رواية بين الحب والانتقام عبر روايات الخلاصة بقلم نور الهادي
رواية بين الحب والانتقام الفصل الخامس عشر 15
قال حازم بنبرة هادية لكن وراها قرار واضح:
— نتجوز.
وعد بصتله بشده من غير ما تنطق، قلبها دق بسرعة، مش عارفة ليه حسّت إنها أول مرة تتخطب بجد. المرة دي مش أبوها اللي بيتكلم ولا أهلها اللي بيوافقوا، دي منه هو شخصيًا... كراجل بيطلبها بنفسه.
قرب منها خطوة وقال بصوت واثق:
— المره دي الطلب مختلف
قالت وعد وهي بتحاول تسيطر على ارتباكها:
— منين بتقول عندي حبيب، ومنين جاي تطلبني للجواز؟
رد حازم:
— أعتقد هو لسه مقدمش طلب رسمي، ولا حتى فكر في خطوة حقيقية تجاهك يعنى فيه فرصه تكونى مراتى
بصتله وعد من غير ما ترد، فكمّل هو:
— مش عايز ردك دلوقتي.
بعدت عنه خطوة وقالت بنبرة مكسورة:
— اللي بتقوله... مينفعش.
استغرب وقال:
— ليه مينفعش؟
قالت وعد بسرعة:
— لا.
رجعت لورا، تبصله كأنها شايفة قدامها حياة كاملة راحت منها. لو كان في وقت تاني، في ظرف مختلف... يمكن كانت وافقت
قال حازم بحيرة:
— مش فاهم، يعني بترفضي؟
هزت راسها ومشيت. ناداها حازم بفضول — بترفضي عشانه؟
ما ردّتش. فزاد صوته شوية وقال:
— بتحبيه؟
نظرت وعد لحازم بنظرة صامتة، وقالت بهدوء وهي تحاول تخفي حزنها الىىظهر ف عينها من اسالته:
— اعرف إن رفضي ده خير ليك.
استغرب حازم من كلامها، فقالت وعد تكمل:
— تستاهل واحدة أحسن مني.
ابتسم حازم ابتسامة خفيفة وقال بسخرية
— بلاش عبارات الرفض الذوقية دي، انتي اكتر واحده مش بتشوفى حد أحسن منك أصلًا... اللي أنا أعرفه إن كبريائك عالى يا وعد بدران.
سكتت وعد، يمكن لأنه عنده حق، يمكن كانت مغرورة فعلًا. زمان كانت شايفة نفسها أميرة، وكبريائها عالي.
لكن دلوقتي... بتشوف نفسها أقل من أي بنت ممكن تقابلها.
لفت ومشيت من غير ما ترد، سابته واقف مكانه.
ناداها حازم — وعد!
ما بصتش حتى، خرجت وسابته وراها.
رجعت للمحاضرة بسرعة، دخلت وهي متوترة.
نهال رفعت عينيها وبصتلها باستغراب من اندفاعها، وعد قعدت في مكانها من غير ما تنطق ولا حتى تقول "عن إذنكم".
كل الطلبة بصّوا على نهال مستنيين تشوف ردّها على عدم استأذانها لكن وعد بتبصلها بكل قوه وجرأه لان لو نهال اتكلمت فهى مش هتسكت وهتقول انها خرجتها من المحاضره باتفاق من صحابها
نهاب كملت شرحها كأنها تجاهلت الموقف.
بس في نظرتها كان واضح إنها لاحظت إن مقابلة وعد مش كانت لطيفة.
خلصت المحاضرة، وعد بدأت تلم حاجتها بهدوء،
وقتها لفيت ياسمين وقعدت جنبها قالت
– بحسبك مجتيش؟ مشفتش السواق والعربية؟"
ردّت وعد بهدوء: – "جيت بتاكسي."
قالت ياسمين بابتسامة فيها لمحة فضول "السواقين عندكم شكلهم مشغولين بترتيبات الجواز."
بصّت لها وعد بنظرة مستغربة، فقالت ياسمين بخفة دم:"إيه؟ كنتِ فاكرة إني مش هعرف؟"
قالت وعد "بتقولي إيه؟"
قالت ياسمين وهي بتحاول تفهم رد فعلها: "عمّك مش اسمه علي الهواري؟ أنا فاكرة شكله كويس أوي من النايت... مقدرش أنساه. مش هو هيتجوز يوم الجمعة؟ هو و... نادين، أخت مامتك، أظن كده اسم العيلة واحد؟"
اتسعت عيون وعد وقالت بذهول: "أممتي!؟"
ضحكت ياسمين بخفة وقالت: "هو انتي متعرفيش؟ ولا بتمثّلي؟"
قالت وعد بصوت مبحوح: "تاريخ إيه... يا ياسمين؟"
اتبدّل وجه ياسمين، فهمت إن وعد مش بتهزر وقالت بسرعة:
"الجمعة الجاية يا وعد... كتب الكتاب الجمعة الجاية."
سكتت وعد لحظة، قلبها وقع مكانه، حسّت كأن الدنيا لفت بيها.الجمعة الجاية؟!
يعني بعد يومين؟هيتجوزها فعلاً؟ بعد كل اللي بينهم؟
إزاي قدر بسرعة كده ينسى، ويمشي يكمل حياته عادي كأنه ما عملش فيها حاجة؟
قامت فجأة، خدت شنطتها ومشيت بسرعة من المدرج، نادت وراها ياسمين وهي مستغربة:"وعد! رايحة فين؟!"
بصّوا صحابها لبعض وقالوا بخفو "هي مالها؟ شكلها اتغيّرت فجأة!"
قالت ياسمين بهمس وهي بتبص مكان وعد خرجت:"غريبة... جدًا!"
-------
كانت وعد ماشية بسرعة، تليفونها في إيديها، عيونها مدمعة، قلبها بيقلب جوه صدرها.
لما فتحت التليفون، لقيت فعلاً خبر جواز علي ونادين معلن للجميع، صورة ورا صورة.
