رواية فرحة لم تكتمل عبر روايات الخلاصة بقلم ليالي ديسمبر
رواية فرحة لم تكتمل الفصل الحادي عشر 11 والأخير
في صباح يوم الفرح، كانت البيوت الشعبية بتعيش طقوسها المعتادة، أغاني المهرجانات شغالة على آخرها، والبيت مليان ضحك وهزار، كله في حالة طوارئ.
مريم واقفة في وسط الزحمة، ماسكة المسكات على وشها، وشعرها لسه مفرود، أمها في المطبخ بتجهز الأكل اللي هيتاكل بعد الفرح، والكل بيسأل ويجري ويدور على حاجة.
الساعة بتجري، وميّة الورد مترشّة في الأركان، وكله بيجهز للعروسة.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في أوتيل القاعة، يوسف قاعد مع صحابه، الضحك مالي القوضة.
أدهم، أقرب واحد له، رمى جملة بصوت عالي:
— "عاوزك تشرفنا النهارده يا معلم!"
يوسف ضحك وهز دماغه:
— "بس يا عم بقى!"
كان بيحلق دقنه، وعامل ماسك وش، ملامحه فيها لمعة فرح غريبة.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في قوضة تانية، أم يوسف وشيماء راحوا لمريم عشان يجهزوها.
مريم لبست فستانها في الحمام، وطلعت عليهم...
كانت زي الملاك، ميكب بسيط بس ناعم، شعرها مفرود وهادي، عيونها بتلمع.
أم يوسف همست:
— "ما شاء الله، تبارك الله... زي الوردة البيضا."
شيماء بصت لأم مريم وقالت:
— "مش كده يا طنط؟"
أم مريم ابتسمت بصعوبة، وهزّت راسها، ودموعها محبوسة في عينها.
دخلت شيماء ودنيا وأصحاب مريم من الكلية، جريوا عليها وحضنوها:
— "عاوزين نقرصك في رقبتك عشان نحصلك!"
ضحك، تيك توك، صور، وأغاني، وكانت الدنيا ماشية زي الحلم.
جت العربيات، الكورتيج اتحرك، زغاريد، وزينة، وضحك.
في القاعة، الأنوار مزينة كل حاجة، الليلة دافئة، والفرح ساكن القلوب.
يوسف واقف مستني، وبمجرد ما شاف مريم نازلة القاعة
، . وشاف كمان حب اللي كان بدر وتمام زي القمر
كانت زي القمر، ماشية بخطى هادية، وإيده في إيد أخوه أدهم.
وصلت عنده، مسك إيدها، وباسها، وغير مكان الدبلة من اليمين للشمال.
وقفت جنبه على الكوشة، فستانها الأبيض بيلمع تحت الضي، تسريحتها كانت بسيطة، بس مفيش أحلى منها.
ضحكتها الهادية كانت بتدفّي القاعة كلها.
الزغاريد شغالة، والأطفال بيجروا حوالين الترابيزات، وصوت عصام صاصا شغال على أعلى مستوى.
يوسف قرّب من ودنها، وهمس:
— "اديني وفيت بوعدي... صدقتي؟"
مريم بصّت له، عينيها فيها دموع فرح:
— "صدقت... بس خايفة يكون حلم."
وعدى الفرح، وسافروا بعده بشوية.
شهر عسل كان مليان ضحك، صور، ولحظات صغيرة بتحفر في القلب، يوسف بينجح، بيتقدم في شغله، ومريم جنبه دايمًا.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
لكن...
بعد سنين، الكادر اتغير وجه علي شخص بيحكي عن الروايه .
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في قاعة محاضرات صغيرة، الإضاءة خافتة، والسكوت تقيل كأنه بيحمل سر كبير.
الدكتور هشام قاعد قدام مجموعة طلاب، بيشرح عن الرواية اللي كتبها عن "مريم".
