رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الثاني 2 بقلم صفاء حسني
رواية عشقت بودي جارد الفستان الأبيض الفصل الثاني 2
– أنا الـ بودي جارد، حضرتك.
فوجئ الشاب من ردها وسألها: – مش فاهم، بودي جارد مين بالظبط؟
كانت الفتاة بنفس الابتسامة وقالت: – بودي جارد الفستان الأبيض.
قالت الجملة دي، وظهرت ملامح الشاب، وكان هو "طاهر"، وفجأة وقع من الضحك، ونسي كل حزنه، كأن كلامها الطفولي خفّف عنه كل الهم.
سألها بابتسامة واسعة: – اسمك إيه؟
ردت الفتاة بخجل وابتسامة صغيرة: – أنا اسمي رحمة.
سألها طاهر بنبرة فضول خفيف: – وعندك كام سنة يا رحمة؟
ردت وهي بتحاول تخبي خجلها: – يعني... لازم عمري؟
ضحك طاهر وقال بحنان: – آه، ضروري.
ردت وهي بتحرك طرف طرحتها بخجل: – عشرين، حضرتك.
سألها طاهر مرة تانية، وهو بيلاحظ قلقها: – طيب، إيه جابك هنا في الوقت ده؟
ردت ببساطة وبراءة: – منتظرة شغلي.
الكاتبة صفاء حسنى
بودى جارد الفستان الأبيض
استغرب طاهر وقال بدهشة: – بتشتغلي إيه هنا؟ أنا أول مرة أشوفك.
ابتسمت رحمة بسذاجة بريئة: – ما أنا قلتلك... بودي جارد الفستان الأبيض.
ضحك طاهر وسألها: – مش فاهم، يعني إيه؟
بدأت توضح وهي بتتكلم بنشاط طفولي: – كنت بشتغل في أكبر أتيليه فساتين أفراح، من أفخم المحلات في البلد، كل العرايس بتيجي عليه. يعني شغل كبير جدًا.
قاطعها طاهر مستغرب: – كنتِ؟ يعني سبتِ الشغل؟ وإيه علاقة الشغل بالمكان ده؟
عملت رحمة حركة بوجهها وقالت بنبرة مرحة: – لا، ما سبتش. بس واضح إنه هيبقى آخر يوم ليا النهارده.
ابتسم طاهر وقال بمزاح: – ليه بقى؟ أوعي تقولي أنا السبب؟
ضحكت وقالت: – ظهري اتكسر، وحضرتك بتستجوبني بدل ما تساعدني أقوم.
اتحرج طاهر واعتذر بسرعة: – آسف جدًا، والله.
وقام من فوقها، ومد إيده يساعدها، وقال: – إنتي فعلًا بتشتغلي إيه؟
بدأت تضبط هدومها وحجابها وهي بترد بخفة دم: – عايز الصراحة؟ ولا بنت عمها؟
ضحك طاهر بضحكة طلعت من القلب: – بلاش بنت عمها، دي بتوجع وبتجرح، خلينا في الصراحة.
ابتسمت رحمة وقالت: – وأنا كمان بقول كده.
قعد طاهر على كرسي جنبها، ومد إيده ورفعها، وهي كمان جلست جنبه بهدوء.
كان المكان فوق الروف هادي، والأنوار المنعكسة من الفندق عاملة ضوء ساحر، والقمر نازل بنوره، بيغسل الوجع من وشوشهم.
كانت رحمة شبه حورية، بوجه أبيض مدوّر، وغمازات بتظهر مع كل ضحكة، حجاب بترولي وستايل بسيط فيه من الرقة والحياء، وكانت لابسة بروفايل وجيبة بسيطة لكنها أنيقة.
أما طاهر، فملامحه قمحية دافئة، عيونه عسلية، لكنها دلوقتي فيها لمعة سرحان، زي اللي بيتفرج على حلم ملوش صوت. شعره الأسود كان متسرّح بنظام، وبيديه المرتعشة بيحاول يخبّي توتره، وكأن روحه بتتزحلق ناحيتها وهو مش قادر يمنعها.
اتنهد فجأة وسألها: – طلعت لي منين انتي؟ نفسي أفهم.
ردت رحمة ببراءة: – طلعت من تحت، بعد ما أبو العروسة طردني... لأني كنت قاعدة قدام باب العروسة.
ضحك طاهر من قلبه، وضحكته كانت صافية كأنها أول مرة من سنين يضحك بجد، وقال: – طردك ليه أبو العروسة؟
قالت رحمة وهي ملامحها بقت جد شوية: – مش بقولك شغلي كده؟ وشروطه قاسية؟
نظر ليها طاهر، ولسانه اتعقد للحظة، ملامحها وهي بتتكلم عن تعبها كانت عاملة زي بنت شايلة جبل بس مبتنطقش. وعلشان يخرج من الإحساس ده، قال وهو بيحاول يضحك: – شروط قاسية إنك تطلعي على الروف الساعة 1 بليل؟
ضحكت وقالت: – هشرحلك شغلي بالضبط. شوف يا سيدي... أي واحدة تيجي تأجر فستان من الفساتين الماركة والعالمية، الشركة والأتيليه حاطين شرط: لازم واحدة تفضل مشرفة مع الفستان على لبسه وخلعه، وتتأكد إنه ما يحصلش له ضرر. ولو محتاج تظبيط، دي بقى شغلتي. أنا بودي جارد الفستان.
