رواية قلوب متأرجحة عبر روايات الخلاصة بقلم مريم أحمد
رواية قلوب متأرجحة الفصل الثاني 2
"انتِ لسه هتسهمى؟! ادخلى جوة يا بت"
وسعت عيُونى مرة تانية وانا ببص حواليا بشوف مين مع انى مش جوة البلكونة أصلا؟!، شافنى ازاى دا؟! ومين دا أصلا؟!
_"معقولة يا بنت عمى مش مسجلة رقمى؟!، دا حتى عيب فى حق صلة الرحم! "
ضيقت عيُونى بشك لحد ما فتحت صورة البروفايل بتاعته...
كان هو فعلا!!
"نوح".
دخلت وحطيت حاجة على شعرى ورجعت بصيت من البلكونة تانى، لحد ما لقيته، كان واقف تحت قدام عربيته اللى لسه جايبها جديد.
واقف وباصص ناحيتى بغضب هو وماما وبيديها شوية حاجات فى ايديها معرفش هى ايه!..
دخلت تانى وقفلت البلكونة بصوت تعمدت يوصل لهم تحت، قعدت على طرف السرير ومحاوطه وجهى بين كفوفى بقلة حيلة..
بفتكر كلام ماما...
كلام صحابى اللى بيقولوا لى انى حلوة كدة.
بفتكر نفسى اللى كنت عليها زمان..
بفتكر دلع بابا ليا لانه ملوش غيرى..
بفتكر نفسى أنا ونوح لما كنا صغيرين..
تحكماته فيا هو وعمى زمان...
زعيقه و غضبه عليا من أتفهه الأشياء..
ولما صدقت اننا بعدنا وظروفنا اتحسنت..
جاى وعاوز يقرب منى تانى!!
لاء ويبقى جوزى كمان؟!
لاء!! دا مستحيل!
مستحيل اتجوز كدة، مستحيل اتجوز واحد علاقتنا كلها مبنية على الخناق وزعيق، اعيش معاه ازاى؟!
وغير كدة مش هتفاهم!!، انا دكتورة مُتعلمة، وهو تعليمه على قده!، صحيح هو مُحترم مُكافح، شايل البيت كله بعد موت عمى، لكن التفاهم ما بينا صفر!..
مسحت دمُوعى وبصيت مرة تانية ناحية البلكونة،بصيت بإسهاب وكأنى حاسة ان اللى جاى مش خير... مش خير أبدًا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصبح كان تقيل، باهت وكأنه بيعبر عن اللى جوايا وعن اللى بحسه،
عينى منفخه من كتر السهر والبُكا،
وجسدى مرهق وكأنى كنت بشتغل طول الليل،
اتنهدت بيأس وحُزن ورغبة عارمة فى البُكا من تانى.
دورت عنيا فى المكان.
بشوف غرفتى اللى مليانة صور ممثلين، مغنيين وناس معرفهمش، وكأنى اول مرة أشوفها غرفة كنت شيفاها لحد امبارح بس وطنى وملاذى
لكن دلوقتى بقت زى غربة تحتم على العيش فيها كعادتى،
بصيت لمرايتى، اللى كنت بحب كل يوم اقف قدامها واتزين واتفاخر بجمالى ودلالى، لكن دلوقتى كرهتها
وكرهت نفسى
وشكلى،
شعور وحش أوى انك تكون فى غربة...
غربة عن نفسك،
عن أهلك،
عن صحابك اللى وسطهم مش بتحس بلإنتماء
بتحس انك كمالة عدد!!
طرف تالت!!،
مش شبهم، او هما شبهك!
لكنك اتأقلمت او اتعودت على الحالة دى!
بس انا دلوقتى فقت، وكأنى كنت متبنجة!
كنت فى غفلة!
كنت مُنوّمة مغناطيسى!!
دخلت الحمام ووقفت قدام المراية.
نظرة طويلة، صامتة...
كأني بشوف واحدة غريبة.
لحظة غضب مفاجئة،
أو يمكن لحظة وعي...
مدّيت إيدي بكل قوتي،
وكسّرت المراية!
وكانى مستحملتش أشوف نفسى!
فتحت المية وغسلت وشى بقوة..
بقوة لحد ما حسيت بحرقان فى وجهى..
وكأنى بحاول أمحى ذنُوبى اللى حسّاها اتراكمت على ملامحى..
بصيت لشظايا المرايا وانا بنهج بقوة وضربات قلبى بتزيد كل ثانية..
لحد ما اتفجرت فى العياط
وكانى أول مرة أبكى من سنين
حتى مبكتس كدة أمبارح!
اتكومت على نفسى فى ركن من الأركان وانا ما زلت ببكى، وبفكر فى كل حاجة عملتها فى حياتى
وأذيت بيها نفسى وقلبى،
قمت وقف وأخدت القرار،
انى لازم ولا بد إنى أتغير، ولو مكنش من برة هيكون من جوة..
اتوضيت وصليت ووسط سجودى بكيت من تانى.