نادين، اللي كانت معروفة كويس باسمها كنائبة شركة بدران—أبوها وعد—معلنة الخبر بكل فخر.
إيدها تلجت ودموعها نزلت بسرعة وهي بتقرا الكلام، الصدمة كانت أقوى من أي كلمة تتخيّلها.
فتحت استورى ع صفحة نادين على طول، لقت فيها عنوان معرض أزياء مشهور
استوعبت وعد بسرعة، وركضت على أول تاكسي. أعطت السائق الصورة وقالت:
"وديني العنوان ده فوراً."
السائق بص لها باستغراب "بس ده بعيد أوي..."
قالت وعد "مستعجلة أوي، لازم أوصل."
أومأ السائق منحالتها، وركبت بسرعة،
---
في أوضة مكيفة وراقية، كان علي لابس بدلة أنيقة، فيها دبوس ماسي على الجاكيت.
كانت البنت اللي بتساعده هناك هتقرب منه لكنه منعها
قالت البنت بابتسامة حذرة "هساعدك ؟"
قال مالك، اللي كان واقف جمبه: "ابعدي من فضلك."
خرجت البنت من الأوضة، وبعدها علي جلس على الكنبة بهدوء كعادته.
دخل مالك وقال:
"نادين خلصت في الدور اللي فوق."
أومأ علي بدون كلمة.رنّ تليفونه، قام يرد، وفك أول زرار من بدلته.
لكن قبل ما يكمل المكالمة، الباب اتفتح فجأة.
بصلها في انعكاس المراية... كانت هي.وعد.
واقفـة عند الباب، عيونها مليانة دموع وملامحها مرهقة، كأنها مشيت الدنيا كلها لحد هنا.
اتجمد مالك مكانه، وبص لعلي بقلق.شاور له علي بإيده من غير ما يتكلم:
"اخرج."
خرج مالك وقفـل الباب وراهم بإحكام. الهدوء خيم، بس قلب وعد كان بيصرخ.
قال علي بصوت واطي لكنه حاد: "بتعملي إيه هنا يا وعد؟"
قالت وهي بتحاول تمسك دموعها، "جيت أشوفك... أشوف حبيبي وهو بيتجوز واحدة غيري."
كلمة «حبيبي» خبطت ف قلب علي زي سهم. كانت الكلمة فيها لسه طاقة، فيها نبضة وجع لسه عايشة جواه، نبضة بيحاول يدفنها .
قربت وعد بخطوات مترددة، وقفت قدامه تبصله من فوق لتحت، نظرتها اتعلقت بالبدلة، بعينيه، بكل تفصيلة هو لابسها كأنها بتودّع حلم.
قالت بصوت مبحوح:
— شكل البدلة حلو عليك... كان المفروض نختارها سوا.
بصلها علي ببرود قاتل وقال بنبرة جافة:
— وعد...
قالت وهي عيونها بتلمع بالدموع:
— إزاي اتغيرت كده؟ الأسبوع اللي فات كنت معايا... كنت بتقولي إنك بتحبني، ليه فجأة الحب ده بقى حب مسموم؟ وجعني أنا بس...
كانت بتتكلم عن حبهم، عن لحظاتهم، مش عن جرحه ليها.
كأنها بتحاول تحيي اللي مات.
كملت بصوت مخنوق:
— كان المفروض أنا أكون مكانها... المفروض تكون ليا أنا لوحدي.
سكت علي، وصمته كان أقسى من أي كلمة.
دموعها نزلت بهدوء وهي بتشاور على صدرها وقالت:
— في نار هنا، نار بتحرقني كل يوم... وإنت الوحيد اللي يقدر يطفيها.
قعدت على الكرسي، كأن رجليها خلاص مش شايلة وجعها، وقالت بصوت مكسور:
— ليه عملت فيا كده؟ ليه قسيت عليا؟ ليه غدرت بيا؟ ليه أذتني؟
رفعت عينيها عليه والدموع غرقاها،
— الأذية تيجي منك إنت؟ أنا عملتلك إيه يا علي؟ قولّي... عملت إيه
قربت وعد منه بخطوات مهزوزة، والدموع بتغرق وشها، قالت بصوت بيرتعش:
— اتغيرت معايا كده ليه؟ عينك اللي كنت بلاقي فيها حب، بقت مليانة قسوة... قسوة عمرى ما توقعتها منك، ليه سبتني وأنا كده يا علي؟
قال علي ببرود مؤلم:
— امشي يا وعد من هنا.
صوته كان قاسي، كلمته بردت الدنيا حواليها، قالت وهي بتحاول توقفه:
— وقف اللي بتعمله يا علي... أرجوك، متتجوزهاش.
سكت علي، بس سكوته كان بيكسرها أكتر.
قالت وعد وهي بتحاول تلحق أنفاسها:
— أنا والله ما خدعتك، كل اللي كان في قلبي حب ليك... معقول يكون عندك شك إن اللي في بطني ابنك؟
بصّلها علي، ودموعها نزلت بحرقة وهي بتحط إيده على بطنها وقالت بصوت مختنق:
— والله ما حد لمسني غيرك يا علي... ده ابنك، بحلفلك بحبي، عمر محد عمل اللي إنت عملته معايا.
علي عيونه احمرت، بريق دمع ظهر فيها غصب عنه.
قالت وعد وهي بتترجاه:
— حس بيه، لو عايز تتأكد اتأكد، بس وقف الجواز ده.
سحب إيده منها بعنف وقال بصوت عالي متحشرج:
— كفااااية بقى! خلاص... بقولك امشي!
بصّت له وعد بنظرة مكسورة، والدموع بتغلبها قالت بهمس باكي:
— مش هقدر أستحمل إنك تتجوزها يا علي... قولتلك متأذنيش في غيرتي، متكسرنيش كده.قربت وعد منه بخطوات ضعيفة، وصوتها مليان وجع:
— إيه اللي حصلك يا علي؟ حتى بعد كل اللي عملته معايا، بقولك وقف أرجوك...