بنت من الطلبة رفعت إيدها وسألته بصوت فيه فضول حقيقي:
— "يا دكتور، حضرتك كتبت الجزء التاني، بس ماقلتش بعد الجواز حصل إيه؟ خلفوا؟ رجعوا مصر؟ عاشوا ازاي؟"
هشام سكت، بص في الورق اللي قدامه، وعينيه كأنها بتفتّش عن لحظة فقد.
قال بصوت مكسور:
— "مفيش حياة بعد الجواز... الرواية الحقيقية انتهت يوم فرحها."
واحد من الحضور قال بذهول:
— "إزاي يعني؟"
هشام قالها بصوت منخفض كأنه بيرمي قنبلة:
— "مريم... ماتت يوم فرحها."
الصمت خيّم، الوجوه اتجمّدت، وكل عيون القاعة اتثبتت عليه.
كمل هشام:
— "مريم حست إنها هتموت... وكتبت لكل واحد رسالة، بصوته."
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
فلاش باك...
الساعة كانت ٤ الفجر، البيت كله نام بدري عشان الفرح .
مريم خرجت من الحمام، شعرها مبلول، لابسة بيجامة بسيطة.
وفجأة...
وجع خبط في صدرها، تقيل، حاد، كأن قلبها بيتكسر جواها.
مسكت صدرها، أنفاسها بدأت تتقطع، رجليها خذلوها.
قعدت على الأرض، بدأت تسحف ناحية السرير، بتحاول توصل.
طلعت تليفونها، بصّت في النور الخافت، وبدأت تسجل...
— "أمي العزيزة...
كنتي أول حضن، وأكتر حد وجعني. كنت بتمناكِ تبقي زي ما رسمتك في خيالي... بس يمكن أنا اللي كنت ببالغ في الحلم."
"كان نفسي أعيش حياتي زي أي بنت... مكنتش عاوزة أتستت، ولا أبقى مختلفة."
— "أبويا...
مكنتش ملاك، بس كنت ضلي. في أسوأ حالاتك كنت ساكت... وسكوتك كان بيقتلني أكتر من صريخك."
— "لأخواتي العزاء، اتمنوا تعيشوا سعداء...
ابقوا مبسوطين... عيشوا زي ما بتحبوا، ومتفكروش فيّ غير بضحكة."
— "أما عنك يا يوسف...
حبيبي الأول والوحيد، وجوزي في الجنة إن شاء الله...
اتجوز، وخلف، وكمل حياتك، وأوعى ترجع للزفت اللي كنت بتشربه.
البنت اللي هتتجوزها ياريت تحبك زي ما كنت هحبك أنا."
"سيبتلك جواب تاني في البيت، هيكون ليك بس."
فضلت تكتب... لكل حد حبيته، لكل لحظة خافت تتنسي.
سابت جزء منها على الورق، خطها بيتقل، ونفسها بيتعب.
خلصت، سابت القلم، واتكأت على السرير، وبصّت للسقف.
غمضت عنيها...
بس المرة دي، ما فتحتهاش تاني.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في الصباح
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
بعد ساعة...
البيت كله كان على قدم وساق. أم العروسة بتغرف في الأكل وتحطه في علب، الشباب بيكويوا القمصان، صوت الزغاريد كان لسه بيرن في الهوى.
"دنيا" انا دخله اصحي مريم
امه بزعيق خفيف لا سببها ترتاح شويه كانت مع خطيبها لي الساعة اتنين بليل
بضحك عليها خلاص انا دخله اجيب حاجه من اوضته
كانت ماشية بخفة، وشها فيه بقايا نعاس، بس قلبها فرحان. دخلت دونيا الأوضة، فتحت الباب بهدوء وهي بتضحك:
— "اصحي يا عروستنا... اصحي يا مريم، يخربيتك على النوم التقيل ده الله يكون في عون يوسف !"
قربت منها، مريم كانت لسه نايمة، ملامحها هادية، زي ملاك حالم.
