📁

رواية جزار البشر بقلم اسلام محمود

رواية جزار البشر بقلم اسلام محمد


رواية جزار البشر بقلم اسلام محمد 

 بقلم: إسلام محمد

#حقيقيه


أنا دكتور سامح … جراح معروف، الناس كانت بتشوفني منقذ، ملاك في بالطو أبيض كانوا بيسلمولي حياتهم بإيديهم، يدخلوا أوضة العمليات وهم مطمنين… وأنا أكون ماسك المشرط وأضحك من جوايا.


عارف إيه أجمل حاجة في المشرط؟ إنك تقدر تعمل بيه أي حاجة، كله اسمه طب محدش هيشك فيك… لأنك الطبيب.


أنا مكنتش بسرق أعضاء من فقير علشان غني يعيش… لأ. أنا كنت بسرق من أي حد، مكنش فارق معايا مين، الراجل اللي داخل عملية بسيطة زي الزايدة… يخرج منها ناقص كِلية الست اللي داخلة تولد… تلاقي نفسها صحيّت على واقع مشوهه، مكنش يفرق معايا صرخة ولا دمعة، كنت بسمع صوت تاني أقوى… صوت الفلوس وهي بتتعد علي المكنه.


أيوة… أنا بقيت تاجر أعضاء… بس متخيلش إني كنت ندمان، بالعكس… كنت حاسس إني أذكى واحد في الدنيا، المستشفيات كلها تحت إيدي، الورق بيتغير بسهولة، والمرضي مبياخدوش بالهم من حاجة.


بس عارف يا حضرة الظابط… كل لعبة ليها نهاية ودي نهايتي… يمكن عشان طمعت، يمكن عشان استهترت، أو يمكن عشان ربنا كان سايبني لحد ما كفايتي تتملي، دلوقتي أنا قاعد مستني الموت… ومع ذلك، حابب أقول الحقيقة… عشان لما أموت، محدش يفضل فاكر إني كنت ملاك. 


 كل سفاح ليه أول خطوة… أول مرة يوسّخ إيده بالدم وهو عارف إنه مش بيعمل الصح، 

أنا فاكر اليوم ده كويس جدًا… كأنه لسه قدامي.


كانت عملية عادية… مريض عنده نزيف داخلي بعد حادثة، والكل عارف إن فرص نجاته ضعيفة الممرضة قالتلي:

دكتور سامح… الحالة ميئوس منها تقريبًا.

أنا بصيت لها، شوفت الموت بيطل من عينيه… وفي اللحظة دي، سمعت الصوت اللي عمري ما هنساه: إنت ممكن تكسب من ده… ليه تسيبه يموت على الفاضي؟


فضلت أقاوم الفكرة… بس الطمع كان أقوى.

خرجت الممرضه برا الاوضه وقفلت الباب من جوا، 

فتحت بطنه زي أي عملية، بس إيدي كانت رايحة في حتة تانية قلبي بيدق بسرعة… سحبت المشرط، وبدل ما أنقذه… بدأت أقتله.


طلعت كِلية… نظيفة، سليمة… لسه طازة، حطيتها في برطمان فيه فورمالين كأني بعمل حاجة طبيعية جدًا، والراجل؟ سبت الموت ياخده… سبت قلبه يقف على السرير بعد 15 دقيقة أعلنت:

البقاء لله… النزيف كان شديد.


الكل هز دماغه بتفهم، محدش شك… محدش فكر يسأل.

وأنا خرجت من أوضة العمليات لأول مرة وأنا شايل جزء من بني آدم… وحاسس إنني اكتشفت سلاح جديد.


تفتكر كنت ندمان؟ لأ… بالعكس وأنا ماشي في الكوريدور، كنت حاسس إني أقوى من أي حد، المريض مات، المستشفى كتبت تقرير، والأسرة واقفه تبكي برا أما أنا؟ كنت شايل أول طريقي للهلاك. 


الليل ده ما نمتش، فضلت أبص للبرطمان  اللي فيه العضو… حسيت إني ماسك سر الحياة والموت بإيدي، وبعدها بيومين، لما اتباعت الكِلية بمبلغ أكبر من أي مرتب ممكن أحلم بيه… الطمع أكل قلبي.


من اليوم ده… فهمت إني مش مجرد دكتور… أنا بقيت تاجر أرواح.

