رواية حكايات جدو إدريس " الواوي " الفصل السادس 6 بقلم ريتا سليمان
حكايات جدو إدريس الفصل السادس 6
بعد يوم متعب وطويل ومليان ضيوف ومواعين اتصلت بجدو ادريس، اللي كان مستني اتصالي عشان يحكيلي حكاية الليلة، ومن غير ما استنى كتير، اتصلت وجدو ادريس رد عليا، ودار بينه وبيني الحوار كالتالي:
_مساء الخير عليك يا جدو .
_مساء النور يابنتي، إتأخرتي كتير انا كنت هنام" _معلش يا جد، سامحني كان عندنا ضيوف وانشغلت بيهم، طمني انت جاهز لقصة الليلة.
_ بتكرري السؤال دا ديما يا طبيبة، وجوابي عليه هو هو متغيرش، محدش جاهز اكتر مني ! .
_حلو يا جدو إتفضل، المساحة كلها ليك، احكي وانا هسمعك للأخر.
_تمام يبنتي اتكلنا على الله، وبما انك هتسمعيني للأخر، هقولك حاجة مهمة قبل ما ابتدي في الحكاية انتي عارفة ان الناس زمان، كانت بتعمل حاجات كتيرة بتكون عبارة عن بدع وخرفات في سبيل تحقيق غاية ما بس الغريب بقى، ان البدع والخرافات دي كانت دايماً بتجيب نتيجة، وللسبب دا الناس توارثتها لحد اللحظة دي، لكن الاختلاف، إنها بقت
بتظهر بشكل نادر، عندك مثلاً الخسوف السنوي للقمر، لما كان بيحصل زمان الناس كانت بتقعد تعمل اصوات عالية، صراخ وخبط على صفايح الزيت الفاضية، عشان الحوت اللي بلع القمر بيخاف من الاصوات العالية وهيهرب من الخبط على الحديد، ودا طبعاً حسب اعتقادهم، ده غير إن زمان في ستات عندهم معتقد غريب، لما الطفل الرضيع
بيفضل يعيط من غير سببب فده علاجه ان أمه تستنى راعي الغنم يمر، بعدها ترمي وراه حاجة من اتر الطفل قميص شراب، اي حاجة على امل ان الغبرة اللي هتختفي هيختفي معاها عياط الطفل وهيبقى هادي تماماً، وياريت الامور وقفت على ده وبس، لا في كمان عادة استمرت لفترة ولسا موجودة، كانت الست لما تسقط اكتر من مرة
تروح واخدة الجنين اللي نزل وحطاه في جردل ميه، وبعدها تيجي تستحمى بمية الطفل وبكده ام الصبيان هتهرب وتختفي والحمل اللي جاي يسلم، والمشكلة ان الطرق دي كانت بتجيب نتيجة مع إنها بدع وخرفات الناس كانت ماسكة فيها زمان، ولحد دلوقتي، في ناس بتعمل امور اغرب من كدة.
_استنى، استنى يا جدو، يعني ازاي الامور دي بتجيب نتيجة، دا اكيد مستحيل دي خزعبلات، وحاجة ولامؤخذة مقرفة جداً.