قربت أكتر، عينيها بتدور على أي رحمة فيه، وقالت بنبرة مكسورة:
— بتسيبني ليه؟ قولّي، أنا عملت إيه غلط؟ رد عليا، عملت إيه غلط؟
صوتها اتكسر أكتر وهي تكمل:
— أنا كنت بسمع كلامك في كل حاجة، حرفيًا كل حاجة كنت بتقولها كنت بعملها، ودي النتيجة اللي أنا فيها دلوقتي...
دموعها نزلت بغزارة وهي بتنشق الهواء بصعوبة:
— أنا هنا بسببك يا علي، حملت... وانت جاي ترميني؟ وده كله ليه؟
نزلت دموعها أكتر وهي تهمس بكسرة قلب:
— عشان ماعرفتش أقولك لا... عشان ماعرفتش أبعدك عني
في لحظة ظهر ضعفه، مسكها من إيدها بقسوة وقال ببرود:
— امشي يا وعد، امشي حالاً من هنا. كلامنا خلصان. إنتي مفيش عندك كرامة. كفاية بقواك. امشي!
سحبها وفتح الباب وطردها برة كأنه بيطردها من حياته ومن كل اللي جمعهم.
فلتت إيدها بغضب وصوتها اشتد:
— أوووعى... سيبني! أوععي!
بس قبل ما تمشي، وقفت مواجهة له بنظرة أخيرة، عيونها مولعة بالقهر والانكسار:
— مش هنسى ياعلى، اوعدك انى هندمك..هخلى ندمك ياخدك. هخلي كل كلمة جارحة قولتها لي ترجع تكسّرك. هخليك تترجاني والدموع ف عينك... وده وعد من واحده حبت واتكسرت بخسارة حياتها كلها
كلام كان جاد تهديد قوى رمته وخليت قلبه يحس بالخوف من معناه ومشيت وشابته وهو قفل الباب بتجاهل، تترنح وعد من شدة الوجع. قلبها ما بقى ليه وجود، اتفتت وكل حاجة جواها اتكسرت. دموعها غمرت وشها؛ جاتله بقلب مكسور وحب مليان عذاب، لكن القسوة كانت أكبر من اللي تقدر تتحمله.
لفّت ومشيت من المكان، سايبة وراها آخر حاجة كانت بتملكها... كرامتها.
--------
كانت فاطمة قاعدة فى الصالة، كل شوية تبص فى الساعة وتتنهد بقلق:
– اتأخرتي ليه يا وعد؟
الليل بدأ يحل، وهي لسه قاعدة مش مطمنة.
فجأة سمعت صوت الباب، قامت بسرعة وخرجت تشوف.
شافت وعد داخلة...
بصتلها وقالت باستغراب:
– وعد! اتأخرتي ليه؟
لما وعد رفعت وشها، عيونها كانت حمرا، وشها مرهق وتعبان.
اتخضت فاطمة وقالت بخوف:
– إيه ده؟ مالك يا بنتي؟
عيون وعد اتملت دموع، ولما سمعت السؤال، الدموع انهمرت أكتر.
قربت منها فاطمة بسرعة وقالت بلهفة:
– مالك يا وعد، في إيه؟
اترمَت وعد فى حضنها وبكت بحرقة.
قلب فاطمة انتفض، حضنتها وقالت بقلق:
– وعد، قولي في إيه؟
قالت وعد بصوت متقطع من العياط:
– جرحني أوي... خانني وراح يتجوزها!
اتخلى عني... وكسرني!
فاطمة ربتت على ضهرها بهدوء وقالت:
– اهدي يا وعد، اهدي يا بنتي...
لكن وعد رفعت راسها وهي بتبكي وقالت بحرقة:
– قلبي بيوجعني أوي... ليه عمل فيا كده؟
أنا معملتلوش حاجة وحشة... أنا حبيته بصدق، وهو خدعني!
مثل الحب عليا... وأنا صدقته!
عيون فاطمة اتمالت حزن، حضنتها تاني وقالت بنبرة أم:
– اهدي يا حبيبتي، مفيش حد يستاهل دموعك.
لكن وعد كملت ببكاء:
– أنا خسرت كل حاجة يا فاطمة... خسرت عيلتي، خسرت نفسي،
وآخر حاجة كرامتي... خسرتها بغباي لما روحتله!
قالت فاطمة بصدمة:
– روحتيله؟!
ردّت وعد وهي بتبكي ودموعها بتغرق وشها:
– أيوه... روحتله. كنت عايزة أوقفه، كنت عايزة أسأله "ليه؟"
بصلها فاطمة قلة حيلة – ورد عليكي بإيه؟
قالت وعد بصوت مكسور:
– مدّانيش جواب... غير إني عرفت إنه عمره ما حبّني.
في عينه شوفت الجفاف اللي عمري ما كنت متخيلاه.
فاطمة بصتلها بحزن وقالت بهدوء:
– ليه وجعتي قلبك كده يا وعد؟ ليه؟
هو بعد كل اللي عمله... كنتِ فاكرة لسه هيكون حب؟!
هزّت وعد راسها وقالت بحرقة:
– أنا اللي عشت معاه مش إنتِ،
أنا اللي شُفت حبه، وكان حُب حقيقي... على الأقل بالنسبالي.
في اللحظة دي، بصتلها عبير بحدة من بعيد، ودموع وعد نزلت أكتر.
قالت وهي بتكتم نشيجها:
– كنت بحاول أدور على سبب، كنت فاكرة في حاجة خلّته كده...
بس طلعت أنا المغفّلة! أنااااا!
وانهارت تمامًا، بكاها كان موجع،
زي إنسانة اتكسرت بعد ما خسرت كل حاجة...
حسّت إن مفيش حاجة في الدنيا تقدر تعيش عشانها تاني.
--------
نزل حازم من عربيته قدام فيلا كبيرة، ودخل بهدوء.
