رواية فرحة لم تكتمل عبر روايات الخلاصة بقلم ليالي ديسمبر
رواية فرحة لم تكتمل الفصل التاسع 9
يوسف وقف قدام مريم، عيونه مليانة جدية وحسم، وقال بصوت فيه توتر:
"أنا جالي منحة عمل برة، ومش هينفع أأجل الجواز أكتر من كده."
مريم حسّت قلبها بيخفق بسرعة، وبصت له بقلق:
"إحنا مخطوبين بقالنا سنة ونص، وأنا خايفة تبقى زيهم... خايفة إنك ما تحبنيش، وأنا بحبك، بحب حنيتك، بس خايفة نسيب بعض يوم."
يوسف ارتفع صوته بعصبية غير معتادة:
"مريم فوقي! أنا عاوز أعمل أسرة، أتجوز، وتبقي أم عيالي. والفرصة دي لو راحت، مش عارف هعمل إيه."
مريم شافت العزم في عيونه، حسّت إن القرار اتخذ خلاص.
يوسف كمل:
"خلاص، نخلي كتب الكتاب والحنة في يوم واحد الأسبوع اللي جاي، والدخلة بعديه بيومين، وبعدها نسافر على طول."
مريم وقفت تتأمل الكلام اللي لسه بيتقال، بين الفرحة والخوف، بين الحلم والواقع، وفي قلبها قلق كبير عن المستقبل اللي مستنيها.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
كان يوم كتب الكتاب، وكل حاجة ماشية زي ما بيقولوا في الأفراح الشعبية المصرية الأصيلة.
الشيخ اللي كتب الكتاب كان واضح إنه كبير في السن، صوته يرنّ وسط القاعة، لكن فجأة ظهر صوت شخص غامض، كان بيكلم بشكل خاص.
مريم، أول ما شافت ادهم، جريت وقتمت حضنه بحنان.
"وحشتني أووي يا ادهم." قالتها وهي ماسكة إيده.
ادهم ابتسم وردّ:
"وانتي أكتر يا مريومة."
سألتها بفضول:
"هو إنت جيت من السفر لوحدك؟ دنيا أختنا ماجاتش معاك؟"
ادهم، بحزن مصطنع، قال:
"لأ، دنيا ماعرفتش تسافر، ومعرفتش تجيلك."
وبدأوا يكتبوا عقد القِرَان، الكتاب الأول.
بعدها، بدأت تحضيرات الحنة، زي كل بيت شعبي مصري أصيل.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
مريم كانت محاطة بصحباتها، وسط جو من الفرح، لكن الست اللي مسئولة عن الحنة كانت مخبية وشها بشال، كأنها عايزة تخفي سر.
نادت على مريم وقالت لها:
"ارسم ليكي إيه يا مريومة؟"
مريم استغربت وقالت:
"حضرتك تعرفيني؟"
الست ضحكت من تحت الشال وقالت:
"لا يا مريومة، مش أعرفك."
لكن بعدها قالت لها:
"ارسمّي لي الرسمه دي."
مر الوقت، وجاءت اللحظة اللي الست دي بتسأل مريم:
"إيه رأيك يا عروسة؟"
مريم بصدمت وحكتلها:
"إيه الزفت ده؟ إنتِ متأكدة إنك تعرفي ترسمي؟"
الست ضحكت وهي بتشيل الشال عن وشها، وقالت بصراحة:
"بصراحة لأ."
لكن مريم اتصدمت لما شافت مين الست دي، وقالت:
"دنيا أختي؟ يا بكاش؟ وأنا قولت الصوت ده أنا عرفاه."
دنيا ردت عليها وهي بتضحك:
"بس عشان انتي عبيطه ، ياهه يا مريم، كبرتي وبقيتي عروسة."
مريم نظرت لدنيا وقالت بحنية واشتياق:
"وحشتيني أووي، إنتي وادهم. يا ريت الوقت يقف هنا وما يعديش."
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في اليوم التاني، فاضل يوم واحد على يوم الدخلة.
مريم دخلت على دنيا أختها وهي مترددة وقالت لها:
— تعالي نزل نجيب الفستان، مش عايزة أبقى متأخرة.
وصلوا للمحل، مريم بصت عليه من بره بعيون مليانة حزن، كأنها بتودع حاجة كانت نفسها تكون غير كده.
رجعت بعد سنة ونص... رجعت تاني لفاترينة الفساتين اللي كانت واقفة قدامها قبل كده، بس المرة دي مش زي زمان. المرة دي رجعت وهي مختلفة، مش بس في ملامحها، لكن في قلبها اللي اتعلّم يتألم ويرتاح في نفس الوقت.
قبل كده كانت بتتفرج على الفساتين بعيون مليانة دموع، بتتخيل نفسها فيها عروسة، بتحلم بيوم جميل ما كانش ليها. دلوقتي رجعت عشان تشتري فستان فرحها الحقيقي، مش فستان الأحلام اللي اتكسرت.
اتنين حبوها، وسبوها، وجعلوها تعيش وجع ما ينسيش، بس السنة ونص دي علمتها إن الحب مش بس كلمة، الحب قرار، وإختيار، وإنها تستاهل أكتر من الألم.
وهي واقفة قدام الفاترينة، بتختار الفستان اللي هيلبسها يوم فرحها، بعيون صافية، وقلب جريح لكنه قوي.
همست لنفسها:
"أنا مش هسيب قلبي يتكسر تاني... واللي يحبني، هيلبسني فرح مش وجع."
دخلت المحل، وبصت على الفستان اللي كل حياتها كانت مستنياه، الفستان اللي كانت نفسها تلبسه بس في قلبها في خوف وألم مش قادرين يختفو.
بائعة المحل سألتها بلطف:
— تحبي تقيسي ولا لأ؟
مريم بصوت ضعيف وحزين:
— لا، هو على مقاسي، وخدته.
رجعت البيت، ودخلت أوضتها وقعدت تكتب في الرواية بتاعتها للجزء التاني، في الصفحة 99.
كتبت:
"ها أنا على آخر الطريق، قد أصابني المصائب كثير، وكنت أنا الضحية، واليوم على وشك أن أكون سعيدة لنهاية عمر كله."
بعدها كتبت بالعامية:
"بعد بكرة هتنزل الرواية، الجزء التاني، ومكسره الدنيا... بس يا ترى مين هيكتب آخر صفحة من روايتي؟".......
وهي بتكتب، فجأة... وجع حاد خبط في قلبها، حطت إيدها عليه بسرعة، شهقت، لكن مسحت دموعها، ورجعت تكتب:
"يرودني شعور منذ الصغر بأني سأموت في عمر صغير...
والآن، هذا الشعور يتعاظم بداخلي... كأنه يقول لي: اقتربي."
فجأة، التليفون رن...
ردّت بابتسامة مهزوزة:
— "ألو... يا حبيبي."
يوسف بصوته العادي اللي مفيهوش إحساس بيوم الفرح اللي جاي:
— "إيه يا قلبي؟ بقولك ما تيجي نخرج نتمشى شوية أو نتعشى ."
مريم باستغراب وهي بتضحك:
— "نتمشى؟! ده فرحنا بكره! المفروض نكون مش فاضيين نرتب نفسنا ونستحمى!"
يوسف ضحك:
— "أنا استحميت خلاص، عادي يعني."
مريم ما قدرتش تمسك نفسها وضحكت ضحكة عالية من قلبها، فيها سخرية ودهشة:
— "ياااااه يا يوسف... إنت حاجة تانية بجد."
قالها بنبرة جادة:
— "مش بهزر... هتنزلي ولا لأ؟"
مريم ردّت وهي بتقف:
— "هنزل... حاضر يا جوزي."
سمعت صوته من التليفون بيهمس لها بابتسامة باينة:
— "يلا يا مراتي... مستنيكي تحت البيت."
قفلت الموبايل، وقفت قدام المراية، وبصّت لنفسها...
وقالت بهمس:
— "يا رب... اليوم يعدي... والنهاية تكون بداية... مش وداع."
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
كان الهوى بيلاعب طرحة مريم، وهي قاعدة جنب يوسف على دكّة بسيطة قدام النيل. الجو فيه ريحة مطر خفيفة، رغم إن السما صافية، وصوت الميّه بيخبط في السور الحديد بإيقاع هادي كأنها بتغني.
يوسف قاعد جنبها، بيقشّر لبّ بهدوء، ووشه مرتاح، كأنه مش فاضل يوم واحد على دخلة العمر.
مريم بصّت له، وعينيها فيها قلق مش طبيعي، وقالت بصوت واطي:
— "عارف؟ حاسه إن قلبي مش مستقر... كأني فرحانة وخايفة في نفس اللحظة."
يوسف ضحك ضحكة صغيرة وهو بيبلع اللبّ:
— "عادي يا مريومة... اللي زيك لازم يحس كده. ده إنتي داخله على حياة جديدة."
وهما قاعدين، عدّت ست كبيرة في السن، لابسة جلابية غامقة، وشايلة شنطة جلد صغيرة. كانت بتتكلم مع الناس وهي ماشية بصوت واضح:
— "أقرأ الكف، وأقولك نصيبك في الجواز والرزق... يا بنتي، تعالي يا أستاذ..."
يوسف ضحك وقال بمزاح:
— "تيجي؟ نقرأ بختنا؟"
مريم لفّت وشها بنفور بسيط وقالت:
— "أنا ما بآمنش بالحاجات دي، كلها تخريف."
يوسف ضحك أكتر، وقال وهو بيرمي قشرة لبّ في الأرض وبيشاور للست:
— "ولا أنا... بس بنتسلى! يعني هنعمل إيه؟ نتفرج على المايه ساكتين؟"
الست قربت منهم، لكن وهي جاية... رجلها اتلوت، وقعت على الأرض، شنطتها وقعت، ووشها اتخبط في الرصيف.
مريم قامت بسرعة وقالت بقلق:
— "إنتي كويسة؟!"
الست قامت بصعوبة، مسحت وشها، وقالت بصوت متكسر:
— "خير... خير يا بنتي... تحبّي تشوفي إيه؟ كفك؟ ولا أقرالك البخت؟"
في اللحظة دي، موبايل يوسف رن... بصّ للشاشة وقال وهو بيقوم:
— "بعد إذنك، هرد على التليفون وأرجعلك."
مريم هزت راسها بسكوت، وقعدت مكانها... والست وقفت قدامها وقالت تاني:
— "تحبّي أقرألك إيه؟ كفك؟ ولا البخت؟"
مريم، ولأول مرة، حست إنها عايزة تعرف، يمكن تضحك، يمكن تهوّي عن قلبها:
— "اقري البخت."
الست مسكت إيدها، قعدت تبص فيها شوية، وشها اتبدّل، بقى عابس، وعنيها سوادها اتقل.
مريم حسّت بقشعريرة، وسألتها بقلق:
— "شفتي إيه؟"
الست رفعت عينيها، وقالت بصوت تقيل:
— "في شخص بيموت فيكي... وانتي كمان... بتحبيه موت.
بس يا خسارة... الفراق هيبقى تالتكم."
مريم شهقت، وقالت بسرعة:
— "مستحيل... لأ طب اقريلي تاني... اقري البخت."
الست خدت نفس وقالت بحزن:
— "والله يا بنيّتي... يوم النصيب يفرّق حبايب من حبيبهم.
ويا ويل الدنيا... لما تكره حد، تاخده من حضنك وتسيبك لوحدك."
وفي اللحظة دي...
رجع يوسف، وعينيه فيها توتر من المكالمة.
بص لمريم، وقال:
— "مالك؟ وشك اتغير كده ليه؟"
يتبع...