_عارف يا بنتي. الشخص الواعي مش هيخيل عليه شغل الشياطين ده. واكيد هيفهموا ان البدعة من الشيطان، ثهو مكلف يخليك تصدقها بأي طريقة المهم يا بنتي، ومن غير ما اطول عليكي، زمان كان في رجل عندنا اسمه ( ناهي ) .. كان عندو زوجتين الاولى كان اسمها فاطمة وكان عندو منها ست بنات وبسبب خلفة البنات، اتجوز عليها ست
تانية، كان اسمها رمانة، ورمانة دي بقى، جابت لناهي الولد لكنه مات بعد تسع ايام من والدته، وتاني مرة حملت جابت بنت وعاشت، وثالث مرة حملت وجابت ولد وللاسف للمرة التانية الولد يموت. ولغاية ما مات لرمانة وناهي اربع اولاد ذكور، كانوا يتولدوا وهما زي الفل لكن بعد التسع ايام يتعرضوا لسخونة شديدة .. وبعدها يموتوا، يعني مكنش
بيعيش لرمانة غير البنات، بعد مدة قصيرة من وفاة الواد الرابع اللي اتولد، رمانة عرفت انها حامل للمرة الخامسة الخبر دا فزعها كانت خايفة انه يطلع ولد ويحصل معاه نفس اللي حصل مع اخواته، فضلت فترة اسبوع كامل، لا بتأكل ولا بتشرب، لغاية ما حصلت حاجة خلت رمانة تطمن في يوم وقرب المغرب رمانة جهزت تنور النار، او الفرن اللي بتخبز عليه كانت عمالة بتخبز وهي بتعيط دموعها كانت
بتنزل على الجمر المولع، رمانة فضلت تدعي ربنا كتير انه يحفظ ابنها اللي جاي وفجأة وفي الإثناء دي ظهرت من العدم ست كبيرة في السن، كانت لابسة هدوم غريبة وكانت ماسكة حبل في نهايته خروف اسود، هنا رمانة اتفزعت وسألت الست دي بفضول وحيرة:
_انتي .. انتي مين يا ست انتي وبتعملي ايه هنا.
الست بصتلها وردت ببرود وقالت:
_انا عبدة من عباد الله، وعايزة منك رغيف عيش ليا ولابني.
رمانة استغربت كلام الست دي لكن معلقتش واخذت اكبر رغيف عيش وناولتوا للغريبة، بعد ما الست الغريبة دي اخذت رغيف العيش من رمانة قسمته نصين نص ليها ونص للخروف اللي معاها، الست ابتدت تأكل الرغيف وهي عينها على رمانة، شوية وبصت لرمانة بتركيز. وقالت ليها:
_انتي حامل في ولد يا رمانة، ولو خايفة عليه من التبيعة ام الصبيان، سميه على اسم حفار القبور ! كده التبيعة هتخاف منه، و مش هتقدر تقربله خالص"
رمانة كانت متنحة وهي مش فاهمة ازاي الست الغريبة دي عرفت اسمها، او ازاي عرفت انها حامل من الاساس هنا قطع تفكيرها ريحة شياط ولما بصت جوى التنور انتبهت ان في رغيف إتحرق بعد ما رمانة طلعت الرغيف المحروق، بصت تاني للست لكن لقتها اختفت تماماً، والاغرب من دا،
ان رمانة شافت مطرح الست دي رغيف مقسوم نصين وكان هو هو نفس الرغيف، اللي ست طلبته منها واكلته قدامها، وهنا رمانة امنت بكلام الست وافتكرتها من الملايكة، وقررت تسمي أبنها على اسم حفار القبور.