الليلة دي كانت بالنسبالي زي ما يكون حد فتحلي باب جهنم، أول مرة كنت متردد… متلخبط… إيدي كانت بتترعش، لكن بعد ما شوفت الفلوس اللي نزلت في حسابي من عضو واحد بس… بقيت حاسس إنني أملك الدنيا.


عارف يا حضرة الظابط، إزاي الواحد بيتعود على الخطيئة؟ زي الإدمان، أول مرة بتبقى صعبة… بعد كده كل حاجة تبقى عادية، أنا بقيت أدخل أوضة العمليات وأقول لنفسي: مين هيطلع ناقص النهاردة؟


في البداية كنت بختار الحالات اللي بتموت… يعني اللي خلاص، المستشفى بتكتب تقارير إنهم ميتين دماغيًا، أفتحهم، أطلع الكبد أو الكلى، أرتب الدنيا وأقفل تاني، الكل فاكر إني بعمل شغلي… لكن الحقيقة أنا كنت بسرقهم وهما نايمين على السرير، محدش ليه صوت.

بس بعد شوية… بقيت جريء، بقيت أمد إيدي على اللي عنده عملية بسيطة، 

أول مرة عملتها، كان شاب عنده 25 سنة، داخل يعمل عملية المراره… سهلة جدًا، المفروض يطلع منها يجري وأنا واقف فوق جسمه على الترابيزة، قولت لنفسي: هو عنده كليتين… مش هيفرق لو نقصت واحدة.


فتحت بطنه… وقلبي ما بيرتعشش زي زمان. لا… المرة دي كنت ثابت، مركز، عارف أنا بعمل إيه، شيلت الكلية… وقبل ما أقفل، رتبت الجرح بحيث لو أي دكتور بعدي بص، يفتكرها مضاعفات عادية.


صحى الولد بعد العملية… أول حاجة قالها:

دكتور… حاسس بوجع غريب في جنبي.

ابتسمتله وقلت:

ده طبيعي يا حبيبي… مجرد شوية غازات من البنج.


خرج بعد يومين… فاكر نفسه اتعالج، بس هو في الحقيقة خرج ناقص عضو من جسمه.


الموضوع بقى لعبة بالنسبالي

بقيت أكتب ملاحظات دقيقة… أسجل الحالات اللي ينفع آخد منها إيه، 

كنت أحط علامة صغيرة في الملف الطبي… زي كود سري مفيش حد يفهمه غيري، 

لو كتبت حرف (ك) معناها كِلية، 

حرف (ق) معناها قرنية، 

حرفين (ك ب) معناها كبد، 


محدش لاحظ… ولا حد اهتم، المستشفى مليانة أوراق وتقارير، وأنا كنت أذكى من الكل.


في مرة… خدت قرنية من واحدة ست كبيرة في السن كانت عربيه خبطاها وماتت، 

كنت أرجع بيتي كل ليلة، أفتح الدواليب اللي فيها البراطيم المعقمة… أحط الأعضاء جوه تلاجات خاصة جبتها من الدارك ويب كنت أبص عليهم زي تاجر دهب بيعاين مجوهراته.


الموضوع بقى إدمان… كل ما أسمع صوت الأجهزة الطبية في أوضة العمليات، أحس إن في كنز مستنيني، 

مبقاش عندي أي إحساس إني بعمل غلط، 

بالعكس… كنت حاسس إني أذكى من البشرية كلها. 


عارف يا حضرة الظابط… السفاح مهما كان ذكي، لازم ييجي عليه يوم ويتلخبط وأنا اللخبطة جتلي من عند ست بسيطة جدًا.


كانت واحدة ست في الأربعينات، اسمها رجاء، ست طيبة جدًا، داخلة تعمل عملية الطحال… عملية روتينية، مفيهاش أي خطورة، وأنا واقف فوقها في أوضة العمليات، الممرضة كانت بتجهز الأدوات، وأنا ببص على الملف الطبي، 

حرام الناس كلها كدا يبقي عندها كليتين. 


بدأت العملية عادي فتحت بطنها، شيلت المرارة زي الكتاب ما بيقول، لكن بعد ما خلصت… سحبت المشرط يمين شوية، وبهدوء… فتحت على الكلية دا بعد م طلعت الطاقم الطبي برا الغرفه.

كنت سريع جدًا، متدرب… طلعت الكلية وحطيتها في الكيس المعقم رتبت كل حاجة كأنها سليمة… وقفلت الجرح.


