رواية طلب رسم الفصل الثاني 2 بقلم حور حمدان
رواية طلب رسم بقلم حور حمدان
التليفون واقع على الأرض، والشاشة منورة، والصوت اللي جاي منه كان بيملى الأوضة. قلبي كان بيدق بسرعة، وكل شعرة في جسمي واقفة.
اتجمعت شجاعتي وبصيت للشاشة من بعيد.. الصورة كانت لسه موجودة، بس المرة دي، البنت ما كانتش في نفس الوضعية. كانت أقرب.. أقرب بكتير، كأنها بتحاول تخرج من الشاشة!
إيدي كانت بتترعش وأنا بحاول أقفل المكالمة، لكن الشاشة ما استجابتش، كأن التليفون اتحجر مكانه.
وفجأة، الصوت اللي كان مجرد نفس تقيل.. اتحول لكلمة واحدة، بصوت مش بشري.
"ارسميني."
حسيت بهوا بارد بيضرب في وشي، كأن حد واقف ورايا وبينفخ بقوة. جسمي اتجمد، وعيني راحت ناحية المراية اللي جنب المكتب..
وهنا كانت الكارثة.
هي كانت ورايا.
نفس العيون، نفس الابتسامة المشوهة.. كانت واقفة بتتحرك ببطء، وإيديها الطويلة بتتمدد ناحيتي.
جريت ناحية الباب وأنا بصرخ، لكن الباب كان مقفول.. مش أنا اللي قفلته!
رجعت ببصي للمراية، لكن.. ما كانش في حاجة!
التليفون صامت، الصورة اختفت، وكل حاجة رجعت طبيعية.
قلبت في الشات، الأكونت مش موجود، كأنه ما كانش موجود من الأساس.
هل كنت بحلم؟ هل كان مجرد كابوس؟ ولا في حاجة تانية.. حاجة حقيقية؟
لكن اللي خلاني أتأكد إن اللي حصل كان حقيقي، هو الورقة اللي لقيتها على المكتب بعدها بلحظات..
ورقة بيضا، وعليها خط أسود مرسوم.. شبه ملامحها.
فضلت باصة للورقة اللي على المكتب، إيدي متجمدة ومخي مش قادر يستوعب اللي بيحصل. الورقة كانت بيضا تمامًا، إلا من الخط الأسود اللي رسم ملامحها المشوهة. نفس العيون الواسعة.. نفس الابتسامة اللي مش طبيعية.
مديت إيدي ببطء وقلبي بيدق بسرعة، مسكت الورقة ولفيتها، لكن مكنش في أي حاجة على ظهرها. بس مجرد ما حطيتها تاني على المكتب، حسيت بحركة خفيفة جنب التليفون.
التليفون اللي كان جمبي اتقلب لوحده.
اتراجعت بسرعة، قلبي كان قرب يوقف.. وبعين خايفة، بصيت للشاشة.
كانت مفتوحة على الكاميرا الأمامية.
وأنا كنت ظاهرة فيها.
لكن المشكلة..
أنا مكنتش لوحدي.
ورايا.. نفس الوش. نفس العيون اللي كانت بتلمع، ونفس الابتسامة المرعبة.
صرخت بأعلى صوتي، ووقعت الكاميرا من إيدي، بس المرة دي الصوت كان مختلف.
مش صوتي أنا بس.
كان في صوت تاني.. بيضحك.
ضحكة مش طبيعية، مش بشرية، كانت قريبة جدًا، كأنها بتخرج من جوايا.
جريت ناحية الباب وحاولت أفتحه، لكن المقبض ما اتحركش، كأنه ثابت في مكانه.
ورايا مباشرة، كان في نفس الهمس اللي سمعته في المكالمة.
"مش كنتي هترسميني؟"
اتجمدت مكاني، والدم اتجمد في عروقي.
وببطء.. ببطء شديد، لفيت وشي.
لكن.. مكنش في حد.
الاوضة فاضية.
مفيش صوت، مفيش أي حاجة غير التليفون اللي وقع على الأرض، والورقة البيضا اللي كان عليها الرسمة
لكن المرة دي..
الرسمة اتحركت
كان في خط جديد.. إيدي مرسومة، وهي بتمسك القلم، وكأنها بتكمل اللوحة.
وكأنها.. بتجبرني أكمل.
وقفت في مكاني مش قادرة أتحرك، عنيا متسمّرة على الورقة اللي قدامي. إزاي الرسم بيتغير؟ إزاي كل ما أبعد عنها ألاقي خطوط جديدة بتترسم؟
مديت إيدي المرتعشة ومسكت القلم اللي كان مرمي على المكتب. أول ما لمسته، حسيت بوخزة باردة في صوابعي، كأن حد مسكني من إيدي.
"كمّلي."
الصوت جه من جوا دماغي، واضح، قريب، كأنه مش غريب عني.
