رواية لعنة الباب الفصل الثاني 2 بقلم حور حمدان
رواية لعنة الباب بقلم حور حمدان
فتحت عيني ببطء، لقيت نفسي في مكان غريب، مش بيتي ولا أوضتي. كانت أوضة بيضاء، النور فيها ساطع بطريقة أرهقت عيني. حاولت أتحرك، لكن حسيت بجسمي تقيل، كأنّي مربوطة.
بصيت جمبي، لقيت أجهزة طبية متوصلة بإيديا، صوتها كان بيرن في وداني بهدوء مزعج. قلبي بدأ يدق بسرعة، وفضلت أبص حواليّا يمين وشمال، بحاول أفهم إيه اللي حصل لحد ما استوعبت أخيرًا—أنا في المستشفى.
حاولت أتحرك، بس أول ما رفعت راسي، الباب اتفتح، ودخل الدكتور.
سألته بلهفة: "من فضلك، إيه اللي حصل؟ أنا جيت هنا إزاي؟"
ابتسم بهدوء وقال: "مفيش، عربية كانت هتخبطك، ومن الخضة أغمي عليكي. لكن انتي كويسة، بقالك يومين نايمة."
فضلت عيوني معلقة على الدكتور، مخي بيرفض يستوعب اللي قاله.. عربية؟ كنت هتخبط؟ أنا فاكرة كل حاجة، فاكرة الظل اللي كان عند باب العمارة، فاكرة إنه اتحرك ناحيتي بسرعة، فاكرة الإحساس المرعب اللي غطى جسمي كله قبل ما كل حاجة تسودّ.
بلعت ريقي بصعوبة وقلت بصوت مهزوز:
_ متأكد؟ يعني.. أنا فعلاً كنت هتخبط؟
الدكتور رفع حاجبه باستغراب وهو بيقول بهدوء:
_ ده اللي الناس قالوه.. حد من الجيران شافك بتقعي في الشارع قبل ما العربية توصل لك بلحظات، وبمجرد ما وقعت، العربية فرملت، والسواق نزل يطمن عليك، لكنه لقى إنك فقدتي الوعي.
حاولت أستوعب، لكن الكلام مش داخل دماغي، في حاجة غلط.. أنا مش وقعت عادي، أنا فاكرة إحساس الخوف، فاكرة اللحظة اللي الظل اتحرك ناحيتي.. كنت بحاول أهرب منه، مش من عربية!
شهقت فاجأة وأنا افتكرت!
سها!
بسرعة سألت الدكتور:
هيا المستشفى دي اسمها اي
بصلي بإستغراب وقال:
الهلال لية.؟
رديت بسرعة:
_ طيب، صاحبتي.. سها! كانت هنا؟ عملت حادثة، قالولي إنها في العناية المركزة.. هي كويسة؟
الدكتور بص لي باندهاش، كأنه مش فاهم عن مين بتكلم، قال:
_ سها؟ لا، مفيش مريضة بالاسم ده هنا.
حسيت بقلبي بيوقع في رجلي.
_ لا، مستحيل! حد رد على تليفونها وقال إنها هنا، في مستشفى الهلال، وإن حالتها حرجة!
الدكتور هز راسه بالنفي:
_ أنا متأكد، مفيش حد بالاسم ده عندنا.. ممكن تكوني اتلخبطي في اسم المستشفى؟
هزيت راسي بسرعة، لا، مش ممكن، أنا سمعت الاسم بوضوح.
بصيت يمين وشمال لقيت فوني
خدتة بسرعة وبدأت أدور على رقم سها.. لكن الحاجة اللي حصلت بعد كده خلت الدم يتجمد في عروقي.
الرقم.. مش موجود.
مش بس كده، مفيش أي سجل لمحادثتنا، ولا حتى الصورة المرعبة اللي بعتتها لي!
إيدي بدأت ترتعش، قلبي كان بيخبط بعنف.. لا، لا، ده مش حقيقي، أنا مش بتهيألي، أنا شُفت كل ده بعيني!
الدكتور لاحظ توتري وقال بصوت هادي:
_ أنتي كويسة؟ شكلك شاحب.. تحبي اكشف عليكي عشان اتطمن.؟
ما قدرتش أرد، فضلت باصة للموبايل، وبعدين بصيت حواليّ.. أنا مش في بيتي، مش في العمارة، مش حتى متأكدة إزاي وصلت هنا.
وبعدين.. حسّيت بيه.
الإحساس البارد.. الإحساس اللي كان عند باب العمارة.
ببطء شديد، رفعت عيني ناحية باب الأوضة..
وكان واقف هناك.
نفس الظل.. نفس الشكل الطويل الغامض.. ملامحه مش واضحة، لكنه ثابت.. بيراقبني.
شهقت، وعيوني توسعت، حاولت ااصرخ بس صوتي مكنش طالع
الدكتور بص وراه بسرعة.. لكن ملامحه كانت عادية، كأنه مش شايف اللي أنا شايفاه.
حسيت إيدي بتتجمد، أنفاسي كانت مقطوعة.
الظل اتحرك خطوة ناحيتي.
وأنا.. فقدت الوعي للمرة التانية
صحيت على إحساس بارد بيغطي جسمي كله، زي ما يكون حد واقف فوقي وبينفخ في وشي هوا مثلج.
فتحت عيني ببطء، كنت متوقعة ألاقي نفسي في المستشفى، لكن.. لأ.
أنا كنت في أوضتي.
الأوضة ضلمة، والهدوء كان يخنق كأن العالم كله اختفى ومفضلتش غير أنا.
رفعت إيدي ومسحت وشي، قلبي كان لسه بيدق بسرعة. مش فاكرة إزاي خرجت من المستشفى، ومش فاكرة مين رجعني البيت.
لكن الأهم من ده كله.. سها.
بسرعة قمت من السرير وفتحت النور، مسكت الموبايل بإيد مرتعشة، فتحت الواتساب.. بس مفيش أي أثر لسها، لا رقمها، ولا محادثتنا، ولا حتى الصورة اللي بعتها لي.
كنت هعيط من التوتر، ده مش طبيعي.. مش معقول كل ده كان مجرد وهم!
فجأة، الموبايل رنّ في إيدي.
شهقت وأنا ببص على الشاشة.. رقم مجهول.
رديت بسرعة، صوتي كان بيترعش:
_ ألو؟
لحظة صمت طويلة، بعدين الصوت جه، صوت بارد، خالي من أي مشاعر:
_ خرجتي من المستشفى؟
حسيت بقشعريرة بتلف جسمي كله، بلعت ريقي بصعوبة وقلت بصوت مهزوز:
_ مين؟
الصوت رد، ببرود أكتر:
_ مش مهم.. المهم، انسي اللي شوفتيه، وانسي سها.
قلبي ساب مكانه، صرخت في السماعة:
_ إنت مين؟ وسها راحت فين؟
الصوت ضحك، ضحكة عالية
بعدين قال:
_ سها.. راحت عندهم.
شهقت، حسيت برجلي بتترعش، مسكت الموبايل بإيد متجمدة وصرخت:
_ عند مين؟ إنت بتتكلم عن إيه؟
الصوت سكت لحظة، وبعدها قال بهدوء مخيف:
_ لعنة الباب بدأت.. وأنتي كنتي أول واحدة تشوفهم.
الخط قفل.
فضلت واقفة مكاني، الموبايل وقع من إيدي، ودماغي مش قادرة تستوعب.
لعنة؟ الباب؟ أنا كنت أول واحدة تشوفهم؟ يعني إيه الكلام ده؟
ببطء، رفعت عيني ناحية باب أوضتي..
وكان مفتوح.
ووراه كان فيه حاجة.
حاجة بتتحرك في الضلمة.
حاجة.. مستنّياني.
وقفت متجمدة مكاني، عيوني مثبتة على باب الأوضة المفتوح. الضلمة وراه كانت فظيعة، لكني شُفتها.. الحركة الخفيفة، حاجة بتتحرك ببطء، وكأنها عارفة إني شايفاها.
حاولت أقنع نفسي إن ده وهم، مجرد إرهاق.. لكن لأ.
الحاجة اتحركت أكتر.
وبعدين.. سمعت الهمسة.
"حور...
حد نادى اسمي!
بسرعة رجعت لورا، إيدي دورت على أي حاجة أمسكها، لكن قبل ما أتحرك أكتر، الباب اتقفل لوحده.. بهدوء.
شهقت، قلبي كان هيخرج من مكانه، ووقفت في مكاني مش قادرة أخد خطوة.
بعد لحظة صمت مرعبة، صوت خبط جه.
مش خبطه عادية، لا.. خبطه بطيئة، تقيلة، كأن حد واقف ورا الباب ومستني ردّي.
إحساس الرعب كان بيخنقني، جمّدت نفسي، مش عايزة حتى أتنفس.
وفجأة، الخبط وقف.
وبدالها، سمعت الهمسة تاني، أقرب المرة دي.
"افتحي الباب، ياحور.."
صرخت.
جريت ناحية النور، عايزة أفتحه، بس بمجرد ما لمست الزرار، الكهربا قطعت!
الدنيا بقت ضلمة
شهقاتي كانت مسموعة، حسيت بخطوات تقيلة بتمشي ورايا، أنفاسي بقت أسرع، وكنت هصرخ تاني، لكن فاجأة..
الموبايل رنّ.
شهقت، قلبي كان هيوقف. النغمة اخترقت الصمت، والإضاءة الضعيفة من الشاشة كانت الأمل الوحيد اللي فاضل لي.
بإيد مرتعشة، مسكته وبصيت على الرقم.
سها.
عيوني توسعت.
مش ممكن! رقمها اختفى، إزاي بتتصل بي دلوقتي؟
رديت بسرعة، صوتي كان مكسور من الخوف:
_ سها؟ أنتي فين؟
لحظة صمت طويلة.. وبعدها، صوتها جه، ضعيف، متهدج..
_ حور.. أنقذيني.
شهقت، دموعي نزلت، قلبي كان بيخبط بعنف:
_ إنتي فين يا سها؟ أنا مش فاهمة حاجة!
صوت أنفاسها كان مهزوز، وبعدين قالت بصوت متقطع، كأنها بتقاوم حاجة:
_ متفتحيش الباب.. مهما حصل.. متفتحيش.. متخليهمش..
وبعدين، الصوت انقطع.
اتجمدت في مكاني، قلبي كان خلاص مش قادر يتحمل أكتر من كده.
وبعدين.. الخبطه رجعت.
"افتحي الباب، ياحور..."
الخبط على الباب كان بيزيد، بقا أسرع وأقوى، كأن في حاجة بتحاول تكسره عشان تدخل.
قلبي كان هينفجر، مسكت الموبايل بإيد مرتعشة، حاولت أكلم سها تاني، لكن الرقم اختفى!
بقيت واقفة مشلولة مكاني، كل جزء فيا بيصرخ "اهربي"، لكن رجلي مكنتش بتتحرك.
"افتحي الباب، ياحور.."
الصوت كان أقرب، كان أعمق، كأنه بيتخلل دماغي، كأنه مش صوت بشري أصلاً.
لكن وسط كل ده، كلمة واحدة علقت في دماغي.
"متفتحيش الباب.. مهما حصل."
سها قالتلي كده.. يعني اللي برا مش هي!
تنفست بسرعة، حاولت أتمالك نفسي، لكن عقلي كان بيدور في مليون اتجاه. لعنة الباب سها قالتلي "متخليهمش".. مين "هم" دول؟
حاولت أفتكر كل حاجة حصلت، سها قالت إنها شافت الشكل ده أكتر من مرة، وبعدها حصلت لها الحادثة.. والحادثة دي مش طبيعية. أكيد في حاجة وراها.
رجعت خطوة لورا، لكن فجأة..
الباب اتفتح لوحده.
شهقت، جسمي كله كان بيرتعش، وعيوني توسعت وأنا ببص على اللي قدامي.
ظل أسود.. طويل.. ملامحه مش واضحة، لكن عيونه كانت موجودة.. وكانت حمرا
ثبت مكاني، عقلي مش مستوعب اللي بيحصل، لكن كنت حاسة بطاقة باردة بتسحب روحي.
وبعدين، سمعت الصوت التاني، الصوت اللي جمد الدم في عروقي:
"تأخرتِ يا حور.. سها معانا خلاص."
لأ!
صرخت، وبدون تفكير، جريت ناحية الباب وخرجت برا الأوضة. كنت حاسة إني مشيت وسط موجة برد جليدي، لكن متوقفتش.
أنا مش هسيب سها!
كل حاجة كانت ضلمة، بس فضلت أجري، مش عارفة حتى رايحة فين، لكن كنت حاسة إني ماشية في طريق مش حقيقي.
وفجأة، لقيت نفسي واقفة قدام باب مختلف.
كان ضخم.. أسود.. ومنقوش عليه رموز غريبة، كانت بتنور وتطفي كأنها بتتحرك.
وقفت قدامه، مش عارفة أعمل إيه، لكن فجأة، سمعت صوت سها من وراه.
"حور.. أنقذيني!"
هي جوه!
بدون تفكير، مديت إيدي ولمست الباب.. وبمجرد ما لمسته، كل حاجة حواليا اتغيرت.
لقيت نفسي في مكان غريب.. كان عبارة عن ممر طويل، الجدران كلها مليانة أبواب، وكل باب عليه نفس الرموز اللي شفتها برا.
لكن أهم حاجة.. المكان كان بارد بطريقة غير طبيعية، وكان فيه همسات بتملى الهوى.
مشيت ببطء، قلبي بيدق بسرعة، وعيني بتدور على سها.
وفاجأة، شفتها.
كانت واقفة عند نهاية الممر، لكنها كانت مربوطة بسلاسل سودة، وعينيها مغمضة.
"سها!!"
جريت ناحيتها، بس قبل ما أوصل، ظهرت نفس الظلال السودا اللي شفتها عند باب أوضتي.
وقفوا حوالين سها، كأنهم بيحموا حاجة، وبعدين واحد منهم اتكلم بصوت مرعب:
"دي خلاص بقت ملكنا."
صرخت:
_ أنتم مين؟ عايزين إيه مننا؟
الشخصية اللي قدامي اتحركت، وقرب مني، ولأول مرة قدرت أشوف ملامحه بوضوح.
كان وشه شبه البشر، لكنه كان أسود بالكامل، وعينه حمرا بتتوهج.
قال بصوت مخيف:
"إحنا الحراس.. بنحمي الأبواب، واللي يعدي من الباب.. مبيخرجش تاني."
عيوني اتوسعت، إذن ده سر لعنة الباب!
الباب اللي شافته سها الي هوا جمب باب العمارة مش مجرد باب.. هو بوابة لمكان تاني، واللي يشوفه أو يعبره، بيبقى محبوس جوه!
لكن.. مش معنى كده إن مفيش مخرج، صح؟
بسرعة رفعت عيني ناحية سها، كانت بتتحرك بضعف، كأنها بتحاول تفوق.
لازم أخرجها!
"سيبوها!"
صرخت بكل قوتي، لكن الظل بدأ يقرب مني، حسيت بجسمي بيتجمد، أصوات الهمسات زادت، وكأنهم بيحاولوا يسحبوني أنا كمان.
وفجأة، سمعت صوت تاني..
"قولي اسمها بصوت عالي!"
التفت بسرعة، لكن مكنش فيه حد. الصوت جه من العدم، لكنه كان واضح ومؤكد.
من غير تفكير، صرخت بأعلى صوتي:
"سهاااااا!!"
في اللحظة دي، كل حاجة حواليي اهتزت. الأرض نفسها بقت بتتحرك، والظلال بدأت تتراجع، كأن الاسم كان قوة ضدهم.
عيون سها فتحت فاجأة، وبصتلي بنظرة مرعوبة.
"حور؟!"
مدت إيدي بسرعة ناحيتها:
_ امسكيني!
بآخر قوتها، مدت إيدها ومسكت إيدي، وفي اللحظة اللي لمستها
نور قوي انفجر حوالينا.
صرخات الظلال كانت بتملأ المكان، وكل حاجة بدأت تندمج في بعضها، كأن العالم بيتكسر.
وبعدين..
لقيت نفسي واقفة في أوضتي.
وسها كانت جنبي.
بقينا واقفين مكاننا، بننهج، مش مستوعبين اللي حصل.
كل حاجة كانت طبيعية.
الباب كان مقفول، مفيش أي أثر للظلال، والمكان كان زي ما هو.
بصينا لبعض، عيوننا مليانة رعب وأسئلة.. لكن أهم حاجة، كنا لسه عايشين.
بعد لحظة صمت طويلة، سها همست:
_ إحنا.. خرجنا؟
بلعت ريقي، وبصيت ناحية الباب..
وبهدوء، قلت:
_ آه.. بس مش لازم نفتحه تاني.
في الليلة دي، أنا وسها قررنا نفضل مع بعض، مفيش نوم، مفيش خروج من الأوضة، ومفيش أي باب مفتوح.
لكن قبل ما الشمس تطلع، وقبل ما نحس إننا بأمان..
الموبايل رنّ.
رقم مجهول.
سها بصتلي، وأنا بصتلها..
وبعد تردد، رديت.
الصوت كان نفس الصوت البارد اللي سمعته قبل كده.
"ظننتِ أن اللعنة انتهت؟"
"الأبواب لا تُغلق أبداً."
"سنعود."
وانتهت المكالمة.