قاطعت الحاج ادريس، وانا بحاول افهم منه، هو مين حفار القبور، وايه سبب تسميته بالاسم المخيف والغريب ده، وجواب جدو ادريس كان:
_حفار القبور بيكون عبارة عن حيوان اشبه بالثعلب بنسميه عندنا الواوي، ودا احياناً بيحفر في المقابر وساعات كتيرة بيوصل لجثث الميتين، ويعمل وكر او بيت هناك في المقابر القريبة من مننا، او ساعات بيحفر في الصحرا والاراضي الخالية، وعلى فكرة الحيوان دا صفاته خبيثة وماكرة، يعني
كان صعب يتمسك او يتقتل ماكر وسريع وعندو قدرة تحمل قوية قوي، المهم بقى يا ريتا، بعد تسع شهور رمانة خلفت واد وحلفت إنها تنفذ وصية الست الكبيرة اللي طلبت رغيف العيش، وسبحان الله، الواد واوي دا عاش وكبر، وبقى من زينة شباب المنطقة، كان شاب مميز وله هيبة غريبة تغلب هيبة اكبر رأس فيكي يا منطقة، بعض
الناس القريبين من عيلته، كانت بتقول ان واوي وهو صغير، كان ليه مرضعة من الجن عشان وقت ما اتولد، رمانة منزلتش عندها لبن، فضلت ثلاث ايام تدور على وحدة ترضع إبنها، ولما عجزت تلاقي بدأت تسقيه ميه
وسكر، لكن بالليل، رمانة بتحلف إنها صحيت اكتر من مرة، على صوت ابنها بعيط لما حاولت تقوم معرفتش، كانت متكتفة، وشافت نفس الست الكبيرة اللي طلبت منها الرغيف زمان الست دي قربت من ابن رمانة، وبدئت ترضعه، وبعد ما خلصت خرجت، مكنش حد مصدق كلام رمانة لكن اللي حصل، ان كان بيخرج من بق واوي لبن، او زوايد
الرضاعة اللي بتخرج عند اي طفل وكانوا مستغربين ازاي ده حقل، ومكنش في تفسير عند اي حد فيهم، ولغاية السبع ايام، نزل اللبن في صدر رمانة ورضعت ابنها، ومن يومها الست الغريبة مظهرتش تاني، اما الواوي بعد كده كبر بقى واد ناشف وشديد، ومفيش حد يقدر يغلبه، دا غير انه كان
بيقول حاجات وبتحصل بالتفاصيل زي ما قالها واتنبأ بيها، بس في حاجة وحدة كانت مش مفهومة بالنسبة لناس كتيرة، وهي ان الواوي كان بيحب يزور المقابر بالليل، وياريت بقى جات على الزيارة وبس .. لا .. دا كمان كان بيبات هناك، تقريبا الناس كلها كانت عارفة الموضوع ده،
حتى اني في مرة، كنت انا واخوية حمدان راجعين البيت متأخر بعد ما حضرنا فرح لحد من معارفنا، كنا ماشيين من جنب المقابر بالليل، وهنا لمحت من بعيد الواوي كان زي العادة جاي من نحية القرافة كان معاه شخص تاني، كانوا بيتكلموا مع بعض باندماج شديد، لكن لما الواوي قرب
وانتبه .. اني شايفه بوضوح، الشخص الي معاه اختفى، او تلاشى تماماً من جنبه، ساعاتها بس عرفت ان الواوي وراه سر ولازم اعرفه، كنت بقول في سري، ان الشخص دا ليه تواصل مع كيانات العالم الاخر وكنت واثق من شكي دا، المهم واوي قرب منا وسلم علينا لكن اثناء ما صافحني سحب ايدو بسرعة ومن غير سبب، تحسي وكأنه اتسلع
وبعدها مشي وهو بيتجنب يبص في عيني، هنا حمدان بصلي وابتسم وقال:
_بقولك يا ادريس الواد دا مش مضبوط، ووراه حكاية .. خلي بالك منه.
بصراحة كلام حمدان وقتها كان مجرد فراسة، وغالباً كان بيطلع كلامه صح، فعلاً الواوي كان وراه قصة، غير اللي الناس تعرفها، وعرفت القصة دي بعد ما ناهي قرر إنه يجوز واوي للبت ميادة، بنت الشيخ صلاح شيخ الجامع، هنا الواري رفض يرتبط ومع اصرار ابوه وافق اخيراً، لكن كان عندو شرط.
_يا سلام، حضرته ملبوس ورغم كده قاعد يتشرط انا اسفة على المقاطعة يا جدو، بس واضح ان واوي دا شخص مغرور ونرجسي متكبر ووو.
جدو ادريس ضحك من كلامي، وقالي:
_يبتي سيبي التعليق على شخصية واوي للنهاية يعني لنهاية القصة، واعرفي الاول واوي كان شرطه ايه وليه.