كنت مكسوفة اوى من ربنا وانا رايحة ليه بكل الذنوب دى،
رايحة ليه بقلبى اللى اتملى بالذنوب والتفاهه،
بعقلى اللى كل تفكيره هيلبس ايه بكرة،
ونوع الميكب هيكون ايه بعده!
كنت بتكلم،
وأشكى...
وأدعى
.. مع انى مش عارفة بقول ايه، ومش فاهمة نص كلامى..
لكن اللى أعرفه انى ارتحت وكل الهموم اللى اتراكمت جوايا مُحت وكأنها مكنتش موجودة!
خلصت صلاه ومسكت المصحف اللى سبته امبارح وفضلت أقرأ... وأقرأ.. وأبكى..
لوقت معرفتش أحدده، وكأنى كنت بتمسك بكل لحظة راحة عشان متروحش منى تانى..
ووقفت لما سمعت صوت ماما بتنادى عليا،
خرجت وانا وشى فى الأرض،
من كسوفى،
ومن خجلى انى أكلمها،
وقفت قدامها وهى مبصتش ناحيتى ولو لثانية واحدة بس،
افتكرت معاملتى معاها،
تجاهُلى ليها ولنصائحها،
وصوتى اللى بيعلى دايمًا عليها،
كنت وحشة ..
وحشة أوى،
عشان كدة رميت نفسى فى حضنها بدون سابق انذار، وانهارت تانى فى بُكايا،
-انا أسفه يا ماما، أسفه والله، حقك... حقك عليا.. والله ما ازعلك تانى منى، سامحينى بالله عليكِ، وأنا... وانا... أنا أسفة والله.
حسيت بصدمتها،
بلوعتها عليا،
بخوفها اللى بان فى رعشه ايديها على ظهرى،
ضمتنى ليها بحب وفضلت تطبطب عليا وتهدهدنى لحد ما هديت،
بعدتنى عنها بهدوء،
وانا مكنتش عاوزة أبعد،
بقالى كتير محضنتهاش،
بقالى كتير محستش بحنيتها عليا،
انا بجد كنت غبية،
غيبة لدرجة انى مستعدة اعمل حاجة عشان أمى تسامحنى.
=انتِ رجعتى يا ريم؟!
-أيوة يا ماما، رجعت!!
=وندمتى؟!
"مسحت دموعى بسرعة وانا بهز راسى بلهفة"
-ندمت... ندمت يا ماما
ندمت على كل لحظة كنت.. كنت بعيدة عن ربنا فيها،
عن كل لحظة كنت بعيدة فيها عنك وعن حنيتك عليا، انا آسفه والله حقك عليا..
ضمتنى ليها من تانى وابتسمت ابتسامة راحة، طبطبت عليا وملست على شعرى بحنوّ.
ولكن رغم كل دة شوفت فى عيُونها الحزن، وكأنها لسة شايلة منى ومش متأكدة من توبتى بجد
=طب يلا تعالى عشان نفطر..
قومت معاها بهدوء وانا بتحامل على نفسى وألم كفّى اللى انجرح، أخفيته عنها ولحسن الحظ انها ملحظتهوش..
=نوح جابلك الفستان اللى هتحضرى بيه الخطوبة النهاردة، هتلاقيه على الكنبة برة.
برّقت بصدمة بعد ما الأكل وقف فى زورى وشرقت، طبطبت على ظهرى وهى بتناولنى كباية مية، أخدتها منها وشربت بهدوء وانا بحاول أجمّع جملتها
-خطوبة؟!... خطوبة مين يا ماما معلش؟!
=الله!!، فيه عروسة تنسى يوم خطوبتها؟! خطوبتك انتِ يا عروسة..
-حضرتك لسة مصممة بردة على الموضوع؟؟، مش قولتلك انى ندمت وتوبت، وهقطع علاقتى بكل صحابى!!
=ودا ايه اللى دخّله فى جوازك؟!، انا بقولك خطوبتك النهاردة تقوليلى صحابى ومش صحابى؟!
=ماما... ماما.. بجد بلاش الطريقة دى، انتِ عارفة انى مبحبش أعمل حاجة غصب عنى!، ونوح مش هتجوزه، حتى لو كان آخر راجل فى الدنيا.
تنهدت ماما بغضب من تانى لحد ما قالت بصوت حاولت يكون فيه هدوء
-خلاص متتجوزيش انتِ حرة..
عيُونى لمعت بفرح لحد ما قالت بهدوءٍ وهى بتبص لبعيد
=بس ساعتها لاتعرفينى ولا أعرفك، وتنسى ان ليكِ أم يا ريم .
- يعنى ايه يا ماما؟!، بتخيرنى بينك وبين نوح؟!، عوزانى أعيش مع واحد عصبى وخلقى زية؟!، كل يوم شخط وزعيق؟! حضرتك بتكرهينى لدرجة انك عايزة ترمينى الرامية السوده دى!!
=ايه جاب سيرة الكره دلوقتى؟!، هو عشان عاوزة أستتك وأجوزك لراجل محترم يصونك أبقى برميكِ؟!
قربت منى وملست على شعرى وهى بتبص لعيُونى بحنية ودموع كست جفونها، حاوطت وجهى بين كفوفها وقالت:
= انا عمرى ما كرهتك يا هبلة يا عبيطة، دا انتِ بنتى الوحيدة اللى طلعت من الدنيا بيها، واللى باقية من ريحة المرحوم..
