📁 أحدث الفصول

اسكريبت نواحة المقبره بقلم احمد محمود الشرقاوي

اسكريبت نواحة المقبره بقلم أحمد محمود الشرقاوي



نواحة المقبره بقلم أحمد محمود الشرقاوي

 نزلت لوحدها ووقفت أراقبها من على سطح البيت وأنا حاسة برعب مالوش مثيل، بس المرة دي مكنتش بتنوح لوحدها قدام القبر....

..................


نـواحـة الـمـقـبـرة.. القصة الكامـلـة..


من كام يوم بس أبويا رجع من السفر بعد غُربة لأكتر من ٥ سنين كاملين، رجع أخيرًا عشان يهد البيت اللي عامل زي العِشة ونبني بيت بالطوب الأحمر زي الناس الأغنيا واللي معاهم فلوس في بلدنا، أمي وقتها كانت طايرة من الفرحة ومسابتش بيت غير وراحت تتباهى قدام حريمه إن أبويا رجع من السفر عشان يبني البيت اللي بتحلم بيه وإننا خلاص هيبقا لينا بيت عالي نشوف من على السطح بتاعه البلد كلها..


وفعلًا أبويا متأخرش، جمعنا حاجتنا وروحنا نقعد عند جدتي في بيتها لمدة شهر لحد ما البيت يتبني ونرجع نعيش فيه، أمي كانت عايشة وقتها في كمية أحلام مالهاش أول من آخر، والبيت ده كان حلمها الأول والأخير وكمان جوزها رجع بعد غياب طويل أوي..


وبعد تلت أسابيع كنا على موعد مع كارثة كبيرة أوي، البيت بعد ما اتبنى وبقا له سطح وشكله بقا بيت محترم، أبويا وهو واقف على السطح بيأكد على شغل العمال وقع من على سطح البيت على راسه واتوفى في لحظتها، أمي خرجت تصرخ بطريقة مشوفتش ست بتصرخ بيها في حياتي رغم إني كبنت حضرت جنازات كتير وكنت بقعد مع الستات..


أمي قعدت جمب جثة أبويا شقت هدومها، حطت التراب على راسها، وبقت تتقلب في التراب زي الحيوان، محدش قدر يمنعها، كانت زي الحيوان الثاير، وفي النهاية أبويا اتشال على الخشبة وراح اتدفن في المقابر اللي البيت اتبنى جمبها بالظبط، أمي يومها اتبعت الجنازة وفضلت تصرخ لحد ما اتقفل عليه باب القبر ووقعت في غيبوبة شديدة بعدها، ومن الصُدف الغريبة إنك لو وقفت على سطح البيت كنت تشوف قبر أبويا بوضوح شديد..


ورجعنا البيت في النهاية، بس البيت اللي اتوقف الشغل فيه وكان لسة متشطبش، لا كهربا ولا نقاشة، مجرد طوب ومتمحر بالأسمنت، والعمال وقفوا شغل لأن أبويا مات ومش عارفين مين هيكمل حسابهم، ومفيش حد كان عارف أبويا شايل فلوسه فين عشان نكمل البيت..


ووقعت أمي في نوبة اكتئاب رهيبة، ولا البيت اكتمل، ولا جوزها عاش وكمل، وفضلت تلعن العيون اللي حسدتنا مليون مرة، ومن يومها بدأنا نعيش حياة صعبة في بيت مفيش فيه أي كهربا، كنا بنام على السطح أنا وأمي وأختي الصغيرة لأن الجو تحت كان لا يُطاق من الرطوبة، عايشين في بيت مفيش فيه أي روح ولا حياة..


أمي نفسها مع الأيام بقت منطفية، ولا بتاكل ولا بتشرب ولا بتتكلم، وكانت مع الأيام بتكلم نفسها، بل وكانت بتتعامل وكأن أبويا عايش وهيكملها البيت ويحقق حلمها، لحد ما بدأت أكتشف الحاجة المُرعبة، صحيت في يوم على صوت غير مفهوم وأنا نايمة على السطح مع أختي وأمي، بس الغريب إني ملقتش أمي جمبي، دورت عليها لحد ما لمحتها من على السطح في وسط المقابر واقفة قدام مقبرة أبويا عمالة تتمسح فيها وتنوح زي النداهة..