_ماشي يا جدو وهو كذلك، قولي يا ترى كان شرط الواوي ايه بقى ؟ .
_شرط الواوي يا ستي كان إنه ميادة تصوم اول شهر جواز.
_نعم تصوم ازاي يعني، اقصد يعني عايز يتجوزها في رمضان مثلاً ؟.
_رمضان ايه يا ريتا، هو انتم مش بتصوموا غير في رمضان ؟"
_مش القصد يا جدو، احنا اكيد بنصوم، بس مش بنصوم شهر كامل، احنا بنصوم النوافل اللي هي صيام يوم الاثنين والخميس، مع الايام البيض، ودا حسب وصية النبي محمد صل الله عليه وسلم، ده بالاضافة لبعض المناسبات الدينية، زي صوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهم،.
_لا يا طبيبة، الواوي طلب ان ميادة تصوم اول شهر جواز من غير اي مناسبة دينية، وكان شرط غريب ومش مفهوم، بس طبعاً بحكم ان ميادة، كانت بنت شيخ الجامع، محدش علق على الحكاية دي، والبنت وافقت على الشرط من غير
نقاش، وبعد فترة الواوي اتجوز ميادة، بس هي للاسف مستحملتش تكمل معاه الشهر، وهربت في نصاص الليالي، بعد اقل من ثلاث اسابيع من جوازها، ولما اهلها سألوها عن السبب .. قالت:
_مقدرش اعيش مع الشخص ده، الشخص ده يستحيل يكون طبيعي، انا من اول يوم، لاحظت منه تصرفات غريبة ومش مفهومة، دا غير طريقة نومته المرعبة جنبي، انا لا يمكن ارجع للشخص ده ولو على جثتي.
ميادة كانت خايفة ومترددة تحكي اللي حصل لأهلها لكن امها فضلت اسبوع تتحايل عليها تتكلم، لحد ما اخيراً اقنعتها، هنا ميادة كسرت حاجز الصمت، حكت كل حاجة حصلت معاها، وبالتفاصيل كمان يومها هي قال لامها:
_يامة انتي مش عارفة انا مريت بأيه ولا شفت ايه من يوم فرحي لغاية يومنا ده، واوي مقربش مني وكان بيتحجج، انه مش واخذ عليا لسا، وانا شبه اقتنعت بكلامه وعذرته لكن مع الوقت، ابتديت الاحظ على جوزي حاجات غريبة
ومش مفهومة، في مرة صحيت بالليل، لقيت واوي نايم عكس اتجاه السرير وكان نايم بطريقة غريبة، متكور على نفسه وجسمه كله متخشب حاولت اصحيه اول ما لمسته، حسيت بكهربا ضربت جسمي لدرجة إنني صرخت مش شدة الالم وهو صحي وكان مضايق، وقالي وقتها:
_أيه مالك اتهبلتي بتصرخي ليه، انا ابتديت اكره صوتك ونفسك وشكلك كل حاجة فيكي بقت بيضايقني، اسمعيني كويس يابت انتي، اوعي تفكري تلمسيني تاني وانا نايم لأنك لو حاولتي هتندمي انتي فاهمة" ..
وقتها خفت واستغربة طريقة كلامه، ونظرته ليا كنت حاسة انه حد تاني، لكني قلت اكيد هو اتخض ودي ردة فعل طبيعية من شخص لسا صاحي من النوم، قمت من جنبه وانا متضايقة، حطيت فرشتي على الارض ونمت، واول ما غمضت سمعت صوت حركة جنبي لما فتحت عيني لقيت
قدامي ست كبيرة في السن، ومعاها خروف اسود ليه قرون طويلة، وعيونه كلها سودة ومرعبة، كانت قاعدة قدامي وهي حاطة صحن فيه اكل شكله غريب، وكان قاعد قدامها الواوي، وهي كانت عمالة تأكل فيه زي ما بتأكل العيل الصغير، جوزي كان متربع قدامها بس مغمض عنيه وكأنه نايم، لما الست انتبهت اني شايفاها، بصتلي بنظرة غضب وهي بتقولي:
_وجودك هنا غلط، أنتي مينفعش تفضلي معاه كتير هو بقى ملك لغيرك، هو ملك للأميرة اللي بتحميه من زمان، لو فكرتي تكملي معاه لازم تستحملي اللي هتشوفيه وتسمعيه"
بعد كلام الست دي سألتها بفضول انتي مين ؟
ردت عليا ومع ردها ملامحها إتحولت لملامح ست مشوهة وبشعة صوتها رعبني لما قالت:
_انا أكون امه.