مسحت دموعى بأصابعها بحنية وقالت بهدوء:
=انا مش هعيشلك العمر كله يا ريم، وصدقينى نوح هو الراجل الوحيد اللى يقدر يحفظك ويحميكِ، نوح راجل كويس وجدع ويستهلك وانتِ تستهليه، ولو لفيتى الدنيا كلها مش هتلاقى واحد زيه!.، وهو لو لف العالم كله ما هيلاقى ضُفرك..
اومأت ليها باستسلام لما لمحت نظرة الإصرار فى عيُونها، مسحت دمُوعها بهدوء وبست جبينها
- اللى هتعوزيه هعمله يا ماما، حاضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الليل جه أسرع من المتوقع، البيت كله مليان حركة، ماما بتجهز السفرة، بتلمع الصالون، وانا بتحامل على نفسى وبساعدها،
دخلت غرفتى وانكمشت على نفسى كطفلة ضايعة،
فجأة سمعت صوت عربيات وقفت برة،
أصوات ضحكات رجالى،
خطوات تقيلة حسّاها بتدوس على قلبى،
اتنهدت وقمت ألبس الفستان البيبى بلو اللى جابوا ليا، كنت رافضة فى الأول،
لان من الاول كدة البيه بيتحكم فيا،
بيختار لبسى،
لون الفستان،
حتى لون الطرحة،
كل حاجة، ومن دلوقتى؟!
خرجنى من سرحانى صوت دقات ماما على الباب
=قومى يلا يا ريم، نوح جه..
قمت ببطئ وانا بتحامل على نفسى وبخرج برة القوضة، سامعة صوت خالو اللى بيضحك ويهزر معاه،
وصوت ضحكته الرجولية اللى اتخللت مسامعى،
خرجت..
وانا قلبى بيرتجف،
وخطواتى مترددة،
ولما دخلت الصالون شفته
"نوح"
قاعد بهدوء عجيب وبدلة سودة زى لون عيُونه،
عيُونه اللى مليانة نظرات مش قادرة أوصفها.
كانت مزيج بين السخرية
والسيطرة!!
رفع عينه داخل عيُونى، وببتسامة صغيرة كسرت صمتى قال:
=أهلا... أهلا يا دُكتورة!
واللحظة دى بس… عرفت إن حياتى داخلة على منحدر مش هعرف أوقفه.
قعدت قدامه بهدوء، ووشى كله ارتباك وخوف محاولتش حتى أخفيهم،
كانت إيدي متشابكة فى حجري ودماغي بتلف ألف مرة.
هو قاعد قدامى متماسك بطريقة غريبة،
كأنه متأكد إن كل حاجة ماشية على مزاجه،
وإن أنا مهما عملت فى الآخر هبقى تحت أمره.
= ازيك يا ريم!؟
ابتسامته الهادية حسستني كأنها سخرية،
كأن كل اللي عشته من رفض وعياط ودموع بالنسبة له مجرد مشهد بسيط هو بيستمتع يتفرج عليه.
اتنهدت بخوف،
وبصيت لماما اللى قعدت جمبنا ووشها منوّر بفخر،
كأنها شايفة فيا الأمل لإستقرار،
مع إن جوايا كله كان كابوس.
قعدنا على الكنبة،
الخواتم قدامنا،
والضحك حوالينا،
وأنا قلبي بيتقطع جوايا،
مش سامعة غير دقاته،
ومش شايفة غير نظراته هو بس.
عيونه سودة غامقة،
فيها سيطرة،
وفيها غموض،
وفيها نفس الزعيق اللي كنت بسمعه من سنين...
بس المرة دى مش بالكلام،
المرة دى عيونه هي اللي بتزعق.
مد إيده ناحية الخاتم وهو بيقول بهدوء وبيمد كفه ليا:
= يلا يا ريم... هاتِ ايدك.
اتجمدت لحظة،
حسيت كأن إيدي اتشلت،
مش قادرة أتحرك،
المكان كله لف بيا،
وكل الأصوات بقت بعيدة إلا صوته هو.
صوت ماما طلعنى من صمتى:
= يلا يا ريم يا حبيبتى
بصيت لها ودموعي على وشّي،
لكن مسحتها بسرعة قبل ما حد ياخد باله،
ومديت إيدي بتردد،
لمست الخاتم وهو بيقربه من صباعي،
ولما لبسه...
حسّيت قيد اتقفل حواليا،
قيد مش من دهب...
قيد من خوف وذكريات قديمة،
ومن مستقبل مجهول معرفش هيوديني على فين.
ابتسم نوح ابتسامة رضا،
ابتسامة كلها انتصار،
وأنا... ابتسمت ابتسامة كذابة،
ابتسامة غصب،
عشان أخبي الزلزال اللي بيهدم جوايا.
وللحظة حسّيت إن الدنيا كلها وقفت،
وإن حياتي خلاص... اتحكم عليها تبدأ من هنا،
مع نوح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُتبَعُ....