إلى غرفة سليم منتظرًا خروجهم معًا.


وفي غرفة عمر، أثناء استعداده للخروج، لمح شيئًا غريبًا على المرآة اقترب ببطء، ليجد كلمات كُتبت بالدماء:


تجمّد في مكانه، قبل أن يُطلق ضحكة باردة، ممزوجة بالدهشة والخوف، وقال لنفسه:

لابد أنّهم يحاولون إخافتي... ياله من مزاح سخيف


لكنّه قرّر أن يردّ الصاع صاعين، فأظهر لهم تصرّفًا غريبًا وكلمات مبهمة علّها تُثير ارتباكهم غير أنّه فوجئ بنظراتهم المندهشة وكأنّهم حقًا لا يعرفون عمّا يتحدّث.


في اليوم التالي، وبينما كانوا في غرفة عمر يستعدّون للخروج، أُغلقت النافذة بعنف غير طبيعي اقترب مروان ليفتحها، لكن عيناه اتسعتا ذعرًا حين رأى في الخارج أربع حفر حديثة الحفر، وكأنّها تنتظر أصحابها.


كان عدد الحُفر يساوي تمامًا عددهم.


التقت نظراتهم المرتعبة، وتسلّل الرعب إلى أعماقهم. لم يعد هناك مجال للشكّ لم يكن ما يحدث مُجرّد صدفة...


في تلك الليلة، بينما كان عمر واقفًا أمام المرآة، مستغرقًا في أفكاره، أُطفئت الأنوار تمامًا.


ثم جاءه صوتٌ غريب، هامسًا بصوت رخيم يقطر حنينًا ووحشة:


هل تدرك كم انتظرتك، يا جاثوم؟ لقد تعبتُ من الانتظار... أحببتك طويلًا... لماذا لا تبادلني المشاعر؟ هل تريدني أن أتغيّر لأجلك أخبرني... سأفعل أي شيء لإرضائك... جاثومي...


ثم اختفى الصوت، وعادت الأضواء.


تجمّد عمر مكانه، عيناه فارغتان من الحياة، وكأنّ عقله قد تلاشى في دوّامة من الفزع.


لم يسمع طرق الباب، لم يشعر بوجود فادي الذي جاء يناديه لتناول العشاء لكن حين دفع فادي الباب، رأى صديقه يُلقي بجسده أرضًا بلا حراك.


وحين أتى الطبيب، كانت كلماته كطعنة باردة:


البقاء لله... لقد رحل


مرّت أيام الرحلة ككابوس لا ينتهي كانت صدمة الفقدان أكبر من أن تُحتمل.


وفي مكالمة هاتفية بين مروان وزوجته نود، كان صوته يقطر إرهاقًا ويأسًا:


الرحلة كانت أكبر من احتمالنا، لم يكن مجرّد خوف... لقد مسّتنا اللعنة، يا نود. نحن مشوّهون من الداخل، وكل زاوية تهمس بأسماء من فقدناهم حتى الآن، لا نعرف من كان ينتظر عمر من كان يناديه بالجاثوم؟


ردّت نود، وصوتها مختنق بالخوف:

ارجع يا مروان... أرجوك، لا أريد أن أفقدك أنت أيضًا!


وهكذا، عاد الأصدقاء الباقون، لكنهم لم يعودوا كما كانوا. تركوا وراءهم قطعةً من أرواحهم هناك، في ملقا، حيث لا تزال الأرواح الهائمة تبحث عن من ينتمي إليها.


ورغم مرور السنوات...


لا تزال الأصوات تهمس في الليالي الحالكة:


جاثومي... إلى متى ستتركني وحدي؟


"هناك لحظات نظنّ أننا قد نجونا فيها، لكن الحقيقة أننا فقط أخذنا استراحة من الكابوس، قبل أن يعود ليبتلعنا من جديد."


مرّت شهور على الرحلة المشؤومة، لكن شبحها لم يفارق الناجين لم يكن موت عمر مجرّد حادث عابر، ولم تكن الأصوات التي سمعوها مجرّد هلوسات كان هناك شيء ما... شيء لا يريد تركهم وشأنهم.


في إحدى الليالي، كان مروان يجلس في شقته، يحاول التركيز على العمل، لكن هاتفه اهتزّ بإشعار جديد.


راسل مجهول: 


هل تظنّ أنكم قد هربتم هل تعتقدون أن اللعنة ستنساكم؟


انتابته قشعريرة باردة، لكنّه حاول إقناع نفسه أن الأمر لا يعدو كونه مزحة ثقيلة. تجاهل الرسالة، لكن في اليوم التالي، وصلته رسالة أخرى، هذه المرة تحتوي على صورة.


كانت صورة قبر يحمل اسمًا مألوفًا...


عمر سليم.


في ذات الوقت، كان فادي مستلقيًا على سريره، يحاول النوم، لكنه شعر ببرودة غير طبيعية في الغرفة. فتح عينيه ببطء، ووجد ظلًا يقف عند طرف السرير.