اتفزعت من جوابها وصحيت على اذان الفجر عشان اكتشف ان كل اللي مريت بيه كان كابوس، فضلت مستغربة من المنام، وفي يومها بالليل حكيت لواوي اللي شفته، وفاجئني جوابه لما قالي اللي شفتيه حقيقي، دي فعلا امي، بس مش امي اللي عايشة معانا دي ام تانية ربنا بعتهالي، وكانت سبب اني افضل عايش لحد اليوم ده.
كنت بحاول استوعب كلامه، ولقتني بسأله:
_طب الاميرة، تبقى مين ؟
ساعتها هو بصلي بنظرات فاضية، ومردش وقام خرج من الاوضة، اما انا فدخلت المطبخ عشان اغسل المواعين، كنت مضايقة ومش مستوعبة او مصدقة، اي كلمة هو قالهالي، كنت شاردة، وبفكر اني اقول لأبوية الشيخ، الكلام اللي
سمعته من جوزي لكن فجأة قطع تفكيري صوت كباية وقعت على الارض بعنف واتكسرت، وللعلم بس .. الكباية موقعتش من ايدي، دي وقعت من على الرف اللي ورايا ولوحدها ومن غير سبب واضح، اتخضيت حطيت ايدي على قلبي وانا بقرأ أيات من القرأن الكريم، وطيت وابتديت
اجمع الازاز المتكسر في ايدي، لما قمت عشان ارميهم في الزبالة، حسيت زي ما يكون في ايد ضخمة عصرت كف ايدي اللي شايله فيها الازاز المتكسر بقوة، ايدي انجرحت جامد وكانت بتنزل دم كتير مكنتش قادرة افتحها ولا انطق بنفس، ابتديت بيني وبين نفسي اقول ( الله اكبر، الله اكبر،
الله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله) اول ما انهيت الجملة، ايدي فكت ولقيتني بصرخ بعلو صوتي، طبعاً جوزي وحماتي دخلوا عليا، منظر والدم رعبهم، واخذوني بعدها على اقرب وحدة صحية، ايدي كانت متبهذلة لدرجة ان الممرضة اللي عالجتني وقتها كانت فاكرة ان حد عنفني
وشرح ايدي بالطريقة الفضيعة دي، فضلت تسألني لو جوزي عمل كده، طبعاً انا قلتلها ان شكها مش صح، ورجعنا بعدها البيت، الاسبوع الاول كان مليان حوادث، وعدا
بأعجوبة، اخر موقف حصلي هو لما جوزي طلب مني اكلة معينة، رحت المطبخ أخذت ساعة ونص بالضبط، وانا بجهز في الطبخة دي، لما ابتدت تستوي وطيت النار تحتها،
ورحت صليت فرض العشا، بس الكارثة لما رجعت المطبخ تاني، لقيت الحلة الي فيها الاكل اختفت، سألت كل اللي في البيت مكنش حد فيهم دخل المطبخ اصلاً كنت هتجنن وانا بسأل نفسي، امال الاكل اللي طبخته وتعبت فيه راح فين،
فضلت مش عارفة اعمل ايه كنت زي المجنونة بدور في كل حتة، لحد ما لقيت الحلة اللي كنت طبخت فيها جوى خزانة المواعين واول ما شلتها لقيتها فاضية ومغسولة ومتنشفة كمان، ولا كأنه حد طبخ فيها اصلاً، طب ازاي
حصل ده حد يفهمني، مكنتش لاقية جواب، اما بالنسبة للاسبوع التاني فده، كان عبارة عن قطط، اه زي ما بقولك يمه، قطط بشوفهم في كل حتة في البيت ومش اي قطط، كانوا كلهم بلون اسود وعيون حمرة منورة، كنت بقولهم