المشهد رعبني خاصةً إن أمي كانت بتتمشى زي الحيوان حولين المقبرة على أربع أطراف مش طرفين بس، حاولت أنادي عليها مقدرتش، شكل المقابر ونواح أمي في قلب الليل خلى لساني يتشل مكانه، استنيت كتير لحد ما رجعت وفاتحتها تاني يوم، يومها بصتلي بصة جمدت الدم في عروقي وهددتني إني متدخلش في اللي بتعمله أبدًا..


الغريب إني خفت من أمي بطريقة غريبة وقتها، نظرات عنيها، تهديدها بالشكل ده، وكأنها سفاحة قادرة تقتلني بدم بارد، وبدأت أراقبها من بعيد لبعيد، كانت كل ليلة تنزل بعد نص الليل وتدخل لقلب المقابر وتفضل تنوح وتبكي قدام قبر أبويا، تنادي عليه عشان يصحا، وتطلب منه إنه يعرفها مكان الفلوس عشان تكمل البيت..


لحد ما جت ليلة غريبة كنت نايمة على السطح مع أختي وحسيت بحاجة بتسحبني بالبطانية، ورغم إن نومي تقيل بس السحب الشديد خلاني أصحا، وأول ما صحيت لمحت وش أمي وهي بتضحك، كان وش شيطانة مش إنسانة أبدًا، كانت بتسحبني على سلم البيت ولما شافتني صحيت ضحكت وقالت:

ـ أبوكي عاوز يشوفك يا كريمة..


جسمي كله اتنفض خاصةً لما لمحت ضوافرها الطويلة السودة، وجريت طلعت على السطح وأنا بترعش وقولتلها إني مش عاوزة أروحله، ضحكت أكتر وقالت:

ـ بمزاجك أو غصب عنك هتروحيله.


نزلت لوحدها ووقفت أراقبها من على سطح البيت وأنا حاسة برعب مالوش مثيل، بس المرة دي مكنتش بتنوح لوحدها قدام القبر، كانت فيه واحدة ست على نفس هيئتها مش ظاهر منها أي ملامح، كانت عاملة زي الطيف، واقفة في ضهر أمي في ثبات مُخيف، وحسيت إن أمي شايفاها بل وبيتكلموا مع بعض، وبعدها شاورت أمي ناحيتي ولقيت الطيف ده بص ناحيتي..


وقعت في الأرض من الخضة وفضلت أتنفض مكاني، كل ده وأختي الصغيرة نايمة ومش حاسة بأي حاجة إطلاقًا، وحاولت أروح لجدتي أحكيلها بس كانت عند أختها في محافظة تانية والبيت مقفول، وغصب عني كملت مع أمي اللي فعلًا مبقتش إنسانة طبيعية أبدًا..


وفي الليلة اللي بعدها حسيت نفس الإحساس، حاجة بتسحبني بالبطانية بتاعتي على السلم، وجتلي نوبة الرعب والفزع من تاني لما افتكرت اللي حصل، بس المرة دي كانت مُختلفة، جسمي كان تقيل أوي، مش قادرة أقاوم ولا أقوم من مكاني، مجرد إحساس وبس إن فيه حاجة بتسحبني بالعافية، بل وكنت عارفة إننا خلاص قدام البيت، وشايفة بعنيا إن اللي بيسحبني دخلني لقلب المقابر..


كل ده وأنا على البطانية مشلولة، مبتحركش، لحد ما وصلت عند قبر أبويا، وقتها فقت وقدرت أقوم من مكاني، وقدام عنيا شوفت أمي بتخبط على باب قبر أبويا وبتقوله:

ـ أنا جبتلك بنتك أهو أصحا بقا زي ما وعدتني..