جوه، كان فيه راجل قاعد على الكرسي في الحديقة، بيشرب قهوته وبيقرأ الجرنال.
قرب منه حازم وقعد جنبه وقال بابتسامة خفيفة:
– إزيك يا بابا... لسه كنت بتكلم مع وعد.
رفع أبوه عينه من الجرنال وقال بهدوء:
– كويس... والنقاش خلص على إيه؟
حازم – مش موافقة...أعتقد اعتراضها مش علشان إنها مبتحبنيش زي ما كنت متخيل،اعتراضها شخصي أكتر.
قال الأب بنبرة فيها ثبات:
– يعني رفضتك.
رد حازم
– آه، من غير سبب. حاولت أفهمها، حاولت أتكلم تاني... مفيش فايدة.
قال الأب وهو بيحط الجرنال على الترابيزة قدامه:
– مفيش مانع تحاول مرة كمان يا حازم.
شركة بدران وصلت للقمة، ولما نناسبهم ده هيكون دعم قوي لشركتنا،
خصوصًا بعد الأسهم اللي وقعت في الفترة اللي فاتت.
قال حازم – عارف يا بابا... بس وعد مقفلة كل الأبواب،
مش سايبالي حتى فرصة أدخل منها... لأنها في حياتها راجل.
نظر له الأب بثقة وقال:
– وممكن تكون مجروحة، وده يخليك الحل الأنسب ليها.
ابقَ جنبها، خليك داعم... هتعرف تدخل قلبها بالعقل مش بالعاطفة.
وبينما بيكلمه، حط الجرنال قدامه وقال وهو بيشير على الصفحة الأولى:
– اقرأ الأخبار... افتتاح الأسواق، وشركة بدران هتكون مؤسسة رئيسية.
جوازك من وعد بنت بدران مش مجرد زواج، دي نقلة مهمة لينا كلنا.
بص حازم لأبوه وقال بثقة هادية:
– عارف يا بابا... وبشتغل على ده.
ابتسم أبوه بخفّة وقال:
– أنا واثق إنك مش هتخذلني يا حازم.
---
في بيت فاطمة
كانت فاطمة واقفة عند باب الأوضة، بتخبط عليه بإلحاح:
– يا وعد... يا بنتي، افتحي الباب، اطلعي كلّمينى.
من ساعة ما رجعت وعد، وهي قافلة على نفسها،
ولا خرجت، ولا نطقت بكلمة.
فاطمة قلبها واجعها ومش عارفة حصل إيه جواها.
فجأة الباب اتفتح ببطء، وخرجت وعد بوشها المحمّر وعنيها باينة إنها بكت كتير.
بصتلها فاطمة وقالت بقلق:
– وعد، إيه كل ده يا بنتي؟
وعد كانت ماشية بتتارجح كأنها هتفقد توازنها.
استغربت فاطمة وقالت بسرعة:
– مالِك يا وعد؟
مدّت وعد إيدها على بطنها، كانت بتتألم بوضوح.
قالت فاطمة بخوف:
– أطلّبلك الدكتور؟
هزّت وعد راسها وقالت بصوت واهي:
– لأ... أنا خارجة شوية، متلحقنيش.
قالت فاطمة بسرعة:
– خارجة فين لوحدِك وانتي كده؟
ردّت وعد بعصبية، وانفعال– كده إزاي؟! شايفاني مجنونة خلاص؟!!
سكتت فاطمة من صدمتها وقالت بهدوء وهي بتحاول تمسك نفسها:
– أنا مقصدش كده يا وعد... أنا خايفة عليكي بس.
لكن وعد ما ردتش، ومشيت بسرعة،
خرجت من الفيلا كلها كأنها بتهرب...
من حياتها، من وجعها، من نفسها اللي اتكسرت.
تسير وعد فى طريقٍ لا تعرفه...
تسير رغمًا عنها، وكأن خطواتها تقودها إلى المجهول.
كل كلمة قالها "علي" ترنّ فى أذنها، كل وعدٍ، كل نظرةٍ، كل لحظة صدّقتها فيها.
تتذكر صوته وهو بيقول لها:
"أنا بحبك إنتِ يا وعد... أنا بكون معاكِ على حقيقتي."
كانت الجملة دي بالنسبة لها وطن...
كانت تحسها بالأمان وهو بيقولها وهى ف حضنه،
لكن دلوقتى، الشخص ده نفسه بقى أكتر حد أذاها،
أكتر حد دمّرها، مثل عليها... وكدب.
وطردها من حياته بجملة واحدة كسرت قلبها:
"خلاص يا وعد... الحكاية خلصت."
اتلمعت دمعتها، وبقت تحس بحرقة جوّا صدرها.
الشارع حواليها مليان عربيات رايحة جاية،
الأضواء بتخترق عينيها وهي ماشية شريدة...
زي المجانين اللي ضاع منهم كل شيء.
وقفت قدام محل منور، أضواءه مالية المكان بالبهجة.
رفعت عينيها ناحية الباترينة...
ومن ورا الزجاج، شافت مانيكان لابسة فستان زفاف أبيض جميل جدًا.
وقفت وعد مكانها، عينيها غاصت فى المانيكان...
تخيّلت نفسها مكانها، بالفستان الأبيض،
فى فرح بسيط... يوم كانت بتحلم بيه من غير دموع ولا خيانة.
نزلت دمعة دافية على خدها وهي تدرك الحقيقة المرّة...إن اليوم ده مش هييجي.مش بعد اللي حصل..، تتمنى ترجع للماضة تتمنى حياتها هادئه
واقفه باصه للفستان كالفاقده، دمعه بتنزل من غير ما تحس، ومشاعرها ملخبطة بين وجع وخيبة.
وفجأة، وقفت عربية جنبها، ولما بصّت، اتصدمت... كان حازم.
نزل من العربية قال:
– روحت الفيلا، واحدة قالتلي إنك لسه خارجة، مشيت أدور في الشوارع ولقيتك هنا.
بصّتله وعد، ودمعة كانت لسه سايبة أثرها على خدها.