[الكاتبة صفاء حسنى
يبتسم طاهر ويحرك رأسه وقال: – آه فهمت، كده يعني "لبيسة".
هزت رحمة رأسها بالنفي بسرعة وقالت بجدية: – غلط! اسمها بودي جارد الفستان الأبيض، اللبيسة دي بتكون للمثليين.
ابتسم طاهر بدهشة وقال: – طيب يا ستي، حلو الشغل ده! أول مرة أسمع عنه.
ردت رحمة بخفة دم: – أكيد! المهم، بسبب الشغل ده أنا هنا.
أنا حضرت أفراح كتير في أحسن البيوت والفنادق، والشركة متعاقدة مع الفندق هنا وقاعات الأفراح. فكل يوم تقريبًا بكون موجودة. وبيطلقوا عليّا "الرخمة".
ضحك طاهر بشدة وقال: – الرخمة مرة واحدة؟ ليه بقى؟ بتعملي فيهم إيه؟
ردت رحمة بثقة: – طبعًا رخمة! بفضل فوق راس العروسة في كل مكان، لحد ما تخلص ليلة الزفاف والتصوير، لحد ما توصل لباب الغرفة.
ضحك طاهر لدرجة دموعه قربت تنزل: – بتفضلي فوق راسهم للدرجة دي؟! طيب إيه اللي بيحصل معاكي؟
سكتت لحظة، وبصت له بصمت وهي بتفكر: "يا خبر على ضحكته... تجنن. يا رب اوعدني." ثم تفوقت من سرحانها وقالت: – كويس إنه ضحك، كان حزين جدًا وقت ما شُفته.
مرر طاهر أصابع إيده على وشه وقال وهو بيبص لها: – رُحتِ فين؟
فوقت وقالت: – هه، معاك! كنت بقول إيه؟ آه... أكيد، كتير بيزهقوا مني، رغم إن الكل عارف إن ده شغلي. وفي اللي بيضحك عليّا، يزود الدبس علشان أقعد زي المعازيم ويحسوا بالخجل، رغم إنّي شايفاها عادي.
وفي اللي يقول: "تعالي خدي جاتوه"، أو "تعالي اتعشي"، علشان أسيب الفستان والعروسة لحظة.
بس في ثواني، لو العروسة مسكت كوباية العصير، تلاقيني حطيت الفوطة، ولو طفل قرب يلمس الفستان؟ بيكون آخر يوم في عمره! مش بقولك أنا بودي جارد الفستان؟
ضحك طاهر بهستيريا وقال: – طيب، أبو العروسة طردك علشان كده؟
ردت رحمة بخجل: – آه، عشان المفروض أستنى قدام أوضة العرسان... لحد ما... (وتخجل).
نظر لها طاهر وشاف احمرار وشّها وقال بابتسامة: – لحد إيه؟ إنتي مكسوفة؟
توّهت رحمة الكلام وقالت وهي بتضحك: – استنى عندك! إنت بتستجوبني، ومش قلتلي اسمك إيه؟ ومن طرف مين؟ العريس ولا العروسة؟ وليه كنت حزين؟ وليه طلعت هنا؟ كنت ناوي تنتحر؟
اتشد طاهر في لحظة وقال بوجع: – حيلك حيلك، أولًا... أنا مكنتش ناوي أنتحر. أنا كنت برمي همومي بس.
ابتسمت رحمة وسألته بدهشة: – واللي بيرمي همومه، يوقف فوق السور؟ ولو الهموم تقيلة زي ما بتقول، ومسكها ورماها، تقع وراه؟ تموت؟ في عز شبابك؟! إيه اللي هيستفاد؟
ضحك طاهر من وصفها وسألها: – إنتي عمرك فكرتي ترمي همومك؟ في البحر أو من فوق مكان عالي؟
ردت بابتسامة رقيقة: – برميها... بس بطريقة تانية.
سألها وهو مهتم: – تحبّي تشرحيلنا؟
بلعت ريقها وقالت: – أقولك، بس عندي شرط.
– شرط؟ أوعي يكون قاسي زي شروط شغلك!
ضحكت وقالت: – لا، متخافش. كل اللي محتاجاه، إنك توقف لي تاكسي يوصلني عذبة الورد، شبرا الخيمة. العجلة عملت حركة غدارة، والوقت متأخر، ومش هلاقي حد يصلحها. لو وقفت تاكسي لوحدي هخاف. وكمان مش هلحق أدور على منفخ فاتح. والعيال ممكن يناموا جعانين...