— "مريم؟"
هزت كتفها بلطف، مفيش رد. قربت أكتر، لمست إيدها... كانت ساقعة.
— "مريــــــم؟"
الصوت اتغير، الهزار بقى خوف. بدأت تهزها بعنف:
— "مريم قومي بالله عليكي... متعمليش كده فينا!"
صوتها علي، ونبرة الرعب بدأت تتسرب. النداء بقى صويت:
— "ماماااااااااا!!"
البيت كله اتقلب في لحظة. أم مريم جريت، أول ما دخلت وشافت بنتها، وقعت على ركبتها:
— "يا حبيبتي... يا بنتي... قومي ياروح أمك، قومي الفرح مستنيكي..."
اكتب المشهد ده بشكل مواثر وزود شوية حاجات
الصويت شق السقف، والعياط بقى موج عالي. جيران، وأهل، وأصحاب، الكل جري، والفرح... اتبدّل.
الفستان الأبيض، اللي كان المفروض يفرح الكل، بقى ملفوف حوالين جثة باردة. الزينة وقعت، الكوافير سكت، والقاعة فضيت قبل ما تتعمر.
يوسف، العريس، كان في بيته بيحضّر نفسه، لابس البدلة وبينده على أمه وأخته.
لقى تليفونه بيرن من ناس كتير... افتكر بيبركوله.
ركب عربيته بسرعة وهو مبتسم، وشه فرحان، قلبه بيجري على حبيبته.
مسك الموبايل واتصل على شيماء، أخته:
— "شيماء، أنتي فين؟ صوتك ماله كده؟"
— "مريم يا يوسف..."
— "مالها؟ حضرت نفسها، زي القمر النهارده..."
— "ماتت."
الكلمة وقفت كل حاجة. الصوت اتقطع، والدم اتجمد.
وشه شحب، إيده كانت بترتعش، ورجله مش عارف يتحرك.
ركب العربية وهو مش شايف، وصل يجري لبيتهم.
لقى ناس غريبة لابسة أسود واقفة قدام العمارة، قلبه وقع.
دخل، وعيونه بتدور عليها، قعد مكانه وهو مش مصدق.
أم مريم كانت قاعدة على الأرض، حاضنة الفستان الأبيض، وقالت بصوت مكسور:
— "كان حلمها تلبسه... جبناه واشتريناه، وبرضه ملحقتش تلبسه!"
بعد شوية، بعد ما غسّلوها وكفّنوها،
كانوا واقفين عند باب الأوضة: شيماء، أم يوسف، دنيا، وأم مريم، كلهم بيبكوا.
وإبراهيم، أبو مريم، كان قاعد جنب بنته وهي ملفوفة بالكفن،
صوته كان بيترعش، ودموعه سايلة:
— "اللهم إني عبدك، وشهيدك، إني ربيت بنتي على الدين والصلاح، وأنت أعلم بها. توفيتها وهي صغيرة السن، اللهم اغفر لها ذنوبها، وبدّلها دارًا خيرًا من دارها،
وبص لأم مريم بخيبة أمل: وأهلًا خيرًا من أهلها، وثبتها عند السؤال..."
باس جبينها، وقال وهو بيشهق:
— "اللقاء في الجنة يا حبيبتي."
سكت لحظة، مسح دموعه، وبص حواليه. بعدين قرب من ودنها، صوته واطي جدًا كأنه بيكلم سر:
— "مريم... سامحيني. يمكن عمرك ما عرفتي، بس أنا الشخص اللي كان بيبعتلك رسائل سرية زمان... كنت بكتبلك كلام يفرّح قلبك، وأقولك إنك هتبقي بخير، وإنك هتعيشي اللي بتحلمي بيه. كنت بكتب باسم مجهول... وأنتي كنتي تردي وأنتي مبتسمة، وعمرك ما عرفتي إن أبوكي هو اللي بيطبطب عليك من بعيد."