جفّ حلقه، وحاول النهوض، لكن جسده كان مشلولًا تمامًا.


ثم جاء الصوت، صوت لم يكن يجب أن يسمعه مجددًا أبدًا...


_لماذا تركتموني هناك ألم أكن صديقكم لماذا لم تأخذوني معكم؟_


كانت الكلمات تخرج من الظلّ بصوت عمر، لكنّها لم تكن نبرة عمر التي يعرفها. كانت أكثر خشونة، أكثر ألمًا... وأكثر تهديدًا.


ثم تلاشى الظلّ، وعادت الغرفة إلى طبيعتها لكن على المرآة، كُتبت جملة واحدة:


نحن لم ننتهِ بعد.


تجمّع الناجون الثلاثة مروان، فادي، وسليم بعد تلك الأحداث الغريبة لم يكن هناك مجال للإنكار بعد الآن شيء ما كان يلاحقهم، شيء لم يكن مستعدًا لتركهم يعيشون بسلام.


قال سليم، وهو ينظر إلى الرسائل المجهولة على هاتفه:


هذه ليست مصادفة أحدهم يريدنا أن نعود إلى ملقا.


ردّ فادي بقلق:


ومن قال إنهم بشر أصلًا ماذا لو كانت روح عمر... أو أي شيء آخر


نظر مروان إليهما بوجه شاحب، ثم قال بهدوء:


ربما علينا العودة وإغلاق هذا الباب نهائيًا.


كان القرار جنونيًا، لكنه بدا الحلّ الوحيد.


في صباح اليوم التالي، حُجزت التذاكر.


ملقا كانت تنتظرهم.


"الأشباح لا تعود انتقامًا... بل لتروي قصصًا لم يصدقها أحد."


عاد الأصدقاء الثلاثة إلى ملقا، متوجّهين مباشرةً إلى الفندق الذي شهد الكابوس الأول بدا كل شيء كما كان، لكنه كان يحمل طاقة مختلفة، وكأنّ المكان يترقّبهم.


بعد تسجيل دخولهم، قرروا التوجّه إلى الغرفة التي كان عمر يقيم بها لكن ما إن فتحوا الباب، حتى تجمّدوا في أماكنهم.


الجدران كانت مغطاة برسائل مكتوبة بالدم:


أنقذوني… اللعنة لم تبدأ بي، لكنها ستنتهي بكم


بعد لحظات من الذهول، همس فادي:

هذا ليس عمر... هذا شيء آخر.


كان عليهم أن يجدوا مصدر اللعنة بحثوا في أرشيف الفندق، حتى وجدوا مقالة قديمة عن حادثة وقعت منذ أكثر من ثلاثين عامًا:


مجموعة من المستكشفين اختفوا في غابة ملقا، وبعد أيام، وُجدت جثثهم في الفندق، وقد نُقش على جدران غرفهم نفس العبارات التي وجدها أصدقاؤنا اليوم.


أدركوا أن اللعنة لم تكن متعلّقة بعمر وحده، بل كانت تمتد لعقود كان هناك شيء في الغابة، شيء يريد الانتقام.


قادهم البحث إلى الغابة القريبة من الفندق، حيث وجدوا كوخًا مهجورًا داخله، كانت هناك كتابات غامضة ورسومات لطقوس استدعاء أرواح.


فجأةً اهتزّت الأرض تحتهم، وظهر ظلّ أسود على هيئة رجل، صوته كان خليطًا من أصوات كثيرة، لكنه حمل نبرة مألوفة...


كان يجب أن تبقوا بعيدين...


كان هذا هو الكيان الذي تلبّس عمر، الكيان الذي حوّله إلى جزء من لعنة ملقا.


عرف سليم أن الحلّ الوحيد هو إنهاء الطقس الذي بدأ قبل عقود أشعل مروان النيران في الكوخ، بينما قال فادي عبارات الطرد التي وجدوها بين الأوراق القديمة.


صرخ الكيان بصوت هزّ الغابة، لكنّهم لم يتراجعوا.


في اللحظة الأخيرة، ظهر ظلّ عمر بينهم، نظر إليهم بعينين مليئتين بالحزن، ثم قال:


شكراً... لقد حرّرتموني.


ثم تلاشى مع النيران، ومعه اختفت الأصوات، والهمسات، وكل آثار اللعنة.


عاد الأصدقاء إلى المدينة، لكنّهم لم يكونوا كما كانوا حمل كلٌّ منهم جزءًا من اللعنة، لكنهم كانوا متأكدين من شيء واحد...


ملقا لن تنساهم، تمامًا كما لن ينسوا عمر.


وعندما وقفوا أمام قبره، قال سليم بصوت مرتجف:


لقد أغلقنا الباب يا عمر... نم بسلام.


النهاية.


قہ/ يورا فؤاد

Mohamed ME
Mohamed ME
تعليقات