رواية عمي خليل التربي بقلم شهيره عبد الحميد
رواية عمي خليل التربي بقلم شهيره عبد الحميد
أول مرة انزل الصبح بدري أجيب فطار زي باقي الخلق، معرفش أن نزولي في الوقت ده بالتحديد كان صدفة لكشف كارثة بتحصل في شارعنا.
جبت فطار من مطعم على أول الشارع وأنا راجعة صادفت راجل عجوز جدًا وقف عند تاني باب عمارة من الشارع ووقف يعلق شنطة صغيرة في الباب الحديد ومشي.
أنا شوفت الموقف بنظرة أنه جد أو أب وبيوصل طلبات لبيته وكتر خيره أنه في العُمر ده ومازال بيقضي طلباتهم.
الموقف مر عادي جدًا لكن الـ مش عادي اني بعد ساعتين اسمع صريخ شديد ودوشة كبيرة جاية من نفس العمارة دي!
حطيت عليا الاسدال وخرجت البلكونة اشوف واسمع الـ بيحصل وأنا قلبي مقبوض بشكل غريب.
مجرد ما خرجت شوفت لمة ناس كتيير كلهم ملمومين حوالين ست بتصرخ وبتقول "بنتي.. بنتي ماتت.. قطعوها وبعتولي حتة منها"..!
في نفس اللحظة أنا خطر على بالي الراجل العجوز الـ شوفته بيعلق شنطة على الباب!
نزلت جري وأنا متجاهلة صوت أمي وهي بتزعقلي وبتقولي متنزليش وسط المشاكل دي لاتيجي فيكي حاجة.
طبعاً أمي معتقدة أنها خناقة بين شخصين زي ما بنسمع بعض المشاكل، لكن الموضوع كان أكبر من كده بكتير للأسف.
نزلت وسط الزحمة وقفت أسمع كلام الست وشيفاها وهي بتجيب تراب وبتحط على راسها وبتصرخ بقهرة وهي بتشتم جوزها وعيلته وبتقول أن مفيش غيره الـ عمل كده وبينتقم في البنت.
انتظرت شوية لما الدنيا هديت والناس بدأت تمشي ودخلوا الست بيتها.. وعملت نفسي بساعد مع الحريم ودخلت معاهم نسند الست جوا شقتها علشان أسمع أكتر عن الموضوع.
شقة الست كانت بسيطة وعادية زي بيوت كتير شعبية.. الست كانت زي المجنونة عايزة تكسر كل ركن في البيت وعمالة تقول "دانا معيش غيرها يا عالم.. معيش غيرها ليه يعمل كده ليه.. طب باعتلي ليه حتة منها؟ فين باقي البت ادفنها وارتاح طيب".
هنا أنا كنت واقفة جنب واحدة من الجيران الـ معانا في الشقة وقولتلها بصوت واطي "هو بعتلها حتة من البنت إزاي ؟".
ردت الست بنفس الصوت الهادي وهي بتغمزلي وبتقولي "لقت شعرها وصباع منها محطوطين في شنطة متعلقة على باب السكة.. الله يصبرها.. دي لو كانت متجوزة جزار مش هيعمل كده في ضناه".
في نفس اللحظة الباب خبط بشدة علينا وكلنا اتفزعنا من طريقة الخبط.. راحت ست من الموجودين تفتح، ودخل راجل أربعيني رفيع لابس كاب على راسه وهدومه مبهدلة بالالوان واضح أنه نقاش أو صنايعي..
دخل مسك في الست ام البنت وهو بيقولها "بنتي فين.. عملتي ايه الناس بيقولولي بنتك ماتت يعني ايهههه.. رحمة راحت فين انطقي دانا اروح فيكي في داهية لو البت حصلها حاجة".
بدأت تحصل مشادة بين الست وطليقها وبقا كل واحد فيهم بيحمل التاني قتل الطفلة.. ولأن الكترة تغلب الشجاعة الستات كلهم مسكوا في الراجل لما لقوه بيضرب مراته وكتفوه وقالوا هنسلمه للقسم ده مجرم وجاي كمان يقتل مراته قدامنا.
ولاني الوحيدة الـ شاهدة على براءة الاتنين تقريباً اتدخلت وقولتلهم "يا جماعة الراجل ده مقتلش بنته، ولا الست كمان.. أنا شوفت بعيني راجل عجوز بيعلق شنطة على باب السكة وانا جاية من برا".
كلهم انتبهوا لكلامي وسابوا الراجل ومسكوا فيا اسألة من نوعية (الساعة كام.. شكله إيه.. منين.. تعرفيه ولا لأ.. ساكن في المنطقة؟ اوصفيه.. ارسميه.. لابس ايه) واسأله كتير اغلبها مش قادرة اجاوبها من رهبة الموقف.