قال حازم
– انتى كويسة؟ بتعيّطي كتير انتى يا وعد.
ردّت – إنت بتلحقني؟!
اتفاجئ حازم وقال بهدوء:
– ليه بتقولي كده؟
قالت وعد بصوت بيتهز:
– عدّى ساعات على آخر كلام بينا... ممكن أفهم روحت الفيلا ليه؟
قال حازم وهو بيبص لتليفونه:
– رنيتي عليا.
استغربت وعد:
– أنا؟ رنيت عليك؟!
فتحت موبايلها بسرعة، وقفت مصدومة لما شافت مكالمة فعلاً باسم "حازم".
تمتمت وهي مش مصدقة:
– بس أنا... ما عملتش كده!
قال حازم بهدوء:
– مش بلحقك زي ما فاكرة يا وعد.
رفعت عينيها ليه وقالت – وانت جيتلي أول ما شفت الرنة؟
ردّ وهو بيتنفس ببطء:
– رنيتي، والمكالمة قطعت عشان مفيش شبكة، قلقت... وجيت.
سكتت لحظة وبصت حواليها، الشوارع فاضية والهواء بيخبط في شعرها، ثم سألها هو – بتعملي إيه هنا يا وعد؟
وعد مردتش على سؤال حازم، ومشيت بخطوات بطيئة.
وقف مكانه لحظة، بيبص عليها وهي بتبعد عنه، لكن فجأة لفتله وقالت بصوت واهي شوية:
– ممكن توصلني العيادة؟
قال بسرعة وقلق باين في صوته:
– أكيد... بس عيادة إيه؟
سكتت لحظة، وبعدين نظرت له وقالت بخفوت:
– نَسا.
اتجمد مكانه، نظراته اتبدلت، بس مقالش ولا كلمة.
----------
في العيادة، كانت الدكتورة بتكشف على وعد بهدوء وقالت:
– كنتي بتاخدي أي حاجة قبل الحمل؟
سكتت وعد شوية، ثم أومأت وقالت:
– حبوب منع الحمل.
رفعت الدكتورة عينيها وقالت بنبرة فيها لوم خفيف:
– ما تعرفيش إنها غلط جدًا، خصوصًا لو حصل حمل؟
قالت وعد بسرعة وهي متوترة:
– فيه إيه يا دكتورة؟
ابتسمت الدكتورة محاولة تهدئتها:
– انتي كويسة، والجنين كويس الحمد لله... مفيش أي خطر دلوقتي، بس...
قالت وعد بقلق:
– بس إيه؟!
تنهدت الدكتورة وقالت بصراحة:
– الاحتمال الأكبر إنه يكون فيه تشوه خَلقي
صمتت وعد، كلامها اتخنق في حلقها، ودمعتها وقفت على طرف عينها.
أكملت الدكتورة:
– هكتبلك فيتامينات تمشي عليها لو هتكملي الحمل ده، خدي بالك من نفسك كويس. ولو هتجهضى ف حالتك هيكون افضل عشانه
ما ردتش وعد، قامت بهدوء وخرجت من العيادة.
برا، كان حازم لسه مستنيها. لما شافها، وقف وسألها بهدوء:
– ممشيتش ليه؟
قال ببساطة:
– مش لما أروّحك؟
بصّت له وعد بنظرة فاضية، من غير كلمة، وبدأت تمشي جنبه في صمت...
صمت تقيل، مليان وجع وأسئلة مش لاقية إجابة.
-------
في الطريق، كانت وعد قاعدة جنب حازم، ساكتة، عينيها معلقة في الطريق اللي قدامها، ودمعة نزلت ببطء على خدها.
شافها حازم بعينه،قال بصوت هادي:
– هو السبب في دموعك؟
ما ردتش وعد، فضلت ساكتة، وصوته اختفى بعد السؤال ده.
الدنيا كانت هادية، بس جواها دوشة وجع.
بعد لحظات، قالت وهي بتبص قدامها:
– مش هعرف أتجوزك، عندي ندبة كبيرة في حياتي.
بصلها حازم وقال بهدوء:– ممكن أعرف الندبة دي إيه؟
اتنهدت وعد وقالت:– ممكن أسألك أنا؟ ليه عايز تتجوزني برغم إني رفضتك؟
سكت حازم، ماعرفش يرد، فاكر إن جوازهم وراه مصالح كتير، بس قال ببساطة:
– فيه حاجات كتير يا وعد.
ابتسمت وعد ابتسامة خفيفة كلها وجع وقالت:– ولا حاجة.
سكتت لحظة وبعدين قالت وهي لسه بتبص للطريق:
– فيه راجل دخل حياتي... حبيته... وثقت فيه، ومكنش لازم أثق فيه.
ابتلعت غصتها، والدموع رجعت تلمع في عينيها، بصّت له وقالت بصوت مبحوح:
– هو خلاني أحس بالخذلان، جرحني، وخلاني أعيش في خوف دايم لحد دلوقتي.
نظر لها حازم في صمت، ملامحه اتبدلت.
أكملت وعد بصوت واهي:
– ومعتقدش إني هتخطّى... لأني جرحي كبير... أكبر من إنك تتصوره.
قال حازم وهو بيبصلها بهدوء صادق:
– أعتقد إن الحل معاكي... انتي قولتي إنك معملتيش حاجة معيبة، وإنه هو اللي خلاكي تحسي بالخذلان وجرحك.
دموعها بدأت تسيل ببطء وهي بتقول بصوت مبحوح:
– أنا عملت حاجات كتير غلط... حبي ليه كان أكبر غلط.
اتكسرت ملامحها، والنشيج طلع من بين شهقتها المكبوتة، وقالت بصعوبة:
– هو عمل معايا كل حاجة تخليني أكرهه... وأكره نفسي.
بصلها حازم، عينيه وقفت عند دموعها الساكتة.
مد إيده بتردد، وربّت بخفة على كتفها.