اتصدم طاهر وسألها: – عيال؟! إنتي عندك أولاد؟
ضحكت رحمة وقالت ببراءة: – كتير... متعديش! تعالَ بس بسرعة.
وسحبت إيده، وطاهر مشي وراها من غير ما يفكر. يمكن هروبًا من كل حاجة بتوجعه.
نزلوا سوا.
الكاتبة صفاء حسنى
📍 عند الباب...
قابلت رحمة الأب وسألته: – كل حاجة جاهزة يا فندم. أنا هتأخر كده.
كان الأب واقف مذهول، عينه على طاهر، مش مصدق اللي شايفه. في لحظة افتكر إنها راحت تشتكي لمدير الفندق، لكن طاهر محمد سليمان بنفسه؟ يقف مع بنت بسيطة؟ مستحيل.
والأصعب... إنه يشوف بنته، يمنى، وهي بتخرج الفستان من الأوضة، وطاهر واقف قدامها، بيشوفها لأول مرة بعين الراجل اللي كان بيحبها.
وبعد لحظات...
فتحت يمنى الباب وهي لابسة روب أبيض، وشعرها مفكوك، ونص رجلها باين. نادت على أبوها: – اتفضل الفستان...
ثم بصت لإياد وقالت له: – فُكرتك الهباب! مش كنا اشترينا فستان وخلاص؟!
لكن قبل ما إياد يرد... كانت الصدمة:
طاهر واقف قدامهم!
نظرة طاهر غرقت في كل تفصيلة من ملامحها... من شعرها، لرجلها، لعيونها. لكن لأول مرة، مش حس بندم.
لأنه كان منتظر لآخر لحظة إنها تصحى وترجع. لكن دلوقتي... خلاص، بقت مش نصيبه.
الغريب؟ إنها كمان كانت مستنياه، كانت عايزاه يكسر الدنيا وياخدها، حتى بالعنف.
الصمت كان قاتل...
لكن قطعه صوت رحمة: – شكرًا جدًا، فين الأكل اللي اتفقت معاكم عليه؟
رجعوا كلهم للواقع.
إياد كان باصص لطاهر ويمنى، وشايفهم في لحظة سكون وعتاب عيون. وشعر بغيرة طاغية، وقال بينه وبين نفسه: – يعني صدّقت إني خدتُها منك؟ ولسّه بردو وراها؟
فهم طاهر نظرة إياد، وقطع حالة الحرج، وقال وهو بيرسم ابتسامة عدم مبالاة: – أكل إيه؟ مش انتي قلتي شغلك بودي جارد الفستان؟
الكاتبة صفاء حسنى
في اللحظة اللي العيون اتقابلت،
مافيش صوت طلع…
بس جوا كل واحد فيهم، كانت في آلاف الكلمات بتتقال، بس بصمت.
نظرة طاهر ليمنى كانت مليانة وجع، مش الوجع العادي…
وجع الراجل اللي شال الحب في قلبه، واستناه، وصدّق إن الزمن هيرجّع اللي ضاع.
لكن فجأة شافها… نصها عريان، واقفة قدام عريسها،
واللي كانت مرة بتحلفله إنها ملكه هو وبس،
دلوقتي بقت من نصيب غيره.
هو ما قالش حاجة…
بس عيونه كانت بتقوله:
"أنا كنت مستنيكِ... كنت بدافع عنك حتى قدام نفسي... بس خلاص، انتي اخترتي النهاية."
أما يمنى؟
كانت واقفة...
عينها على طاهر، وشفايفها عايزة تنطق،
بس الكرامة كانت خانقاها.
كانت بتقول بعينيها:
"ليه ما خدتنيش؟ ليه ما وقفتش الدنيا؟ ليه سبتني أضيع؟"
وهي عارفة إن الإجابة الوحيدة:
"لأنها سابته الأول."
وفي الخلف…
إياد بيبص من طاهر ليمنى، ومن يمنى لرحمة…
وعقله بيغلي.
مش لأنه حب يمنى بجد…
لكن لأنه حس إن في لحظة،
كل اللي أخده... كان ملك غيره، ولسه بيحبه غيره.
أما رحمة؟
فكانت بتلمّ الفستان،
لكن كانت حاسة إنها في منتصف نار مش بتاعتها.
بس لسبب غريب… قلبها كان بيتقبّض على طاهر.
كأن وجعه لمسها…
كأنها شافت فيه وجع كانت حاسة بيه طول عمرها، لكن ما لقتهوش في عين حد قبل كده.
تابع...
لقراءة باقي فصول الرواية اضغط هنا ( رواية عشقت بودي جارد الفستان الأبيض )
رواية عشقت بودي جارد الفستان الأبيض الفصل الثالث 3
انتهت الحلقة الثانية – "عشقت بودي جارد الفستان الأبيض"