الممرضه دخلت

 العملية انتهت…تمام يا دكتور؟

ابتسمت وقلت:

زي الفل… هتفوق بعد شوية.


وفعلًا… رجاء فاقت لكن الغريب إنها ما كانتش زي باقي المرضى أول ما فتحت عينيها، بصتلي وقالت:

دكتور… أنا حاسة بحاجة غريبه في جمبي.


الكلمة دي وقفت قلبي، 

ضحكت وقولتلها: 

طبيعي يا حاجة… البنج بيخلي الواحد يحس بغرابة.


لكن رجاء ما سكتتش، بعد كام يوم، رجعت العيادة وهي مرعوبة، 

دكتور… أنا من ساعة العملية وأنا حاسة بوجع في الجنب الشمال… وبتعب بسرعة، 

قعدت على الكرسي وأنا بحاول ابقي هادي  مصطنع، 

ده شيء طبيعي بعد أي عملية… الجسم محتاج وقت.

لكن عينيها كان فيها نظره غريبه… كانت بصالي بشك غريب، كأنها عارفة إني مخبي حاجة.


رجعت البيت يومها، والصداع ماسكني، لأول مرة حسيت بخوف، 

لأني لو الست دي قررت تعمل تحاليل وتكتشف إنها ناقصة كِلية… هتولع الدنيا، 

فضلت الليل كله ما بنامش… ألف في الشقة زي المجنون.


وبعد أسبوع… رجاء رجعت المستشفى وهي ماسكة ورق تحاليل، 

ساعتها قلبي وقع من مكانه، دخلت أوضتي وقالتلي بصوت عالي:

التحاليل بتقول إني عندي كلية واحدة… إيه معنى الكلام ده؟


اللحظة دي يا حضرة الظابط، حسيت إن الأرض بتتهز من تحتي، 

كنت هقوم أصرخ… لكن بسرعة لميت نفسي، ومسكت الورق

ابتسمت ابتسامة باردة وقلت:

يامدام… إنتي اتولدتي بكِلية واحدة دي حاجة معروفة طبياً… ناس كتير بيعيشوا كده ومبيعرفوش غير بالصدفة.


رجاء فضلت تبصلي، مش مصدقة اوي… بس كلامي كان منطقي شوية، 

وفي الآخر هزت راسها وقالت:

يعني ده طبيعي؟

قولتلها وأنا ببتسم:

طبيعي جدًا… صدقيني.


خرجت من عندي… وأنا حسيت إني طلعت من المقبرة.


بس من اليوم ده… بقيت حاسس إن في عيون بتراقبني، 

بقيت أتجنب أبص في وش المرضى وأنا بكلمهم، 

وبقيت كل ما أفتح بطن مريض… أسمع صوت رجاء بيقول:

أنا حاسة بحاجة ناقصة جوايا.


أيوة يا حضرة الظابط… من اليوم ده أنا عرفت إن اللعبة مش هتفضل مستمرة طول العمر

بس برغم كده… ما بطلتش، 

الطمع كان أقوى من الخوف.


عارف يا حضرة الظابط… أنا عمري ما كنت متخيل إن في يوم هقعد مع مجرمين بجد، كنت دايمًا شايف نفسي أرقى منهم… أنا دكتور، متعلم، لابس بالطو أبيض بس الحقيقة إن المشرط اللي في إيدي كان أوسخ من أي سلاح في إيد اي بلطجي.


بعد أول عضوين بعتهم بمعرفتي، الموضوع بقى صعب، أنا مش تاجر… ولا عندي شبكة تصريف، كنت محتاج حد يفتحلي الأبواب.

وهنا ظهروا… سماسرة الدارك ويب. 


قابلتهم في كافيه فخم جدًا في الزمالك… قاعدين ببدل شيك وكأنهم رجال أعمال، أول واحد عرفت اسمه سالم، بصلي وقال:

دكتور سامح… إنت كنز ماشي على الارض، 

قولتله وأنا متوتر:

أنا مش فاهم قصدك، 

ضحك وقال:

كِلية واحدة بتساوي آلاف الدولارات… كبد كامل؟ ده لوحده ثروة واللي زيك… عنده كنز تحت إيده كل يوم.


الكلام وقع عليا زي السحر أنا كنت بالفعل عامل كذا عمليه، لكن اللي بيقوله… فتحلي أبواب الجحيم، 

سالم عرض عليا نظام كامل:

إنت تدينا البضاعة… وإحنا نتصرف مفيش أثر، مفيش أسئلة، مفيش تحقيقات كل اللي عليك تفتح وتطلع… والباقي علينا.


أول صفقة عملتها معاهم كانت صادمة خدت كبد كامل من مريض مات رسميًا… بس طلعته قبل ما يقف قلبه بدقايق، حطيته في الحافظات اللي جابوها، وسالم سلمني شنطة دولارات، 

وقتها أدركت إني عديت السحاب اللي مفيش رجوع منه.


الموضوع ما وقفش على المستشفى اللي أنا فيها، 

لأ… العصابة بدأت تديني، طلبات

يقولولي:

عايزين كبد خلال أسبوع، 

عايزين قلب سليم… بأي طريقة.


وبدأت أتعامل مع المرضى مش كبشر…لا   

كـمخزن أعضاء، 

المريض اللي يخش على السرير قدامي… كنت أبصله وأقسمه في دماغي:

الكِلية دي تتباع… الكبد ده تمام… 


بقيت أكتب تقارير مزورة… أديهم أسماء وهمية… وأغطي على غياب الأعضاء كأنها مضاعفات طبيعية.


لكن يا حضرة الظابط، كل ما دخلت أعمق معاهم، كل ما بقيت أقل إنسانية، 

أنا فاكر مرة… جالي طفل صغير، عنده 12 سنة، محتاج عملية االغدة الكظرية وأنا ببص على جسمه الصغير، سمعت صوت سالم في ودني:

الأعضاء الصغيرة دي مطلوبة جدًا… زبوننا بيدفع دهب فيها.


أنا… الدكتور سامح… اللي المفروض أكون منقذ حياة… فضلت أبص للطفل كأنه سلعة، 

وفي الآخر… اخدت منه الكليه اليمين. 

وهو صحي… فضل يعيط من الألم، وأنا أقول لأهله:

دي أعراض عادية بعد العملية.


الفلوس بقت زي الرز عربية جديدة، فيلا، حسابات في البنوك، 

بس مع كل جنيه بيخش جيبي… كان في روح بتتسرق.


واللي أصعب من ده كله… إني ابتديت أحس إني مش لوحدي، 

العصابة بقت معايا في كل خطوة، 

لو فكرت ابطل… سالم يبتسم ابتسامة باردة ويقول:

إحنا وإنت في مركب واحدة يا دكتور… لو غرقت، هنغرق كلنا.


ساعتها فهمت… إني مش مجرد جراح.

أنا بقيت....جزء من مافيا كاملة بتاكل البشر.


ولكن الطمع يا حضرة الظابط خلاني وحش… وحش لابس بالطو أبيض

زمان كنت بارتعش وأنا بمسك المشرط، دلوقتي إيدي بقت ثابتة زي الحجر، بقيت أبص للجسم البشري مش كبني آدم… لكن كأنه خريطة كنوز لازم أفتش فيها.


أنا فاكر ليلة معينة… عملية قلب مفتوح لراجل خمسيني، المفروض العملية إنقاذ… بس أنا كنت مجهز من قبلها، 

دخلت أوضة العمليات، الجو بارد، وريحة المطهر ماليه المكان الممرضة قالتلي:

دكتور… حالة المريض مستقرة، 

بصيتلها بابتسامة باردة:

هيبقى بخير.


بدأت أفتح صدره، المشرط بيشق الجلد بخط مستقيم، والدم بيظهر خط أحمر رفيع. بالنسبة لي… المشهد ده كان فن، 

فتحت القفص الصدري بالمنشار الطبي…

ولما القلب ظهر قدامي… كان بينبض آخر دقاته، 

أنا المفروض الحقه… لكن لأ، وخليت الممرضة تجيبلي حجات، 

دخلت إيدي، حسيت بحرارة جسمه، شيلت القلب وهو لسه بيرتعش في ايدي، 

رفعت عيني أبص على الساعة… 17 ثانية والقلب وقف وخيطت مكان الجرح تاني، 


 وخرجت من أوضة العمليات شايل شنطه صغيرة فيها حياة كاملة اتسلبت.