ولما لمسها، رفعت وعد عينيها له بسرعة، ونظراتها فيها حرج ودهشة.
اتسحب حازم بإيده بسرعة وقال وهو مرتبك:
– مفيش حاجة تستاهل تبكي عشانها.
ما ردتش وعد، اكتفت ببصّة صامتة للطريق، وفضل حازم ساكت، مركز في السواقة.
بس جواه كان بيتغير، يمكن لأول مرة شافها بعين تانية،
مش كبنت بيعمل جوازه منها مصلحة... لكن كإنسانة موجوعة، جرحها كبير أوي،
أكبر من إنه يتقاس أو يتنسى.
----------
وقف حازم قدام بيتها وقال بهدوء:– اهتمي بنفسك يا وعد.
قالت وعد وهي بتبصله بتعب:– شكرًا.
ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:– العفو... ولو احتجتي أي حاجة، كلميني.
أومأت له بإيماءة سريعة وهمّت تمشي،
لكنه ناداها قبل ما تفتح الباب:– فكّري في جوازنا يا وعد.
نظرت له وقالت :– قولتلك مينفعش... وبعدين إيه إصرارك ده؟ عندك بنات كتير غيري يا حازم.
رد بابتسامة غامضة:– لو صارحتيني بأسبابك، هقولك أسبابي أنا كمان.
قالت وعد وهي بتشيح بوجهها:– لو فعلاً مستعد تسمع... تعالى بكرة.
دخلت الفيلا وسابته وراه واقف في صمت
دخلت وعد جوه، شافت فاطمة واقفة بتبصلها بنظرات مش مفهومة، مزيج من قلق وتساؤل.
بس وعد كانت مرهقة... ما بقتش عندها طاقة لأي كلام.
عدت من جنبها بخطوات بطيئة، وطلعت على أوضتها.
فتحت الباب،ولسه بتدخل...وقفت فجأة.
اتسعت عيونها بدهشة ورعب لما شافت حد متوقعتش تشوفه واقف قدامها!
قبل حتى ما تستوعب،إيد امتدت من وراها...وشكة سريعة في رقبتها...
صوت أنفاسها اختفى، وجسمها ارتخى فجأة.
وقعت في حضن الشخص اللي كان قدامها مسكها فورا قبل ان تقع وحملها على زراعيه بحرص
--------------
علي واقف في نص الأوضة، صوته أنفاسه بس اللي مسموع، قبضته متشنجة وعروقه ظاهرة كأنه بيحاول يكتم وجعه. من ساعة ما مشت وعد وهو ثابت مكانه، بس كل حاجة فيها لسه حواليه... ريحتها، صوت بكاها، نظرتها الأخيرة اللي كسرت فيه جزء عمره ما اتكسر.
بص للفراغ وهو بيتنفس بصعوبة، تهيأله صوتها وهي بتحلف له إن اللي جواها ابنه، الكلمة اللي قلبت كيانه، الكلمة اللي بدل ما تهديه خلته يشك... ويسيبها.
رمى كل اللي حواليه، كسر الإزازة اللي على الترابيزة، مسك البدلة ورماها على الأرض بدون ما يبص لقيمتها، وكأنه بيحاول يتخلص من كل حاجة ليها علاقة بيها.
كان مالك واقف عند الباب، مش قادر يدخل ولا يسيبه لوحده. بص لعلي، لمح دمعة واقفة على جفنه.
هو عارف إن علي عمره ما بكى، بس المرة دي مختلفة... دي مش دمعة، دي وجع متكتم جوه راجل اتعلم يخبي ضعفه.
قال مالك بهدوء:
— انت كويس يا علي؟
رد علي بصوت مبحوح:
— مش قادر يا مالك... مش قادر أستحمل أكتر من كده. حاسس إني غرقان في وسخ نفسي، مش قادر حتى أبص ف المراية. بقيت أكبر ظالم في حياتها... أكبر خيانة هي أنا.
قال مالك وهو بيحاول يهديه:— هي متعرفش الأسباب.
رد علي — مفيش سبب يشفعلي يا مالك... لو عرفت الحقيقة، ساعتها هتتحول من حبيبتي لعدوتي.
مالك بصله وقال بهدوء: — وانت شايف إنكم لسه متحولتوش لعداوة؟
علي سكت، لمّ إيده اللي كانت راجفة، وبص للأرض، صوته نزل منخفض:
— انت مش فاهم يا مالك... أنا وصلتها لدرجة متتوصفش. أنا كسرتها... بإيدي.قعد علي ماسك راسه، وراسه مطأطأ، وصوته خافت لما قال مالك وهو جالس قصاده:
— مشاعرك بتغلبك على شخصيتك يا علي، وبترجع تختفي لحظة ما يسيطر عليك الانتقام وهدفك الحقيقي.
مالك قعد قدامه، بصوب له بعينين فيها حزن وفهم:
— أنا عارف إنك متضايق من اللي عملته، بس لما بتعمل كده كان هدفك دايمًا تشيل نقطة سودا ممكن تدمرّك. وعد كانت السبب، وده اللي كنت بقصده لما حذّرتك منها ومن حبك ليها... حبكم ده مستحيل يكمل.
بصله علي بصمت، ومالك كمل بصراحة مرة:
— دي الحقيقة، يا علي. أنت عبد لانتقامك.
رد عليه علي بنبرة مقطوعة:— خلي بالك من كلامك.
مالك:— أنا معاك دايمًا، يا علي. معاك لحد ما تحقق هدفك وتحرر نفسك... وتحررها كمان. حرر حقها اللي انت عايش عشانه. بلاش تفكر في حاجة تانية. إنت زي نظام؛ لو دخل عليه تحديث زى اسم "وعد" النظام كله يتلغي.
وقوف مالك كان نهاية الكلام؛ قام ومشى وقفل الباب وراه.
فضل علي قاعد لوحده، الصمت حوالينه ضاغط، لحد ما أرخى جسمه على الكرسي، رفع عينيه للسقف وبص بعيون ملطّخة بالوجع والندم.