دموعه نزلت أكتر، إيده مسكت كفنها بقوة:
— "كنت عاوزك تفتكري إن في حد في الدنيا شايفك ملاك... حتى لو أنا قصّرت في حقيقتي كأب. سامحيني يا بنتي، أنا اللي كنت بكتبلك... وأنا اللي خسرتك."
انفجر في بكاء مكتوم، واللي حواليه ما فهموش هو بيقول إيه.
لكن هو كان عارف... إن آخر سر بينه وبين بنته اتقال، وراح معاها للقبر.
وصلوا بيها للمدفن، والشيخ بدأ يقرأ،
والكل واقف باكي وساكت.
وفجأة، وهو بيتابع التراب وهو بيتكوم فوق الكفن الأبيض،
وقعت أم مريم على ركبها، صرخت صرخة هزّت الدنيا:
— "استنوا… متغطوش وشها… دي بتخاف من الضلمة!"
فضلت تبكي وتضرب على صدرها، وهي بتكرر:
— "بنتي مبتحبش الضلمة… حرام عليكم، سيبوا النور يوصلها!"
دنيا بعياط:
— "ملحقتش تعيش يا مريم... طول عمرها نفسها تبقى زي البنات. أمي حرمتها من ده... حتى الفرح اتحرمنا منه."
بصّت للقبر وهي مرعوبة:
— "كنتِ بتخافي تنامي من غير نور... طب إزاي هسيبك دلوقتي في الضلمة علي طول ؟!"
الشيخ حاول يهدّيهم، صوته فيه رحمة:
— "ادعولها بالرحمة... هو ده النور اللي هينورها في قبرها، الدعاء، مش الدموع."
دفنوها، وكل واحد رجع بيته شايل في قلبه غصة،
وقصة عمرها ما هتتنسي.
الدنيا كانت سكون، البيت فاضي، والمكان بقى بارد بعد ما كان مليان ضحك وفرحة. يوسف قاعد لوحده في أوضته، عينه على صورها، صوته مش طالع، ونفسه تقيل كأن قلبه بيحضّر جنازة تانية جواه.
دق الباب بهدوء... "دنيا" دخلت وهي شايلة ظرف صغير في إيدها.
قالت بصوت مبحوح:
— "ده كان جنبها... لقيته شيماء على التسريحة، مكتوب عليه اسمك، وفيه حاجة تانية... دبلة." ودتهولي ادهولك.
مدّت إيدها، وسابت الظرف على السرير ومشيت.
يوسف مدّ إيده بتردد، فتح الظرف...
لقى دبلة خطوبته، محفور عليها اسمه واسمها،
ولقى معاها جواب بخطها... خطها اللي كان بيكتبه له دايمًا وهو في شغله، واللي كان بيرسمه في قلبه قبل ما يشوفه.
بدأ يقرأ:
"إلى يوسف...
لو بتقرا الجواب ده، يبقى أنا مشيت.
متزعلش، أنا كنت عارفة إننا مش دايمًا لبعض، بس كنت فرحانة إن ربنا رزقني بحبك حتى لو يومين.
أقم صلاتك، واملأ قلبك بالقرآن،
وخد بالك من نفسك، ومن أهلك،
ولو في يوم حبيت من بعدي... مش مهم تبقى مين،
المهم تديها الدبلة دي،
وتحبها زي ما حبتني،
أو يمكن أكتر...
وزي ما كنا بنضحك ونقول: "هندين الحب بعد ما نتجوز".
أنا مسامحاك لو في يوم قصّرت،
وسامحني لو مشيت بدري.
سلام...
مريم."
يوسف قعد ساند ضهره على الحيطة، حاضن الجواب في صدره،
وعينه بتدمّع بدون صوت، كأن الدموع خايفة تكسره أكتر.