اللي شايفاه، بس محدش مصدقني، وياريت الموضوع خلص على شوفتهم بس .. لا لا .. دول بدئوا يكلموني زي البني ادمين كمان، عمري ما هنسى اللي حصلي يوم ما جوزي قالي انه هيسهر برة مع واحد صاحبه، وبعدها
هيرجع مش هيتأخر، في ليلتها خلصت اللي وراية ودخلت انام، ويارتني يمة ما دخلت، انا نمت من هنا وحسيت الدنيا بتلف بيا من هنا، كنت شبه متخدرة بس حسيت انه زي ما يكون سريري طاير وسط اوضتي، وبيلف بسرعة شديدة
كنت خايفة ومستنية اصحى .. اه .. مستينة اصحى، اصل انا كنت عارفة ومتأكدة اني نايمة. المهم السرير بطل لف وثواني وسمعت صوت قطط جوى الاوضة، موائهم غريب تحس ان صوتهم عبارة عن كلام مفهوم، بس بطريقة مواء القطط، الكلام كان عبارة عن جملة وحدة وهي:
_كفنوها او مشوها .. ميادة .. امشي من هنا .. امشي.
الجملة اتقالت ليا بطريقة ترعب، وبعد ما عدت عليا الدقائق كأنها سنين، حسيت بأربع قوائم لقطة بتمشي على رجليا وشوية بشوية، لقيت ان القطة او ايناً كانت .. بدئت تتقل، كنت حاسة ان عظام رجلي هتتكسر من الالم، قعدت اعيط بحسرة، ومش قادرة اتنفس حتى، في اللحظة دي ابتديت
استنجد بربنا، أول ما نطقت بكلمة يا رب، حسيت بظوافر عدت من ورى الغطى وغرست في رجلي، طبعاً هنا انا فزيت من الالم وجسمي فك، اما المصيبة الاكبر هو اني لقيت رجلي حرفياً متشوهة من كتر الخرابيش اللي عليها، طبعاً بعد الحادثة دي قررت اسأل واوي وافهم منه كل حاجة، واول ما رجع كلمته وسألته قلتله:
_اسمعني وركز معاية يا واوي، انا ابتدت تحصل معاية امور غريبة ومرعبة، من يوم ما عرفتك عايزاك تقولي الحقيقة، عايزة أعرف ايه اللي بيجرى هنا بالضبط .
وزي العادة الواوي حاولت يهرب من سؤالي، وبعد اصرار عليه وغضبي منه، لاحظت ان نظرته ليا تغيرت، كنت حاسة ان حد تاني باصص ليا، من خلال عنيه، خفت وقلبي اتقبض، وهنا الواوي ابتسم وقالي:
_طيب يا ميادة، هحكيلك كل حاجة، وهجاوبك على كل اسألتك بس الاول نامي وارتاحي والصباح رباح.
واوي حط ايده على راسي ومسح عليه، وبعدها اقسم بالله محسيت بحاجة تاني، صحيت تاني يوم الصبح وانا مش فاهمة ولا فاكرة نمت امتى وازاي الموضوع ده رعبني، ايوه رعبني بشكل كبير قوي كنت حاسة اني وقعت في مصيبة مش هعرف اخرج منها، هنا عملت حاجة كنت مفكرة انها
صح، لكنها كانت اغبى حاجة ممكن تتعمل، انا في اليوم ده، قررت افطر، ايوة، مش هكمل صيام الشهر، مش همشي ورى كلام الواوي قبل ما اتأكد حكايته ايه بالضبط وناوي على ايه معاية.