لكن مش دي أبشع مرة، 

الأبشع… كانت لما دخل عليا شاب 19 سنة بعد حادثة موتوسيكل، 

دماغه متدمرة، أهله واقفين برا بيصرخوا انقذه يا دكتور. 

دخلت أوضة العمليات لوحدي… وبمجرد ما قفلت الباب… بقيت في مملكتي.


فتحت بطنه بسرعة، لقيت الكبد لامع، سليم جدًا. قلت لنفسي: دي فرصه ما تتفوتش، 

المشرط قطع الشريان، الدم اندفع زي النافورة… 


 أنا المفروض الحقه في 10 دقايق كان مات وانا كنت طلعت الكبد، الكلى… وحطيت كل حاجة في الحافظات.

ولما الأجهزة وقفت…طلعت لاهله وبلغتهم بموته


وأنا؟ كنت مبتسم

أصل… أنا كنت شايف نفسي مش جراح… أنا بقيت جزار البشر، 


ومع الوقت… بقيت أحب اللحظة اللي بقطع فيها، 

أول ما المشرط يلمس الجلد، في صوت خفيف كده، زي همس الموت، 

أول ما الدم يطلع… بحس براحة غريبة، 

كنت ساعات أسيب نفسي وأقعد أراقب الجرح وهو بيتفتح ببطء… كأني بتفرج على لوحة فنية بتترسم.


عارف يا حضرة الظابط… أنا ما كنتش بشتغل عشان الفلوس بس، 

الفلوس مهمة آه… بس كان عندي إدمان غريب للمنظر… ريحة الدم… صوت الأجهزة وهي بتصرخ، 

كنت حاسس إني مش مجرد تاجر أعضاء… أنا بقيت، خالق مصائر


المريض يدخل سليم… يطلع ناقص.

يدخل شايف… يطلع أعمى.

يدخل عنده قلب… يطلع جثة.


وكل ده… بابتسامة باردة


أنا كنت فاكر نفسي أذكى من الكل، كل عملية بعملها بغطيها، كل تقرير بزوره بحرفية، كل روح بتختفي من غير ما تسيب أثر، 

بس اللي ما كنتش حاسبه… إن العيون اللي حواليا مش نايمة.


أول واحد بدأ يضايقني كان ظابط صغير… اسمه محمود، 

شاب لسه متخرج من كلية الشرطة، عينه دايمًا شكاكة كان جاي المستشفى يتابع حالة أخوه اللي عامل حادثة.


في يوم، وأنا خارج من أوضة العمليات بعد ما فقدنا مريض، لقيته واقف في الكوريدور، ماسك تقرير وبيقرأه باهتمام، 

بصلي وقال:

غريبة يا دكتور… معظم وفيات القسم عندك بتكون بسبب نزيف داخلي.


ضحكت ضحكة مصطنعة:

الحوادث في البلد دي كتير يا حضرة الظابط… ودي مضاعفات عادية، 

بس نظرته ما كانتش عادية.


ومن يومها… بقيت ألاقيه في كل مكان

واقف برة العمليات… بيتابع بعينه، 

قاعد مع الممرضات… بيسألهم عن الحالات، 

وبيتكلم مع أهل المرضى… وكأنه بيجمع شهادات.


مرة، وأنا ماشي في الممر، سمعته بيقول لممرضة:

إزاي حالة بسيطة زي دي تموت فجأة؟

والممرضة قالت:

الدكتور سامح قال النزيف شديد، 

ساعتها قلبي وقع.


لكن أنا كنت أذكى… أو على الأقل كنت فاكر نفسي كده.

بدأت أتصرف بحذر أكتر.

بقيت أعمل العمليات نضيفة من غير ما أسرق حاجة، عشان يبقى عندي غطاء، 

وبقيت أكتب تقارير طويلة مليانة مصطلحات معقدة، عشان أي حد يقرأها يتلخبط، 


بس محمود… ما كانش بيزهق، 

مرة دخل عليا أوضتي فجأة، وقاللي بابتسامة باردة:

أنا درست تشريح في الكلية يا دكتور… وعارف إن الكِلية ما تختفيش لوحدها.


الكلمة دي يا حضرة الظابط… غرست زي السكين في صدري.

ابتسمتله برضه وقلت:

معلش يا حضرة الظابط… واضح إنك متأثر بالمسلسلات في الطب… كل حاجة واردة.