الراجل وطليقته كانوا زي الـ متعلقين في قشاية وعيونهم بتتوسل إني افتكر أي حاجة يمكن يلحقوا بنتهم.
لما وصفت الراجل على قد ما قدرت بملابسه وعرجة رجله وهو ماشي.. ست من الموجودين قالت "انتي بتوصفي عم خليل التُربي.. هو بردو بيعرج وكبير في السن وبيلبس زي ما قولتي كده".
وباقي الستات أجمعوا إني وصفت عم خليل الـ عمري ما شوفته!
اتحركنا كلنا بسرعة مع الجيران علشان نشوف بيت التُربي واعرف هو فعلاً الـ شوفته ولا مجرد صفات مشتركة.
أول ما وصلنا فضلنا نخبط على باب لونه ابيض خشب كده في اوضة من احواش الترب.. ومفيش حد بيفتح.
اضطر ابو البنت يفتح الباب بطريقته وجاب سكينة فتح بيها الاوضة الـ كانت ضملة ومفيهاش أي نفس.
دخل الراجل وطليقته ووقفنا كلنا برا، واتصدمنا لما لقينا الست خارجة وفي ايديها فستان بنتها كله دم ومفيش حد في الاوضة!
عم خليل اختفى، والبنت كمان معاه، والله أعلم إن كانت حية او ميتة.. لكن بالتأكيد هي مع التُربي دلوقتي.
عملنا بلاغ في القسم وكل واحد رجع بيته بعد ما المنطقة كلها خدت خبر لو لمحوا عم خليلي التربي يمسكوه ويسلموه للقسم.
أنا في الليلة دي مجاليش نوم.. كل تفكيري كان في البنت المفقودة الـ ملهاش ذنب في حاجة غير أنها اتولدت في غابة لا ليها أهل يحافظوا عليها ولا ناس تتقي الله فيها.
كنت حاسة بخنقة رهيبة في حلقي.. وعياط مكتوم مش قادرة اعبر عنه.
خرجت البلكونة ابص للسما وادعي ربنا في سري البنت ترجع بخير لأهلها ويصلح ما بينهم.. كانت الساعة حوالي تلاتة الفجر.
لفت انتباهي صوت خشخشة جاي من الشارع، بصيت ناحية الصوت لقيت ست مُنقبة بتجر شوال كبير والشوال ده بينزل رملة لونها أحمر كأنها مدموجة بالدم ورايحة ناحية بيت البنت ووقفت عنده تتلفت حواليها.
أنا اتاكدت وقتها أن في مصيبة جديدة بتحصل.. ونزلت جري علشان ألحقها.. لكن للأسف لقيت الشوال محطوط قدام البيت والست اختفت.
خبطت زي المجنونة على الباب الحديد كانوا لسه الناس صاحيين.. فتحولي وهما متفاجئين بيا تاني في الوقت المتأخر ده.. قولتلهم أن في ست منقبة سابت الشوال ده وواضح أنه جاي ليهم بالتحديد.
طليق الست فتح الشوال بحذر وكلنا مرعوبين نلاقي جثة بنتهم ونفقد آخر أمل لينا.. واتصدمنا لما لقينا راس عم خليل التُربي واقعة بتدحرج من شوال الرملة.. وورقة جرايد كبيرة مكتوب عليها (بنتكوا موجودة في حوش خليل القديم.... والطماع الغبي كان ناوي يبتذكوا بالفلوس وهيكشفنا).
مع صريخ الست وصوتنا العالي.. الجيران اتلموا من تاني وجرينا نسأل عن مكان الحوش القديم بتاع خليل.. ووصلنا بعد حوالي ساعة إلا ربع من الجري.
كان بوابة كبيرا كلها ضلمة.. صحينا أهل التُرب كلهم لحد ما لقينا راجل فتحلنا البوابة ودخلنا بالكشافات علشان نلاقي البنت متفضية من اعضاءها ومرمية جنب التربة ومش باين منها غير أيديها بس وسط التراب.
الفترة دي مليانة بكوارث خطف الاطفال وعصابات محترفة في كل مكان، وكتير منهم اتمسكوا واعترفوا أن سعر الطفل بيتراوح من ٣٠ الف لـ ١٥٠ ألف جنيه.
خلوا بالكوا شوية على عيالكوا، مفيش اطفال بتلعب في الشارع ولا حتى حوش البيت.
الطفل بيتمسك في الايد طول ماحنا في الشارع والاسواق مبيمشيش ورانا ولا قدامنا.. ربنا يسترها عليكوا جميعًا 🖤
گ/#شهيرة_عبدالحميد.
صلوا على الحبيب المصطفى 🌺