وفي اليوم اللي فطرت فيه، الواوي دخل لقاني بأكل مش هعرف اشرح وقتها ملامح الصدمة والغضب، والرعب اللي ظهروا عليه، جا نحيتي وهو متعصب وقال:
_ايه الي انتي هببتيه دا بس، ليه فطرتي انت مجنونة ؟.
_رديت عليه وقلتله:
_اه شكلي كده، شكلي بجد هتجنن، هتجنن لو انت فضلت تتصرف معاية بالطريقة دي، هتجنن لو فضلت ساكت، عن الحجات الغريبة اللي بتحصلي طول الوقت، يا واوي حرام عليك، مينفعش اللي بيحصلي ده، انا مش مجبورة استحمل.
وقتها حسيت اني صعبت عليه، بس في نفس الوقت كنت مركزة معاه، لسا ملامح الخوف والقلق واضحة في ملامحه وتصرفاته، لكن اللي مكنتش اتوقعه هو انه يطلب مني اروح لبيت اهلي وابات عندهم كمان أنا كنت مذهولة من طلبه، والسبب ان مكنش يصح العروسة تبات عند اهلها في أول شهر جواز، ومع اصراره اني اروح، دماغي نشفت
ورفضت اني اروح واهو العند بالعند، بس بعد اللي إتعرضتله في الليلة دي، شتمت نفسي اني مرحتش بيت اهلي ! ..
انا شفت اسوء ليلة تمر عليا في حياتي كلها، وهي كانت اخر ليلة، افضل فيها في بيت جوزي، في الليلة دي، انا اتخطفت حرفياً، كان اليوم اللي فطرت فيه يوم غريب، وكل حاجة فيه مش مضبوطة، اول موقف غريب حصلي، هو اني لحظت ان كمية الاكل اللي اكلتها في اليوم دا
بالذات مكنتش طبيعية خالص تاني حاجة، كان بيطلع مني كلام عشوائي من غير ارادة، زي مثلاً، لما حماتي كانت بتكلم حماية وتقوله:
_شفت الست فاطمة مراتك، عملت ايه النهاردة رحتلها البيت عشان اصالحها، بس الست هانم مهنش عليها تقوم تسلم عليا او حتى تبصلي.
وقتها ومن غير ما احس قلتها:
انتي كذابة ومفترية، الست فرحت وقامت سلمت عليكي، كفاية غل وحقد نحيتها، مش كفاية عليكي سرقتي جوزها، وفضلتي تملي دماغه من نحيتها هي وبناتها .. اتقي ربنا يا ست انتي.