بس وأنا ببص في عينيه… حسيت بالخطر لأول مرة بجد، 

 مش هيبطل، هو بدأ يففهم.


ومن يومها… كل ما أفتح بطن مريض… كنت حاسس إني مش لوحدي، 

كأني سامع صوته ورايا بيقول:

الكِلية ما تختفيش لوحدها.


والخوف؟ الخوف بدأ يسيطر عليا لأول مرة.


عارف يا حضرة الظابط… في الأول كنت فاكر محمود مجرد ولد صغير حابب يبين نفسه

بس الحقيقة إنه كان أخطر مما توقعت.


الواد ما كانش بيلعب، 

بدأ يجمع ملفات المرضى اللي ماتوا عندي… يطلب نسخ من السجلات، يسأل الممرضات عن تفاصيل صغيرة، 

وأنا؟ كنت براقب تحركاته، وكل يوم خوفي بيكبر.


مرة شفته قاعد في الكافيتيريا مع واحد من الدكاترة الصغيرين، بيسأله:

هو إزاي مريض مرارة بسيط يموت بنزيف داخلي؟

والدكتور بيرد:

دي حاجات بتحصل… الطب مش علم دقيق، 

لكن محمود كان بيكتب كل كلمة في كشكول صغير، كأنه بيلم خيوط شبكة عنكبوت.


الأخطر… إنه بدأ يزور أهالي المرضى اللي ماتوا

يسألهم:

ابنكم كان بيعاني من حاجة قبل العملية؟

هو الدكتور قال لكم إيه عن سبب الوفاة؟


وكل شهادة كانت بتعمل خرم في جدار الأمان اللي بنيته لنفسي، 


وفي يوم… حصلت المواجهة الأولى

كنت طالع من أوضة العمليات، لابس جوانتي مليان دم، فجأة لقيته واقف قصادي في الكوريدور.

ابتسم وقال:

مش غريب يا دكتور إن معظم اللي يموتوا عندك… يختفوا أعضاءهم في التقارير؟

اتجمدت مكاني

قولتله ببرود:

إنت بتطلع اشاعات بس يا حضرة الظابط… وده خطير على سمعتك.

رد عليا:

ولما أجيبلك الدليل؟


الكلمة دي جسمي يتنفض، عرفت إن اللعبة قربت تنتهي.


رجعت البيت الليلة دي، قعدت في الضلمة لوحدي، 

الملايين اللي جمعتهم ما حمتنيش من كابوس كلمة واحدة:

الدليل.


بس أنا ما استسلمتش… لأ، بدأت أخطط أنا كمان، أمرت العصابة يغيروا طرق تسليم الأعضاء

خليت كل الممرضين يوقعوا على أوراق سرية، 

حتى المرضى… بقيت أختار بعناية مين ينفع يتاخد منه، من غير ما اخلي حد يشك. 


لكن محمود؟ كان ماشي ورايا زي ضلي

في مرة لقيته في المشرحة، واقف يتفرج على جثة، وقاللي:

عارف يا دكتور… الجرح ده مش شكله جرح مضاعفات… شكله جرح حد كان بيدور على حاجة جوه. 


أنا مسكت أعصابي بالعافية

ابتسمت وقلت:

شكلك بتحب الأفلام يا حضرة الظابط، 

لكن في عينيه… كان متأكد، مش شاكك. 


ومن اليوم ده… ما كنتش بدخل أوضة العمليات من غير ما أحس إن في كاميرا بتراقبني، 

كل عمليه بعملها… كنت سامع صوته في وداني:

أنا هجيبلك الدليل.


بس أنا برضو كنت مستعد، لأني كنت ناوي… أول ما يقرب أكتر من اللازم… أخلص عليه.


"الليلة دي يا حضرة الظابط… أخدت قراري، 

محمود ما بقاش مجرد خطر… بقى لعنة 

الواد كل يوم يقرب أكتر، وأنا مش هسيب حد يهدد العرش اللي بنيته بالدم.


خطتي كانت بسيطة:

أخليه يدخل المستشفى في وقت متأخر، وأخليه يقع في فخي. 

كنت عارف إنه ما يقدرش يقاوم أي خيط جديد


اتصلت بيه من رقم مجهول، قلتله بصوت متغير:

لو عايز تعرف الحقيقة… في ممر التخزين تحت المستشفى، الساعة 2 بالليل.