بغريزة تلقائية، بدأت أرسم. مش عارفة ليه، ولا إيه اللي بيخليني أتحرك، بس القلم كان بيتحرك على الورقة لوحده، كأن إيدي مش بتاعتي.
بدأت أخطّط الملامح.. العيون.. الابتسامة.. التفاصيل الدقيقة اللي كنت فاكرة إنها مجرد صورة مرعبة، لكن دلوقتي.. كانت بتتكوّن قدامي.
كل ما الخطوط تتحدد أكتر، الجو في الأوضة كان بيبقى أتقل.. النفس عندي بقى متقطع، وكأن الهوى نفسه مش عايز يدخل صدري.
وفاجأة..
الأنوار طفت.
كل حاجة غطّاها السواد، بس الورقة اللي قدامي كانت بتلمع.. مش نور عادي، كان نورها جاي من جوّا، كأن الصورة بتتنفّس، كأنها بتتحرك!
حاولت أسيب القلم، بس إيدي كانت متشنجة، مش قادرة أتحكم فيها.
وفجأة.. حسيت بحاجة بتلمس كتفي.
باردة. ناشفة. صوابع طويلة، أظافرها غرزت في جلدي.
ما لحقتش أصرخ، لأني سمعت الصوت اللي خلاني أتجمد تمامًا.
"أخيرًا.. رسمتيني."
وفجأة، الصورة اللي على الورقة.. فتحت عيونها.
لكن المرة دي.. كانت بتبصلي أنا.
فضلت واقفة مكاني مش قادرة أتنفس، عيني متسمّرة على الورقة اللي قدامي، الرسمة... كانت بتتحرك! مش مجرد خطوط على ورقة، لا، العيون كانت بترمش، الابتسامة بتوسع، والأظافر الطويلة اللي كنت راسماها بقت أوضح... كأنها بتتمدد ناحية إيدي.
سحبت نفسي لورا بسرعة، الكرسي وقع بصوت عالي، بس الورقة فضلت مكانها، ساكنة... لحد ما اتحركت لوحدها!
سحبت نَفَسي بالعافية، قلبي هيوقف من الرعب. الورقة بدأت تنزل على المكتب، ببطء... كأنها عايزة توصل لي.
وفجأة، الجو اتغير. الهوى بقى سخن، خانق، كأن الأوضة بقت مقبرة مقفولة. النور بدأ يتهز، ولقيت نفسي سامعة الصوت تاني...
"كمّلي..."
الهمسة كانت قريبة أوي، بس أنا ما فتحتش بقي، ما نطقتش بكلمة. ومع ذلك...
إيدي اتحركت لوحدها!
القلم اللي كان واقع على المكتب، فجأة لقيته في إيدي، بيتهز، وإيدي بترسم، رغمًا عني. مش أنا اللي بتحكم، كأن حد ماسك إيدي، بيلوي صوابعي عشان أكمل الرسمة!
وبمجرد ما سن القلم لمس الورقة...
صرخة.
صرخة مش آدمية، صوت بشع، مليان وجع، كأنه طالع من حيطان الأوضة نفسها. النور طفى مرة واحدة، والدنيا بقت ضلمة. الهوى بقى تقيل، كأنه بيتسحب مني، كأنه في حد بياخد آخر نفس ليَّا.
حاولت أقوم، أجري، لكن حسيت بحاجة بتلمس كتفي للمرة التانية باردة... ناشفة... وأظافرها غرزت في جلدي!
كان لازم أهرب!
جريت ناحية الباب، فضلت أشد في المقبض، لكنه ما اتحركش. فضلت أصرخ، أصرخ لحد ما صوتي انقطع، لكن مفيش فايدة.
وبعدين، فاجأة...
الدنيا سكنت.
كل حاجة بقت هادية
النور رجع، ضعيف. الورقة كانت في مكانها، بس مفيهاش أي حاجة.
كانت بيضا، كأن مفيش حاجة مرسومة عليها أصلاً!
تنفست بصعوبة، دماغي بتلف، مش قادرة أستوعب اللي حصل. كل حاجة رجعت طبيعية؟ هو ده كان كابوس؟ هل أنا كنت بتخيّل؟
رفعت عيني للمراية...
وهنا الكارثة حصلت.
أنا كنت واقفة هناك، وشي ظاهر في الانعكاس، بس المشكلة...
الانعكاس ما كانش بيتحرك معايا.
غمّضت عيني، لكن صورتي في المراية فتحتها.
اتراجعت بخطوات متلخبطة، بس الانعكاس... اتقدم ناحيتي!
وبعدين... ابتسم.
مش أنا!
هي!
الابتسامة دي مش بتاعتي، العيون اللي بتبرق مش عيوني.
حاولت أصرخ، لكن قبل ما صوتي يطلع، المراية تكسّرت.
وآخر حاجة شفتها...
كانت إيديها وهي بتخرج منها.
وبتقول "أخيرًا... بقى ليا وش."