فضل حماية وحماتي مبرقلي، وهما مش مصدقين اللي سمعوه مني، انا نفسي مكنتش عارفة، ازاي قلت الكلام ده، دي حتى الست فاطمة مرات حماية الاولى، شفتها يادوب مرة وحدة، وكان في يوم فرحي !! قمت من غير اي ردة فعل دخلت اوضتي وانا مش مستوعبة اللي عملته، ثالث
حاجة عملتها كانت اغرب، انا طلعت كل هدومي وجبت مقص وابتديت اقطع فيهم كنت حاسة بمتعة غريبة وانا بعمل كده، الموضوع موقفش لحد هنا وبس، بعد غروب شمس اليوم ده حسيت بخنقة وحزن رهيب قعدت اعيط بحرقة زي اللي ميتلها ميت، جوزي كان بيتوسل ليا
وبترجاني، اروح بيت اهلي، بس انا فضلت بعند ورافضة امشي، وفي الليلة المشؤمة فضل الواوي صاحي، كان متربع على السرير وماسك مسبحة، وبيسبح وهو عينه عليا، وكل ما احاول انام يمنعني ويقولي استني الفجر يطلع مكنتش فاهمة فجر ايه اللي لازم استناه يطلع عشان انام، مركزتش
في كلامه ولا عبرته، مددت وغمضت عيني عشان افتحها وانا في المقابر، ايوه لقيت نفسي في المقبرة، يستحيل اتوه عن شكلها كانت نفسها المقبرة الي جنب منطقتنا، المرعب انه اللي عشته يستحيل يكون كابوس، كنت فاكرة كل حاجة يعني فاكرة ازاي عدا اليوم، وازاي نمت، وبعدها
صحيت لقيت نفسي هنا، كنت متحكمة في ذاكرتي ووعية بشكل كبير، فضلت خايفة وبتترعش وانا ماشية بين القبور، لحد ما شفت نار مولعة وسط المقابر لما قربت لقيت جوزي قاعد قدام النار وحوليه ناس متكفنة وهو كان بيكلمهم
ومندمج معاهم بالكلام، كنت عايزة اقرب اكتر نحيته، لكني كنت خايفة من منظر الجثث اللي محوطاه، بس وانا مركزة مع الواوي، سمعت خطوات جاية من وراية اللتفت وانا مرعوبة ومش قادرة حتى اسند طولي، لقيت الست صاحبة الخروف واقفة، بس المرة دي كان شكلها اصغر من اخر مرة شفتها فيه، ممنعتش نفسي اسألها:
_انتي مين، وعايزة مننا ايه، وايه اللي جابني هنا بالضبط ؟
ردها في الوقت ده كان بارد وهادي، وهي بتقول.
_انا مين، انا ام الشخص اللي هناك ده، اما عايزة منك ايه، فأنتي اكيد عارفة انا عايزة ايه، اما ازاي وصلتي هنا، فأحب اقولك اني مليش دخل بوصولك للمكان ده، اسألي جوزك، يمكن يكون عندو جواب سؤالك.
يومها خوفي زاد نبضات قلبي زادت، سبت الست دي ورحت نحية واوي، وقفت قدامه وسألته:
_انت بتعمل ايه هنا، ومين دول اللي معاك، انت ازاي قاعد ومرتاح وسط المييتين دول ؟.
طبعاً مكنش عند جوزي اي ردة فعل، لأنه ببساطة مكنتش شايفني خالص، بس اللي معاه، اول ما سمعوا جملة ( انت بتعمل ايه مع الميتين دول ) .. كلهم التفتوا نحيني بغضب، وبملامح مرعبة واصوات ارعب، قاموا كلهم مرة وحدة،
وبدئوا يقربوا مني، كنت بنادي على جوزي، بس هو ولا كانه هنا لحد ما هربت، فضلت أجري وانا بقول يارب، فضلت أجري كتير لحد ما خرجت من المقبرة وبوشي وعلى بيت اهلي، طبعاً محدش هيصدق كلامي، بسبب ان جوزي
قال اني كنت بهلوس وانا نايمة، وفجأة قمت خرجت من اوضتي، وجيت لبيت اهلي، بس انا اقسم ان دا محصلش، انا فعلاً كنت في المقابر، والواوي حد وراه مصيبة، ويستحيل اقدر اعيش معاه.
جدو ادريس سكت، بعد ما انهى الجزء دا من القصة على لسان ميادة، احداث اغرب من الخيال، وفعلاً صعب تصديقها، لكن يا ترى اي سبب حصولها، وايه سر الواوي، وايه علاقته مع الجن، والسؤال الاهم، مين الست اللي
ظهرت في الحكاية، ومعاها خروف اسود، كل التفاصيل والاجوبة دي .. هتعرفوها في الجزء التاني من حكاية ( الواوي .. حفار القبور ) ..
تصبحوا على خير
تمت
رواية حكايات جدو ادريس ( الواوي ) الفصل السابع7
#ريتا_سليمان