والغبي جه، 

أنا كنت مستنيه في الضلمة، لابس جوانتي، ومجهز إبرة تخدير كفيلة توقع حصان.


سمعت خطواته بتقرب، صوته في الممر:

مين هنا؟

أنا خرجت من الضلمة وابتسمت:

أنا هنا يا حضرة الظابط… الحقيقة مستنياك.


هو مد إيده على مسدسه، لكن قبل ما يلحق… غرزت الإبرة في رقبته، 

صرخ، وحاول يقاوم، بس وقع على الأرض بيتنفس بصعوبة.


ساعتها حسيت إني ملك،  الظابط اللي كان مطاردني… دلوقتي واقع تحت رجلي

قعدت جنبه وقولتله:

عارف يا محمود… إنت اخترت أسوأ عدو، أنا مش مجرد جراح… أنا إله بقرر مين يعيش ومين يموت.


وبدأت أفكر…

ليه ما أتعاملش معاه زي أي مريض؟

ليه ما أفتحش صدره… واستفاد من اعضاءه؟


جرجرته لحد أوضة جانبية مهجورة في الدور الارضي

ثبتته على سرير حديدي… نفس السرير اللي شهد عشرات الضحايا قبله، 

ولما مسكت المشرط… حسيت بنفس النشوة القديمة.


لكن الغريب… محمود كان بيبصلي وهو نص واعي، وبيضحك، 

ضحكة واهنة… لكنها صادمة

قال بصوت متقطع:

إنت… انتهيت يا دكتور.


الضحكة دي أربكتني

وقفت مكاني، وبصيتله 

إزاي واحد على وشك الموت… يضحك؟


فجأة… سمعت صوت

الأنوار اتفتحت

ولقيت نفسي محاصر…

3 ظباط واقفين بالمسدسات موجهة عليا


ومحمود… ابتسم وهو بيقول:

– قلتلك يا دكتور… كنت بدور على الدليل، والدليل… هو إنت بنفسك.


اللحظة دي يا حضرة الظابط… حسيت الدنيا كلها وقعت فوق دماغي، 

المشرط وقع من إيدي، 

وكل اللي بنيته… انهار في ثانية واحدة.


دا كان كلام الدكتور سامح أنا الظابط المسؤول عن ملفه، 

طول حياتي شوفت مجرمين… قتلة، تجار مخدرات، نصابين، 

لكن اللي شُفته في عيون الراجل ده… كان حاجة مختلفة.


ما كانش مجرد مجرم بيجري ورا فلوس، 

كان دكتور… طبيب الناس وثقت فيه، وفتحتله قلوبها وبطونها عشان ينقذها، 

لكن هو؟ استغل الثقة دي، ولبس وش الملاك وهو في الحقيقة شيطان بيلعب بالمشرط.


لما قعد قدامي في التحقيق، ما كانش فيه إنكار

اعترف بكل حاجة، 

حكى إزاي أول مرة يجرب، إزاي الطمع خلاه يكرر الجريمة، إزاي بقى جزء من شبكة سودا بتتاجر في أعضاء الناس وكأنهم قطع غيار، 

والأغرب… إنه حكى ده كله ببرود، كأنه بيتكلم عن عملية حسابية، مش عن أرواح بشر.


وأنا بسمعه… ما كنتش سامع مجرد مجرم بيبرر لنفسه، 

كنت سامع انهيار إنسانية كاملة، 

راجل كان ممكن يكون منقذ… لكنه اختار يكون قاتل.


المحكمة نطقت حكمها: الإعدام شنقًا،  

والحكم اتنفذ، 

وفي اللحظة دي… ما حسيتش بانتصار، حسيت إننا بس قفلنا فصل أسود، 


الملف ده هيفضل شاهد إن الخطر مش دايمًا جاي من بلطجي في الشارع… ساعات بيجي من وش بريء، من دكتور بيلبس بالطو أبيض ويقف قدامك بابتسامة مطمّنة.


وأنا… كتبت آخر جملة في التقرير:


الدكتور سامح… خان قسمه الطبي قبل ما يخون مرضاه، 

ومات مش كجراح… لكن كأخطر سفاح لبس وش الرحمة.


انتظروا الملف الجاي

– الظابط محمود


لو عجبتكو القصه هعمل سلسله من ملفات الظابط محمود عن اغرب الجرائم اللي حقق فيها

Mohamed ME
Mohamed ME
تعليقات