وشوفت فوق المقبرة نفس الطيف أو الست اللي شوفتها قبل كدا، قمت من مكاني أصرخ، أمي طلعت سكينة عشان تجبرني متحركش، بس الرعب كان أشد ألف مرة وجريت، جريت من المكان كله وأنا بلعنها ألف مرة إنها تعمل في بنتها كدا، ومرجعتش البيت، حلفت لهنام قدام بيت جدتي لحد ما ترجع من تاني..


فضلت طول اليوم بلف في الشوارع لحد ما جه الليل، وروحت على بيت جدتي وقعدت قدامه وفضلت أبكي بحُرقة شديدة على الحال اللي أنا فيه، بيت جدتي كان قريب أوي من بيتنا، عشان كدا سمعت صوت صرخة مكتومة غريبة جاية من ناحية بيتنا، وبدأت أحس برعب مالوش حدود على أختي الصغيرة..


قربت من البيت بهدوء شديد لقيت أمي واخداها وكاتمة صوتها وداخلة بيها المقابر، وقفت مكاني وقلبي بيدق بجنون، أمي هتعمل في أختي الصغيرة حاجة، راقبتها بدون ما تحس بيا لحد ما وصلت عند قبر أبويا، وشوفت نفس الطيف من تاني للست إياها..


المرة دي كانت أمي مصممة تقتل أختي لأنها مسكت السكينة وحطتها على رقبتها، وبدون تفكير مسكت حجر وحدفته بكل قوتي على أمي اللي صرخت من الألم، وقربت منها وخطفت أختي وجريت، أمي فضلت تزوم وقتها زي الحيوانات وجريت ورايا بإصرار غريب، كانت عنيها بتنطق بالشر وبتقول إنها هتقتلني أنا وأختي..


فضلت أصرخ وأنا بجري واستغيث لحد ما ربنا نجدني بتلت رجالة كانوا قريبين، مسكوا أمي قبل ما تضربني بالسكينة بلحظات، فضلت أبكي بهيستريا بين إيديهم لحد ما خدوها بالعافية وودوها لشيخ في البلد معروف وحبسوها عنده، وأنا وأختي استضافونا في بيت حد من البلد لحد ما جدتي جت تاني يوم وعرفت اللي حصل وروحنا للشيخ..


أمي فضلت تتعالج عنده تلت شهور كاملين، الموضوع كان صعب لدرجة إن البلد كلها كانت بتسمع صراخ أمي وصوتها الخشن في جلسات العلاج، وعرفت بعدها إن السبب في ده كله صراخها قدام قبر أبويا خلى مس شديد أوي يتمكن من جسمها ويوهمها إن أبويا هيصحا لو قتلتني أنا وأختي أو قتلت حد مننا قدام المقبرة..


الشيخ لما عالجها في النهاية قالها على قصة الست اللي كانت بتصرخ على قبر ميت وتبكي فالرسول قالها (اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي) ولما رجعت بعدها وقالتله (إني صابرة) قالها (إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)..


وعرفت وقتها إننا محتاجين نصبر، نصبر على البلاء، على فقدان الحبيب، على المصايب، على المرض، نصبر ونحتسب الأجر، نصبر لوجه الله، مهما كان المتوفى غالي عندنا فربنا أعز على قلوبنا، ربنا اللي بينزل البلاء ومعاه الرحمة والدواء، لأننا لو عملنا كدا هيكون لنا أجر الصابرين اللي قال عنهم..


[إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ] سورة الزمر 

بقلم/ أحمد محمود شرقاوي 

..................


لو عجبتك القصة، متبخلش علينا بلايك وكومنت تقول فيه رأيك....


أعمل شير لأصحابك أو ابعتلهم القصة عشان يتابعوا معانا....


ولو دي أول مرة تشوفنا، أعمل متابعة لصفحتي عشان متفوتش ولا قصة....


بـقـلـم/ 

القـائـد أحـمـد محـمـود شرقـاوي

Mohamed ME
Mohamed ME
تعليقات