مسك الدبلة، وباسها، وقال وهو بيبص للسقف:
— "أوعدك... لو حبيت بعدك، هحبها بعيونك، وهديها الدبلة، بس عمري ما هنسى إنك أول حب، وأصدق وداع."
وقام، وفتح المصحف
وقعد يقرأ... بصوت هادي، والدموع بتنزل على الورق.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
الكادر بيرجع ليّا...
قاعة المحاضرات، فيها هدوء غريب، زي لما القلب يكون مليان حكي بس اللسان ساكت.
الدكتور هشام صوته ثابت، بس عينه دايمًا فيها حاجة مش مفهومة... زي حنين مكتوم.
فجأة، من وسط الطلبة، صوت شاب بيقطع السكون:
— "دكتور هشام، لو مش سؤال خاص... هو يوسف، خطيب مريم، راح فين بعد اللي حصل؟"
القاعة سكتت.
هشام سكت ثانية، وقعد على الكرسي.
ضحكة خفيفة كسرت الصمت، بس كانت حزينة... كأنها بتخفي وجع.
— "سافر..."
سكت شوية، عينه بصت في الأرض، وبعدين كمل:
— "
— "يوسف بيفتح حسابها على الفيسبوك… كل يوم.
الحساب لسه زي ما هو، صورها متغيّرتش من خمس سنين، لا بوستات جديدة، لا لايكات… ولا حتى كومنت.
الحساب بقى زي مقبرة إلكترونية، محدش بيدخلها غيره، لكن يوسف… لسه عايش جواها."
سكت هشام لحظة، وبعدين كمل:
— "خمس سنين عدّوا، ما فيش يوم واحد فات من غير ما يكتب لها.
بيصبح عليها الصبح، ويمسي بالليل.
يفتكرها في كل عيد، ويعيد على صورتها.
ولو شاف فستان في محل، يصوره ويبعتهولها:
(كان هيبقى تحفة عليكي… أكيد كان هيعجبك)."
صوت هشام بدأ يتكسر، لكن حاول يخفيه:
— "ولو موبايله رن بإشعار… بيجري يفتحه على طول.
قلبه يسبق عقله، يمكن… يمكن تكون ردت.
لكن هي ما عمرها ما ردت أبدًا."
طالبة من الصف سألت بخوف:
— "طيب… هو لسه بيكتب لها دلوقتي؟"
هشام بص بعيد، عينه غرقانة في مكان تاني محدش شايفه، وقال بهدوء:
— "أيوه… ولسه بيكتب.
ولسه بيحكيلها كل حاجة… عن شغله، عن وجعه، عن وحدته.
بيفضفض كأنها قاعدة قدامه.
ولسه مستني علي امل يوم… يقابلها فيه تاني
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
الطلبة بصوا لبعض، فيهم اللي استغرب، وفيهم اللي ابتسم ابتسامة باهتة.
هشام كمل، بصوته الهادي:
— "كانت دايمًا تقوله: هتعيش، وهتحب، وهتبني بيت...
هو افتكرها، ومشي بكلامها... بس عمره ما نسيها."
— "أوقات الحب مش لازم يكمل عشان ينجح...
أوقات بيكمل جوانا بس... وبنعيش بيه."
رجع للشرح، بس عينه كان فيها دمعة ما نزلتش،
دمعة اسمها "مريم".
في آخر المحاضرة...
بداية حكاية في قلب كل قارئ هيمسك الرواية ويقرأها، ويبكي على مريم، ويحبها، ويدعي لها، ويقفل الكتاب وهو ساكت... بس متأثر.
بعد ما خلّص دكتور هشام كلامه، الطلبة فضلوا قاعدين شوية... كأنهم مش عايزين اللحظة تخلص.
واحدة من البنات رفعت إيدها وقالت:
— "دكتور، ممكن نتصور مع حضرتك؟ الرواية أثّرت فينا جدًا..."
ابتسم، ابتسامة هادية فيها وجع حلو:
— "أكيد... يلا بينا."
وقف وسطهم، وهم شايلين الرواية بإيديهم، والضحكة على وشوشهم، بس في عينهم دمعة... لأنهم عارفين إن الرواية دي مش مجرد ورق، دي روح بنت كانت بتحلم، وماتت قبل ما الحلم يكمل.
بعد ما اتصور، وهو بيهمّ يلم حاجته ويمشي...
مد إيده في جيبه، وطلّع ظرف أبيض، شكله بسيط، بس فيه معنى كبير.
كتب على الظرف بقلمه:
"أرباح الرواية... باسم 'مريم إبراهيم'."
بص حوالين القاعة، نادى على واحد من عمال التنظيم:
— "من فضلك، خُد الظرف ده... وابعتُه لأهل مريم إبراهيم، العنوان ده..."
وداله ورقة صغيرة مكتوب فيها عنوان بيتهم القديم.
الراجل استغرب وسأله:
— "لأ... ده بقى روتين."
— "كل طبعة جديدة، وكل نسخة بتتباع، في حق لمريم لازم يرجع... حتى لو غابت."
لف وخرج من القاعة، وهو سايب وراه أثر من الوفاء مش بيقل،
وألم عمره ما بيروح، بس بيتحول لكلمات...
وبيعيش جوّه سطور رواية، كتبها بقلبه مش بقلمه.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
في مكان تاني...
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
الشمس كانت نازلة على مهل، والشارع قدام المدرسة فاضي إلا من شوية عيال بيلعبوا بكرة وبيضحكوا بصوت عالي.
أم مريم كانت واقفة قدام باب المدرسة، لابسة طرحتها السودة، وشايلة شنطة صغيرة كانت دايمًا مريم بتشيلها زمان،
عينيها تايهة... بتبص في السور كأنها مستنية حد يخرج ويحضنها.
قربت من البوابة، دخلت بخطوات بطيئة... وشها شاحب، بس في لمعة في عينيها كأنها مصدقة إنها هتشوف بنتها.
الفراش شافها، تنهد، وقام من مكانه:
— "السلام عليكم يا أم مريم..."
أم مريم بصتله بنظرة بريئة جدًا، وقالت بصوت واطي فيه طفولية:
— "مريم جت المدرسة النهارده؟ أصل اتأخرت قوي... ومكانتش فطرت، كنت هاجيبلها سندويتشات..."
سكت الراجل، وبص للأرض...
اتنهد وقال بحزن:
— "يا أم مريم... مريم خلصت المدرسة... مريم راحت."
أم مريم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت وهي بتبص وراها:
— "إنت دايمًا تقول كده... بس أنا عارفة إنها جوا الفصل، مستنية الحصة تخلص."
مشيت من قدامه، وفضل واقف يراقبها وهي داخلة ساحة المدرسة،
قعدت على الدكة اللي كانت مريم بتقعد فيها،
وبدأت تغني بصوت هادي:
عندي بنت صغيرة صغيرة مستنية تخلص مدرسة مدرسة
الراجل مسح دمعة نزلت من عينه،
بقى متعود يشوفها كل يوم، تيجي وتدور على مريم...
بس النهارده... حس الوجع أضعاف.
مريم راحت... بس أمها لسه واقفة على باب المدرسة، مستنية الحصة تخلص
....
{و لكن الأن و أخيرا إنتهت الروايه .}
عذرًا يا قارئي… لم أُرد أن أتركك في هذا الألم، لكنني أخبرتك فى عنوان الروايه « .أن الفرح لم يكتمل.»
و مع ذلك كنت تبكى من الاحداث،
"لا تعتاد يا قارئي على نهايات سعيدة… فالحياة ليست سوى صفحات من الفرح والحزن معًا."
القاكم باذن الله باحسن حال في روايه تانيه
كتبت هذا الروايه
بقلم #ليالي_ديسمبر
#فرحه_لم_تكتمل
#البارت12_والاخير