------------
قبل اسبوع
-----------
على كان سايق عربيته بسرعة، ماسك الموبايل على ودنه وبيتكلم مع بدران.
بدران قال – أيه يا علي؟
علي بجديه:– عايز أتكلم معاك ف موضوع مهم.
– موضوع إيه؟
قبل ما علي يرد، الموبايل رن برقم تاني... بص لقاه رضوان.
بدران أعاد السؤال:
– موضوع إيه يا علي؟
علي قال وهو بيبص على الشاشة:– هكلمك بعدين، سلام.
قفل معاه ورد على رضوان:– ألو.
رضوان قال من غير حتى سلام:– تعالى.
علي:– عندي مشوار مهم دلوقتي.
رضوان قال بنبرة حادة وواثقة:– تعالى يا علي فوراً... أنا عارف إنت رايح فين وبتعمل إيه، وبقولك تعالى.
استغرب علي من نبرة رضوان، بس قفل معاه وهو حاسس إن الموضوع كبير.
كلام وعد فضل يرن في دماغه، لما كانت بتقوله "استعجل يا علي، الوضع اللي أنا فيه ممكن يورطني لو حد عرف".
شد نفسه وغير مسار الطريق، رايح يقابل رضوان ف طريق مقطوع بعيد عن الناس.
وقف العربية ونزل منها قال– عايز إيه يا رضوان؟
رضوان بصله بنظرة فيها غضب وقال:– إنت ووعد... في بينكم علاقة؟
علي شد حواجبه وبصله بحدة، قبض إيده وقال بصوت منخفض بس فيه تهديد:
– وانت بتتكلم عنها... خد بالك من كل كلمة بتقولها، عشان ممكن تقصر وقت حياتك.
رضوان اتنرفز وقال بغضب:
– إنت بتهددني يا علي؟ عشان البنت دي؟!
دي وعد! أنا مش قادر أصدق إنها تعمل غلطة زي دي!
قال علي – عرفت إيه يا رضوان؟
رد رضوان بثقة:– عرفت كل حاجة... من أول ما هي حامل منك، ومن أول ما حددتوا معاد الجواز.
علي شد نفسه، الغضب كان باين ف عينه، قرب خطوة منه، بس رضوان ما اتحركش وقال بتحدي:
– كلامي صح ولا لأ يا علي؟بإمارة إنك كنت رايح تكلم بدران عنها!
علي قال بحدة:– اخرج من الموضوع يا رضوان.
رضوان رفع صوته وقال:– مش هخرج منه!أنا كنت سايبك تكمل ف سبيل هدفك الحقيقي... الانتقام، بس اللي أنا شايفه إنك ماشي عكس كده.
علي رد وهو بيحاول يمسك أعصابه:– وعد بره الدايرة دي يا رضوان.
رضوان بصله بدهشة ساخره قال:– يعني إيه بره الدايرة؟يعني كل اللي عملته كان لعبة لهدفك، وبعدين دلوقتي بقيت تقول بره الدايرة؟
سكت علي لحظة، وبعدين قرب منه وقال بنبرة تقيلة:
– كنت معاها ليه يا علي؟ كل ده فكرك بتخطط عليها....لو مش علشان انتقامك... يبقى علشان إيه؟
علي بصله بثبات وقال الكلمة اللي خلت الدنيا تسكت لحظة:
– أنا هتجوزها.
رضوان اتجمد مكانه، الصدمة باينة على وشه، مش مصدق اللي سمعه.
بس علي كمل وهو بيقرب منه أكتر:
– ابعد عن وعد يا رضوان...وبلاش تشوف مني وش هتندم إنك شُفته.
رضوان قال بنبرة فيها استغراب واتهام:– يعني إيه هتتجوزها؟!إنت بتحبها يا علي؟
علي ما ردش... لفّ وبدأ يمشي، بس صوته اتوقف لما سمع بدران بيقول من وراه:
– استنى هنا! قف... أنا بكلمك!
علي ما ردش برضو، كان ماشي بخطوات تقيلة، بس رضوان صرخ بصوت عالي:
– هتضحي بحق منى عشانها؟!
توقف علي في مكانه، جسده اتجمد للحظة.
قال رضوان بحدة– هتنسى انتقامك و...
قطع كلامه صوت علي العالي، حاد ومليان وجع:
– أنا عايش عشان لحظتها... بس!
رضوان قرب منه بخطوة وقال بحدة:
– وازاي هتتجوز وعد يا علي؟ بص... أنا مش هقولك تعمل إيه، عارف إنك هتعاندني،بس اختيارك لوعد... معناه إنك هتتنازل عن حق منى.
علي بصله بعيون حمراء، الشر باين في ملامحه أول ما سمع اسمها.
الجانب اللي بيخافوا منه الكل ظهر.
رضوان اتراجع خطوة وقال بنبرة مترددة:– علي...
علي قاطعه بسرعة:– وعد ملهاش دعوة.
رضوان رفع صوته:– لأ، ليها!وليهـــا كمان يا علي!
علي زعق فيه:– أنا مش قولتلك متتدخلش؟!وفاكر إنك هتأثر عليا؟ يبقى انسـى.
رضوان بصله بثبات وسأله للمرة الأخيرة:– بتحبها يا علي؟
علي رد من غير تردد، بصوت جدّي وواضح:– بحبها.
ابتسم رضوان بسخرية خفيفة وقال بهدوء قاتل:– وهي كمان... بتحبك.!؟؟
بصّ علي لرضوان من سؤاله، عينيه ضيقة:– قولت إيه؟
رضوان قافز عليه بكلامه من غير مقدمة، بصوته هادي لكن فيه قتال:
– هي بتحبك... أكتر من أبوها.
علي اتلخبط، قال باستخفاف نصفه غضب:
– عايز تقول إيه بالضبط؟
رضوان قرب منه لحد ما همس في ودنه:
– لو هتقدر تروح وتقولهالها الحقيقة... اتجوزها.وهتقدر تقولها إن هدفك في الحياة كله إنك تنتقم من أبوها وعيلتها كلها؟
علي ماردش، الصمت عمل فجوة.
