رواية أرض الدوم عبر روايات الخلاصة بقلم رحمة نبيل
قبل الوقت الحالي بعام :
الصمت يعبق بالمكان والجميع في حالة صمت كما لو كان حدادًا على أحدهم، وفي الواقع كان ...
للمرة التي لا يعلمون عددها يجمعهم جدهم، الكل بلا استثناء ليودعهم ويلقي عليهم وصيته نفسها التي يستطيع كل فرد بينهم ترديدها دون أن يغفل عن حرف واحد منها .
صدح صوت الشيخ " حليم " الضعيف في المكان وهو يحرك إصبع مرتجف في الهواء :
_ حقي ...حقي أنا وأخواتي السبعة وعشرين وصية في رقبتكم لو مت يا ولاد.
نظر الجميع لبعضهم البعض ولم يعبر أحدهم عن حنقه علنًا على مسامع الشيخ الكبير، يدرك الجميع حساسية ذلك الأمر تحديدًا للشبه، لذا مراعاة لحالته هزوا رؤوسهم بطاعة فقط .
إلا ذلك الذي التوى ثغره بغيظ شديد يعبر ولأول مرة عن كل ما يدور داخل رأس كل فرد منهم :
_ يعني أنت يا حاج عندك عدد اخوات اكتر من عدد الأعضاء الدائمين لمجلس الامم المتحدة ومعرفتوش تقفوا ليهم، وجاي علينا نفرين ونص وعايزنا نقف ليهم .
ختم حديثه يشير له ولابن خالته وأخيه الصغير، وقد كانت هذه عادة جده ( والد والدته ) كلما شعر بالموت يقترب، يجمعهم ليوصيهم بأرضه وأرض عائلته التي سُلبت منهم .
حرك الجد رأسه ببطء صوب المتحدث يبلل شفتيه ثواني قبل أن يهمس بصوت مسموع وقد علت نظرة جهل عيونه وهو يبصر المتحدث الذي يجلس جواره يخفي عنه ضوء النهار بشعره الاشعث المنتفخ بشكل مزري " كيرلي " وبلحية بسيطة مع ذقن مشذبة وبشرة بيضاء مع أعين سوداء، كل تلك المواصفات أمامه كانت تذكره بأحد لا يعلم من لذا تساءل بصوت مرتفع :
_ أنت ابن مين يالا أنت ؟؟ حاسس إني شوفت الملامح دي قبل كده ؟؟
تشنجت ملامح الشاب وارتفع طرف شفتيه بغيظ يشير صوب امرأة تجلس جوار العجوز باكية بحسرة وكأن روح والدها خرجت بالفعل، وكأنها لا تعلم أفعاله.
_ ابن بنتك سنية يا حاج حليم .
استدار العجوز لإبنته الباكية والتي كانت تمتلك ملامح مشابهة للشاب، ينظر لها ثواني قبل أن يردد بجدية :
_ طول عمري كنت اقول لأمك أنك متنفعيش للجواز يا سنية، شوفتي أخرة تربيتك ؟! الله يسامحك يابنتي .
بكت سنية أكثر وهي تميل مقبلة يد والدها بحزن وقهر وصوت بكائها يعلو في المكان :
- يابابا متقولش كده، ده يحيى والله بيحبك اوي، ده الولد روحه فيك والله، هو بس يا حبة عينه من قهرته عليك بيقول كده، مش كده يا يحيى ؟؟
رفع يحيي حاجبه وكاد ينفي حديث والدته، لولا يد ابن خالته الأكبر الذي ضغط على قدمه بقوة يبتسم لجدهم بحب وقد خرج صوته هادئ :
_ صح يا خالتي ده يحيى ده روحه في جدي، هو بس مش هاين عليه جدي يتمرمط كده في آخر حياته، ومش هاين عليه تعب العيلة يضيع بسبب شوية ناس ملهمش حق فيه .
وعند ذكر هؤلاء الناس الذين يتحدث عنهم ثاني الاحفاد " أحمد"، شرد الشيخ الكبير وهو يعود برأسه للخلف :
_ ياااه، زمان قبل ٩٧ سنة ...
تمتم يحيى بضيق وملل :
_ اهو بدأ...
لكن الشيخ لم يهتم وهو يكمل شروده :
_ كنا ٢٧ اخ وأخت مع بعض، ابويا كان يملك ارض كبيرة باسمه، قولتله يابا اكتب حتة باسمي أنا وأخواتي عشان نضمن مستقبلنا .....
_ حتة ايه يا حاج ده لو كتب لكل واحد فيكم متر مش هيكفيكم .
نظرت سنية صوب يحيى بغضب شديد ليلوي الأخير ثغره بضيق، وهو يستمع لباقي حديث جده الذي يحفظه عن ظهر قلب :
_ بس ابويا رفض قالي عايزني اكتبلك ارضي يا حيوان عشان تضيعها على الستات .
ونعم كان هذا أكثر جزء مشوق ليحيى الذي اتسعت بسمته بقوة يكبت ضحكته على والد جده ذلك الرجل المريب الذي كان يمثل شريرًا في قصص الجميع في الأسرة :
_ مش ابوك ده برضو اللي كان متجوز سبعة ومخلف منهم دستتين وربع؟!
يتبع...
فصول رواية أرض الدوم بقلم رحمة نبيل
اضغط على الفصل الذي تريد قراءته:
جاري كتابة باقي فصول الرواية.. عاود زيارتنا..