رضوان كمل بثقة قاسية:– عندك القدرة والثقة إن حبها ليك هيخليها تختارك وتقف جنبك؟ حتى لو إنت بتأذيها قدام أبوها؟لو عندك الشجاعة دي... الطريق قدامك.
علي يعرف إن وعد بتحبه حب شديد، بس مش للدرجة اللي بيقولها رضوان. وقف رضوان جنبه، ونظراته كلها حقد وتحدي.
رضوان قال وهو بيميل عليه بالكلام كأنها همسة حرب:
– عندك الجرأة تقولها الحقيقة؟ تقوللها إنك دخلت جوه عيلتها عشان تدمّرها؟ تقوللها إنك مش عمها ولا مصدر أمان زي ما هي فاكرة؟ أنت القنبلة اللي لو وقتّتها هتفجّر فيهم كلهم... وأولهم هي. هتقدَر تقولها؟ ولا أقولها أنا؟
علي انقطعت أنفاسه من كلمة "قنبلة"، وصرخة صغيرة نادت اسم واحد:
– رررضوااان...
رضوان غاضب في نفس الوقت:
– إيييه؟! دلوقتي؟! بقيت متعصّب وبتسيبني في حرقة الدم ورايح تتجوز بنت بدران؟
علي اشتدّ لسانه وقال بحزم:
– انت مالكش دعوة... وإياك تدخل في حياتي الشخصية.
رضوان ما اترحمش، طلع له الكلام كله دفعة واحدة:
– حياتك الشخصية؟ حياتك قدامي زي كتاب مفتوح! فاكر لما اتفقنا الأول وانا دخلتك بيت بدران عشان أحطك على السكة اللي هتفجّر؟ كل اللي عملناه كان علشان هدف واحد
قال علىى- إنك تدمر بدران. وهو د٧ اللي هيحصل.
قال رضوان بصوت مليان غضب:
ـ مش هيحصل! بنت بدران لحستلك عقلك، زي ما خليتك تنسى مبدأك، وتنسى إن عيلته كلها أعداء ليك، بل كل اللي في البيت ده عدو ليك!
قمت تحب بنته؟ ورايح تتجوزها؟ رايح تناسب اللي كان سبب في موتي؟!
مسك إيد علي بقوة وقال بصوت غليظ:ـ وعد نسيتك؟ أنا هفكرك.
صاح علي وهو بيحاول يفلت منه:ـ ابعد عني يا رضوان!
لكن رضوان شدّه بعنف، ورماه جواه العربية غصب عنه، وقفل الباب بسرعة، وركب هو مكان السواق وانطلق بأقصى سرعة.
صاح علي وهو ماسك في الباب:
ـ وقف العربية يا رضوان!
رد رضوان بحدة وهو مركز في الطريق:ـ هودّيك ليها... هي اللي هتفكرك بنفسها.
علي بان عليه الغضب والخوف في نفس الوقت، صرخ بأعلى صوته:
ـ بقووولك وقف العربية يا رضواااان!
لكن رضوان تجاهله تمامًا، زوّد السرعة أكتر، عارف إن علي ممكن يحاول ينط، فمحطش قدامه أي سبيل للهرب من مصيره الحقيقي.
وقفت العربية قدّام مبنى ضخم، هيئته كانت أشبه بمستشفى خاص، واجهته لامعة وهادئة بطريقة مريبة.
نزل رضوان من العربية، وتبعه علي بخطوات متوترة. دخلوا جوّه المبنى، وكانت الطرقات ساكنة لدرجة تخوف، لا صوت ولا حركة... كأن المكان مهجور.
وفجأة، بدأ يظهر رجالة واقفين على أطراف الممر، ملامحهم جامدة كأنهم حرّاس.
المشهد بقى واضح إن المكان مش عادي... فيه حاجة كبيرة مستخبية جواه.
توقفوا عند باب غرفة مقفول، رضوان بصّ لعلي وقال بنبرة غامضة:
ـ كنت بتيجي هنا لوحدك، بس أول مرة أنا اللي أجيبك.اعتبرها تذكرة... مني ليك.ادخل يا علي، قابل "مني".
قرب منه وربّت على كتفه بخفة، فعلي بص له، وعيونهم اتقابلت لحظة طويلة، مليانة حيرة وغضب ووجع.
اتفتح الباب بهدوء، وكان جوه ممرض لابس كمامة، ملامحه مش باينة.
اتجه ناحية ثلاجة معدنية كبيرة، فتحها ببطء، وبدأ يخرج منها ما بالداخل.
دخل علي بخطواته البطيئة، كأنه في عالم تاني، عيونه معلقة بالمشهد قدامه، كأن في مغناطيس بيشده ناحية هناك...
لحد ما وصل للدرج المعدني، ومدّ إيده المرتعشة، رفع الملاءة البيضاء...
وظهر جسد مغطى بالكامل، السكون لف العالم في اللحظة دي.
رفع علي إيده المرتعشة، ومسك طرف الملاءة، رفعها ببطء عن الوجه اللي كان غارق في سكون غريب...
كانت فتاة، ملامحها هادئة كأنها نائمة بسلام، لكن بشرتها باهتة، يغمرها برود الثلج في كل إنش من جسدها.
اقترب منها، ووجهه ارتجف، وسقطت دمعة من عينه... ذلك الذي فقد قدرته على الإحساس، انهمرت دموعه فجأة كأنها شلال عمر ضايع.
مدّ إيده يلمس خدّها، لم يكن يلمس جلدًا دافئًا، بل جثة متجمدة عبر زمن، كأن الزمن وقف عند اللحظة اللي ماتت فيها.
قال بصوت مبحوح، يخرج بصعوبة:
ـ منى...
وفي لحظة، انفجرت الذكريات في دماغه كأنها شريط بيتعرض قدّامه.
يتبع
